ترامب: وفد أمريكي يجري مفاوضات تجارية مع وفد صيني في لندن يوم 9 يونيو    محمد عواد: كان هناك اتفاق على مشاركتي حال الوصول لركلات ترجيح    الفجر ترصد احتفالات المواطنين باول ايام عيد الاضحى بحديقة وملاهي الفردوس بشرق أسيوط    فيلم المشروع أكس يتصدر تريند جوجل    رئيس الشئون الطبية ب التأمين الصحى يتفقد مستشفيى صيدناوي والمقطم خلال إجازة العيد    الحكومة المؤقتة في بنجلاديش تعلن إجراء الانتخابات العامة في أبريل 2026    تشكيل المغرب الرسمي لمواجهة تونس وديًا    نجم هوليوود جيمي فوكس يشارك في إنتاج فيلم "هابي بيرث داي ل نيللي كريم    ترامب يدرس بيع سيارته طراز تسلا بعد خلافه مع إيلون ماسك    مانشستر سيتي يستهدف ضم نجم ميلان.. صفقة نارية تتخطى 60 مليون يورو    المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية يصوت بالإجماع لصالح رفع عضوية فلسطين إلى دولة مراقب    مصرع مسن أسفل عجلات قطار في الإسماعيلية    حريق مخلفات كرتون وسيارات قديمة بقطعة أرض بالهرم    رواتب مجزية| 25 صورة ترصد آلاف فرص العمل الجديدة.. قدم الآن    أسعار الكتاكيت والبط اليوم الجمعة 6 يونيو 2025    تركي آل الشيخ يكشف حقيقة ظهور زيزو في فيلم 7Dogs    منى الشاذلي تضع تامر عاشور في موقف صعب.. والأخير يعلق (فيديو)    مع قرب انتهاء أول أيام عيد الأضحى.. الغرف التجارية: لا داع للقلق السلع متوفرة.. شعبة الخضروات: انخفاض ملحوظ في الأسعار.. المخابز: لا توجد إجازة لتلبية احتياجات المواطنين    دراسة تكشف مفاجأة بشأن زيت الزيتون: قد يعرض للسمنة    مواعيد مواجهات الوداد المغربى فى كأس العالم للأندية 2025    المملكة المتحدة : تحديد جلسة لمحاكمة 3 أشخاص في افتعال حرائق استهدفت رئيس الوزراء البريطاني    نشاط وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني في اسبوع    البنك المركزي الروسي يخفض سعر الفائدة للمرة الأولى منذ مايقرب من ثلاث سنوات    نائب محافظ قنا يتابع جاهزية مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ خلال عيد الأضحى    ترامب يدعو مجلس الفدرالي الأميركي إلى خفض أسعار الفائدة نقطة مئوية كاملة    العودة من بعيد.. رافينيا أفضل لاعب في الدوري الإسباني    ياسر جلال يحتفل بعيد الأضحى بصحبة مصطفى أبوسريع أمام مسجد الشرطة (فيديو)    أحمد العوضي من مسقط رأسه بعين شمس: «ضحينا وسط أهل بلدي»    أنشطة توعوية للثقافة برأس غارب وسفاجا احتفاء بالحج وعيد الأضحى    خطوات متسارعة.. ريال مدريد يسابق الزمن لضم كاريراس قبل كأس العالم للأندية    فلسطين ترحب برفع عضويتها إلى دولة مراقب في منظمة العمل الدولية    في أول أيام عيد الأضحى.. غرفة الأزمات بصحة المنوفية تنعقد لمتابعة المنشآت الصحية    بحر وبهجة في العيد.. الإسكندرية تستقبل المصطافين بإقبال متوسط وشواطئ مستعدة    وزيرة العدل الأوكرانية: أمامنا عام واحد لتلبية شروط التمويل الأوروبي الكامل    السعودية: 10 آلاف نشاط توعوى و34 مليون رسالة خلال يومي التروية وعرفة    حسين لبيب: تتويح الزمالك ببطولة كأس مصر نتاج عمل جماعى.. صور    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    السينما والمسرحيات.. أشهر أفلام عيد الأضحى التي لا غنى عنها في البيوت المصرية    الفتة.. من موائد الفراعنة إلى طبق الأعياد في مصر الحديثة    من الصلاة