فى دورات حقوق الإنسان مازال هناك من يستغل حادثة "رابعة" ومقتل ريجينى وأحداث نقابة الصحفيين .. لمجرد توجيه الانتقادات لمصر - العلاقات الإستراتيجية والمساعدات الاقتصادية لن تمنعنا من الدفاع عن وجهة نظرنا
ينتمي السفير عمرو رمضان، رئيس البعثة المصرية الدائمة في الأممالمتحدةبجنيف، إلى طراز خاص من أبناء الخارجية المصرية العريقة الذين يخدمون جميعا وطنهم بإخلاص وحب. وقد ذهبت لمقابلة الرجل في مقر البعثة المصرية في أحد أرقى أحياء جنيف. المقر عبارة عن شقة كبيرة يعمل بها حوالي 20 شخصا من الدبلوماسيين والموظفين. مشيت في ممر طويل حتى وصلت إلى مكتبه ودخلت، فذهلت من تلال الأوراق ومئات التقارير الموجودة على المكتب. استقبلني السفير عمرو رمضان، وبعد تعارف سريع بدأت أسئلتي ودار الحوار بيننا كالتالي: نلاحظ في الفترة الأخيرة نشاطا ملحوظا للبعثة المصرية الدائمة بالأممالمتحدة ولرئيس البعثة بصفة خاصة.. ما الجديد؟ نحن نريد نقل صورة واقعية عما يجرى في الأممالمتحدة، على مستوى مناقشة موضوعات محددة أو موقف مصر وباقي الأعضاء من تلك الموضوعات. فعلى الرغم من أن لدينا اجتماعات كثيرة مفتوحة لمنظمات المجتمع المدني، لكن ليس بإمكان كل منها أن يأتي من مصر لحضورها ومتابعتها، بسبب تكلفة السفر والإقامة والتسجيل، لذا نحرص على نقل الصورة كاملة للإعلام المصري،كى يتابعنا القارئ المصري وكأنه معنا. أعتقد أن جزءا من توضيح الصورة هو شعور القراء بأن هذه الاجتماعات التي لا تنتهي تصل إلى أشياء محددة، وليس مجرد مداخلات في مؤتمرات وعند النهاية يعود كل واحد إلى منزله وكأن شيئا لم يكن. يا سيادة السفير المطلوب هنا أن يصدق القارئ أن اجتماعات الأممالمتحدة ليست مجرد كلام وإدانات وشجب. حدثني عن مناقشات لجنة حقوق الإنسان مثلا، وكيف كانت الاتهامات قوية لمصر؟ وماذا كانت ردود مصر عليها؟، ونحن نعلم أيضا أنها كانت في منتهى القوة.. قل لي ماذا يفعل رئيس البعثة حال الهجوم على مصر؟ بدون ذكر أسماء.. الدول الكثيرة الموجودة في المنطقة.. ليس وضعها في سجل حقوق الإنسان أفضل من مصر، وللعلم أنا هنا أتحدث بصفة عامة ولا أتحدث فقط عن الدول العربية. كلنا نعلم أن سجلاتها ليست أفضل من مصر. ولا أحد يتعرّض لها ولا أحد ينتقدها ولا يطرحها للنقاش. وهنا علينا أن نسأل أنفسنا لماذا؟ فإذا كان المستهدف هو حالة حقوق الإنسان، يكون من المفترض والمنطقي أن تتعرّض المناقشات لأكبر دولة بها انتهاكات لحقوق الإنسان، وصولا إلى أقل دولة بها انتهاكات. وعموما، لا توجد دولة ليس بها انتهاكات. والانتهاكات أنواع: بعضها ممنهج، وأخرى يقوم بها أفراد، مثل التفرقة العنصرية، وقتل الأجانب، والإهانة وغيرها. وعادة، لا تقوم الحكومات بمثل هذه الممارسات. وإذا قمنا بعمل أي مقياس موضوعي، سوف نجد أن وضعنا أفضل بكثير مقارنة بوضع الآخرين. ومع هذا، فإننا نحظى بمساحة كبيرة جدا من التركيز وتسليط الضوء علينا وأكثر من غيرنا. إذن وبدون فصال، الموضوع مسيّس، لكن لماذا نحن مستهدفون؟ هذا سؤال مهم لن أجيب عليه وسأترك غيري يجيب. لكن لنرى ما دور مصر في المنطقة؟ ماذا لو كانت مصر – لا قدر الله - سقطت؟ كيف كانت ستبدو المنطقة؟ ما الأطراف التي كانت تخطط لمستقبل المنطقة وماذا كانت الخطط؟ من الذي كان يبحث عن السماح بالفوضى الخلاقة؟ من كان يبحث عن تنظيمات دينية تتولى الحكم؟ من هو الذي يعمل في الخفاء ضد مصر؟ هناك استهداف لمصر وتوجد متابعة لصيقة لكل صغيرة وكبيرة تحدث في مصر. الأحداث الأخيرة في نقابة الصحفيين حظيت باهتمام كبير، وكأن حرية الصحافة تنتهي في مصر. وقصة الشاب الإيطالي جوليو ريجيني حازت أيضا على متابعة كبيرة. وأحكام الإعدامات الجماعية التي وصل عددها إلى حوالي 1500 على مدار أقل من شهر. القاضي، لم يصدر الحكم بإعدامهم إنما حول أوراقهم إلى فضيلة المفتي لأخذ رأيه. وقد وافق فضيلة المفتي على حوالي 30 حالة ولم يوافق على الباقين. ولم تستكمل القضية وتم تحويلها إلى دائرة أخرى. وحتى إذا افترضنا أنه تم الحكم بالإعدام، فهناك شيئان: أولا معظم المتهمين هاربون والأحكام غيابية. ولذلك عندما يتم القبض عليهم، يلزم القانون المصري بعمل إعادة للمحاكمة. الشيء الثاني أن المتهمين يمثلون أمام محكمة درجة أولى ثم محكمة الاستئناف ثم النقض، بعدد حوالي 27 قاضياً. فهل جميعهم لن يكون لديه قدر من الحكمة والعدل والنزاهة بما يكفي لأن يحكم في قضايا متعلقة بأرواح الناس! وأين نظرية المؤامرة هنا؟ برغم عدم إعدام هذا العدد من المتهمين، ظهر على شريط الأخبار في الأممالمتحدة أن مصر تعدم 491، ثم أعلنوا أنهم 500 شخص! وكأن الإعدامات تمت بالفعل.. ولم تنشر الوقائع التي ذكرتها عموما، الهيئة القضائية تعاملت مع هذا الموضوع، وتم نقل القاضي إلى مهام بعيدة عن المهام الجنائية، وتم التصحيح داخليا دون تدخل السلطة التنفيذية، لأنه يوجد فصل كامل بين السلطات. هذه القصة بدأت منذ نحو عامين، وبرغم ذلك نجد من يتحدث عنها حتى اليوم، وكل مرة نرد بأن الإعدامات لم تنفذ. في دورات حقوق الإنسان، واحدة تلو الأخرى، نظل نشرح الموضوع نفسه للأطراف نفسها، التي نشعر أنها لا تريد الاستماع للحقيقة ولا للواقع. هناك إرادة تريد استغلال القضية لمجرد النقد وتوجيه انتقادات إلى مصر. وهذا واضح. ويتكرر السيناريو نفسه بخصوص أحداث رابعة، فقوائم الانتقادات يضاف إليها دائما ولا يطرح منها أي شيء، ونحن نرد بقوة على كل هذا. إننا نسمع بالفعل عن انتقادات كثيرة لمصر ونسمع أيضا عن ردود قوية كالسهام تقدمها البعثة المصرية ويذهب صداها إلى وسائل الإعلام المصرية والدولية. وكأن الخارجية قد بدأت تخرج أظافرها للنيل من المنتقدين. نحن المصريون فخورون بالردود، مع العلم بأننا لسنا معتادين على هذا النوع من ردود الفعل الدبلوماسية. ما تعليقك؟ أولا: هذا ليس بجديد على الدبلوماسية المصرية، ووزارة الخارجية أرست هذا التوجه السياسي منذ فترة طويلة. والواقع أن سيادة الوزير سامح شكري عندما كان سفيرا ومندوبا دائما هنا في جنيف في 2006 كان يتبنى مواقف أشد من هذه بمراحل. لكن وقتها لم تكن التغطية الإعلامية كافية، بل ولم يكن هناك اهتمام إعلامي من الأصل. فكانت الردود تظل حبيسة الأبواب المغلقة دون أن تصل للإعلام. التواصل مع الإعلام لم يكن كافيا في الفترة السابقة، لكن اليوم تغير الوضع ويوجد اهتمام بالمتابعة؟ كيف؟ المعلومات متوافرة. فاجتماعات حقوق الإنسان تبث مباشرة على قناة الأممالمتحدة، ويمكن لأي صحفي أن يتابع الجلسة مباشرة من مصر أو من أي دولة. وفي أوقات كثيرة قبل أن أقوم بالتبليغ عما جرى في الجلسة، أجد أنه تمت مشاهدتها. نحن لا نريد ترك الساحة لوجهة نظر واحدة، ومن حقنا أن نقدم روايتنا لما جرى، ولا ننكر أننا نتعرض لانتقادات وأن قرار ما قمنا بتقديمه لم يمرر للتصويت أو لم يوافق عليه. فمن باب الشفافية، يحق للناس أن تعلم الحقيقة، وهناك معلومات سرية لا نعلن عنها. أنا