غدا.. مفوضي القضاء الإداري تودع رأيها في طعون مرشحي انتخابات مجلس النواب (تفاصيل)    ردا على هذيان السيسى حول زيادة الوقود .. فايننشال تايمز والايكونوميست: الإصلاح أبعد ما يكون عن سياسات حكومة الانقلاب    شركة مياه مطروح تنفذ سلسلة ندوات توعوية بمدارس المحافظة    «الفاصوليا» ب25 جنيهًا.. استقرار أسعار الخضروات في المنيا اليوم الإثنين 20 أكتوبر    «نقابة العاملين»: المجلس القومي للأجور مطالب بمراجعة الحد الأدنى كل 6 أشهر    76 ألف طن قمح رصيد صوامع الغلال بميناء دمياط اليوم    ليه الهيئة قالت لأ؟ التفاصيل الكاملة لرفض عرض «ساجاس» على «السويدي إليكتريك»    أبو الغيط يدعو إلى بث روح الإبداع وخلق بيئة حاضنة للمشروعات الناشئة    مفاجأة..رفض عرض مدحت خليل لشراء شركته راية لخدمات مراكز الاتصالات لتدني السعر    مصر في عصر السيارات الكهربائية.. كل ما تحتاج معرفته عن الفرص الحكومية والتوسع الصناعي    الكرملين: موقف بوتين من السلام في أوكرانيا ثابت    مصر تواصل الدعم الإغاثي لغزة.. وتستعد لمرحلة جديدة من إعادة الإعمار    مدرب المغرب: لم أتمكن من النوم قبل نهائي كأس العالم للشباب    القاهرة الإخبارية تكشف فعاليات اليوم الثاني والختامي من مؤتمر أسوان للسلام والتنمية المستدامة    بعد الكشف عن استهداف ترامب.. كم مرة تعرض الرئيس الأمريكى لتهديد الاغتيال؟    عائشة معمر القذافى تحيى ذكرى اغتيال والدها: فخر المسلمين والعرب    إسرائيل تهنئ رئيسًا جديدًا لدولة قطعت العلاقات معها بسبب حرب غزة    «شرفتم الكرة العربية».. الأهلي يهنئ منتخب المغرب بلقب العالم    سيدات يد الأهلي يبحث عن لقب إفريقيا أمام بترو أتلتيكو    روح الفريق بين الانهيار والانتصار    موعد مباراة الأهلي والاتحاد في الدوري.. والقنوات الناقلة    أبطال أوروبا - أدار نهائي اليورو.. لوتكسيه حكما لمواجهة ليفربول أمام فرانكفورت    ميلان يقلب تأخره أمام فيورنتينا وينفرد بصدارة الدوري الإيطالي    صدمة لجماهير الأهلي بسبب موعد عودة إمام عاشور    تموين المنيا تواصل حملاتها المكثفة وتضبط 233 مخالفة تموينية متنوعة    درجات الحرارة تعاود الارتفاع.. بيان مهم من الأرصاد يكشف حالة الطقس غدًا    إصابة 7 أطفال في حادث انقلاب تروسيكل بالسويس    والد الطفل المتهم بقتل زميله بالإسماعيلية ينفي اشتراكه في الجريمه البشعه    ضبط 3 أشخاص بالمنيا تخصصوا في النصب على أصحاب البطاقات الائتمانية    مراقب برج ينقذ سيدة من الموت أسفل قطار في المنيا    صندوق مكافحة الإدمان: 2316 سائق حافلات مدرسية خضعوا لكشف تعاطى مخدرات    تشغيل 6 أتوبيسات جديدة بخط الكيلو 21 لتيسير حركة المرور أوقات الذروة    «لم يكن أبا عظيما».. شريف عرفة يفجر مفاجأة عن الراحل أحمد زكي    لليوم الثاني على التوالي.. متحف اللوفر مغلق غداة عملية السرقة    هاني شاكر يُشعل مسرح الأوبرا بأغنية "نسيانك صعب أكيد" والجمهور يشاركه الغناء| صور    محافظ الجيزة: الانتهاء من تطوير 14 محورا حول الأهرامات والمتحف الكبير    يديرها عباس أبو الحسن.. بدء جلسة شريف عرفة بمهرجان الجونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-10-2025 في محافظة الأقصر    اليوم العالمي لهشاشة العظام.. ما أهمية الكالسيوم للحفاظ على كثافته؟    