والأضاحى للاحتفالات.. بلاد العرب تستقبل عيد الأضحى.. ألعاب نارية وكرنفالات.. زيارة المقابر فى الكويت.. المغرب بدون "النحر" للمرة الأولى و"الرومى" بديل الأضحية.. مشهد مهيب للصلاة بالمسجد الحرام    نسب وأرقام.. أول تعليق من حزب الأغلبية على «القائمة الوطنية» المتداولة ل انتخابات مجلس الشيوخ    الرئيس النمساوي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى المبارك    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    الهلال الأحمر المصري يشارك في تأمين احتفالات عيد الأضحى    الطرق الصحيحة لتجميد وطهي اللحوم    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    سعر الريال السعودي مع بداية التعاملات في أول أيام عيد الأضحي 2025    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    محافظ بني سويف يؤدي شعائر صلاة عيد الأضحى بساحة مسجد عمر بن عبدالعزيز    "إكسترا نيوز" ترصد مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى في مصر الجديدة    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



3 لقاءات بين بوتين ونيتانياهو خلال 2016.. ماذا وراء تكثيف التعاون الروسي - الإسرائيلي؟
نشر في الأهرام العربي يوم 21 - 06 - 2016


د. أشرف الصباغ
شهد العام الحالى 3 لقاءات بين الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو. وكان اللقاء الأخير فى 7 يونيو الحالى هو الأهم والأخطر على خلفية ما يجرى فى منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الأخيرة من جهة، وفى ظل الانقسامات الدولية والاصطفافات الجديدة من جهة أخرى.

من الصعب فصل العلاقات الروسية الإسرائيلية عن مجمل ما يجرى فى الشرق الأوسط، والتحركات الإيرانية، بعد توقيع المعاهدة النووية بين طهران والغرب، والصراع بين إيران ودول الخليج، والأزمة الأوكرانية وتبعاتها من عقوبات غربية على روسيا، وحصار حلف الناتو لروسيا، وتحركات الأخيرة فى البحر المتوسط.
من كل ذلك يتضح أن إسرائيل ضرورية لروسيا كما لم يحدث أبدا حتى فى فترة الحرب الباردة إيان وجود الاتحاد السوفيتي. كما أن روسيا باتت ضرورية لإسرائيل، وفى المقام الأول من أجل ضمان أمنها، وتدشين شكل من أشكال توازن العلاقات مع الولايات المتحدة. إذ إن هناك تعقيدات بدرجات ملموسة فى العلاقات بين تل أبيب وواشنطن خلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما، وقلق إسرائيلى من الإدارة الأمريكية المقبلة، وحالة ترقب لما ستؤول إليه الأحداث القائمة فى الشرق الأوسط.
فى هذا المقام، وبصرف النظر عن تعقد العلاقات نسبيا بين إسرائيل والولايات المتحدة، أو تحسنها بين الأولى وروسيا، فكل من موسكو وواشنطن تحرصان فى كل الظروف والتحولات على أمن إسرائيل، وتتسابقان على إعلان ذلك لعدة أسباب، أهمها تأثير اللوبى اليهودى فى كلتا الدولتين وبالذات فى مجالى المال والإعلام، ومخاوف كل من الدولتين من تحول إسرائيل إلى مشروعات بعيدا عنهما وخصوصاًَ فى مجالات الأمن والاستخبارات والسلاح والتعاون فى مجال التكنولوجيا الدقيقة. غير أن روسيا بحاجة إلى إسرائيل لكسر طوق الحصار الغربى والعقوبات المفروضة عليها، وعدم استبعاد روسيا من أى مفاوضات للسلام مع الفلسطينيين، واجتذاب أموال اللوبى اليهودى فى مجال الاستثمار، وعدم وقوع روسيا تحت مطرقة إعلام اللوبى اليهودى الدولى.