أعترف أن بعض ردودنا على الانتقادات أقوى من ذي قبل، لكن دعيني أقول أن ثورة 25 يناير قامت على المطالبة ب "العيش.. الحرية.. الكرامة". هذه الكرامة ليست فقط كرامة للمصري في بلده فقط ولكنها كرامة للمصري في الخارج أيضا. المصريون لم يعودوا يقبلون أن تعامل بلدهم معاملة بها إذلال أو تبعية لأحد. المصريون يريدون أن يجدوا بلدهم صوتها حر ومستقل ولا تخاف من أحد. حتى لو أخذت مصر مساعدات اقتصادية من بعض الدول، أو لها علاقات إستراتيجية مع البعض الآخر، حتى لو لها تحالفات هنا وهناك، وهذا شيء طبيعي لدولة محورية مثل مصر، إنما لن تخاف مصر من أن تعبّر عن وجهة نظرها، حتى لو اختلفت وجهة النظر هذه مع الآخرين. وطبيعي على ضوء هذه المعطيات أن يلاحظ الجميع أننا نتكلم بوضوح أكبر وبصراحة أكبر. أحيانا يكون بعض الذين ينتقدوننا هم أيضا موضع انتقادات.. ففي الشهر الماضي، ظهر تقرير السي آي إيه (وكالة الاستخبارات الأمريكية) عن التعذيب في العالم وبدأنا نعرف دورها في التعذيب الذي يتم في عدة مناطق. في هذه الحالة، لا يمكننا عدم توجيه نقد للولايات المتحدة ولا يمكن قبول نقد يوجه إلى مصر فقط. نحن في النهاية جزء من وزارة الخارجية، ووزارة الخارجية جزء من الدولة المصرية، وبالتالي نحن نعمل بناء على تعليمات وبالتنسيق مع المسئولين في مصر وليس على هوى مغامرات غير محسوبة. نحن نتعامل مع الجميع بمودة واحترام حتى وإن كان هناك اختلاف في وجهات النظر. نحن نرد إعمالا لحق الرد، وحتى الانتقادات التي نبادر بتقديمها في أمور تخص الآخرين، مثلما يفعل الجميع في المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان، لا نقدمها في شكل عدائي. الأممالمتحدة محفل دولي لمناقشة هذه الموضوعات. صدر الأسبوع الماضي تقرير للمفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد عن وضع حقوق الإنسان في العالم، وتطرق التقرير إلى بعض الأوضاع في مصر، وقد علمنا من وسائل إعلام كثيرة أن لرئيس البعثة الدائمة لمصر ردا ناريا عليه. ما اعتراضات مصر على هذا التقرير؟ لم يقدم الأمير زيد تقريرا ولكنه قدم إحاطة بما يجرى في هذا المجال. والإحاطة هي عبارة عن تقريرا شفهيا يتم تقديمه للمجلس عن تطورات الوضع في حقوق الإنسان منذ الدورة السابقة التي مر عليها ثلاثة أشهر. ويفترض أن التقرير يقوم بتغطية الفترة من الدورة السابقة إلى الدورة الحالية، أي فترة إبريل ومايو ويونيو. فهل حصل في مصر على سبيل المثال أي أحداث خاصة بالاستخدام المفرط للقوة؟ لا يوجد. لم يحصل فض مظاهرات بالاستخدام المفرط للقوة. فتوجيه النقد إلى مصر عن هذه الفترة بالذات هو كلام مرسل غير مبني على أية وقائع ولا يوجد ما يستدعي هذا. هي "أكليشيهات" جاهزة، مع استرجاع بعض الانتقادات القديمة قد يكون لها صلة في توقيت معين، ولكن لم تعد قائمة الآن وبالتالي يجب إسقاطها. ما الدور الذي تلعبه مصر حاليا في لجنة حقوق الإنسان؟ تعمل لجان الأممالمتحدة بنظام (التناوب)،وهو نظام إداري يضمن أن تدور كل مناصب المسئولين في منظمات الأممالمتحدة جغرافيا على مختلف قارات العالم، وفي بعض الحالات على الأقاليم الموجودة في القارات ذاتها. واللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان مكونة من 5 سفراء منهم واحد عن قارة إفريقيا، وكان العام الماضي من دولة الجزائر. وفي الدورة الحالية دخلت مصر بدلا عن إفريقيا. وهذا أضاف بطبيعة الحال عبء عمل، علينا أن نقوم به وعلىّ أن أتولاه شخصيا، فهذه اللجنة مسئولة عن فرز المرشحين لتولي مناصب مسئولي حقوق الإنسان والمقررين الخاصين والمحققين واللجان المستقلة التي تكلف بالبحث في أوضاع معينة، أو توفد إلى دول محددة. هذه المهام تستهلك وقتا كبيرا، فمن الممكن أن أقضي يومين أو أكثر في عمل مقابلات شخصية تمهيدا لاختيار مسئول ما. الواقع أن عضوية اللجان المختلفة تستهلك الكثير من الوقت والمجهود وهي في ذات الوقت عملا تطوعيا بحتا، لا عائدا منه غير أن تتابع الدولة عن قرب ماذا يجرى وتؤثر فيه. ومن واقع المسئولية الملقاة على عاتقنا، أننا موفدون من قبل مصر لرفع اسمها عاليا وللتفاوض باسمها في موضوعات عديدة ولنقل صورة حية عن اتجاهات المناقشات التي تتم هنا ولزيادة الفرص الممكنة للاقتصاد وللتجارة المصريين. نحن مثلّنا مصر في مؤتمر نزع السلاح في الأممالمتحدة وفي لجنة حقوق الإنسان، وفي منظمة التجارة العالمية وهي المحاور الرئيسية الثلاثة التي نعمل من خلالها في جنيف، كما أننا نمثل مصر في أكثر من 26 منظمة دولية موجودة في سويسرا. ما دور مصر في منظمة الملكية الفكرية؟ مصر من الدول المتقدمة في هذا المجال وترتيبها مرتفع في معدل الابتكار وتسجيل براءات الاختراع أمام الدول الأخرى العربية والإفريقية. ونحن نهتم بالجانب التنموي للملكية الفكرية و بتأثير الابتكارات على جهود التنمية. بمعني أننا لا نهتم فقط بإجراءات حماية الملكية الفكرية لمنتجات محددة، بل نحاول إنتاج الأفضل وبسعر أفضل، ونحاول كذلك أن نستفيد من كل الإمكانيات المتاحة في الاتفاقيات الدولية. هل ترى أي تأثير من أي نوع فيما يخص خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ لا أرى تأثيرا مباشرا، فبريطانيا هي رقم 2 في قائمة المستثمرين في مصر ولدى مصر بالفعل علاقات تجارية قوية مع بريطانيا، ولا أتوقع أن خروج بريطانيا سوف يؤثر بالسلب عليها. لكن بصورة غير مباشرة يمكن أن يؤثر ذلك على بعض سياساتها، فسياساتها داخل الاتحاد الأوروبي ستكون مختلفة عن سياستها وهي خارج الاتحاد الأوروبي. ستتم مثلا بلورة سياسات الاتحاد الأوروبي بدون بريطانيا. ستختلف أيضا بعض الأشياء في اتفاقيات المشاركة وغيرها، لكنها ستنضبط مع الوقت. لكن بشكل عام، لا أرى مشكلة حقيقية لمصر. أرى أن كل مساهمات البعثة المصرية في جنيف لا تخرج عن كونها ذات طابع سياسي أو اقتصادي. هذا كلام غير صحيح، لقد قمنا بعدة أنشطة ثقافية، فاشتركنا في عرض أزياء على مستوى قارة إفريقيا بمنتجات سيناوية متنوعة، وأقمنا حفلا كبيرا لفرقة رضا للفنون الشعبية، وشاركنا في لقاء ثقافي دولي عن حوار الحضارات. وزوجتي أيضا تقوم بأنشطة ثقافية واجتماعية، وذلك بصفتها رئيسة رابطة زوجات السفراء الأفارقة. بلدنا تحتاج اليوم إلى أكبر قدر من الانتشار والتواجد في جميع المجالات لتستعيد مكانتها الإقليمية والدولية. فلابد على كل فرد مننا أن يقوم بدوره بإخلاص وحماس. وأنا كدبلوماسي، يمكن أن أقوم بعملي المعتاد فقط ولن تحاسبني مصر، لكننا هنا جميعنا نشعر بالمسئولية الملقاة على عاتقنا، ونقوم بأعمال زائدة لم يطلبها أحد منا، ولكننا نشعر بالمسئولية عن القيام بها. كثير منا يعمل من السادسة صباحا وحتى ساعات متأخرة من الليل وأيام السبت والأحد، وهي نهايات الأسبوع هنا في سويسرا، وعملنا كثيرا في رمضان قبل وبعد مواعيد الصيام. لأننا كمصريين قيمتنا أكبر مما تعرفه الناس. علينا ليس فقط استعادة مكانتنا، بل التقدم عليها.