حافظ الطلب علي النفط علي نموه في فترة السبعينيات والثمانينيات في ظل تزايد معدلات السفر والتصنيع. ومع ارتفاع مستويات المعيشة في الهند والصين تنبأت شركات النفط الكبري, وكالة الطاقة الدولية وإدارة معلومات الطاقة الامريكية باستمرار ارتفاع الطلب علي الخام حتي ان عملاق النفط البريطاني بريتش بتروليم توقعت ارتفاعه من89 مليون برميل يوميا حاليا إلي104 م ب ي بحلول عام2030. ولكن مجلة الايكونومست رأت ان هذه التقديرات باتت خاطئه وان الطلب علي النفط يقترب من مستوي الذروة, وهي بالمناسبة, ليست' ذروة النفط' التي ثار حولها جدل واسع النطاق قبل عدة سنوات عندما رجح العديد من المحللين ثبات مستوي الانتاج ثم انخفاضه. موضوع غلاف الايكونومست لشهر أغسطس. 'النفط وقود الامس' حمل رسالة مختلفة تماما عن الذي نشرته قبل اربعة عشر عاما وتحديدا مارس1999, عندما اكدت المجلة الاقتصادية العريقة ان مصادر النفط الوفيرة في العالم ستظل كذلك, واعتمادا علي النفط الشرق اوسطي الوفير سينخفض سعر الخام من10 دولارات للبرميل إلي5 دولارات, لكن الواقع, وبحسب وكالة الطاقة الدولية وصل النفط الرخيص ذروة الانتاج في عام2005. وفيما بعد, تناقصه دفع الاسعار للارتفاع الي100 دولار للبرميل مقارنة بعشرة دولارات فقط في عام1999. وتقول الايكونومست انه لسنوات كان بعض الباحثين يزعمون ان انتاج العالم من الخام سيبدأ قريبا في الانخفاض بوتيرة تزيد اوتقل عن معدل ارتفاعه. وقد تبين خطأ توقعاتهم مع تقدم التكنولوجيا التي سمحت للشركات باستخراج ما كان يتعذر الوصول اليه سابقا. وتبدو الان امدادات النفط غير التقليدي وفيرة, حتي ولو كانت اكثر تكلفة, وبفضل اكتشافات الغاز الصخري الهائلة في الولاياتالمتحدة ارتفع الاحتياطي في العالم من50 إلي200 عام. والان يتم استخدامه سواء مساك او مضغوط في وسائل النقل ويمكن ايضا ان يحل محل النفط كوقود في السفن, محطات الطاقة, مصانع البتروكيماويات, انظمة التدفئة المنزلية والصناعية ومن ثم سيوفر ملايين البراميل من النفط يوميا بحلول عام2020. ومن العوامل الاخري التي ستدعم انخفاض الطلب علي النفط التغير والتطور المستمر في تكنولوجيا وتصميم محركات وسائل النقل والذي سيعمل علي زعزعة هيمنة النفط, فتزايد انتشار السيارات الكهربائية والهجين وكذلك السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي او خلايا وقود الهيدروجين سيكون لها تأثير واضح علي حجم الطلب, حتي ان محللي سيتي بنك يتوقعون ان تحسن معايير استهلاك الوقود في السيارات والشاحنات بمتوسط2.5% سنويا سيكفي لتقليص الطلب علي النفط ويرجحون الوصول الي مستوي الذروة عند اقل من92 م ب ي خلال السنوات القليلة المقبلة وهو ما يتفق مع توقعات خبراء صناعة السيارات ايضا. وتختلف رؤية شركات النفط الكبري لتوقعات الطاقة عن وكالة الطاقة الدولية حيث يشير البعض الي ان معظم دول الاقتصادات الناشئة مازال امامها مشوار طويل قبل ان يكون لديها عدد سيارات او مسافات سفر لكل مواطن مثل امريكا, بل إن السياسات البيئية الجديدة الصارمة في هذه الدول قد تقلل الطلب علي النفط. وهناك عاملان مؤثران علي زيادة الاستهلاك. اولا المملكة السعودية التي تسيطر علي11% من الانتاج العالمي ولديها معظم الطاقة الفائضة في العالم, قد تقرر ضخ المزيد مما سيؤدي الي انخفاض الاسعار وبالتالي زيادة الطلب, ومرة اخري, اذا خفضت الانتاج من اجل رفع الاسعار قد يتراجع الطلب. ثانيا. اذا دفع تراجع الطلب الاسعار الي الانخفاض قد يعود مرة اخري السائقون الي استخدام السيارات التي تستهلك كميات كبيرة من البنزين كما حدث عندما كان النفط رخيصا في التسعينيات. وان كان هذه المرة ستقف السياسات البيئية المتشددة حائلا دون هذا الاتجاه. وبالطبع استقرار حجم الطلب علي النفط سيكون له تداعيات مهمة ليس علي الصعيد البيئي بانخفاض انبعاثات الكربون فحسب او تغير ترتيب شركات النفط في قائمة اللاعبين الكبار حاليا اكسون موبيل تنافس شركة