كشف تقرير منظمة الأممالمتحدة'الأونكتاد'عن التجارة والتنمية في العالم لعام2013 عن وقائع ومعلومات مثيرة, حيث أكد أن معدل النمو في الاتحاد الأوروبي خلال عام2014 المقبل سيكون منعدما' أي بنسبة صفر' كما أن معدل هذا النمو في الدول المتقدمة سيتراجع الي1% فقط.. وكشف التقرير الذي تم عرضه خلال مؤتمر صحفي بالمكتب الاعلامي للأمم المتحدة بالقاهرة قبل عدة أيام عن أن مصدر النمو الأساسي بالعالم سيتركز في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية, وخاصة من جانب الصين والهند.. فيما دعا مقدما التقرير د.محمود الخفيف'الخبير الدولي'ووزير التضامن الاجتماعي السابق د. جودة عبد الخالق الي ضرورة مراجعة سياسات مصر مع الاتحاد الأوروبي'الذي يعد الشريك التجاري الأكبر لها'واعتماد سياسات تقوم علي التوازن في التعامل مع مختلف دول العالم لما يحقق مصالحها.. وتابع التقرير الاشارة الي أن حجم صادرات الدول المتقدمة تراجع في عام2012 عما كانت عليه عام1990حيث كان نصيبها80% رغم أن عدد سكانها كان يقدر وقتها بنحو15% من سكان العالم وقتها,وفي عام2012 بلغ نصيبها60% فقط من حجم الصادرات فيما تراجع أيضا عدد سكانها الي10% من سكان العالم. وفيما يعد مفاجأة كبير' تعكس تراجعا ملحوظا عن معايير التقييم لقياس مستوي تقدم الدول'قالت منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية' الأونكتاد' في تقريرها أن حجم الصادرات لم تعد صالحة كمعيار حول درجة تقدم الاقتصاديات, مشددا علي ضرورة انتهاج الدول لسياسات واستراتيجيات أكثر توازنا,وهو الأمر الذي دعا اليه الخبيران'محمود الخفيف وجودة عبد الخالق'الحكومة المصرية الي ضرورة مراجعة تلك السياسات والتوجهات. وشددا علي حتمية الافراط في التوجه نحو منطقة واحدة وربط حركة التجارة بها, وأكدا أنه لا يمكن العودة الي سياسات ما قبل2008 وفقا لتقرير المنظمة العالمية.. وتساءل الخفيف عن أسباب الرهان علي السياحة الأوروبية فقط وتجاهل السياحة الآسيوية مثلا برغم أن الأخيرة واعدة سواء من حيث العدد أو القدرة علي الانفاق, مشيرا الي ضرورة اعتماد سياسات مالية تقشفية وكذا العودة الي تعظيم دور الدولة التنموي في قيادة الاقتصاد الوطني بعد أن ظلت تراهن علي نهوض القطاع الخاص بالنصيب الأكبر إن لم يكن الأول في عملية التنمية.. والي جانب الدعوة الي انتهاج سياسات متوازنة لفت التقرير الي أهمية تشجيع الاستهلاك المحلي لتنشيط وتنمية حركة التجارة بجانب تشجيعه للتصدير,مشددا علي أهمية زيادة الأجور محذرا من استمرار اختلال التوازن الذي قاد الي مظاهرات تونس ثم مصر واندلاع الثورات تباعا فيما عرفت بدول الربيع العربي. ونوه التقرير الي ضرورة وضع ضوابط لتدفقات رؤوس الأموال الأجنبية حتي لا تتكرر الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي ضربت العالم عام2008 وتحصين البورصات المحلية من الأموال الساخنة التي تدخل ليس لأجل بناء اقتصاديات أو اقامة مشروعات وانما للمضاربة فقط.. كما نوه بأهمية الدور التنموي للبنوك المركزية وألا يقتصر علي مواجهة التضخم وضبط أسعار الصرف,ودعا الدول المتقدمة أن تتخذ اجراءات أكثر حسما في معالجة أسباب الركود والكساد, خاصة ما يتعلق بتفاوت مستويات الدخل وتقلص الدور الاقتصادي للدولة وهيمنة الدور الذي يؤديه قطاع مالي سيئ التنظيم ووجود نظام دولي معرض