مجدي يعقوب: مصر بقيادة الرئيس السيسي تظهر للعالم معنى السلام    تعرف على أخر تطورات أزمة سد النهضة وتوفير المياه للمشروعات الزراعية والشرب    باكستان ترسم الخطوط الحمراء: لا سلام دون أمن    هشام جمال: "حفل زفافي أنا وليلى كان بسيط"    فى احتفالية 50 سنة على مشوارها الفنى..نجيب وسميح ساويرس يقبلان يد يسرا    الأمين العام الجديد لمجلس الشيوخ يعقد اجتماعا لبحث آليات العمل    دار الإفتاء توضح حكم تصفح الهاتف أثناء خطبة الجمعة    انطلاق مبادرة "ازرع شجرة باسمك" بجامعة بني سويف    هيئة الدواء تحذر من تداول عبوات مغشوشة من دواء "Clavimox" مضاد حيوي للأطفال    وزير العمل: القانون الجديد يحقق التوازن بين طرفي العملية الإنتاجية    في زيارة مفاجئة.. وكيل صحة شمال سيناء يتفقد مستشفى الشيخ زويد    توتر وقلق.. 4 أبراج عرضة لاكتئاب الشتاء (من هم)؟    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 20 أكتوبر 2025 في بورسعيد    وزير الصحة يبحث خطة تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل في المنيا    نحافة مقلقة أم رشاقة زائدة؟.. الجدل يشتعل حول إطلالات هدى المفتي وتارا عماد في مهرجان الجونة    صححوا مفاهيم أبنائكم عن أن حب الوطن فرض    ملخص وأهداف مباراة المغرب والأرجنتين في نهائي كأس العالم للشباب    د. أمل قنديل تكتب: السلوكيات والوعي الثقافي    سهام فودة تكتب: اللعب بالنار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتفاقية الحرام (9).. من أجل ثرواته الطبيعية والنفط.. القوى الاستعمارية الكبرى مزقت وحدة الشعب الكردى عبر سايكس بيكو


رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية
لم يكن العرب وحدهم الذين اكتووا بنار اتفاقية سايكس /بيكو 1916 سيئة الصيت، فالشعب الكردى كان من أكثر الشعوب التى احترقت بنيران الاتفاقية الاستعمارية، التى مزقت الكرد وحرمتهم من الوحدة وتحقيق حلمهم التاريخى بتأسيس كيان أو وطن ودولة كردية واحدة موحدة، تجمع شتات الشعب الكردى الذى كتب عليه التاريخ والجغرافيا، وصراعات القوى الاستعمارية الكبرى أن يعيش مقسماً مشتتاً محروماً من الوحدة، وأن يعيش محكوماً مضطهداً فى أغلب فترات تاريخه على يد معظم الذين حكموه مع اختلاف أنظمتهم .

وتمثل اتفاقية سايكس/ بيكو قمة التلاعب الاستعمارى بالشعوب وأحلامها، وكيف أن المستعمرين الكبار بريطانيا وفرنسا وروسيا ومعهم ألمانيا، ينظرون إلى هذه الشعوب وكأنها قطع شطرنج يحركوها كما يشاءون، أو كأنهم قطعة قماش يقسمونها فيما بينهم على هواهم دون أدنى اعتبار لوحدة الشعوب وتماسكها .
إن ما تعرض له الشعب الكردى على يد القوى الاستعمارية الكبرى قبل اتفاقية سايكس / بيكو وبعدها، يرسم بحروف مدادها الدماء والبكاء والظلم والاضطهاد، معاناة شعب عاش أبناؤه بأجيالهم المتعاقبة يتوقون ويحلمون بالوحدة.

