وسقطت قلعة الصناعة المصرية في دوامة الاعتصامات والمطالب الفئوية بعد أن تفجرت الأوضاع لارتفاع الخسائر إلي867 مليون جنيه نتيجة لنقص فحم الكوك والسرقة وارتفاع أسعار الطاقة وتقادم معدات الإنتاج, وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما تراجعت الشركة عن قرارها بصرف حافز الإنتاج للعمال( الأرباح) فدخل العمال في اعتصام مفتوح لحين تحقيق مطالبهم.. وكان الاقتصادي قد حذر مما نحن فيه منذ عام من خلال نشر ملف عن الحديد والصلب يتضمن موضوعا بعنوان قلعة الصناعة المصرية آيلة للسقوط بتاريخ15 أكتوبر2012 ولكن لا حياة لمن تنادي.. حاولنا متابعة الأزمة عن كثب مع وضع الحلول المقترحة ولكن كانت المفاجأة إحجام معظم العاملين بالشركة عن الحديث لصدور منشور من رئيس مجلس الإدارة الأسبوع الماضي يهدد فيه من يتحدث لوسائل الإعلام بالتعرض للمساءلة القانونية, لنعود مرة أخري إلي عهود الظلام, لذا فمعظم من تحدث رفض ذكر اسمه, ومن غامر بذكر اسمه وصفته لن ننشرها مكتفين بالأحرف الأولي حرصا منا علي سلامته. يقول سيد نصار فني إن السبب الرئيسي للأزمة ودخول العمال في اعتصام هو عدم صرف حافز الإنتاج. فسألته السؤال البدهي الذي يتبادر إلي ذهن الجميع: كيف تصرف الشركة أرباحا وهي خاسرة؟ فرد أولا هي ليست أرباحا وإنما حافز إنتاج ومدرج في موازنة الشركة التي وافقت عليها الجمعية العمومية للشركة في مارس2013, والذي فجر الأزمة القرار الصادر من رئيس الجمعية العامة في2013/10/1 بشأن نتائج أعمال الشركة عن العام المالي2013/2012 الذي تضمن صرف ما يعادل16 شهرا للعمال حافز إنتاج, والقرار مزيل بتوقيع رئيس مجلس الإدراة والعضو المنتدب المهندس محمد سعد نجيدة ثم فوجئنا بتراجع الإدارة عن صرف الحافز فاضطررنا للاعتصام فمنا من استدان لعلمه بأنه سيحصل علي هذا المبلغ ومن يريد تجهيز أبنائه. فسألته: هل من الوطنية أن تعتصموا في هذا الوقت الحرج الذي تحتاج فيه الشركة لجهد كل عامل من أبنائها؟ فأجاب: العمل لم يتعطل. قاطعته كيف؟ فاستكمل:70% من العمال يعملون و30% تقريبا معتصمون فالاعتصام يتم بالتناوب حتي لا يتوقف العمل رغم أن العمل قليل جدا لعدم عمل الأفران بكامل طاقتها. فسألته وهل لكم مطالب أخري؟ فأجاب نطالب بعودة العمال المنقولين تعسفيا بسبب المطالبة بسلفة الأرباح. وهناك جزءا من العمال يريدون إقالة رئيس الشركة القابضة المهندس زكي بسيوني ورئيس مجلس الإدارة لفشلهما في تنفيذ خطة الإنتاج المرجوة للشركة وعدم سعيهما لتطوير الشركة وعند الأول شكاوي كثيرة لعدم تشغيل الشركة بكامل طاقتها ولم يقم بالدور المطلوب من وجهة نظره مضيفا أن الشركة القابضة قامت بصرف36 شهرا للعمال التابعين لها, وأيضا الشركات التابعة للشركة القابضة المعدنية وعددها22 شركة معظمها خاسرة وصرفت الأرباح عدا الحديد والصلب, وإقالة رئيس مجلس الإدارة لعدم توفير المواد الخام اللازمة