للاختلالات. كما دعا التقرير الدول النامية ألا تعتمد اعتمادا مفرطا علي الصادرات وأن تضع استراتيجيات تستند بدرجة أكبر علي تعظيم الطلب المحلي والاقليمي وتشجيع الاستهلاك وتوقع أن تحقق اقتصاديات هذه الدول نموا بمعدلات مماثلة لتلك التي حققتها العام الماضي' والتي بلغت5,4% بل أن تتجاوز هذه المعدلات في حين لن تتجاوز الدول المتقدمة نسبة1% وأشار الي أن اقتصاديات الدول النامية ستظل المحرك الرئيسي لعملية التنمية في العالم متوقعا أن تسهم بنحو ثلثي حجم الناتج العالمي,منوها بنشوء نمو كبير بهذه الدول علي الطلب المحلي بأكثر من نشوئه نحو الصادرات. وأرجع التقرير ركود النشاط الاقتصادي العالمي الي البطء والتراجع في اسهام الدول المتقدمة,الذي رجح استمراره,مشيرا الي أن معدلات النمو بالدول النامية كان أسرع وأعلي منه بالمتقدمة..حيث زادت حصة الأولي من22% عام2000 الي36% عام2012, كما ارتفعت مشاركتها في الصادرات العالمية من32% الي45% خلال نفس الفترة, مرجعا ذلك الي زيادة حركة التجارة بين الجنوب والجنوب. وحث علي تعزيز التعاون الاقليمي وزيادة التجارة بين دول الجنوب خلال الفترة المقبلة,وضرورة أن يشكل مكونا رئيسيا من مكونات والاستراتيجيات الانمائية لهذه الدول, مشيرا الي أنه برغم الأداء الأفضل للاقتصاديات النامية والانتقالية لكنها تظل قابلة للتأثر بالاهتزازات الدولية واعتبر أن الاستثمار المحلي يشكل دورا حاسما في أي استراتيجية للنمو بصرف النظر عما اذا كانت هذه الاستراتيجية موجهة نحو الصادرات أو نحو الطلب المحلي, معتبرا أن نمو الطلب المحلي سيزداد أهمية في تحديد توقعات المستثمرين علي تدعيم القدرة الانتاجية ما يمثل في مدي توفير التمويل الطويل الأجل بكلفة ميسرة وبسعر تنافسي,وهو ما سيعتمد الي حد كبير علي دور البنوك المركزية.. وأكد التقرير امكانية تقوية الطلب المحلي عن طريق زيادة انفاق القطاع العام, وأنها لا تتوقف علي الأوضاع المالية في كل بلد فحسب وانما علي آثار زيادة هذا الانفاق في الايرادات العامة, معتبرا أن اعادة توزيع الدخل عن طريق الهيكل الضريبي والتحويلات النقدية الي الأسر أن يقوي القدرة الشرائية لمجموعات الدخل التي تنفق نسبة أكبر من دخلهالأعلي الاستهلاك عموما,وعلي استهلاك السلع والخدمات المنتجة محليا بصفة خاصة, مقارنة بالمجموعات ذات الدخل الأعلي. واستعرض التقرير التحديات التي تواجه السياسات المالية في البلدان النامية, وقال في هذا الشأن أن تكييف القدرات الانتاجية مع التغيرات في تكوين الطلب الكلي في الاقتصاديات النامية والانتقالية يتطلب اتاحة وصول منتجيها الي الموارد المالية اللازمة للاستثمار الانتاجي بكلفة منخفضة علي نحو يمكن التعويل عليه.. ونوه الي أن ما يزيد من مخاطر تأثر الأسواق الناشئة الاضطرابات الناجمة عن سلوك الأسواق الرأسمالية الدولية, بالنظر الي أن الاستثمار في العديد من البلدان كثيرا ما أعيق من جراء تقلب البيئة المالية الدولية وهشاشة النظم المصرفية الوطنية وضعف المؤسسات المالية المحلية. ولفت التقرير الي أن اقتصاديات هذه الدول تحتاج الي حماية نظمها المالية الوطنية من تقلبات العمليات المالية الدولية,كما شدد علي ضرورة أن يقوم واضعو السياسات باستخلاص الدروس الصحيحة من الأزمات المالية الماضية. ونبه الي أن وجود قطاع مالي غير خاضع لضوابط تنظيمية من شأنه ان يؤدي الي عدم