بلغت إيرادات السياحة في مصر 500 مليون دولار فقط بنهاية مارس الماضي انخفاضاً من 1.5 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، كما أن 1.2 مليون سائح فقط زاروا مصر بنهاية مارس الماضي انخفاضاً من 2.2 مليون في الفترة نفسها من العام الماضي. وبمقارنة هذه الأرقام المتواضعة بالوضع في تركيا التي تعد الاقتصاد ال 18 عالميًا من حيث حجم الناتج المحلى الإجمالى، بأكثر من 730 مليار دولار، وفى عام 2012 شهدت تركيا تدفقات سياحية بأكثر من 40 مليون سائح، تراجعت على مدار العامين الماضيين، إلى نحو 35 مليون سائح، وهو رقم كبير مقارنة بالعديد من الاقتصاديات الكبرى التى تعتمد على السياحة عالميًا، وتجتذب تركيا استثمارات أجنبية مباشرة بما يتراوح ما بين 13 و15 مليار دولار سنويًا. ولكن محاولة الانقلاب العسكري على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته، بحجة إعلاء راية الديمقراطية في أنقرة، من شأنها دعم الاضطرابات السياسية والأمنية في البلاد، خصوصا بعد أن قوبلت تلك المحاولة باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن التركية، بدأت بتطويق المواطنين مباني البرلمان ورئاسة الأركان، ومديريات الأمن، ما أجبر الانقلابيين حولها على الانسحاب، وهو ما ساهم في إفشال الانقلاب بالكامل. ومن المتوقع أن تمتد الاضطرابات والإصلاحات السياسية لفترة ليست بالقليلة، وهو ما يمثل فرصًا جيدة للاقتصاد المصرى الذى يعانى من أزمة شح العملة الصعبة وتراجع مستمر في عائدات السياحة برغم المساعي المستمرة لكل من وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة، من خلال القيام بجولات خارجية ومخاطبة الجهات الدولية المسئولة عن التسويق السياحي وتقديم أفضل العروض، ولكن الاضطرابات في المنطقة بالإضافة إلى حالة عدم الاستقرار الاقتصادي تعتبر العائق الأكبر أمام التنمية السياحية المستهدفة. وأكد خبراء السياحة أن وزارة السياحة عليها عامل كبير لسرعة الاستفادة من الأزمة الحالية في تركيا وجذب الأفواج التي ألغت رحلاتها، بالإضافة إلى أفواج جديدة إلى مصر باعتبارها من أهم المقاصد السياحية في المنطقة، بينما يرى آخرون أن تركيا تملك إدارة للأزمات على أعلى مستوى، بالإضافة إلى “لوبي” قوي في الخارج قادر على احتواء الموقف وتقليل الخسائر التي قد تلحق بالعوائد الاقتصادية عن قطاع السياحة. قال عماري عبد العظيم، رئيس شعبة شركات السياحة والطيران باتحاد الغرف التجارية، إن التحرك السريع على المستويين الحكومي وشركات القطاع الخاص أصبح ضرورة للاستفادة من التوترات في تركيا، وذلك من خلال الضغط على منظمي الرحلات الخارجية من الدول مثل روسيا وبريطانيا، وهذا ما سيدعم العودة السريعة للمعدلات السابقة في أعداد الأفواج السياحية المقبلة إلى مصر. وأشار إلى أنه لابد أن يقوم المسئولون عن السياحة في مصر بتقديم بعض التسهيلات من خلال تخفيض سعر التذاكر وتنوع الزيارات السياحية لسهولة عملية التسويق، وبالفعل تمت بعض هذه التسهيلات قبل أحداث تركيا عندما سافر وفد من البرلمان لزيارة روسيا لعودة السياحة الروسية. ولفت النظر إلى أن سر المعاناة الحقيقية للسياحة المصرية، والتي تحول بينها وبين الاستفادة السريعة من الاضطرابات في تركيا هي عدم وجود خارجي مصري فعال في السوق الخارجي لا على المستوى المحلي أو مستثمري القطاع الخاص، كما أن شركات السياحة المصرية أصابها “شلل” مما يستدعي التدخل السريع واستعادة التواصل مع الشركات الدولية، بالإضافة إلى التواصل بين شعبة السياحة والاتحاد المصري للغرف السياحية لتدريبهم وتنويع خبراتهم. وشدد عبد العظيم على أن جولات وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة غير كافية بمفردها لتحقيق الهدف المنشود، بل لابد من التواصل الفعال بين جميع الأطراف العاملة في القطاع والذي يعتبر عصب التنمية السياحية فالشركة الوطنية “مصر للطيران” مستحوذة على سماء مصر ورافضة فتح هذا المجال مما يمثل عائقاً لتلك التنمية، مطالباً وزارة السياحة بتبني عملية التنسيق بين جميع الجهات المعنية لسرعة الاستفادة من تلك الأزمة وجذبها لمصر. ومن جانبه أكد إلهامي الزيات، رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية الأسبق أن مصر لن تستحوذ على نصيب تركيا من الأفواج السياحية وأي توقعات في هذا الاتجاه ليس لها أي أساس من الصحة، فالمنطقة ككل أصبحت غير آمنة على السياح ولم تعد مقصدا مهما له في تلك الفترة نظراً للصورة السلبية التي ترسبت لديه ليس فقط بسبب تركيا ولكن بسبب الأحداث المتتالية سواء في مصر أم سوريا أم العراق وغير ها من الدول التي تشهد حالة من عدم الاستقرار على الصعيدين الأمني والسياسي، لذا فمصر لن تكون الخيار الأول للسياح. وأضاف الزيات أن خبرة تركيا في إدارة الأزمات ستمكنها من احتواء الآثار السلبية للانقلاب العسكري، بحيث لا ينعكس بقوة على المناطق السياحية المهمة لضمان عدم تحقيق خسائر في أعداد السائحين الوافدين، مشيراً إلى أن القاعدة الخارجية التي تملكها تركيا عن طريق “اللوبي” الخاص بها في التسويق الخارجي للسياحة التركية بمقدوره تجاوز الأزمة بأقل الأضرار. كما أوضح الدكتور صلاح الدين فهمي، الخبير الاقتصادي أن المشكلة تكمن في أسلوب وزارة السياحة للتسويق لمزايا زيارة مصر، مشيراً إلى أن الاضطرابات السياسية والأمنية يمكن تجاوزها سريعاً إذا تم استيعاب الأمر سريعاً والترويج للمزارات السياحية البعيدة عن أماكن التوترات، ويساعدها في ذلك انتظام سائر العملية السياحية. وأكد ضرورة التوسع في تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال تنشيط السياحة، لافتًا الي أن الحكومة لا يمكنها وحدها تبني مبادرة عالمية، وإنما تحتاج إلى اختراق الأسواق العالمية عبر منظمي الرحلات بالشركات السياحية المنتشرة فروعها بالخارج، وليس من الضروري أن يتم هذا للحاق بما يدور في تركيا، ولكن ليكون هناك بداية حقيقية صحيحة للتنمية السياحية وعودة أحد أهم مصادر النقد الأجنبي.