ابل كأكبر شركة مدرجة في العالم ولكن اكسون وشركات النفط العملاقة الاخري قد لاتكون بالقوة التي تبدو عليها, اذ ان تكلفة استخراج برميل النفط من القطب الشمالي تصل إلي100 دولار حسبما تقول شركة بيرنشتاين البحثية وبالتالي فان مستقبل تلك الشركات قد يكون جيدا لكنها لن تحقق نفس معدل الربحية, الذي كانت تحققه من قبل, في المستقبل. وربما كان ابرز تداعيات انخفاض الطلب علي النفط جيوسياسي فالنفط يدعم هيمنة فلا ديمير بوتين, والكرملين سوف يجد صعوبة في فرض قبضته علي الدولة اذا تأثر المصدر الرئيسي لقوة روسيا اما في المملكة العربية السعودية فقد اعتمدت علي اسعار النفط المرتفعة في الانفاق بسخاء علي البرامج الاجتماعية من اجل استرخاء جيل الشباب الذي خرج للشوارع في دول اخري في المنطقة وبالتالي اذا تباطأت تدفقات النفط فان الوضع السياسي سيكون صعبا كذلك. ومن ناحية اخري اذا كانت الولاياتالمتحدة بصدد الاكتفاء الذاتي بفضل اكتشافات الغاز الصخري, فمن غير المرجح ان تكون متساهلة في المستقبل تجاه حلفائها العرب كما كانت من قبل. في مرحلة الصعود اشعل النفط الكثير من الصراعات وقد يستمر هذا الوضع مع تراجعه ايضا. كيف تواجه شركات النفط العالمية التحديات الحالية؟ علي السطح تبدو الامور جيده بالنسبة لشركات النفط الكبري فالعالم يرغب في المزيد مما تنتجه, السعر الذي تبيع به عال والارباح تتراكم. وعلي سبيل المثال, رويال دويتش شل هي الشركة الاكبر من حيث القيمة السوقية في بورصة لندن, اكسون موبيل وقيمتها السوقية417 مليار دولار تنافس ابل كأكبر شركة في العالم. اما شيفرون فتوظف62 الف شخص. وتوتال الفرنسية تعمل في اكثر من130 بلدا. وفي حالة بريتش بتروليم, الارقام الكبيرة تعبر عن كارثة, فالشركة قد ينتهي بها مشاكلها مع حادثة التسرب النفطي الي الاضطرار الي دفع90 مليار دولار غرامات, ولكن قدرتها علي الصمود بعد ذلك علامة صارخة علي مدي القوة الكامنة لديها. الشركات العملاقة تعتمد بشكل متزايد علي النفط الذي يصعب الوصول اليه إما لاسباب جيولوجيه( وجوده في المياه العميقة او اختلاطه بالرمال او ماشابه ذلك) او لاسباب سياسية( وجوده في بلدان يصعب التعامل معها سياسيا). وهذا يعني في النهاية اضطرار الشركات الي انفاق المزيد والمزيد من اجل انتاج كميات اقل من النفط العالمي. وهذا لن يضر اذا ما كان الطلب قويا. ولكن اذا لم يكن فالامر سيختلف كثيرا. وتوقعات الشركات العملاقة لمستقبل الطلب تكشف عن نمو قوي في المبيعات.. فتشير تقديرات بريتش بتروليم الي ارتفاع طلب الاقتصادات الناشئة من اقل من90 م ب ي حاليا الي104 م ب ي بحلول2030 اما اكسون فتتوقع ارتفاعه الي113 م ب ي بحلول2040 بما يمثل0.8% معدل نمو سنوي. من ناحية اخري, بالرغم ان مجموع ما تنفقه الشركات العملاقة علي الاستكشافات والانتاج مائة مليار دولار سنويا, الا ان ذلك لم يحفز المستثمرين علي زيادة الاقبال علي اسهم شركات النفط( باستثناء سيفرون) كما انه لم يسفر ايضا عن امدادات جديدة حيث تراجع انتاجهم بنسبة2% بين عامي2006 و2011 وكل ما نتج عنه هو زيادة انتاج الغاز لتجد الشركات العملاقة نفسها تعمل في بيزنس الغاز علي نحو متزايد. وفي الوقت الراهن, يمثل الغاز ما يزيد عن40% من انتاج معظم, واكثر من50% بالنسبة لرويال دويش شل واكسون موبيل. وبالطبع هناك اختلاف كبير بين النفط والغاز وبسبب حاجة الغاز الي انابيب باهظة الثمن او معامل تسييل فانه اقل ربحيه. كما انه معرض لانخفاض حاد في الاسعار علي مستوي العالم. وهكذا تجد شركات النفط الكبري صعوبة في مواجهة التحديات الراهنة مما يدفعها احيانا لبيع بعض اصولها, مثل معامل التكرير الخاصة بها, وهو ما يسفر عادة عن ارتفاع اسهم الشركة وهذا يشير إلي تفضيل المستثمرين لنموذج الشركات الاصغر الأقوي. حسب رؤية مجلة الايكونومست لمستقبل صناعة النفط العالمية اقتربت نهاية عصر شركات النفط الدولية العملاقة. وان التحديات الحالية ستفرض عليها تقليص حجمها.