إن المصير الذى لاقاه الشعب الكردى على يد تلك الاتفاقية كان يُعد قبلها، عندما وقعت كردستان فريسة للأطماع الاستعمارية، نظراً لموقعها الجغرافى والإستراتيجى ولثرواتها الطبيعية خصوصا النفطية من جانب آخر، ما جعل تفكير القوى الاستعمارية الكبرى يزداد اهتماماً بالأراضى التى يعيش عليها الشعب الكردي، وما زاد هذا الاهتمام هو وقوع أغلب كردستان ضمن الإمبراطورية العثمانية التى صارت مع الأيام “رجل أوروبا المريض” الذى كان راقداً على فراش مرضه أو موته بينما القوى الاستعمارية الكبرى تنهش جسده وتقطعه وتمزقه بينها وهو ما زال حياً.

ولأن العرب والكرد كانوا أكبر شعبين أو قوميتين تعيشان فى إقليمنا ضمن الإمبراطورية العثمانية التى غابت عنها الشمس، فإن الشعبين كانا ضحية التقسيم والتجزئة التى تحكم فيها المستعمرون الكبار وفق هواهم دون التفات أو اهتمام بطموحات أو رغبات وحقوق الشعبين .

التنافس الاستعمارى على أملاك الرجل المريض
إن اتفاقية سايكس / بيكو المشئومة لم تكن نهاية المطاف أو الحلقة الأخيرة للمأساة، التى تعرض لها الشعبان العربى والكردي، وإنما كانت واحدة من أهم محطات تلك المأساة الإنسانية. فعلى الرغم من أن القوى الاستعمارية توافقت رغباتها ومخططاتها على الحفاظ على الإمبراطورية العثمانية كما هى “مريضة” طوال عقود، ورأوا أن ذلك كفيل بتحقيق مصالحهم من ناحية، وعدم دخولهم فى حروب دموية فيما بينهم من ناحية أخرى، فإن هذا لم يمنع خوضهم منافسات طويلة وكبيرة على الفوز بمكاسب كبيرة، وذلك عن طريق التغلغل داخلها من النواحى الاقتصادية والتجارية تحت ستار البناء والتطوير، بينما الهدف الحقيقى هو ابتزازها وشفط خيراتها. وبالتالى تحولت الإمبراطورية العثمانية وأراضيها بما عليها من شعوب إلى ميدان للتنافس الاستعمارى بين كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا وألمانيا وغيرها. وهو ما جعل كردستان كما ذكر الدكتور محمود زايد فى كتابه “ دولة كردستان المستقلة والمؤامرات الغربية والإقليمية لإجهاضها”، تصبح “موقعاً لأطماع الدول الأوروبية فيها، فكانت من أهم ملفات مخططاتهم الاستعمارية، سواء أكان فى سنوات ما قبل الحرب العالمية الأولى أم فى خلالها، بهدف السيطرة عليها وتعزيز مواقعهم فيها، على اعتبار كونها حائط صد لمخططات إحداهن فى السيطرة على مستعمرات الأخرى، أم على اعتبار كون كردستان رأس جسر للوصول إلى الأماكن الأكثر حيوية لأى من هذه الدول، فضلاً عن أن سيطرة إحدى الدول الأوروبية على كردستان ستمكنها من الاستحواذ على ثرواتها وربطها بأسواقها.
فالإمبراطورية الروسية يعود اهتمامها بالشئون الكردية إلى الربع الأول من القرن التاسع عشر، من خلال المعلومات التى رصدها الرحالة الروس، وزاد الاهتمام مع ازدياد الاحتكاك المباشر مع العثمانيين، خصوصا بعد الانتصارات التى حققها الروس فى حروبهم ضد الدولة الإيرانية فى أعوام 1804 1812، 1826 1828، حيث أوجد الاحتلال الروسى لمناطق القوقاز تماساً مباشراً مع المناطق ذات الأغلبية الكردية، وكان لدى الروس رغبة شديدة فى الاستحواذ على الأقاليم الجنوبية من بلادهم وصولاً إلى المياه الدافئة فى البحر المتوسط والخليج العربى . وأدى الموقع الجغرافى الإستراتيجى لكردستان إلى اهتمام الإمبراطور الروسى بها، فقد كان ينظر إليها باعتبارها قلعة منيعة طبيعية فى مقدمة آسيا، على حدود الدولتين المتنازعتين العثمانية والإيرانية. لذلك زادت روسيا من عدد مبعوثيها وممثليها فى المناطق الكردية، فى كل من كردستان الإيرانية والعثمانية . واستغل الروس فرصة اندلاع الثورة الدستورية فى إيران 1905 1911 واحتلوا مناطق واسعة من كردستان إيران على أمل إلحاقها بإمبراطوريتهم .
