اليوم يمر40 عاما علي حرب السادس من أكتوبر وعلي الانتصار العظيم الذي حققه الشعب المصري كله بجيشه الذي هو خير أجناد الأرض, وبالمدنيين الذين شاركوا جيشهم ليس فقط برفع معنويات المقاتلين, لكن أيضا بتحمل كل الأعباء الداخلية وتحولت شعارات لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ويد تبني ويد تحمل السلاح إلي واقع فعلي علي الأرض فلم نسمع شكوي واحدة من عدم توافر السلع الغذائية, لأن الأولوية كانت للجنود الذين هم أبناء هذا الشعب, فكان الشعب جزأين: الأول علي جبهة القتال يدفع حياته ثمنا لاستعادة الأرض التي اغتصبها عدو كان يطلق علي نفسه الجيش الذي لا يقهر.. والجيش صاحب الذراع الطولي, وكان الجزء الثاني من الشعب في الجبهة الداخلية يكتفي بما يتبقي من إنتاج المصانع بعد أن تستوفي جبهة القتال حقها من السلع, وأصبح إنتاج مصانعنا في معظمه يذهب إلي ما يسمي في هذا الوقت بالمجهود الحربي, لم نسمع أنينا من نقص الخدمات الصحية, لأن المستشفيات كانت مستعدة لعلاج المصابين علي جبهة القتال, ولم نسمع كلمة استياء واحدة من سوء حال المدارس لأن كل ميزانية الدولة تتجه نحو الإعداد لمعركة الثأر بعد هزيمة67 التي سميناها النكسة. كانت مفاجأة أن تدخل مصر في حرب ضد إسرائيل التي تمتلك أحدث أسلحة القتال في العالم التي ربما لم تدخل الخدمة حتي في الجيش الأمريكي الذي أنتجها.. ولم تكن المفاجأة لإسرائيل وأمريكا وأوربا ولكن كانت المفاجأة حتي للعرب أنفسهم بل ولكثير من المصريين الذين ملأ الإعلام وكثير من النخبة عقولهم بأن محاربة الجيش الإسرائيلي من المستحيلات وأن مجرد التفكير في ذلك هو نوع من الانتحار الجماعي. ولكن أبناء الجيش المصري كان لديهم رأي آخر هو أن الموت أفضل من المهانة وذل الهزيمة وكان كل مصري وكل عربي يتواري خجلا عندما يسافر للخارج. ورغم أن حرب الاستنزاف كبدت الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة وأعادت للجندي المصري ثقته في أنه قادر علي قهر الجندي الإسرائيلي الذي يتعامل مع أحدث تكنولوجيا العصر من العتاد والسلاح.. فإن قرار الرئيس المصري المؤمن أنور السادات كما كان يحب أن يلقبه الشعب كان المفاجأة الحقيقية, وعندما نضع الحقائق علي الطاولة نجد أن قرار الحرب كان بكل المقاييس العلمية مضاربة ربما يقضي للأبد علي فكرة قتال الجيش الإسرائيلي.. وفي ساعات قليلة قلب المقاتل المصري كل معايير المدارس العسكرية العالمية عندما عبر قناة السويس التي كانت تمثل عائقا مائيا أمام العبور, ثم أقوي الخطوط العسكرية في التاريخ وهو خط بارليف شرق القناة الذي تفوق في بنائه وتحصيناته علي خط ماجينو في الحرب العالمية الثانية. نحن في حاجة لاستعادة هذه الذكريات لنعرف ونتأكد أن الشعب المصري لديه القدرة بما يحمله من جينات الفراعنة وشجاعة المقاتل العربي وحضارة ما قبل الميلاد, أن يفعل ما يريد وأن انتصاره في معركة أكتوبر كان أيضا انتصارا في معارك اقتصادية وتكنولوجية تواكب الحرب, وكلها تعطينا الثقة في أن المستقبل أفضل من الحاضر. رحم الله جمال عبدالناصر الذي بدأ حرب الاستنزاف ورحم الله قائد الحرب والسلام الرئيس أنور السادات الذي قال عقب انتصار أكتوبر إن العالم كان يحب مصر قبل حرب1973 ولكنه أصبح يحترمها بعد الحرب وإنني لأفضل احترام العالم لنا علي حبه. نعم العالم يحب مصر لأنها صاحبة الحضارة التي علمت البشرية كل أصناف العلم, ولكن علينا أن نسعي لنكتسب احترام العالم.. ونحن قادرون علي ذلك بالجهد والعلم. [email protected]