علي مدي البصر تجدها مساحة من الارض البيضاء المجوفة, رملية متعطشة لقطرة مياه, والتشققات الأرضية بها تنبئك بظمأ يضاهي ظمأ السنين العجاف,, تلك هي ترعة السلام التي باتت المرادف المنطقي لحالة الغموض و الصمت والقلق لمعاناة مئات المزارعين هذه القناة التي باتت قناتها المائية ناضبة من ندرة المياه, مخططها الاستراتيجي الذي وضعته الدولة أكد اقترانها بتنمية اراضي شبه جزيرة سيناء بعد أن شق بها هذه الترعة, ولكن غموض المشروع يرجع لعدم اتخاذ المسئولين- قبل او بعد الثورة- في الاجراءات الفعلية لتنفيذ المشروع طبقا للمخطط له. هذا الغموض يتزامن مع تواضع الميزانية التي خصصتها الدولة لأنشائها, ونفاجأ بالصمت يخيم علي كل المسئولين بالمحافظة رغم امتلاكهم المعلومات الكافية لتفسير ظاهرة توقف المشروع بشكل نهائي ومعاقبة المزارعين الذين جنحوا لاستصلاح الاراضي المجاورة للترعة. ' ل. ص' مسئول بأحد المناصب البارزة في المحافظة- فضل عدم الإشارة إلي اسمه- وأحد ابناء قبائل شبه جزيرة سيناء, أوضح أن مشروع ترعة السلام يعتبر مشروعا قوميا استيراتيجيا ناجحا, ولو أخذ بمحمل الجد لاستطاع أن يغير خريطة مساحة الاراضي الزراعية في مصر كلها. وقال: شبه جزيرة سيناء كانت تعتمد في زراعتها قديما علي ثلاثة أنواع, الاولي هي زراعات النخيل التي تعتمد علي الماء الارضي والثانية هي زراعات البطيخ البقري المخصص لعلف الماشية والبطيخ التي يستخدمه المواطنون في الطعام والنوع الاخير هي ثمرة الخروع وذلك لندرة المياه بالمحافظة واعتمادهم في المقام الاول علي مياه الامطار يتذكر أحمد عبدالحميد- موظف بإدارة التراخيص بمحافظة شبه جزيرة سيناء الخلفيات المتعلقة بأهمية شبه جزيرة سيناء كمحافظة زراعية فيقول: عندما جاء الاحتلال أستغل تواجده بأراضي سيناء وأدخلوا بعض المعدات وتحولت نظم الري من مياه الامطار الي نظام الري بالتنقيط علي مستوي المحافظة بالكامل. وفي عام1994 أصدر الرئيس السابق قرارا جمهوريا بتخصيص مساحة400 ألف فدان للبدء في مشروع ترعة السلام المعروفة باسم' ترعة الشيخ جابر الصباح' نظرا لمساهمة الجانب الكويتي في تمويلها بمبلغ17 مليار جنيه مصري- حسب ما أشيع وقتها- حدود هذه الترعة تبدأ من صحاري أسفل قناه السويس الي حدود قرية تسمي' التلول' وتحديدا في حوض يسمي' حوض الجنادل' وبالترعة عند مداخل حدود سيناء عدد'25 مأخذ'- المأخذ هنا تعني فرع- أولهم في قرية بالوظة بمحطة رفع السلام رقم(5) والمساحه الفاصلة بين المأخذ تقدر بحوالي كيلو تقريبا, وهذه المآخذ مسئولة عن ري القري والمراكز التي تشق أراضيها والتي تجاوزها في النطاق الجغرافي, وذلك علي ان يقوم المأخذ الواحد بري مساحة6 آلاف فدان تقريبا يتم تقسيم هذه المآخذ الي أحواض وكل حوض يستوعب من5:10 أفدنة حسب التقسيم الهندسي الذي صممته لجنة السياسات بالحزب الوطني, بمجرد أن صدر القرار الجمهوري بتخصيص الاراضي بمحافظتي سيناء والشرقية كانت مكونات الترعة تتضمن75% من مياه الصرف الزراعي ونسبة25% من مياه النيل. أما عن الاهمية الاقتصادية للترعة فيقول محمد العتيقي مسئول بقطاع الري: تأتي لتوفيرها مساحات من الاراضي الخضراء في حال تنفيذ المشروع كما هو مخطط له, مع قيامها بتقليل نسب المياه الارضية التي كانت محبوسة في الابار ورفعها للسير في مسار الترعة, وعليه تم تصليح مساحة200 ألف فدان فعليا عقب تدشين انشاء الترعة, علما بان المساحة المنتظر الاستفادة منها تفوق600 ألف فدان تقريبا يكمل العتيقي حديثه للأهرام الإقتصادي قائلا: بدأت الحياه الزراعية تظهر علي الاراضي السيناوية, وبدأت الجمعيات الزراعية في التعامل مع المزارعين- دون تقنين اوضاعهم- وقامت الدولة بتأسيس الجهاز التنفيذي لمشروع تنمية