د. خالد سعيد " اليوم الأول لإسرائيل بدون بيرتس.. مات الحائز على نوبل للسلام .. توفي أحد مؤسسي دولة إسرائيل .. انتقل إلى ربه القبة الحديدية لبلاد ( إسرائيل ) " هكذا علقت وسائل الإعلام الصهيونية، المنشورة باللغة العبرية، على وفاة شمعون بيريز، الرئيس الإسرائيلي السابق، ورئيس الوزراء الأسبق، الذي وافته المنية فجر الأربعاء، بعد أن استيقظ الكيان على خبر وفاته، رغم ميتته الإكلينيكية منذ أسبوعين مضت! حيث أغدقت عليه الشكر والثناء، لتكوينه بلادهم الغاصبة، ثم الرثاء لرحيله وبقائهم وحدهم دون قبة حديدية، والمقصود بها " قناع يحمي المستوطنين الصهاينة " من العرب " الإرهابيين "! لتتشح إسرائيل بالسواد، حتى كتابة هذه الكلمات، وربما لعدة أسابيع قادمة، فالكيان الصهيوني لن يعوِّض شخصية إجرامية مثل بيريز!! بيد أننا نقول : " كم أراق من دماء عربية طاهرة، إسلامية ومسيحية، وكم أزهق من أرواح بريئة كانت تسبح بحمد ربها، ومات دون محاكمة عربية وإسلامية، لارتكابه جرائم إنسانية يستحق عنها السجن للأبد، أو الإعدام على كرسي كهربائي، أو الموت شنقًا، أو الدفن حيًا، كما سبق وساهم في قتل الآلاف "! استيقظ المجتمع الدولي فجر الأربعاء مع خبر، سبق توقعه منذ أسبوعين، وفاة الصهيوني شمعون بيريز، في عاصمة الكيان، تل أبيب، عن عمر يناهز 93 عامًا بعد إصابته بسكتة دماغية قبل نحو أسبوعين.بيرتس، أحد الشخصيات الرئيسية في إسرائيل، والتي أسهمت، وبقوة، في رفع شأنها في الأوساط الدولية، .. تمتع بيرتس بشخصية فريدة من نوعها، بالدهاء والمكر، والكاريزما في آن، والحنكة الدبوماسية والقيادة العسكرية، كونه دبلوماسي على خلفية عسكرية، ضمن عصابات صهيونية استباحت قتل الفلسطينيين الأبرياء العُزَّل قبيل تكوين دولته الغاصبة، ورغم هجرته من بولندا وهو في الصغر، لكنه منذ أن وطأت أقدامه الأراضي الفلسطينية وهو يستبيحها عمدًا، وبعد توليه مناصب سياسية رفيعة نجح في شرعنة الاحتلال الصهيوني، والاندماج في المؤسسات الدولية، وعمد على " توتيد " أركان إسرائيل، وساهم في تكوين دولة كانت من قبل عبارة عن عصابات مسلحة! يستحق بيرتس أو بيريز أحد جوائز العالم الأكثر إجرامية، إن جاز التعبير، فسجله وتاريخه حافلين بالمجازر والمذابح ضد المواطنين العرب والفلسطينيين، بدأها بالانضمام لعصابة " الهاجاناه " الإجرامية، وشارك في جُل المذابح التي سبقت تكوين الدولة، ليتوجّ بتعيينه بوزارة الحرب الإسرائيلية، ليساهم آنذاك في تدشين البرنامج النووي الإسرائيلي؛ والغريب أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، الصادرة باللغة العبرية، تفتخر وتزهو بتاريخ بيرتس الحافل بالاغتصاب والقتل والذبح، وذلك كله رغم وصفه ب " المسالم "، ولكنه " المخادع " في حقيقة الأمر. اشترك، بداية في عصابات تسليح الصهاينة قبيل تكوين دولة " إسرائيل "، وقتل الفلسطينيين وتشريدهم من أراضيهم، ليضع لبنة قوية في تدشين الدولة عبر المساهمة في دمج تلك العصابات معًا بعيد الانتهاء من حرب 48 " حرب الاستقلال " كما تدعي تلك الوسائل الإعلامية، بدعوى تحريرها من العرب والمسلمين عبر قرون طويلة من الزمان، حيث شارك أساسيًا في المذابح التي جرت بحق الفلسطينيين طوال حقبة الأربعينيات من القرن الماضي، وحتى العام 1952. ورغم ولادته في العام 1923، ببولندا، فإن هجرته لفلسطين في العام 1934 كانت وبالاً على الأمتين العربية والإسلامية، إذ يعد هذا المجرم أحد المؤسسين الحقيقيين للكيان الصهيوني، ويرفق اسمه بديفيد بن جوريون ويتسحاق رابين، ومناحم بيجين، ولكل منهم سجله الحافل في تقتيل الفلسطينيين والعرب! بعيد حرب 48 مباشرة، وبعد تكوينه للجيش الإسرائيلي، بات بيرتس رئيسا للخدمات البحرية في القوات البحرية للجيش الإسرائيلي، ليسرع به القدر ليشغل منصب رئيس بعثة وزارة الحرب الصهيونية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لثلاثة أعوام، تقريبًا، ليعود إلى إسرائيل، ويعينه ديفيد بن جوريون، رفيق دربه، قائم مقام، وفيما بعد مديرًا عاماً لوزارة الحرب، وهو أشهر المناصب الرفيعة التي تولاها شمعون بيرتس قبيبل توليه رئاسة الوزراء أو الرئاسة في تل أبيب! يعد بيريز مهندس العدوان الثلاثي على مصر، في العام 1956، الذي اشتركت فيه إسرائيل مع بريطانياوفرنسا، بدعوى تأميم الرئيس جمال عبد الناصر لقناة السويس في العام نفسه، ليتدخل بيرتس بنفسه في شبه