سواء كان بدافع فضيحة سياسية او الاحراج الذي سببته تسريبات عن حسابات مصرفية سرية فإن اوروبا قررت أخيرا الحرب علي الملاذات الضريبية ومحاولة استعادة ما تيسر من التريليون يورو1.3 تريليون دولار المفقودة سنويا بسبب التحايل الضريبي. قادة الاتحاد الاوروبي في سباق مع الزمن هذه الايام لاصدار قانون يلزم الشركات متعددة الجنسيات بالكشف عن أرباحها والضرائب التي تدفعها في كل دولة تعمل فيها ففي أعقاب سخط شعبي وصخب سياسي حول اتهام شركة كبري مثل آبل, جوجل وستاربكس بالتهرب الضريبي يعمل الاتحاد الاوروبي علي توسيع نطاق الاصلاحات المتعلقة بالشفافية في البنوك والشركات الكبري لتشمل جميع الشركات العامة والخاصة. ويدعم قادة الاتحاد الاوروبي سن قواعد جديدة للافصاح عن البيانات المالية وهوما سيكون له تداعيات بعيدة المدي بالنسبة للشركات متعددة الجنسيات في اوروبا حيث انها لا تفصح عن البيانات الخاصة بالضرائب والارباح والايرادات ورواتب الموظفين لكل دولة, وكذلك زيادة الضغوط علي الشركات التي تلجأ الي الدول التي تصل فيها نسبة الضريبة الي اقل مستوي وتعلن فيها ارباحها, وذلك مثل ايرلندا ولوكسمبورج, وحسبما يقول مفوض الاتحاد الاوروبي للسوق الموحدة مايكل بارنيير, يجب علي الشركات ان تفصح عن قيمة ماتسدده من ضرائب واين تدفعها, ولابدأن يكون فرض المزيد من الشفافية في اطار قانوني. كانت قضية التهرب الضريبي قد تصدرت اجندة قادة الاتحاد الاوروبي في اجتماعهم الاخير في شهر مايو حيث تم مناقشة سبل مكافحة التحايل الضريبي لاسيما اقناع الدول المحافظة حتي الآن علي السرية المصرفية بقبول تداول البيانات المصرفية وذلك بعدماتبين أن هناك مجموعة من الشركات متعددة الجنسيات التي تدفع قدرا ضئيلا من الضرائب او ربما لاتدفع علي الاطلاق أي ضرائب في كثير من الدول التي تعمل فيها, وهو الامرالذي اشار اليه تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مؤخرا والذي حذر من تحايل الشركات عن طريق التنقل بين الدول لدفع ضرائب أقل. ويشار الي ايرلندا علي انها من الملاذات الضريبية للشركات التي من بينها شركة آبل التي وفرت ملايين الدولارات من خلال الاستثمار والعمل فيها, فحسب تقرير للكونجرس الامريكي تحايلت ابل التي تعدمن كبر المتهربين من الضرائب في الولاياتالمتحدة لتجنب دفع ضرائب عن ارباح بلغت44 مليار دولار بين عامي2009 و2012. قضية شركة آبل استحوذت علي اهتمام وسائل الاعلام التي نقلت جلسة استماع عقدها الكونجرس لمناقشة الشئون المحاسبية في آبل وذلك في اطار تدقيق من جانب السياسيين الراغبين في تهيئة الغضب الشعبي الذي ثار حول تهرب الشركات الكبيرة من دفع الضرائب ولكن في حين ان تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة آبل دافع عن سياسات الشركة قائلا إن آبل تدفع كل دولار متوجب عليها دفعه من ضرائب, لكن الواقع ان الشركات التابعة لآبل في ايرلندا تدفع2% فقط علي ارباحها بينما يصل متوسط معدل الضرائب في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الي24%. اخر الضغوط التي تمارس علي الجنات الضريبية ما أعلنته من وضعها قائمة سوداء ب17 جنة ضريبية بينها سويسرا ولبنان وبنما وهذه الدول لم يعد بإمكان مؤسساتها المصرفية توزيع المساعدات العامة للتنمية وذلك كعقاب لها علي عدم تعاونها في مجال الشفافية. ولكن من ناحية أخري هذه الضغوط الدولية اسفرت عن انضمام لوكسمبورج, سنغافورة والنمسا لقائمة الدول التي وافقت علي تبادل المعلومات الضريبية. كما وافقت سويسرا علي التفاوض مع الاتحاد الاوروبي حول اتفاقية الضرائب الجديدة واتفاق بشأن التبادل التلقائي للبيانات المصرفية وإن كان من غير المرجح ان يغطي الاتفاق صناديق ودائع الامانات حيث تبذل سويسرا جهودا واضحة لانقاذ ماتبقي من السرية المصرفية. يذكر أنه منذ2010 قدمت سويسرا بالفعل وهي احدي الدول الاكثر جاذبية في مجال المنافسة الضريبية ما يكفي من ادانة اتحاد المصارف السويسرية بتشجيع التهرب الضريبي للامريكيين وسلمت بيانات آلاف العملاء لدي بنك يو بي اس الي ادارة الضرائب الامريكية, وحاليا مايزيد عن13 بنكا سويسريا لاتزال رهن التحقيق من قبل السلطات الامريكية للاشتباه في مساعدتها موطنين امريكيين علي التحايل الضريبي وتقدر التكلفة الاجمالية للغرامات للقطاع المالي السويسري بمبلغ يتراوح ما بين7 مليارات فرنك سويسري و10 مليارات. وقد قامت سويسرا مؤخرا بتعديل قانون الضرائب بما يسمح للسلطات المحلية بالاطلاع علي البيانات المصرفية للافراد في حالة شبهة تهربهم من دفع الضرائب وذلك في محاولة لئلا تصبح سرية الحسابات المصرفية بابا للتهرب الضريبي. كما وافقت لوكسمبورج علي رفع السرية المصرفيةعن حسابات المواطنين الاوروبيين وبالتالي تزويد دولهم بالمعلومات حولها وكذلك اعلنت النمسا استعدادها لاجراء مفاوضات مع الاتحاد الاوروبي من اجل رفع سرية الحسابات المصرفية ايضا وذلك بما يعكس بداية استسلام آخرمعاقل مقاومة السرية المصرفية.