شمال سيناء التابع لوزارة الري والمسئول عن أعمال البنية الاساسية الخاصة بالترعة والمناطق المجاورة إضافة لعمليات تخصيص وتوزيع الاراضي للمزارعين وعليه أصبح المشروع بالكامل تابع لوزارة الري في بدايته. ثم قامت الدولة عام1997 بتعويض المزارعين من القبائل السيناوية التي كانت أراضيهم مجاورة' لجسم الترعة او الممر المائي لها' مع تعويض اصحاب المزارع الواقعة عند حدود الفروع الخاصة بها وتم ازالة هذه الزراعات. هنا صدر قرار من محافظ شمال سيناء رقم347 لسنه77 لحصر جميع الزراعات الخاصة بترعة السلام وتم تشكيل لجنة من الجهاز التنفيذي لمشروع تنمية شمال سيناء و مديرية الزراعة ومساحة الزقازيق وديوان عام المحافظة لحصر مساحة الزراعات الفعلية القائمة بدأت في عملها من أكتوبر عام1997 وأنتهت في عام فبراير2000, ووضعت الزراعات علي خرائط مساحية من( واحد الي10 آلاف) مستخدمين التصوير الجوي. وقتها: واجهت اللجنة المشكلة أزمة الزراعات المتنأثرة لأن نظام الزراعات بالتجاور غير منتشر بشبه جزيرة سيناء بالاضافة الي ان كل الاراضي التابعة للمحافظة وضع يد, كلها مملوكة للدولة وقامت القبائل بتقسيمها بالتوافق وفق رأي شيوخ هذه القبائل واتفاقاتهم, حتي الحدود بينهم' هلامية' ليس لها وجود بالمساحة الجغرافية, فهي عبارة عن أراض موروثة من قديم الازل, وعليه قدرت اللجنة المساحات المستقطعة من القبائل, مع الحفاظ علي عائد اقتصادي يصب لصالح الدولة لا يقل عن30 مليارا من بيع هذه الاراضي للقبائل. وعليه تم تجميع واضعي اليد من ابناء القبائل بمساحات أخري من الاراضي بالاضافة الي دفع مبالغ مالية, وعقب: الدولة التزمت بدفع تعويضات للمزارعين الذين تضرروا من اختراق المجري المائي للترعة لأراضيهم بشكل مباشر والفروع, ولكن المسئولين رفضوا توزيع اي أراض أخري لأي متضرر من المزارعين في اي منطقة من مناطق المحافظة نظرا لأن الاراضي مملوكة للدولة وتعاملت معهم علي أساس انهم واضعو اليد وعليه قامت بانتزاع ملكيتها للمنفعة العامة. أمين قناوي- أحد القائمين علي ملف تنمية سيناء أوضح أن عدد المزارعين حينها تعدي الآلاف وان نتائج حصر النخيل الذي تم جذره عند بناء الترعة بلغ حوالي2000 نخلة مقابل تعويضات فرضت عليهم عام1982 من قبل وزير الري بقيمة100 جنيه رغم ان عائد النخلة الواحدة في السنه50 جنيها من المنتج, مشيرا الي ان المساحات الزراعية التي استقطعتها الدولة لأتمام المشروع بلغت11 ألف فدان من صحاري قناة السويس حتي قرية التلول, جزء منها زراعات والباقي عبارة عن كتل سكنية, كذلك عوضت الدولة أصحاب أشجار الزيتون بمبلغ60 جنيها والتين40 جنيها. وفي عام2000 تم تجديد القرار برقم50 لنفس السنة ولم تقم الدولة بتوزيع الاراضي علي المزارعين رغم حصول اعلي مساحات اراضيهم الواقعة بزمام ترعة السلام, مشددا علي ان الخرائط الخاصة بالمشروع وجدوها الاقتصادية مازالت حبيسة أدراج وزارة الري الي ان صدر قرار جمهوري اخر عام2008 بنقل ملكية وتبعية مشروع ترعة السلام من الجهاز التنفيذي لمشروع تنمية شمال سيناء الي وزارة الزراعة وعليه أصيبت شرايين المشروع بالشلل التام. وتابع: المياه موجودة في جزء من الترعة بمحطة السلام5 ولكنها ناضبة عن قرية بالوظة حتي الفرع رقم25 بحوض الجنادل, بسبب الهجمة التي قام بها أبناء الوادي والدلتا وفرض التعديات علي مساحات من الاراضي الملاصقة للترعة بدءا من عام2005 الي عام2010 بنسب500%, الأمر الذي جعل الدولة تبادربغلق محابس المياه كمحاولة منها للحفاظ علي حرم مشروع الترعة المائي وبحكم القانون يجب إزالتها, مشيرا الي ان التعديات التي وقعت علي ارض المشروع بلغت مساحتها40 ألف فدان وكلها مخالفات ولا يجوز للدولة ان تقف مكتوفة الايدي عنهم.