قراءة المشهد الاقتصادي تنبئ عما يعانيه الاقتصاد المصري من ركود تضخمي يتباطأ فيه معدل النمو وتتزايد البطالة وترتفع الاسعار. وتحليل سياسة الحكومة في التعامل مع هذا الوضع الحرج يشير الي أنها تتبني سياسات مالية ونقدية توسعية لتحفيز النمو وتنشيط قوي السوق عن طريق ضخ استثمارات عامة بلغت3,22 مليار جنيه خلال الشهور القليلة الماضية, وعزمها علي ضخ7,29 مليار جنيه إضافية خلال الشهور القليلة القادمة يعتمد تمويلها في الاساس علي الوفورات الناتجة عن التعديلات الاخيرة في الموازنة ويوجه أغلبها في مشروعات البني الاساسية كثيفة العمالة منها أعمال ترفيق بعض المناطق الصناعية وطرق وجسور ومحطات لمياه الشرب والصرف الصحي. ويجري ذلك بالتوازي مع ضخ موارد إضافية في الاقتصاد من الخارج مع اتخاذ إجراءات تتعلق بخفض سعر الفائدة وضبط التحويلات الرأسمالية بهدف الوصول الي معدل نمو اقتصادي يناهز5,3% بنهاية العام الحالي. وبالرغم مما قد يترتب من آثار جانبية لهذه السياسات التي تتمثل- أساسا- في زيادة حدة التضخم وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام فإنها تظل في تقديري السياسات الأكثر ملاءمة للاقتصاد المصري علي المدي القصير خاصة في ظل الصعوبات الراهنة التي تمر بها البلاد اقتصاديا وسياسيا. ولكن هل تكفي هذه التدفقات المالية التي تقل عن4% من الناتج المحلي الاجمالي لتحقيق الغرض منها؟ وهل تكفي هذه الاجراءات وحدها لدفع حركة الاقتصاد القومي بشكل أفضل؟ نستطيع القول إجمالا إن توجه الحكومة لتطبيق سياسات توسعية وتجنب السياسات الانكماشية كان أمرا بالغ الاهمية نظرا لأن الرأي العام لم يكن مهيئا لأي سياسات تقشفية لذلك كان من الضروري ضخ استثمارات عامة اضافية لتعويض الانحسار الملحوظ في تدفق الاستثمار الخاص. إلا أنه كان من الممكن أن تؤدي الحكومة دورها التوسعي بشكل افضل لو استطاعت توظيف الموارد المالية المحلية بكفاءة. هناك فائض سيولة لدي الجهاز المصرفي تلجأ البنوك عادة الي توظيفه في اوراق الدين الحكومي لعدم وجود مشروعات جديدة او قائمة يمكن تمويلها. تشير الاحصاءات الي ان حجم الودائع يصل لنحو3,1144 مليار جنيه منها1,864 مليار بالعملة المحلية وما يعادل2,280 مليار جنيه بالعملات الاجنبية حسب آخر نشرة للبنك المركزي المصري. فإذا علمنا أن نسبة القروض الي الودائع في الجهاز المصرفي لا تزيد علي46.9% تبين لنا حجم الطاقة الادخارية التي يمكن توظيفها في شكل استثمارات مباشرة. لذلك يكون من المفيد المبادرة بتصميم برنامج لتأسيس مجموعة من الشركات الاقتصادية الكبيرة تغطي بعض القطاعات الانتاجية في عدد من المحافظات ولتكن البداية بعشر شركات رأسمال كل منها لا يقل عن مليار جنيه علي ان تختص البنوك بنسبة25% من اسهم رأس المال, والحكومة بنسبة مماثلة لها وطرح الباقي(50%) من اسهمها للاكتتاب العام للافراد والهيئات الخاصة خاصة أن ودائع القطاع العائلي ارتفعت لتبلغ2,656 مليار جنيه تمثل6,75% من اجمالي الودائع بالعملة المحلية92.2% منها في شكل ودائع غير جارية. وهذه موارد يمكن اجتذابها للاستثمار المباشر في مشروعات انتاجية لها جدواها الاقتصادية والاجتماعية مما يوسع دائرة المشاركة الشعبية في التنمية ويخلق اهتمامات جديدة للرأي العام ويشيع جوا من التوقعات الايجابية في مجتمع المال والاعمال. إن إقامة مجموعة من الشركات ستكون بمثابة الموجة الاولي للاستثمار تعقبها موجات استثمارية تاليه في قطاعات انتاجية ومحافظات متعددة فتنشط الدورة الاقتصادية بفعل مضاعف الاستثمارInvestmentMultiplier في موجات متتالية تحفز الطلب الكلي وتدفع حركة النمو وتوسع القاعدة الانتاجية وتوفر فرص العمل. هذا التوسع الاستثماري بما يخلقه من توابع منشطة للاقتصاد القومي, ومحفزة للقطاع الخاص المحلي والاجنبي يمكن ان تكون البداية الحقيقية للخروج من حالة الركود تدريجيا خلال سنوات قليلة دون الوقوع في براثن مديونية خارجية نحن في غني عنها. أليس في الأمكان أبدع مما كان ؟