أما فرنسا فإنها تميزت بتغلغلها المبكر فى أراضى الدولة العثمانية فى النواحى الاقتصادية والتبادل التجارى وبناء السكك الحديدية، وهو ما أدى لخلق نفوذ سياسى دءوب لإيجاد مواقع ثابتة لها فى مناطق اعتبرتها فرنسا مجالا حيوياً لانطلاقاتها الاستعمارية المزمعة فى الشرق الأوسط . وكان لفرنسا نشاطات وبعثات تبشيرية فى الولايات العثمانية، ومنها ولاية الموصل التى تضم أغلب المناطق الكردية فى العراق .
أما ألمانيا فقد زاد اهتمامها بالكرد وكردستان مع زيادة نفوذها فى الجولة العثمانية، التى جابها عدد كبير من الرحالة والعلماء والمنقبين الألمان . وقد شددوا جميعهم على أهمية المناطق الكردية اقتصادياً وسياسياً، ونجح الألمان فى إيجاد موطئ قدم لهم فى الحياة الاقتصادية فى العديد من المناطق الكردية، ونجحت ألمانيا فى الحصول من الدولة العثمانية على امتياز مشروع سكة حديد برلين- بغداد - البصرة الذى كان سيمر فى مناطق واسعة من أراضى كردستان .
أما بريطانيا فيرجع اهتمامها بكردستان إلى منتصف القرن الثامن عشر، عن طريق الرحالة والعلماء، للدراسة والتنقيب والتجارة والتجسس، لدراستها اقتصادياً وسياسياً، ولتفادى الخطر الروسى .
ومع بداية القرن العشرين زاد الاهتمام البريطانى بكردستان نظراً لعدة ظروف منها : تهديد طريق الهند، وظهور النفط بشكل فعلى فى كردستان . ومما يدل على ذلك هو ما قاله اللورد كيرزن، نائب ملك الهند، أمام مجلس اللوردات البريطانى قبيل الحرب العالمية الأولى: “ من الخطأ القول إن مصالحنا السياسية تنحصر فى منطقة الخليج، إن تلك المصالح لا تنحصر فى هذه المنطقة، وأكثر من ذلك أنها لا تنحصر فى المنطقة الممتدة بين البصرة وبغداد، بل تمتد بعيداً إلى الشمال من بغداد “.
وكانت بريطانيا خططت لاحتلال بلاد ما بين النهرين وجنوب كردستان، حتى إن لم تدخل الدولة العثمانية الحرب بجانب ألمانيا. وألح المقيم البريطانى فى بغداد على ضرورة جعل ولاية الموصل منطقة نفوذ بريطانية .
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت منطقة كردستان إحدى ميادين هذه الحرب ومسرحاً لعمليات عسكرية لثلاثة جيوش ( التركى والروسى والبريطانى ) . ونظراً لأهميتها فقد سارعت الدول الثلاث إلى استغلال الشعب الكردى كورقة ضغط على الطرف المعادي، وتبارت الدول المتحاربة فى كسب ود الكرد وقياداتهم ومدت قنوات الاتصال معهم بمختلف الوسائل .

اتفاقيات سرية سبقت سايكس/بيكو
خلال سنوات الحرب العالمية الأولى، سعت دول الحلفاء إلى الاتفاق فيما بينها على تقسيم التركة العثمانية بما فيها كردستان ولتحقيق ذلك شهدت الأروقة الدبلوماسية والحجرات المغلقة، جهوداً ولقاءات سرية أسفرت عن توقيع اتفاقيات منها: اتفاقية القسطنطينية فى الفترة من 4 مارس إلى 10 إبريل 1915 بين روسيا وبريطانيا وفرنسا . واتفاقية لندن 26 إبريل 1915 بين تلك الدول ومعهم إيطاليا..ففى اتفاقية القسطنطينية تم الاتفاق على أن تضم روسيا أراضى الأستانة والمضايق والجزر التابعة لهما . وأن تضم لفرنسا بلاد الشام وخليج الإسكندرونة وكيلكيا (ذات الأغلبية الكردية) حتى جبال طوروس “كردستان”. وأن تحصل بريطانيا على مناطق جنوب شرق كردستان إيران، لكونها ستشكل حاجزاً يفصل من جهة الشمال طريق الوصول إلى آبار النفط فى غرب إيران، وبذلك تكون غرب كردستان ومنطقة واسعة من شمالها ضمن النفوذ الفرنسي، وجنوب كردستان ضمن النفوذ البريطانى .

تفاصيل الاتفاقية المشئومة
بدأت مفاوضات هذه الاتفاقية منذ منتصف عام 1915 بين إنجلترا وفرنسا، وبعد إعدادهما صيغة أولية، لتقسيم تركة الدولة العثمانية بما فيها كردستان قدمتها إلى الحكومة الروسية فى بيتروجراد فى مارس 1916، لكى توافق عليها بعد أن تبدى ملاحظاتها. ودارت محادثات سرية بين هذه الدول الثلاث فى العاصمة الروسية، احتلت كردستان مساحة واسعة منها، نظراً لأهمية كردستان الإستراتيجية لكل من هذه الدول. وأطلق على ما تم التوصل إليه فى المحادثات بشأن كردستان اتفاقية سازانوف/باليوج، نسبة إلى اللذين توليا إجراء مفاوضاتها / فسازانوف وزير خارجية روسيا، وباليوج سفير فرنسا فى بيتروجراد . وستغيب فى هذه الاتفاقية فكرة الحكم الذاتى لكردستان تماما، ويتركز محلها سياسات التقسيم ومن ثم السيطرة والإلحاق .
كان سايكس قد أبرق إلى سفير بلاده فى بتروجراد "بيوكانان" برقية مؤرخة فى 12 مارس 1916، أوضح فيها الخطوط الرئيسية للمناطق، التى يتعين أن تكون ضمن دائرة النفوذ والسلطة الروسية والفرنسية، وقد جاء فيها :
ستحصل روسيا على مناطق أرضروم ووان وبدليس
ستحصل فرنسا على جزء من أرمينيا، الذى سيصبح مركزاً للروح القومية الأرمينية، لكن دون أن تتضمن المدن والقصبات الكردية، مثل ديار بكر وميافارقين وسيواس . وعبر سايكس عن رأيه فى تفضيل إضافة سهل موش الكردى إلى حصة فرنسا.
ومن ناحية أخرى، قدمت روسيا عن طريق وزير خارجيتها المفاوض سازانوف، مخططا آخر يجعل تحت السيطرة الروسية جميع الأراضى الواقعة ما بين البحر الأسود والممتدة إلى بحيرة أورمية، متضمنة مناطق جنوب بحيرة وان وبدليس وموش وخربوط إلى سفوح جبال طوروس وأنتى طوروس، ليٌفصل هذا القطاع عن تركيا مستقبلا . ومعنى ذلك أن روسيا ستضع يدها على معظم أراضى شمال كردستان . أما فرنسا حسب الاقتراح الروسى فستقع تحت سيطرتها المناطق الساحلية الضيقة من سوريا إلى كيلكيا . وتمتد من عكا إلى جنوب وان، والمنطقة الممتدة من حدود القطاع الروسى المذكور على طول خط عنتاب/ أورفا / ماردين حتى بحيرة أرومية شرقا. أى كل غرب كردستان والخط الجنوبى من شمال كردستان والخط الشمالى من جنوب كردستان . أما بريطانيا فستكون سيطرتها على المنطقة المتمثلة فى العراق العربى من خانقين شمالاً، والمحاذية لإيران والخليج العربي، أى ولايتى البصرة وبغداد، فضلاً عن مناطق النفط فى غرب إيران وفى جنوب شرق كردستان .