كل هذه العوامل عادة ما كانت حاضرة فى اللقاءات الروسية – الإسرائيلية طوال السنوات التى تلت تفكك الاتحاد السوفيتي. ولكن الجديد فى الفترة الأخيرة، وبالذات فى الزيارة الأخيرة التى جاءت بمناسبة مرور 25 عاما على إقامة العلاقات بين روسيا وإسرائيل، هو أن إيران قد تحررت من ضغوط ملفها النووى من جهة، ولديها حسابات مع منطقة الخليج، الأمر الذى يسمح لطهران بحرية الحركة والمناورة حتى وإن كان على حساب المصالح الروسية. وبالتالي، فموسكو بحاجة إلى تل أبيب لإعادة التوازن للعلاقات وتحسبا لأى مناورات من جانب طهران، سواء فى سوريا أم مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، أم فى مجال الطاقة تحديدا.
لقد أعلن نيتانياهو أن "تعزيز العلاقات مع روسيا هو عامل فى الأمن الوطنى الإسرائيلى، سمح بحماية إسرائيل من مواجهات خطرة على حدودها الشمالية". كما أشارت الصحف الإسرائيلية القريبة من الحكومة إلى أن "الوجود الروسى يسمح باحتواء نشاطات حزب الله، على الرغم من تعاون موسكو مع المحور الموالى لإيران الذى يضم هذا الحزب". ما يعنى أن روسيا تبذل ضغوطا ما على إيران التى تضغط بدورها على "حزب الله" لتخفيف الضغط على إسرائيل التى تتعاون مع روسيا فى سوريا، وبالذات فى تفعيل آلية منع وقوع حوادث جوية فى السماء السورية.
لقد لخص الرئيس الروسى بوتين كل ذلك بعبارة بسيطة للغاية: "نحن فى روسيا نولى أهمية كبيرة لعلاقاتنا مع إسرائيل، ليس فقط لأنها دولة من الدول المحورية بالنسبة للوضع فى الشرق الأوسط، وإنما أيضا بفضل العلاقات التاريخية التى تربط بين بلدينا". وبرغم هذا "العلاقات التاريخية"، فإن روسيا لديها علاقات وطيدة مع كل من "حماس" و"حزب الله"، فى الوقت الذى تعتبرهما إسرائيل منظمتين إرهابيتين. ولكن براجماتية العلاقات تسمح لكل منهما بالمناورة وحرية الحركة والبحث عن حلول وسط ونقاط تماس.
لا يمكن تجاهل التعاون بين روسيا وإسرائيل فى مجالات الزراعة والتكنولوجيا الرفيعة والتصنيعات العسكرية. إذ وصل حجم التبادل التجارى بين البلدين إلى أكثر من 3 مليارات دولار. وهذا الرقم ليس بالكبير، ولكنه يعنى سياسيا أن إسرائيل خارج منظومة العقوبات الغربية. غير أن التعاون العسكرى والاستخباراتى هو الأهم، خصوصاً أن إسرائيل تطرح نفسها ضمن "الدول التى تعانى الإرهاب، ومن ثم عليها أن تكافحه".
