هناك ما يشبه الإجماع الشعبي علي أن وزارة د. حازم الببلاوي بما تضمه من كفاءات وطنية واعية وذات خبرات عملية تطبيقية, هي الأفضل منذ عدة عقود وهذا التشكيل المتميز يرفع سقف الآمال والتوقعات من أداء الحكومة بالرغم من قصر المدة المقررة لها قبل إجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة. وللحقيقة فإن الآمال منعقدة علي المجموعة الاقتصادية التي يقودها رئيس الوزراء بنفسه ومعه نائبه د. زياد بهاء الدين صاحب الخبرة الطويلة في إعداد التشريعات الاقتصادية والمالية وهدوؤه الرزين وقدرته علي الاستماع للآخرين وردوده العلمية المنطقية, إضافة إلي خبرته في إدارة هيئة الاستثمار وهيئة الرقابة المالية, وإذا أضفنا د. أحمد جلال الذي أسهم في عمليات الإصلاح الاقتصادي التي شهدتها مصر ونتج عنها تحقيق معدلات نمو مرتفعة تجاوزت أحيانا7% وما لديه من خبرات نتجت عن عمله في البنك الدولي في واشنطن وإدارته لمراكز أبحاث ودراسات ضمت أعضاء من أصحاب الخبرات العالمية, كل ذلك أيضا يرفع لدي المصريين من سقف الآمال والطموحات من هذا التشكيل خاصة أن د. أحمد جلال وزير المالية لديه رؤية فيما يتعلق بعملية الإصلاح الاقتصادي التي شهدتها مصر منذ عهد د. عاطف صدقي واستمرت بعده, ورؤيته تقول إن المشكلة في عدم شعور المواطن بنتائج الإصلاح الاقتصادي أنه لم يواكب هذا الإصلاح إصلاح مواز له في الجانب الاجتماعي, وأن الإصلاح الاجتماعي متمثلا في الصحة والتعليم لا يقل أهمية عن الاقتصاد, وأن تساقط ثمار التنمية الاقتصادية علي الطبقة المتوسطة والفقراء لن يحدث إلا في حالة تبني إصلاحات اجتماعية. وجاء اختيار د. أشرف العربي وزير التخطيط أيضا موفقا لأنه شارك في إعداد تصور واضح للتنمية في حدود الموارد المتاحة كان الهدف منه في الأساس تحقيق هدف الثورة من العدالة الاجتماعية ولكنه تم استبعاده من حكومة د. هشام قنديل الأخيرة لأسباب تتعلق بالانتماء السياسي ليحل محله د. عمرو دراج وزيرا للتخطيط والتعاون الدولي, وبالمناسبة كان البعض يطلق علي د. أشرف العربي نظرا لاهتمامه بالتعاون مع مؤسسات التمويل الدولية والعربية لقب أشرف الدولي وزير التخطيط والتعاون العربي. ولكن ليسمح لي د. أشرف العربي أن أحييه علي أحد تصريحاته وأختلف معه علي تصريح آخر في بداية عمله في الوزارة الجديدة, التصريح الأول الذي أحييه عليه أنه قال إن علينا أن نحدد خارطة الطريق السياسية والجدول الزمني لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وإعداد الدستور الجديد. أما التصريح الذي أختلف عليه معه هو أننا لن ندخل في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي لأن مصر لا تحتاج حاليا لقرض الصندوق وهو4.8 مليار دولار, وسبب خلافي معه أننا نعلم أن أهمية القرض ليست في قيمته ولكن في معناه وهو أنه شهادة من الصندوق الدولي بأن مصر أعدت برنامجا إصلاحيا يؤهلها للحصول علي القرض وعلي سداده وبذلك يطمئن المجتمع الدولي والمستثمرون والدائنون أن مصر في طريقها لاستعادة قدراتها وأنها في طريق التعافي المالي والاقتصادي, وبالطبع سوف يسهم ذلك في استعادة مصر ليس فقط للاستثمارات الأجنبية والعربية ولكن أيضا تصنيفها الائتماني الذي تراجع ست مرات حتي أصبحنا علي المحك في قدرتنا علي الحصول علي ائتمان دولي, وشراء أو استيراد بعض احتياجاتنا بالأجل وليس نقدا كما يحدث حاليا. بالطبع ستكون أولي وأصعب المهام أمام الوزارة الجديدة هي علاج عجز الموازنة العامة للدولة في ظل محدودية قدرتها علي تخفيض الإنفاق الذي يذهب معظمه إلي الدعم الذي يمثل رمانة الميزان لحماية الفقراء وتخفيف الأعباء عن محدودي الدخل بالرغم من قناعة جميع الأطراف بأن هذا الدعم لا يصل إلي مستحقيه في معظمه, وأن إعادة هيكلة منظومة الدعم أصبحت ضرورة ملحة لإحداث قدر من التوازن في الموازنة العامة للدولة, التي يصل حجم العجز فيها المقدر إلي197 مليار جنيه, وعمليا سوف يتجاوز ذلك بكثير في ظل المطالبات المستمرة بزيادة الأجور ودعم السلع الضرورية والوقود. البند المهم الذي يجب أن تعمل عليه الحكومة حاليا هو تخفيض المديونية خاصة الخارجية التي تستنزف جزءا كبيرا من الموازنة العامة سنويا لسداد أقساط الديون والفوائد المستحقة عليها أو ما يسمي بخدمة الدين, وأعتقد أن علاقات مصر العربية والدولية والتعاطف العالمي معها لإنجاح تجربتها الديمقراطية التي ستكون منارة يهتدي بها كل دول العالم الثالث في السير نحو الديمقراطية, أعتقد أنه علينا أن نستغل هذا التعاطف لمحاولة إسقاط جزء من تلك الديون نهائيا, أو مبادلتها بمشروعات ضمن برنامج المنح ومبادلة الديون, وأيضا مشاركة أشقائنا العرب في شراء بعض هذه الديون من الدول الدائنة لمصر والتفاوض مع أشقائنا لإعدام جزء من تلك الديون أو علي الأقل إعادة إقراضها بشروط أكثر يسرا أو بدون فوائد. المهام كثيرة وصعبة, ولكن وزراء حكومة الببلاوي التي قبلت تلك التحديات أمامها فرصة ذهبية لتضع مصر علي طريق الحداثة والتنمية الحقيقية والمتوازنة ليشعر بها كل طبقات الشعب بعيدا عن نظرية أن التنمية التي يذهب عائدها للأغنياء فقط سوف تتساقط ثمارها علي الفقراء ولكن بعد حين. [email protected]