الاستقرار الاقتصادي وسوء تخصيص للموارد,داعيا واضعي السياسات المالية أن يضعوا نصب أعينهم ضرورة جعل نظمهم المالية المحلية لاسيما المصرفية داعمة بدرجة أكبر للاستثمار في القدرات الانتاجية الحقيقية. وحذر التقرير من السلوك غير العادي للتدفقات المالية الرأسمالية الخاصة علي الأسواق الناشئة, محذرا من مخاطر حالات التوقف المفاجئ لهذه التدفقات عادة ما تعقبها فترة ممتدة من الركود,وحذر أيضا من استمرار خطر تقلبات التمويل الدولي,معتبرا أنها مازالت تشكل تهديدا للاقتصاديات الناشئة.. ورصد التقرير عدة تدابير لحماية أسواق الدول الناشئة والانتقالية من الاضطرابات الخارجية,مشيرا الي أنه يمكن للادارة العملية لأسعار الصرف الهادفة منع تقييم العملة بأكثر من قيمتها أن تحد من آثار هذه التدفقات الرأسمالية المضاربة والمزعزعة للاستقرار, يضاف الي ذلك أن فوارق أسعار الفائدة التي كثيرا ما تجتذب المضاربة في مجال' تجارة المناقلة' يمكن أن تكون محدودة عندما يظل التضخم تحت السيطرة,وهذا يمكن أن يتحقق ليس بواسطة اعتماد سياسات نقدية تقييدية وسياسة صرف مرتفعة الفائدة,وانما بواسطة أدوات أخري مثل سياسة الدخل التي تهدف الي ابقاء متوسط الزيادات في الأجور' محازية لا متخطية' لنمو الانتاجية ومستوي التضخم الذي يستهدفه البنك المركزي. كما يمكن منع آثار التدفقات الرأسمالية المزعزعة للاستقرار أو التخفيف من حدتها علي الأقل عن طريق اللجوء الي فرض ضوابط علي رأس المال, وهي ضوابط تسمح بها اتفاقية تأسيس صندوق النقد الدولي. ولفت التقرير الي أهمية اعادة النظر في اخضاع النظام المالي لضوابط تنظيمية, منوها في هذا الصدد الي أن الأزمة الراهنة دحضت المزاعم بأن الأسواق الماليةغير الخاضعة لضوابط تنظيمية تتميز بالكفاءة,داعيا واضعي السياسات المالية في الدول النامية ذات الاقتصاديات الناشئة والانتقالية الي استخلاص الدروس خلال تشكيل النظم المالية في بلدانهم كما أن بعض التدابير التنظيمية المتوخاة الآن في البلدان المتقدمة قد تكون أيضا ذات صلة وأهمية بالنسبة للبلدان النامية,التي تشمل تحسين حوكمة المصارف وخفض الحوافز المتاحة للمشاركين في الأسواق ذوي السلوك المحفوف بالمخاطر الكبيرة.. وتعرض لمسألة الاسقرار النقدي مقابل الاستقرار المالي ولفت في هذا الصدد الي أن التجربة الحالية في الدول المتقدمة الرئيسية تدل علي أن لجوء البنوك المركزية بها الي طبع النقود علي نطاق واسع كان تأثره طفيفا للغاية ان لم يكن معدوم الأثر علي الاطلاق, ومن ثم ينبغي علي واضعي السياسات أن يركزوا علي حجم الائتمانات المصرفية أكثر من التركيز علي طبع النقود لتعزيز الاستقرار المالي, كما ينبغي للمصارف التمييز بين المشروعات الجادة وعديمة الجدوي' السيئة', والمقترضين محل الثقة ومعدومي الثقة بدلا من التصرف كوسطاء غير فاعلين, أو فقدان الاهتمام بالأداء الاقتصادي للمقترضين منه بعد' توريق' ديونهم ونقل المخاطر الي كيان آخر. وشدد التقرير علي حتمية تشجيع تمويل الاستثمار المحلي, معتبرا أنه يمكن للقطاع المالي أن يؤدي دورا كبيرا ورئيسيا في التعجيل بوتيرة النمو الاقتصادي عن طريق تمويل تكوين رأس مال ثابت من شأنه أن يعزز الانتاج ويخلق فرص العمل, ولذلك فانه من أجل دعم استراتيجيات التنمية التي تعزز الطلب المحلي كمحرك للنمو من الضروري أن تقوي البلدان النامية نظمها المالية.