وفى الشأن السورى، فقد أكد بوتين ونيتانياهو على استمرار التنسيق العسكرى بينهما فى سوريا. وأكد نيتانياهو أمام قادة اللوبى اليهودى ورجال الأعمال خلال زيارته روسيا أن إسرائيل لا تتدخل فى الحرب القائمة فى سوريا، ولكنها لن تسمح بإطلاق هجمات من سوريا باتجاهها. وإذا كان نيتانياهو قد أكد أن إسرائيل "لا تتدخل فى هذا الشأن"، إلا أنه قال أيضا إن "مصير الأسد مسألة فرعية". أى ببساطة لا يمكن التعامل مع عبارة نيتانياهو الأولى بجدية، وإلا لما كان هناك تنسيق عسكرى فى سوريا بين موسكو وتل أبيب. كما أن العبارة الثانية تشير إلى أن إسرائيل مطمئنة تماما لمصير الأسد، سواء تمت الإطاحة به أم ظل لبعض الوقت فى السلطة، وهى الرسالة التى أراد رئيس الوزراء الإسرائيلى نقلها بدبلوماسية شديدة إلى بوتين عندما قال "نريد أن تضمن أن لا تتحول سوريا إلى منصة إطلاق للهجمات ضد إسرائيل". وبالتالى، فالوجود الروسي، شئنا أم أبينا، هو إحدى الأوراق التى تضمن أمن إسرائيل. فالأخيرة لم تعترض إطلاقا على الوجود الروسى فى سوريا.
لا شك أن هناك تناغما كبيرا فى العلاقات الروسية – الإسرائيلية. ما يمثل ورقة رابحة لروسيا فى علاقاتها المعقدة مع إيران. ومن الصعب تجاهل التناقضات شديدة الوطأة فى العلاقات بين موسكو وطهران، سواء بشأن قلق الأولى من تجارب إيران الصاروخية، أم تحركات إيران فى دول آسيا الوسطى، أم الخلافات على تقسيم قاع بحر قزوين، أم دخول طهران إلى أسواق الطاقة، وتوافر بدائل أخرى أمامها فى مجال التسليح.
وإذا كانت إسرائيل، التى تمتلك لوبى يهوديا مؤثرا فى أوكرانيا، تحسب حساباتها بدقة فى التعاون مع كييف، فإيران فعلت العكس. حيث أفادت وزارة الطاقة الأوكرانية ووزارة النفط الإيرانية، أن كييف وطهران بأنهما بحثتا خلال زيارة وزير الخارجية الأوكرانى بافل كليمكين إلى إيران، فى نهاية مايو الماضي، سبل تعزيز التعاون فى مجال صناعة النفط والغاز. كما بحث الطرفان موضوع نقل الغاز إلى أوكرانيا والتعاون فى مجال تخزين الغاز. بالإضافة إلى تشكيل شركة مشتركة بين البلدين مختصة فى مجال الصناعات النفطية والغاز. وقد تم تشكيل هيئة مشتركة من الطرفين لبحث هذه المواضيع فى الفترة المقبلة للوصول إلى اتفاقيات حول الأمور التى تم طرحها خلال زيارة الوفد الأوكراني. بل وتقدمت طهران بمقترحات قد تكون مهمة فى إطار صراع موسكو وكييف. إذ أكد الرئيس الإيرانى، خلال استقباله وزير الخارجية الأوكرانى، ضرورة تقوية وتعزيز العلاقات بين بلاده وأوكرانيا، لافتا النظر إلى توافر إمكانات لتعزيز العلاقات الثنائية، خصوصاً فى مجال الطاقة وتجارة الترانزيت، وضرورة دعم التعاون بين القطاع الخاص فى البلدين، وبالذات فى قطاع المصارف والبنوك، وهو ما يمهد لتطوير التعاون الاقتصادى والتجارى المشترك.
إضافة إلى ذلك، هناك تعاون فى مجال الإذاعة بين أوكرانيا وإيران، وهو ما يكسر طوق الحصار الروسى على المنتجات الزراعية الأوكرانية. إذ تزامنت زيارة وزير الخارجية الأوكرانى إلى طهران مع زيارة أخرى لهيئة زراعية أوكرانية إلى محافظة البرز الإيرانية (20 كيلو متراً غرب العاصمة طهران) للتعرف على الواقع الزراعى فى هذه المدينة. واعترف مسئول الغرفة التجارية الإيرانية - الأوكرانية المشتركة على رضا بيروزان، بأن وفدا أوكرانيا متخصصا فى القطاع الزراعى قد زار بلاده للوقوف على واقع الزراعة فى محافظة البرز والتعرف على الإمكانيات الزراعية الإيرانية بشكل عام. وأوضح أن الوفد كان يتألف من مسئولين ومدراء شركات متخصصة فى الأعمال الزراعية والتربية الحيوانية وصناعة الأخشاب والآلات الزراعية والهدف من هذه الزيارة دراسة إمكانية التعاون فى المجال الزراعى بين البلدين. وبالتالى، ليس مصادفة أن تنشط علاقات روسيا مع دول الخليج، وبالذات السعودية على الرغم من التناقضات الجوهرية بين موسكو والرياض فى العديد من الملفات، وعلى رأسها الملف السورى، وملف النفط، وملف الأمن الإقليمى.