وأضاف سازانوف فى مخططه موضحاً لكل من بريطانيا وفرنسا أن القطاع الروسى المحدد أعلاه يمثل من الوجهة الطبوغرافية حالة طبيعية إلى حد مرضِ، لكن من الوجهة السياسية والإستراتيجية لا يعتبر مقبولاً أو ملائماً . وأشار إلى هذا الامتداد العميق لمناطق نفوذ كل من فرنسا وبريطانيا إلى الحدود الروسية - الإيرانية مع أنهما حليفتان لبلاده غير مرغوب فيه، وذهب سازانوف إلى القول إن وضع منطقة أورمية تحت سيادة دولة أوربية غير ملائم لبلاده، لوجود بعثات تنصيرية روسية تعمل فى هذه المنطقة . وبعد إعلان سازانوف الصريح بمخاوف بلاده من محاذاة مناطق نفوذ حليفتيها أعلن أن من مصلحة بلاده أن يتم تأسيس دولة إسلامية ( عربية كانت أو تركية) على حدود مناطق نفوذ روسيا الجنوبية، لكى تكون حاجزاً يفصل بين مناطق نفوذها وبين مناطق نفوذ كل من بريطانيا وفرنسا فى كردستان .
وحرصا على درء المخاطر طالب سازانوف بإدخال المناطق التى حول أورمية وممرات بدليس إلى القطاع الروسي، وتعويض فرنسا عن ذلك بضم “سيواس وخربوط وقيصرية” . وألمح سازانوف إلى أن المناطق الواقعة وراء خط العمادية / جزيرة ابن عمر/ ديار بكر/ مرعش /أدنة لم تعد تهم مصلحة بلاده.
ويلاحظ أن روسيا حيال تحديد الحدود الجنوبية لأطماعها فى كردستان، تحاول تأمين المرتفعات والممرات المهمة استراتيجيا لها فى الإقليم، كما أنها كانت حريصة على أن تتم مناقشات أطماعها فى اجتماعات روسية عالية المستوى . ففى 17 مارس 1916عقد اجتماع لبحث مقترحات إنجليزية - فرنسية، وكانت أولى المقترحات : مساومة لصالح الروس من قبل الفرنسيين فى مناطق حول بحيرة أورمية، مقابل توسيع لمناطق النفوذ الفرنسية باتجاه أرمينيا الصغرى، وأعقب هذا الاجتماع اجتماع آخر لمجلس الوزراء الروسى فى 28 من الشهر نفسه، لمناقشة مسألة مناطق النفوذ فى كردستان، فقرر المجلس بناء على رأى البحرية الروسية أنه لا اعتراض على اتجاه الحدود بين مناطق النفوذ الفرنسية وبين مناطق النفوذ البريطانية فى آسيا الصغرى .

ومن ناحيته قام جورج بيكو، بالرد على الاقتراح الروسى السابق فى رسالة بعثها إلى سازانوف فى 31 مارس 1916، معلنا فيها عدم استعداد بلاده التنازل عن المناطق الكردية التى تقع جنوب بدليس ووان، لكنه أظهر بعض اللين فيما يخص المناطق الواقعة بين موش ومجرى نهر دجلة إلى الشرق من جبل اشتياداغ وجزيرة ابن عمر والحدود الإيرانية ومرتفعات مركور، كما أوضح بيكو أن بلاده لن تقبل عوضا عن المناطق الواقعة بين “ألب داكوت وقيصرية وأق داغ إلى خربوط”.
وقام الجانب الروسى بدراسة الاقتراح الفرنسى جيدا، وعلقت وزارة البحرية الروسية فى 2 أبريل 1916، وذكرت أنه بناء على الاقتراح الفرنسى، فإن الحالة الحدودية بالنسبة للمنطقة الجنوبية الغربية الروسية فى آسيا الصغرى، تلتقى بحدود مناطق النفوذ الفرنسية على قمم “إيليزداغ” عبر”زارا”، وتلتقى أيضا فى شمال خربوط إلى زوخا ومنها إلى الجنوب الشرقى حتى جزيرة ابن عمر على نهر دجلة، ثم إنهم لا يعترضون على هذا التخطيط للحدود”.
ويبدو مما سبق أن حدة الصراع الروسى - الفرنسى على كردستان بدأت تقل عما كانت فى بداية المحادثات، وأخذت وجهات النظر فى التقارب، فروسيا فى الأساس كانت تعارض إعطاء أى جزء من كردستان لفرنسا، لأنها أى روسيا كانت ترغب فى السيطرة على كامل أرمينيا وكردستان العثمانيتين دون منازع، فى الوقت الذى كانت فرنسا لا تطمع فى السيطرة على كردستان العثمانية فقط (الشمالية والجنوبية والغربية)، وإنما كانت ترغب فى مد حدود نفوذها إلى نواحى “سردشت” فى شرق كردستان، لكن بعد محادثات ومساومات مضنية بدأت روسيا تتنازل عن مناطق كردستانية واسعة إلى الجانب الفرنسى .
