سجلت المعارضة التي تهيمن عليها التيارات الإسلامية وحلفاؤها عودة قوية إلى مجلس الأمة الكويتي، بحصولها على زهاء نصف مقاعده بحسب ما أظهرت اليوم الأحد نتائج الانتخابات التي أجريت أمس السبت، ما يرجح عودة التجاذب السياسي للبرلمان.
وبحسب النتائج التي أعلنتها اللجان الانتخابية، نالت المعارضة وحلفاؤها 24 مقعدا من أصل المقاعد الخمسين للمجلس.
وكانت الدعوة إلى الانتخابات المبكرة أعقبت قرار أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح، حل المجلس إثر خلافات بين الأخير والحكومة على خلفية اتخاذها قرارات برفع أسعار الوقود وخطوات تقشف أخرى لمواجهة انخفاض أسعار النفط وتراجع الإيرادات العامة جراء ذلك.
وخاضت المعارضة، بمكوناتها الإسلامية والوطنية والليبرالية، هذه الدورة الانتخابية بعد مقاطعتها الدورتين الاخيرتين في 2012 و2013 احتجاجا على تعديل الحكومة النظام الانتخابي من طرف واحد.
وشاركت المعارضة وحلفاؤها بثلاثين مرشحا في الانتخابات. ويشكل الاسلاميون والسلفيون زهاء نصف عدد المعارضين الفائزين.
وفشل أكثر من نصف عدد اعضاء مجلس الأمة المنحل في الفوز بالانتخابات، كما خسر الانتخابات وزيران من اصل ثلاثة كانوا مرشحين. كما فازت امرأة واحدة فقط بعضوية المجلس، وانخفض عدد النواب الشيعة من تسعة الى ستة. واعتبرت صحيفة "القبس" الكويتية أن نتيجة الانتخابات تمثل "المفاجأة"، وأدت إلى "تغيير" بنسبة 62 بالمئة في مجلس الأمة.
وعلى رغم عودة المعارضة، إلا أن أمير البلاد سيعيد على الأرجح تسمية رئيس الوزراء جابر المبارك الحمد الصباح، أو شخصا آخر من الأسرة الحاكمة، على رأس الحكومة الجديدة، والتي يصبح وزراؤها أعضاء حكميين في مجلس الأمة.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية أن الأمير بعث "ببرقيات للفائزين"، هنأهم فيها على "الثقة التي أولاها إياهم المواطنون"، داعيا إياهم إلى "تحمل هذه المسؤولية".
ورجح محللون أن تؤدي التركيبة الجديدة لمجلس الأمة، إلى خلافات على قضايا عدة، علما بأن هذه الانتخابات هي السابعة التي تجري في الأعوام العشرة الماضية.
وقال المحلل السياسي محمد العجمي إن "مثل هذه التركيبة قد تكون سببا للأزمات ويبدو أن التصادم ليس بعيدا"، معتبرا أن "مواضيع الخلاف أيضا موجودة مثل سحب الجنسيات وفرض إجراءات التقشف وغيرها".
وعمدت السلطات في العامين الماضيين إلى سحب جنسيات العديد من المعارضين وأفراد عائلاتهم لالأسباب شتى. كما شكلت اجراءات التقشف الحكومية محورا اساسيا في الحملات الانتخابية، اذ تعهد المرشحون رفضها ومنع فرض رسوم اضافية. وفي ظل التجاذبات حول التقشف، سجلت الانتخابات نسبة اقبال ناهزت 70 في المئة.
وعرفت الكويت، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك)، بتقديم امتيازات واسعة وسخية لمواطنيها البالغ عددهم 1,3 مليون نسمة من اصل 4,4 ملايين هو مجمل عدد السكان. واتت خطوات التقشف لتمثل تغييرا بعد عقود من الدعم الحكومي، وضمن خطة شاملة تتعهد اتخاذ اجراءات اضافية مماثلة. وتتمتع الكويت التي تنتج زهاء ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميا، بواحد من اعلى مستويات الدخل الفردي عالميا (28,500 دولار، بحسب صندوق النقد الدولي لعام 2015). الا ان الامارة، كغيرها من الدول المنتجة، تعاني من تراجع ايراداتها النفطية التي تشكل الغالبية العظمى من مجمل مدخولها. وسجلت الكويت عجزا ماليا بلغ 15 مليار دولار في السنة المالية 2016/2015، هو الاول منذ 16 عاما، ما دفع الحكومة الى اتخاذ اجراءات شملت رفع اسعار الوقود ورفع اسعار الكهرباء والمياه للمقيمين الاجانب للمرة الاولى منذ 50 عاما. واثارت القرارات الحكومية انتقادات واسعة من النواب والمواطنين. وللحد من النقمة، وعدت الحكومة بتوفير كمية من الوقود المجاني للمواطنين شهريا، الا ان الخلافات بين مجلس الوزراء ومجلس الامة لم تتوقف الى حين صدور مرسوم الحل. ورأى المحلل السياسي داهم القحطاني ان "الشعب الكويتي صوت ضد إجراءات التقشف وضد سحب الجنسيات وضد من يعتقد انهم خذلوه سواء من الحكومة او المجلس السابقين". واعتبر ان على الحكومة "ان تتقدم بمبادرات وخطوات للتهدئة لتتجنب الصدام مع المجلس القادم"، مشيرا الى ان "مثل تلك المبادرات قد يؤدي الى إيجاد توازن سياسي مطلوب ... وإلا فان الصدام قد يبدأ منذ اليوم الاول".
وتتمتع دولة الكويت بحياة سياسية نشطة إلى حد ما تختلف مع الدول الخليجية النفطية الأخرى، وهي كانت اولى دول الخليج التي تقر في العام 1962، دستورا نص على انتخاب برلمان. وفي 1963، بات لها اول برلمان منتخب. ويقوم النظام السياسي على الملاءمة بين نظام برلماني وحكم أميري ذي صلاحيات واسعة.
ورافقت الانتخابات آمال متواضعة بتحقيق الاستقرار السياسي، إذ شهدت الكويت منذ منتصف 2006، أزمات حادة شملت حل مجلس الأمة سبع مرات.
وقالت "القبس" إن الانتخابات "أفرزت مجلسا يوحي بمشهد سياسي ساخن في المرحلة المقبلة".