لقد تم التوقيع خلال زيارة نيتانياهو إلى موسكو على عدد من الاتفاقيات المهمة فى مجالات الطاقة والزراعة والمعاشات التقاعدية والحفاظ على الحقوق الاجتماعية والتسوية الجمركية. إضافة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى غازَل بوتين بأنه "لا يوجد قيود تشريعية تحول دون مشاركة الشركات الروسية فى تطوير حقول الغاز الإسرائيلية". أما اتفاقية المعاشات التقاعدية والتعويضات، فهى تهم مئات الآلاف من المهاجرين اليهود الذين نزحوا من الاتحاد السوفيتى (ما بين عامى 1970 و1992) ولم يحصلوا على مستحقاتهم. وإذا كان هذا الاتفاق يمثل نوعا من حسن النية تجاه إسرائيل، إضافة إلى تحجيم إيران وحزب الله، ومنع الأسد من التفكير فى الجولان، فالأخيرة تمنح روسيا أيضا مساحة لا بأس بها فى مباحثات السلام فى الشرق الأوسط، أو على الأقل تعلن ذلك بطرق مختلفة.
إن منح روسيا مساحة فى المفاوضات الشرق أوسطية تمثل أهمية جوهرية بالنسبة لموسكو فى ظل التحولات التاريخية فى المنطقة، وفى ظل التقارب المصرى – السعودى ونشاطات البلدين فى البحر الأحمر من جهة، وصراع موسكو وواشنطن والناتو فى البحر المتوسط من جهة أخرى. إضافة إلى التحولات الجارية فى سوريا والعراق وليبيا، ورحيل إدارة أوباما أيضا. فوزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف أعلن، للمرة المليون، أن موسكو مستعدة لتقديم ساحة للحوار بين الأطراف الفلسطينية. وذلك خلال مؤتمر صحفى مشترك مع نظيره الفلسطينى رياض المالكى. وقال "إننا نعير اهتماما خاصا لاستئناف الحوار الفلسطينى الداخلى. روسيا تؤيد الجهود التى كانت تبذلها قطر سابقا، ونرحب باستعداد مصر للعب دورها فى هذه الجهود". وأضاف: "نحن مستعدون للمساهمة وقد استقبلنا سابقا فى موسكو فصائل فلسطينية مختلفة، ومستعدون لخوض جولة جديدة من المباحثات بين الأطراف الفلسطينية فى هذه المرحلة".
هذا على مستوى الخلافات الفلسطينيةالفلسطينية. وهو الأمر الذى قد لا يروق لإسرائيل بدرجات كبيرة، نظرا للعلاقات المعقدة والمتناقضة التى تربط "حماس" بكل من موسكو وتل أبيب. وبشكل عام، فإن جولات المباحثات الفلسطينية - الفلسطينية فى موسكو لم تسفر عن أى نتائج ملموسة. ولكن روسيا التى تحاول البحث عن موطئ قدم فى القضية الفلسطينية، تذهب إلى أبعد من ذلك. إذ أشار الوزير الروسى لافروف إلى أن موسكو لا ترى ضرورة لإدخال تعديلات على مبادرة السلام العربية. وقال إنها "مبادرة شاملة وتغطى جميع مجالات العلاقة بين إسرائيل والدول العربية، بما فى ذلك فلسطين طبعا. ولا تحتاج لتعديلات. لا أعتقد أن إسرائيل ستطرح تعديلات. إذ كنا جميعا متفقين على أن هذه الوثيقة مقبولة كقاعدة جيدة للمفاوضات اللاحقة، فمن المهم تحديد التفاصيل العملية وتسلسل الخطوات للمضى قدما إلى التسوية الفلسطينية الإسرائيلية والعربية الإسرائيلية". بل وشدد على أنه لم يلمس فى تصريحات بنيامين نيتانياهو أى مطالب بإدخال تعديلات على مبادرة السلام العربية التى طرحتها فى البداية السعودية، ومن ثم تبنتها جامعة الدول العربية برمتها. وقال "إنها تعد اليوم وثيقة يقبلها الجميع وهم مستعدون للاعتماد عليها كأساس للتسوية".