ويدل على هذا التوافق، رسالة أبرقها جورج بيكو إلى سازانوف فى 5 أبريل 1916 يوضح له فيها أن “كردستان الروسية” يجب أن تمر من موش إلى سعرت، وعلى طول مجرى نهر دجلة إلى جزيرة ابن عمر شرقا إلى امتداد القمم الجبلية المطلة على العمادية، وصولاً إلى مركور على الحدود الإيرانية.
وبعد هذه المفاوضات والمباحثات الروسية الفرنسية توصل الجانبان بشكل نهائى إلى صيغة توافقية، لعب فيها الجانب البريطانى “سايكس” دوراً كبيراً، نظراً لارتباطها بمصالح بلاده الاستعمارية والإستراتيجية .
ففى رسالة من سازانوف بتاريخ 26 أبريل 1916، أرسلها إلى السفير الفرنسى فى العاصمة الروسية "باليوج" ذكر فيها نتيجة المفاوضات التى تم التوصل إليها مع مسيو جورج بيكو بخصوص حصة روسيا كالآتى :
1 تأخذ روسيا لها مناطق أرضروم وطرابزون ووان وبدليس، حتى الموقع الذى سيحدد فيما بعد غرب طرابزون على البحر الأسود.
2 يجب أن تترك لروسيا منطقة كردستان غربى وان وبدليس بين موش وسعرت ونهر دجلة وجزيرة ابن عمر وخط سلسلة الجبال المطلة على العمادية ومركور إلى الحدود الإيرانية مع الممرات الموجودة فيها .
3 وفى المقابل تعترف روسيا لفرنسا بالمناطق الكردية الواقعة بين آله داغ وقيصرية وخربوط.
ومن جانبه أعلن السفير الفرنسى موافقته على هذا المشروع باسم حكومته، وعلى ذلك تكون روسيا قد وقع تحت نفوذها من أراضى كردستان معظم أراضى شمال كردستان وشريط صغير من أعلى جنوب كردستان، حيث رأت فى سيطرتها على هذه المناطق حماية لأملاكها فيما وراء القوقاز . وقد قدر البعض هذه المساحة بنحو 60 ألف ميل . أما فرنسا فقد شملت مناطق نفوذها فى كردستان حسب ما توصلت إليه المباحثات كل غرب كردستان والجزء الغربى من شمال كردستان، والمنطقة الواقعة إلى الغرب من نهر الزاب الصغير فى جنوب كردستان حتى محاددة منطقة النفوذ الروسية . واعتبرت فرنسا أن هذه المناطق تمثل حماية وأمن احتلالها لسوريا من جبهتى الشمال والشرق .
وقد تأكد هذا الاتفاق باتفاق سرى آخر بين الدولتين فى بداية عام 1917، تعهدت فيه روسيا بتأييد مطالب فرنسا فى الألزاس واللورين وحوض السار، مقابل أن تتعهد فرنسا لروسيا مجدداً بتأييد مطامع الأخيرة فى إسطنبول والمضايق حسبما تم التوصل إليه سابقا فى اتفاقية سازانوف/ باليوج.
أما بريطانيا فلم تكن بعيدة عن تلك المفاوضات الروسية الفرنسية حول الأطماع فى كردستان خصوصا أنها تتطلع منذ زمن إلى ولاية الموصل (جنوب كردستان) وإلى تثبيت مراكزها فيها لسببين:
1 إتمام خطتها فى السيطرة على حقول النفط فى الشرق الأوسط .
2 السيطرة على المنافذ الضرورية لنقل النفط عبر ولاية الموصل.
وفى الوقت نفسه كان نفوذها يتركز أكثر وقتذاك فى الجزء الجنوبى من شرق كردستان فى إيران نظراً لأهميتها من الناحيتين النفطية والأمنية بالنسبة لمصالحها فى الخليج العربي، وبالنسبة لوجودها فى جنوب بلاد ما بين النهرين.
