دينا توفيق بلقيس عراقية الأصل من مدينة راوة وأم أولاده عمر وزينب ولدت بين أحضان نهر دجلة 1939/3/24، وسكنت مع عائلتها فى مدينة الأعظمية على كورنيش نهر دجله.. وهى تلك الدائمة الطفولة «بلقيس» التى أشاعت أجمل النصوص والمرأة التى لا تنسى.. بلقيس الفرح الآتى من أشياء الأنثى والقمر الطالع من أعماق حقيبتها. لقد شاهد نزار الحجل النائم يرتكن فى طيات ضفيرتها الذهبية.. وهو الذى أشهد العالم على نفسه فى اعتراف بها كأهم وأعظم امرأة فى حياته «أشهدُ أن لا امرأة أتقنت اللعبة إلا أنت.. واحتملت حماقتى عشرة أعوام كما احتملت.. واصطبرت على جنونى مثلما صبرت» وها هو يحكى عن خضوع المحب المغرم لكل ما فعلته حين قلمت أظافره، ورتبت دفاتره وأدخلته روضة الأطفال.. تلك هى بلقيس بعينى الزوج الحبيب لسنوات قليلة التى احتفظ بها فى قلبه المتعب بعد فراقها.. فهى أنثاه الأولى والأخيرة.. فهى وبكلماته ليست إلا هى التى تشبهه كصورة زيتية وفى الفكر والسلوك والعقل والجنون والملل السريع والتعلق السريع. هكذا يصفهما معاَ.. فى شهادة شاعرية متقنة عن امرأة هى كل اهتمامه وغيرها لم تأخذ نصف اهتمامه بل إن بلقيس قد استعمرته.. بل إنه وبمبالغات الشاعر رأى أنه من فرط حبها له قد تعاملت معه كطفل عمره شهران، وقدمت له لبن العصفور والأزهار والألعاب، وأنها كانت معه راقية كالشعر ودللته وأفسدته ودللتنى مثلما فعلت وأفسدتنى مثلما فعلت
تلك التى شهد نزار أن لا امرأة إلا هى قد جعلت طفولته تمتد للخمسين.. كانت هى كما يراها لماحة شفافة عادلة جميلة شهية بهية، وحتى بعد 16 عاما من فراقها قال لها «يا واحدتى» فبلقيس بقيت الوجه الإغريقى الذى لا يتكرر. وحالة الشِعر التى لم تتكرر.. بلقيس كانت لنزار قبانى هى الشعر والنثر والثقافة والبر والبحر.. كانت له خيراً وعدلاً وحضارة لكونه وعالمه الخصوصى والعام.. كانت هى نوبة الصرع وفتافيت السكر معاً ! ولقد اعترف صراحة وضمناً بعد فراقها .. «أحبك فى عصر لا يعرف ما هو الحب» إنها التى جعلت فى حياته حتى بعد فراقها «اللغة الأنثى» وصارت المرأة .. وجسدها الموسوعى والحب الذى يجعله يانعاً مخضوضراً! وجعلته يمنح وصفات «لتمرينات يومية على الحب».. حب بلا حدود حتى إنه اعترف أخيراً: «كلما كتبتُ قصيدة حب شكروكِ أنت …» وأن «لا ثقافة لرجل لا يعشق»!! وأن «لا وسيلة للتدفئة .. سوى أن أحبك»!! وكانت سبباً لتساؤله: «هل المرأة أصلها قصيدة؟ أم القصيدة أصلها امرأة ؟»
تلك كانت بلقيس التى التقاها ولم يكن يعرف أن عقله وقلبه سيتعلقان بها إلى هذا الحد المجنون.. كان وحيدا تماما، وكما وصفها فقد كانت بلقيس «قبيلة من النساء».. وصفها يوماً بأنها بطولها كان شعرها يلامس الأرض فى استرسال .. بلقيس وكما يعترف «أعادت الحبر للأقلام مثلما أعادت الدماء للعروق». وعنها قال: يا التى قامتها، أعلى من قامة الأشرعة. وفضاء عينيها.. أوسع من فضاء الحرية. أنت أجمل من كل الكتب التى كتبتها. والكتب التى أفكر بكتابتها… ومن القصائد التى أتت.. والقصائد التى سوف تأتى… بلقيس ابنة نهر دجلة التى قال فيها: «مرحباَ يا عراق، جئت أغنيك وبعض من الغناء بكاء أكل الحزن من حشاشة قلبى والبقايا تقاسمتها النساء»
وقال فى حبها: أنا العاشق الكبير ولكن ليس تكفى دفاترى الزرقاءُ وفى غرامها طلب اللجوء الغرامى إلى العراق واستمع رئيس الجمهورية العراقية (أحمد حسن البكر) إلى القصيدة فشكل وفداً تسميه التقاليد القبلية (الجاهة) أى وجهاء القوم ويقال إنهم إذا طلبوا لا يرد لهم طلب.. ولقد عاش نزار مع بلقيس بحب عميق حتى كان مقتلها عام 1981 فكتب نزار قصيدة معلقة فى رثائها وكأنه يرثى العالم العربى وأمته كلها، لأنها كانت هى الأمة فى قلبه. فقال: بلقيس كانت أجمل الملكات فى تاريخ بابل بلقيس كانت أطول النخلات فى أرض العراق كانت إذا تمشى ترافقها طواويس.. وتتبعها أيائل بلقيس.. يا وجعى.