جزيرة سيناء لعدة أشهر وبقيادته استمر في سيناء حتى الانسحاب منها في مارس من العام التالي 1957، ليستمر بعدها شمعون في شراء السلاح للكيان الصهيوني من الغرب، الذي ساعده في " توتيد " أركان هذا الكيان الوليد، بعد وصفه بحارس الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط. دخل بيريز السلك السياسي بانتخابه عضوًا بالكنيست في العام 1959، ليعُيّن بعدها مباشرة نائباً لوزير الحرب الإسرائيلي، آنذاك، دافيد بن جوريون، وظل في منصبه مدة ست سنوات حيث أقام الصناعة الجوية والإلكترونية والنووية وسلطة تطوير الوسائل القتالية، فضلاً عن كونه مؤسس البرنامج النووي الإسرائيلي.كان شمعون عضواً في الكنيست مدة 48 عاماً، وهي أطول فترة عضوية في تاريخ البرلمان، وعمل كوزير في 12 حكومة إسرائيلية متعاقبة، حيث تقلد وزارات وحقائب عدة، من بينها المالية والحرب والخارجية. عمل بيريز أثناء توليه منصبه الرفيع، والمهم في تاريخ إسرائيل عامة، على تعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية مع فرنسا، تحديدًا، حيث يعتبر مؤسس المفاعل النووى فى "ديمونا" بصحراء النقب، بعد أن أقنع الفرنسيين بضرورة بنائه والحصول على مساعدات ضخمة منهم لأجل هذا الهدف. ونجح بالفعل في مقصده! فقد حصل على صفقات سلاح ليزود بها الجيش الإسرائيلى الصغير، آنذاك، بأفضل ذخيرة فى تلك الفترة، وزودت فرنسا إسرائيل بعشرات الدبابات، والطائرات النفّاثة، ونظم المدفعية والرادارات، وجُل الأسلحة الحديثة في هذه الفترة. وعلى الرغم من تلك المذبحة التي راح ضحيتها العشرات، فإن المجتمع الدولي ما يزال يذكر لبيرتس مساهمته في اتمام اتفاق أوسلو في العام 1993، ومن قبله اتفاق مدريد في العام 1991، واللذان ساهما في حصوله على جائزة نوبل للسلام، بالاشتراك مع رفيق دربه يتسحاق رابين، والرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، في العام 1994. في وقت نجح في توقيع اتفاق التطبيع مع الأردن، اتفاق وادي عربة في العام نفسه، 1994. وبعدها بعامين، وخلال توليه رئاسة الحكومة الصهيونية، نفذ الجيش الإسرائيلي مجزرة قانا الأولى في لبنان عام 1996 وهي العملية العسكرية التي عرفت باسم "عناقيد الغضب"! ما أدى إلى قتل العشرات من اللبنانيين، ليطالب المجتمع الدولي بسحب الجائزة من المجرم دون جدوى! بعد أن استخدمت الولاياتالمتحدةالأمريكية حق النقض ( الفيتو )! الثابت عن بيريز لدى قطاع عريض من المجتمع الدولي في الفترة الراهنة أنه رجل سلام، وكثيرًا ما دعى الجانب الفلسطيني للسلام، حتى بعيد توقيع اتفاقي، أوسلوومدريد، لكن هذا المجتمع يجب أن يدرك أنه لو أراد المجرم بيرتس السلام بالفعل لانسحب من الأراضي الفلسطيني والعربية المحتلة، ولا يفعل كما يزعم كُتاب حركة " المؤرخون الجدد " من تحسينهم لصورة الكيان الصهيوني، بزعم دعوتهم الدائمة للسلام، دون جدوى من الشعب الفلسطيني، وبزعم أنه لا يوجد فلسطيني يمكن التحدث معه، ولكن ما يرغب فيه المؤرخون الجدد ، أو حركة ما تسمى ب " ما بعد الصهيونية " ومن قبلهم بيرتس ورفاقه هو تحسين صورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، الذي تتسع فيه رقعة المقاطعة الدولية " بي دي أس "، وبشكل مطرد!! يشار إلى أن بيريز لم يكتف بالمذابح التي قام بها قبيل تكوين دولته الغاصبة، أو مذبحة قانا الأولى، وإنما أمر بإجهاض الانتفاضات الفلسطينية الأولى والثانية، وما تسمى حاليا بالانتفاضة الثالثة، انتفاضة الطعن والدهس، أو انتفاضة السكاكين، وكان يعمل في الخارج على تحسين صورة الكيان الصهيوني، بدعوى أن ما يقوم به الفلسطينيون هو عمل " إرهابي وإجرامي "، وما تقوم به إسرائيل هو رد فعل وليس الفعل نفسه! وهو الدور الذي أتقنه، للأسف، مع توليه رئاسة الوزراء، غير مرة، أو أثناء منصبه الأخير كرئيس لدولة إسرائيل! أعلنت إسرائيل الحداد على رئيسها السابق، ورئيس وزرائها الأسبق، ووقفت الحكومة الحالية، حكومة بنيامين نتانياهو، دقيقة حدادًا على روحه " الطاهرة "! وسيظل اسمه في تاريخ الكيان كأحد ألمع نجومها الساطعين، سواء في المجال العسكري أو السياسي، ويكتب اسمه بأحرف من نور، خاصة لو قلنا أن المركز البحثي الذي دشنه قبل سنوات " مركز بيريز للسلام " يحمل معنى السلام، دون مضمونه، ويبقى بيرتس في ذاكرة الأمتين، العربية والإسلامية، أحد عتاة الإجرام في العالم، ليذهب إلى ربه دون أن يُحاكم!!