غير أن الخطير فى الأمر أن لافروف قال أيضا إن "ما يبعث على التفاؤل هو أن رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو خلال محادثاته مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ذكر مبادرة السلام العربية أكثر من مرة باعتبارها أساسا مقبولا للجميع لمواصلة الجهود". وربما هذا ما دفع الوزير الروسى إلى القول إن "رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو، أبدى، خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، استعدادا لقبول مبادرة السلام العربية دون أى تعديلات".
غير أن نيتانياهو لم يعلن ذلك بنفسه أو يدل بأى تصريحات بهذا الصدد. وبالتالى، أثارت تصريحات وزير الخارجية الروسى الارتباك. وعلى الفور، أعلنت رئاسة الحكومة الإسرائيلية أن موضوع المبادرة العربية لم يبحث خلال المناقاشات مع موسكو.
لقد وصل التناغم الروسى – الإسرائيلى إلى مستوى ملفت للنظر، بما فى ذلك فى المجال العسكرى. وهذا ما يمكن أن نراه خلال الفترة المقبلة. إذ أكدت تقارير استخباراتية إسرائيلية أن مناورات عسكرية روسية - إسرائيلية مشتركة ستجرى فى البحر المتوسط قريبا. وهذه الخطوة جاءت كإحدى ثمار لقاء بوتين ونيتانياهو الأخير فى موسكو، حيث اتفقا على توطيد العلاقات العسكرية بين الجانبين. واعتبرت تل أبيب هذا القرار تاريخيا. فهو من جهة، يعنى وقف اعتماد إسرائيل بصورة مطلقة على الولايات المتحدة فيما يخص الدعم العسكري. ومن جهة أخرى، الاعتراف بنفوذ وتأثير روسيا فى البحر المتوسط. ومن جهة ثالثة، رسالة إلى دول المنطقة، وبالذات إلى إيران، وإن كانت الرسائل تختلف فى مضمونها.
ووفقا للتقرير الإسرائيلى، فهذه المناورات تعد الأولى فى التاريخ العسكرى فى الشرق الأوسط التى تنطلق فيها طائرات روسية من دولة عربية، وهي سوريا، من قاعدة حميميم بالقرب من اللاذقية وسفن حربية روسية ستبحر من قواعدها فى طرطوس واللاذقية للمشاركة فى مناورة مع طائرات حربية إسرائيلية وسفن حربية تابعة لسلاح البحرية الإسرائيلى والتى ستنطلق من قواعدها فى حيفا وأسدود. وبالتالي، فإن التعاون العسكرى بين روسيا وإسرائيل، يمثل شكلا من أشكال الشراكة الإقليمية (العسكرية والاقتصادية)، وحماية"ممتلكات وبنى الطاقة الإسرائيلية فى المنطقة، وخاصة حقول الغاز". وهو ما يعيدنا إلى مغازلة نيتانياهو لبوتين بشأن "السماح لشركات الغاز الروسية بالمشاركة فى العطاءات الخاصة بالنفط والغاز فى إسرائيل، وبالذات بتطوير حقلى الغاز الإسرائيليين "لفيتان" و"تمر" فى البحر المتوسط".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.