جيهان محمود شابة في منتصف الثلاثينيات تمضي بخطوات ثقيلة مثل حِملها، في يدها شنطة معبأة بالخضار ومستلزمات البيت، وعلى كتفها شنطة تمسكها بحرص شديد، فيها باقي مرتبها الذي أنفقت ثُلثه قبل أن تصل إلى بيتها، تنظر إلى الطريق بذهن شارد، تضرب أخماس في أسداس.. كيف ستقضي باقي الشهر بالمبلغ المتبقي، وهي لم تدفع بعد فلوس الجمعية المشاركة فيها لتسد جزء من مصاريف المدراس لأبنائها الثلاثة، الأكبر في الخامسة ابتدائي، والأوسط في الثالثة، والصغير في أولى حضانة. تفكر في مستلزمات الدراسة من زي مدرسي وكتب وكشاكيل وأقلام ودروس خاصة.. نعم هم لا يزالون في المرحلة الإبتدائية، ولكن لا مفر من إعطائهم تلك الدروس حتى يجتازوا سنواتهم الدراسية بسلاسة، دون تعثر في أي مادة، يرسبه فيها المدرس إذا لم يستجب له ويأخذ الدرس الخصوصي. تصل السيدة إلى بيتها، ولم تجد حلاً لأزمتها المستمرة، ما بين توفير احتياجات أولادها من مأكل ومصاريف مدارس، ومستلزمات عيد الأضحى.. لتجد نفسها رهينة الحزن والمرض، الذي ارتفع سعره هو أيضًا في ظل المبالغ الباهظة التي وصل إليها سعر الدواء وكشف الطبيب، أزمة يعجز البنك الدولي عن إيجاد حلٍ لها.. فكيف تواجه تلك السيدة –ومثلها معظم بيوت مصر- الأزمة المالية المتكررة؟ ومرتبها لا يتعدى 1500 جنيه فقط لا غير، وهي وحدها تركها زوجها بلا نفقة أو دعم مادي أو معنوي، وذهب إلى امرأة أخرى. بالطبع مشكلة هذه الشابة ليست متفردة، لكنها في معظم الأسر المصرية، التي تعاني من عجز مالي يفوق تحملها للعديد من مشاكل الحياة، فالغالبية العظمى دخلهم محدود لا يزيد منذ سنوات، ونفقاتهم تزيد مع ارتفاع أسعار كل احتياجاتهم، بلا رحمة ولا رأفة بحالهم ممن يتحكمون في هذا الارتفاع المستمر، فلا بيت ليس به مريض، كبير أو صغير، فماذا يفعل رب البيت في تلبية احتياجات أسرته، مصروفات يومية لا غنى عنها، سواء الأكل والشرب بأبسط السلع من خضار، ومواد غذائية، حتى أن بعض الأسر أصبحت الفاكهة واللحوم وأيضًا البيض لم تعد من أساسياتها، بعد عجزت كثير من الأسر عن شرائها. وهناك مصروفات شهرية أخرى أساسية، مثل: فواتير الكهرباء الملتهبة والمياه، كلها في ازدياد مخيف، فبعض الأسر التي كانت فاتورة الكهرباء عندها لا تتعدى 30 أو 50 جنيه، زادت عن 150 جنيه، وأيضًا الغاز أو أنبوبة البوتاجاز التي وصل سعرها إلى 70 جنيه في بعض الأماكن، فضلاً عن أجرة سكن، ومصروفات المنظفات للبيت والملابس. الله وحده يعلم كيف يقضي كل رب أسرة أيامه بدخله المحدود، وعليه أن يدفع كل هذه الإلتزامات، وعليه أيضًا توفير مصروفات التنقل بالمواصلات عامة أو غيرها، ومصروفات ملابس العيد او المدرسة، إلى جانب بعض المصروفات الاجتماعية مثل: نقوط المناسبات سواء في عرس أو مولود جديد لقريب أو صديق سبق أن جامل في مناسبات سابقة، فيجب وضع تلك المصروفات في الحسبان عند وضع ميزانية البيت. ولا شك أن هناك نفقات ومصروفات تفوق طاقة العديد من الأسر، مما يترتب عليه أن يلجأ رب الأسرة –سواء رجل أم امرأة- إلى كتابة كمبيالات أو شيك بدون رصيد على نفسه، وتكون النتيجة أن لدينا كثير من الغارمين والغارمات في السجون، بسبب عجزهم عن توفير احتياجات أسرهم. والغريب أن المسئولين في الدولة منهم من يخرج علينا بتصريحات مستفزة وكأنهم لا يعيشون في تلك البلد، مثلما قال وزير الكهرباء للمتضرريين من ارتفاع الفاتورة: إن الزيادة لا تساوي ثمن كوب شاي.. وغيرها من التصريحات المستفزة التي لا تراعي الفقراء ومحدودي الدخل. فيما نجد بعض المسئولين يعلم أن كثير من الأسر المصرية لا تستطيع تلبية احتياجاتها، مؤكدًا أن متوسط دخل الفرد فى مصر تناقص خلال السنوات الماضية، وهو وضع غير قابل للاستمرار، انعكس على قضية الاستثمار، هذا ما جاء على لسان الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى منذ عامين--ولا يزال-، لافتًا إلى أن معدلات البطالة ارتفع خلال السنوات الأخيرة إلى 13.4% وهو رقم كبير جدا، وأن 28% من هؤلاء العاطلين كانوا يعملون، وبسبب الظروف الاقتصادية التى مرت بها البلد توقفوا عن العمل.