في الوقت الذي تواجه فيه الكويت أزمة اقتصادية حادة على واقع تهاوي أسعار النفط؛ ما أدي إلى اعتماد الحكومة سياسة جديدة من التقشف، يشهد السبت انتخابات تشريعية مبكرة؛ أملًا في أن تنتج برلمانًا يساهم في لجم خطة الحكومة التقشفية. وأصبح الكويتيون يسمعون عن إجراءات لتقليل الإنفاق لم يتعودوا عليها على مدى عقود ماضية، فبالرغم من حالة الرخاء الاقتصادي التي كانت تعيشها الكويت، إلا أن التقشف أصبح ضرورة ملحة لحكومة الكويت بصفة خاصة والخليج بصفة عامة، في ظل تهاوي أسعار النفط والضربات الاقتصادية الموجعة التي تلقاها مجلس التعاون الخليجي، لذلك ضغطت سياسة التقشف على حملات الانتخابات التشريعية، وشكل رفض الخطة الحكومية محورًا أساسيًّا للمرشحين في الانتخابات السابعة التي تنظمها البلاد خلال عشرة أعوام، وتشهد هذه السنة عودة أطراف معارضة للمشاركة بعد مقاطعة دورتي 2012 و2013. تاريخ الكويت وحياتها السياسية تعتبر الكويت من الدول الصغيرة نسبيًّا، فمساحتها لا تتعدى ال 17ألفًا و820 كلم مربعًا تقريبًا، وعرفت الكويت، العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بتقديم امتيازات واسعة وسخية لمواطنيها البالغ عددهم 1.3 مليون نسمة من أصل 4.4 ملايين هو مجمل عدد السكان، حيث تتمتع الكويت التي تنتج زهاء ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميًّا، بواحد من أعلى مستويات الدخل الفردي عالميًّا (28500 دولار، بحسب صندوق النقد الدولي لعام 2015)، لكن أتت خطوات التقشف لتمثل تغييرًا بعد عقود من الدعم الحكومي، وضمن خطة شاملة تتعهد باتخاذ إجراءات إضافية مماثلة. ونالت الكويت استقلالها السياسي عن بريطانيا عام 1961، حيث تحكم هذه الدولة الخليجية أسرة «آل الصباح» منذ ما يقارب 250 عامًا، وفي 1963 انتخبت الكويت أول برلمان لها؛ لتعتبر يومها الدولة الخليجية الأولى التي تنتخب مجلسًا للنواب من الشعب، كما اعتبرت أول دولة في الخليج تقر دستورًا يساهم في انتخاب مجلس نيابي، ورغم هذا التطور الذي شهدته البلاد، إلا أن دور المرأة فيها بقي محدودًا جدًّا على الصعيد السياسي حتى عام 2005، عندما أقرت البلاد حق المرأة في الترشح والانتخاب، بعد أن بقي هذا الحق مقتصرًا على الذكور لعقود. وفيما يتعلق بالإدارة السياسية في البلاد، يشغل أفراد أسرة الصباح المواقع الرئيسية في الحكومة، إضافة إلى مقاعد في مجلس الأمة، وبموجب الدستور الكويتي، يجب ألا يتخطى عدد أعضاء الحكومة بمن فيهم رئيسها 16 شخصًا، وأن يكون بينهم عضو على الأقل من البرلمان. في السنوات الماضية ارتفع نشاط الأحزاب السياسية المعارضة في البلاد التي تمنع قانونيًّا تأسيس الأحزاب، قبل أن تقاطع المعارضة الدورتين السابقتين. المرحلة الراهنة وواقع التقشف واجه النواب في البرلمان السابق والمواطنون انتقادات لاذعة للحكومة بعد إجراءات التقشف، وللحد من هذه الإجراءات وعدت الحكومة بتوفير كمية من الوقود المجاني للمواطنين شهريًّا، إلا أن الخلافات بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة لم تتوقف، الأمر الذي دفع أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح الشهر الماضي لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة. يقول المرشح للبرلمان الكويني الحميدي السبيعي إن الحكومة "تعرف كيف تأخذ من جيوب المواطنين، لكنها لا تعرف كيف تأخذ من التجار"، داعيًا الكويتيين إلى أن يختاروا "المرشحين الذين يحمون مصالحهم ومستقبلهم"، معتبرُا أن "البعض في السلطة يريد أن يذل الكويتيين.. فالكويت أغنى دولة وأفقر شعب"، لكن في نفس الإطار تؤكد الإحصائيات الحكومية أن الكويت سجلت عجزًا ماليًّا بلغ 15 مليار دولار في السنة المالية 2016/2015، هو الأول منذ 16 عامًا، ما دفع الحكومة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية للمرة الأولى منذ 50 عامًا. ويواجه البرلمان السابق اتهامات، منها أنه كان متساهلًا مع الحكومة، حيث فشل في منع الدولة من فرض إجراءات تقشفية، ويرى مرشحون أن البرلمان السابق لم يحاسب الحكومة كما يجب، وقال المرشح بادي حسيان الدوسري إن المجلس الذي كان من المقرر أن تنتهي ولايته السنة المقبلة "لم يكن على قدر طموحات المواطنين، بسبب مهادنته للحكومة، وعدم ممارسة دوره الرقابي في محاسبتها"، مؤكدًا أن "الحكومة نفسها اتجهت نحو المواطن كي يدفع الفاتورة". ورد رئيس البرلمان السابق مرزوق الغانم على هذا الهجوم قائلًا: «إن البرلمان السابق نجح في تحقيق استقرار سياسي نسبي، وأقر عددًا غير مسبوق من القوانين، وساعد على تحريك عجلة مشاريع التنمية»، فيما رأى محللون أن الانتقادات ضد المجلس السابق ترفع من حظوظ المعارضين والبرلمان الجديد. ويقول المحلل عايد المناع "أعتقد أن عودة المعارضة هي أهم تطور في هذه الانتخابات"، مضيفًا "اعتمادًا على نتائج المعارضة في الانتخابات فإن عودتها قد تؤدي إلى إطلاق مصالحة وطنية؛ لتنهي سنوات من الخلافات الشديدة". وقاطعت غالبية الأطراف المعارضة دورتي ديسمبر 2012 ويوليو 2013، احتجاجًا على تعديل الحكومة النظام الانتخابي من جانب واحد، إلا أن الأطراف المعارضة قررت المشاركة في هذه الدورة، وترشيح 30 من أعضائها بينهم العديد من النواب السابقين، إضافة إلى سياسيين متحالفين معهم. ويرجح المحلل داهم القحطاني أن تنال المعارضة زهاء 15 مقعدًا، إضافة إلى ثمانية مقاعد لمؤيدين لها، ما قد يمنحها كتلة وازنة في البرلمان، ويضيف "هذا سيجعل الحكومة ومؤيديها يتمتعون بأغلبية هشة؛ ما يشكل سببًا مهمًّا في عدم الاستقرار السياسي"، لكن طبقًا للمذكور سلفًا فإن رئيس الوزراء المقبل سيكون فردًا من الأسرة الحاكمة، وسيعينه الأمير، وعادة ما يسمي رئيس الحكومة وزراء من خارج مجلس الأمة، إلا أنهم يصبحون أعضاء فيه، يتمتعون تقريبًا بالصلاحيات نفسها للأعضاء المنتخبين، ما يمنح الحكومة قدرة تصويت ذات ثقل سياسي.