وما تم أن بريطانيا سمحت لفرنسا بتمديد نفوذها فى جنوب كردستان حتى الحدود الغربية لنهر الزاب الصغير . وقد فسر المسئولون البريطانيون هذه الإشكالية، بقولهم إن بريطانيا كانت ترغب فى إيجاد منطقة حاجزة تحت الحماية الفرنسية بين مناطق النفوذ الروسى فى الشمال، وبين مناطق الاحتلال البريطانى فى بلاد ما بين النهرين فى الجنوب.
وفى الاجتماع الأخير لمؤتمر إسطنبول الذى كان يناقش مشكلة الموصل تحدث المندوب التركى قائلاً:”إن إصرار بريطانيا على عدم فصل الموصل عن العراق يناقض اتفاقية سايكس بيكو التى أعطت لفرنسا ولاية الموصل”. فأجاب السير بيرسى كوكس بقوله :” إن الاتفاقية عقدت بين بريطانيا العظمى وفرنسا عندما كانت روسيا حليفتهما، وأن بريطانيا لم تكن ترغب فى مجاورة روسيا “. فعملية وجود تماس برى مباشر بين مناطق نفوذ كل من بريطانيا وروسيا كان يقلق بريطانيا، مثلما كان يقلق الروس أنفسهم مع أنهما حلفاء .
وقد ذكر تقرير “لجنة بونسن” أنه فى حالة ما إذا أصبحت روسيا جاراً لبريطانيا فى بلاد ما بين النهرين فإنه يتحتم على الأخيرة، أن تأخذ فى الحسبان لدى وضعهما ترتيبات عسكرية خاصة بالأراضى الملحقة الجديدة، وأن روسيا قد وضعت فى ميدان القتال فى منشوريا جيشاً زاد على ثلاثة أرباع مليون رجل “.
فهذا إيحاء ضمنى بضرورة تجنب بريطانيا وضعاً يزيد من أعبائها العسكرية، ويأتى على حساب مصالحها الاستعمارية . ومن هنا جاء سماح بريطانيا لفرنسا بأن تمتد مناطق نفوذها فى جنوب كردستان حتى الحدود الإيرانية .
وليس معنى ذلك أن بريطانيا قد غضت الطرف مؤقتا عن جنوب كردستان كما يعتقد البعض، وإنما كانت مصالحها الحيوية ما زالت متمثلة فى جنوب كردستان، فقد مدت اتفاقية سايكس بيكو نفوذ بريطانيا إلى الحدود الشرقية لنهر الزاب الصغير، حتى الحدود الإيرانية، أى أن كامل لواء كركوك وجُل مساحة لواء السليمانية حاليا دخلت تحت سيطرة النفوذ البريطاني، فضلا عن ولايتى البصرة وبغداد التى منحتها الاتفاقية السيطرة المباشرة عليهما . كما أنه فى أثناء المحادثات الخاصة لهذه الاتفاقية أكد الجانب الفرنسى على :” ضمان اعتراف فرنسا بكل ما لبريطانيا من حقوق وامتيازات فى ولاية الموصل من قبل نشوب الحرب”.
والخلاصة أن بريطانيا رأت أنه من الممكن وقتذاك ضمان مصالحها فى جنوب كردستان بأيد فرنسية حاجزة إلى أن تستجد أوضاع جديدة، عملاً بسياستها الاستعمارية كما يقول المؤرخ السوفيتى لوتسكى :”يمكن إعطاء ما يحلو من وعود فالوضع يتغير فيما بعد “. كما قال المسيو بريان رئيس وزراء فرنسا أمام مجلس النواب الفرنسى . فإن ما تعطيه بريطانيا الوضع يتغير عليه، أما ما تأخذه هى فهو ثابت تحت يدها لا ينتقل لأحد .
ويلاحظ على حصة بريطانيا عموما فى جنوب كردستان حسب اتفاقية سايكس بيكو أنها ذات طبيعة إستراتيجية واقتصادية، بمعنى أنها عززت أمن الطريق البرى الإستراتيجى الممتد من قناة السويس إلى حدود الهند الغربية ماراً بكردستان، كما أنها سيطرت على منطقة الخليج العربى، ومصادر النفط الكردية لتعزيز مصالحها بصورة مباشرة ومؤثرة فى الشرق عموماً .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.