لعمل الشركة بكامل طاقتها وعدم تطوير عنابر الإنتاج المتهالكة. يتابع: هناك من العمال من يطالب برحيل النقابة لأنها لا تقف مع العمال إلا في المطالب الشخصية مثل المصايف وغير ذلك أما أي شيء يخص العمل والإنتاج فهي بعيدة عنه تماما, مستدركا: أؤكد أن العمال لو صرفوا الحافز( الأرباح) فسوف ينسون أي مطالب أخري. سألته عن المبلغ المطلوب لحل هذه المشكلة وفض الاعتصام. فأجاب بأنه180 مليون جنيه بدون الضرائب تكفي لإنهاء الأزمة. واجهته بالاتهام بأنهم يخربون في الشركة, فرد بأنه شارك في اعتصامات الشركة أعوام1971 و1989 و2013 وكلها سلمية, بل إن المطلب الأهم عندنا هو عودة الشركة للعمل مشيرا إلي أنه منذ بداية ثورة يناير حتي الآن أرسل تلغرافات لكثير من المسئولين مثل د. عصام شرف, وزكي بسيوني, ووزير القوي العاملة ووزراء الاستثمار لإنقاذ الشركة لقلة الإنتاج ونقص الفحم ومشاكل أخري ولكن كلها ذهبت سدي, كما أن مجلة الأهرام الاقتصادي تنادي منذ أكتوبر2012 أنقذوا الحديد والصلب ولكن لا مجيب. يتدخل فجأة زميله م. ك. فني قائلا: الفرن رقم4 لو عمل بكامل طاقته سيوفر كميات كبيرة من الحديد ويحل جميع مشكلات الشركة فهو جاهز للتشغيل ومتوقف بسبب نقص توريدات الفحم مضيفا أنه لو تم صرف الحافز لسارت الأمور بشكل طبيعي والعامل ليس له ذنب في نقص الفحم. اتجهت إلي أحمد عويس عضو مجلس الإدارة المنتخب للتعرف منه علي أسباب خسائر الشركة التي وصلت إلي أكثر من ضعف خسائر العام الماضي. فأجاب: إن المشكلة الأولي والأساسية للشركة ترجع إلي نقص فحم الكوك المورد من شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية إلي نحو30% من الكميات المطلوب توريدها بسبب إعادة تأهيل البطاريات الخاصة بشركة الكوك المصدر( المصدر الأساسي لتوريد الفحم) لوجود مشكلات في البطاريات الخاصة بعملية التكويك فالشركة لديها4 بطاريات تحتاج لصيانة وعمرات مما أدي إلي انخفاض معدل التوريد إلي214 ألف طن خلال العام المالي2013/2012 مقابل416 ألف طن لعام2013/2012, أي نحو نصف الكمية تقريبا, ويضيف أن المأساة تكمن في أن الشركة بها4 أفران لا يعمل منها إلا فرن واحد والأشد إيلاما أن هذا الفرن لا يعمل إلا بنحو50% لعدم وجود الفحم. سألته ولماذا لم تستوردوا من الخارج؟ فأجاب إن الشركة حاولت الاستيراد من الخارج وعملت4 مناقصات ولكنها فشلت لعدم توافر التمويل اللازم ليبقي الحال علي ما هو عليه.. ويعود إلي الماضي قائلا: شركة الكوك في الأساس أنشئت من أجل إمداد الحديد والصلب بما تحتاجه من الفحم والآن إنتاجها يصدر للخارج ولا تأخذه الحديد والصلب. باغته بأن الحديد والصلب عليها مديونية لشركة الكوك وربما يكون أحد الأسباب لعدم زيادة الإنتاج. فأقر بأن مديونية الحديد والصلب للكوك تصل إلي نحو مليار جنيه. وكان هناك اقتراح بعمل مناقصة لتوريد فحم الكوك مقابل توزيع منتجات من الشركة لحل المشكلة, محذرا من أن الكوك السيئ يسبب أعطالا في الفرن. فسألته وهل لنقص الفحم أضرار أخري؟ فأجاب بأن الأفران العالية إذا توقفت فإن ذلك يرفع من معدل تآكل بطاناتها الحرارية وتآكل بطانات التبريد وبالتالي توقف أفران الدرفلة التي تعتمد علي الغازات الناتجة من الأفران العالية وعدم القدرة علي تسخين كوابر الأفران العالية مما يؤدي إلي زيادة معدلات استهلاك الفحم, ولنقص الفحم توقفت3 أفران من الأفران الأربعة بالشركة, وبالتالي انخفض حجم الإنتاج إلي نحو279 ألف طن مقابل447 ألف طن للعام السابق. سألته عن تكلفة طن الحديد. فقال إن متوسط تكلفة الإنتاج لطن الحديد ارتفع ليبلغ نحو7 آلاف جنيه لعام2013/2012 مقابل5500 للعام السابق ونضطر للبيع بسعر السوق, وظهرت عليه علامات الأسي وهو يؤكد أن كل منتجات الشركة تباع بسعر أقل من التكلفة عدا بلوكات الزهر التي تباع بأعلي من سعرها وهي منتج ثانوي والباقي كله بالخسارة. سألته وهل هناك أسباب أخري للخسارة؟ نعم, وهو تقادم المعدات وخطوط الإنتاج وافتقارها إلي نظم التشغيل الحديثة مما أدي إلي انخفاض القدرة الإنتاجية ف90% من المكن يعمل منذ عام1954 ويحتاج للتطوير, ويضيف سببا آخر لارتفاع تكلفة الحديد وهو بعد الأفران عن الخامات فالخامات تنقل من الواحات البحرية إلي الشركة بتكلفة عالية. ويسترسل عويس في أسباب الخسارة بأن من الأسباب أيضا رفع الدعم عن أسعار الطاقة( الكهرباء والغاز والمياه) حيث زادت أسعار الغاز الطبيعي بنحو72 مليون جنيه مقابل37 مليون جنيه, والكهرباء نحو16 مليون جنيه فرق أسعار مما كبد الشركة خسائر كبيرة. مضيفا ولا يمكن تغافل الأثر السيئ للإغراق بسبب الممارسات الضارة في التجارة الدولية التي أفقدت الشركة كثيرا من حصتها السوقية المحلية والعالمية لذلك طالبنا المسئولين باتخاذ إجراءات حمائية من الممارسات الضارة بالتجارة الدولية تنفيذا للمادة18 من اتفاقية التجارة الحرة( الجات). ومن أسباب الخسارة أيضا عمليات تخفيف أحمال الكهرباء بناء علي طلب الشركة المصرية لنقل الكهرباء مما كبد الحديد والصلب خسائر باهظة تصل إلي نحو14 مليون جنيه. وهنا يتدخل أحد المحامين بالشركة قائلا: من الأسباب الرئيسية للخسارة الانفلات الأمني منذ ثورة25 يناير إلي الآن لكثرة السرقات من الشركة فقد قام اللصوص بالتعدي علي أغلبية أراضي الشركة بمنطقة التبين وتم عمل محاضر لهم والحكم عليهم بالحبس ورد هذه الأراضي للشركة إلا أنه لدواع أمنية لم يتم تنفيذ الأحكام مما زاد اللصوص جرأة فقاموا بالتعدي علي بقية الأراضي وبيعها لمواطنين آخرين وعمل محلات عليها وبيعها, وازداد الأمر سوءا بقيامهم بكسر أسوار الشركة وسرقة منتجاتها بل دخلوا إلي بعض العنابر وأخذوا قطع غيار وكابلات كهرباء.. إلخ, كما أنه في غياب رجال الشرطة والجيش قام اللصوص منذ ثلاثة أسابيع بإطلاق النار علي حارسي الأمن مما أدي إلي مقتل أحدهما وإصابة الآخر بإصابة بالغة, مضيفا أن الاستثمار في ظل الاضطرابات السائدة في البلاد مستحيل حيث يحتاج إلي الهدوء والاستقرار. سألته: وكم تبلغ مساحة الأرض المسروقة؟ أجاب نحو250 فدانا كفيلة بإقالة الشركة من عثرتها من خلال أخذ قرض بضمانها. سألت أحد المهندسين: لكن هذه المشكلات متراكمة فلماذا سكتم طوال الأعوام الماضية؟ فرد: لقد بح صوتنا من الاستغاثة بالمسئولين, والمفاجأة التي لن يصدقها أحد أن عملية التطوير كانت تجري إلي وقت قريب, فبعد زيارة الرئيس المعزول للشركة أسندت الشركة إلي معهد التبين للدراسات العليا المعدنية تعيين فريق بحثي لمساعدة الشركة في إعداد وتنفيذ خطة التطوير, وتم عمل مناقصة لإيجاد بيت خبرة عالمي وشركات كبيرة لإنتاج الصلب لإعادة دراسة كل مواقع الشركة ودراسة المعوقات وطرق التحديث ودخلت فيها شركات عالمية وتقدم للمناقصة6 شركات أجنبية وفازت بها شركة' تاتا ستيل' الهندية التي اشترت شركة بريتش ستيل البريطانية ومن المتوقع أن يأتوا الشهر المقبل لزيارة كل مواقع الشركة, المناجم في الواحات البحرية ومحاجر الجير في بني خالد بالمنيا ومحاجر الدولوميت بالأدبية في السويس, والأفران العالية والتلبيد والصلب والدرفلة, وحساب التكاليف والتسويق, والقطاعات غير المباشرة مثل المرافق والخدمات والنقل والورش الإنتاجية لتقديم اقتراحات للتطوير والتحديث من خلال عمل مقارنات بين أوضاع الشركة والشركات المثيلة من ناحية الإنتاجية والعمالة والطاقة, فهذه الشركة للاستشارات فقط, بعدها يتم عمل مناقصة لاختيار الشركات التي تقوم بتنفيذ المقترحات. معربا عن خوفه من أن تذهب هذه الدراسة التي تستهدف زيادة الطاقة الإنتاجية إلي1.2 مليون طن صلب سنويا أدراج الرياح. سألته عن المبلغ الذي تحتاج إليه الشركة لتخرج من كبوتها, بعيدا عن الأرباح أو حافز الإنتاج. فأجاب تحتاج الشركة إلي استثمارات بنحو300 مليون جنيه في عام2014/2013 لعمل تطوير عنابر الشحن بالتلبيد وإحلال وحدة الثايروستور محل وحدة المحرك التوافقي بالدرفلة علي الساخن, وتأهيل وتطوير كل من ماكينة التطبيع بدرفلة الشرائط علي البارد, ومحطة كهرباء درفلة القطاعات والألواح, والغلايات4,6 بمحطة النوافخ, وتحتاج الشركة إلي استثمارات لعام2015/2014 بنحو750 مليون جنيه, وعام2016/2015 نحو850 مليون جنيه لإحلال وتجديد معدات المناجم والمحاجر وتطوير عنابر ماكينات التلبيد وتطوير الفرن العالي الرابع وإنشاء ماكينة صب مربعات منحنية وتطوير وتحديث الورش الإنتاجية.. إلخ. حملنا هموم العمال ومطالبهم لعرضها علي كل من المهندس زكي بسيوني رئيس الشركة القابضة والمهندس محمد سعد نجيدة لكن لم كل اتصالاتنا في التوصل إلي أي منهما. تركت المصنع والعمال وفي الحلق غصة وفي القلب حسرة علي اعظم وأعرق مصانع الحديد والصلب في الشرق الاوسط وافريقيا الذ ي كان فخرا للنهضة الصناعية التي قامت في مصر عقب ثورة23 يوليو المجيدة.