أصدر المركز القومى للترجمة بمصر، الترجمة العربية لكتاب باسكاله جوتشيل وإيمانويله لواييه، وعنوانه «تاريخ فرنسا من العصر الجميل إلى أ يامنا هذه»، وترجمه إلى العربية مصطفى ماهر، وفيه نتوقف أمام حدثين مهمين يعنيان منطقتنا العربية، وأعنى بذلك قضية استقلال الجزائر، وثورة 1968 الطلابية التى انطلقت من فرنسا واجتاحت العالم فى التوقيت ذاته. وحول قضية الجزائر يوضح الكتاب، أن النخبة الثقافية الفرنسية انقسمت فيما بينها، فهناك أناس نقموا على استخدام السلطة الفرنسية التعذيب ضد الجزائريين، وهناك من دافعوا عن النظام بدعوى الدفاع عن حرمة الأمة، ولم يكن للخلاف بين اليمين واليسار بالضرورة دور فيما شهدته هذه الساحة، فسارتر مثله ريمون آرون، يلتقيان على طريق شجب النزعة الاستعمارية، حتى إذا كانت تحليلاتهما تختلف فيما يختص بطبيعة الرهانات، وهناك يمينيون أكثر وضوحا انطلقوا مبكرا للهجوم على مناهج القهر التى استخدمها الجيش الفرنسى فى الجزائر، ولم يكن الأمر آنذاك تعبيرا عن رأى ما فى أوضاع الجزائر، لكنه كان إدانة لضياع القيم، التى رفعت فرنسا رايتها عاليا. فى هذه المعركة لعبت الصحافة دورا كبيرا، لا يستهان به، فهناك من ندد بالجستابو الخاص بكم فى الجزائر، وشدد الكثيرون على ضرورة إدانة عاجلة نهائية دون استئناف. ويشير الكتاب إلى أن هذا الالتزام لا يمكن أن يختزل إلى مجرد عود على بدء، لأنه كانت هناك اعتبارات سياسية تلعب دورها، والذين يشجبون مناهج القهر لا يدافعون عن برىء، وفى ذلك إشارة إلى جبهة التحرير الجزائرية، لأن الطرق كانت تتداخل وتضطرب ابتداء من عام 1958، وتتأكد القطيعة بين اليين واليسار بشكل متزايد، وتتخذ المواقف ابتداء من العام 1960 وجهة راديكالية. وصدر بيان حمل عنوان «منشور ال 121 فى 5 سبتمبر 1960 وتجاوزت فيه أسماء كتاب مثل سارتر ومارجريت دورا، وأساتذة مثل ميشيل كروزييه، وصحفيين وفنانين مثل فرانسوا تريفو وسيمون سينوريه، وكان المنشور يعلن عن «حق التمرد»، وهو ما جعل كثيرين يرون فى ذلك خروجا على الشرعية. وردا على المنشور تحرك جامعيون ومعلمون وكتاب، أغلبهم ينتمون إلى اليمين بوضوح، فأدانوا هؤلاء الذين مثلوا الجامعة فى المنشور، واعتبروهم يحملون إثم تحريض عسكريين علي العصيان، الأمر الذى دعا طلاب الجامعات إلى تبنى موقف معارض، فعقد الاتحاد القومى للطلبة الفرنسيين حملات مع اتحاد الطلاب الجزائريين، وتم تنظيم مظاهرة ضد الحرب، ودعت كلمة خاصة بطلاب اليسار إلى التدخل باسم الأخلاق. ويوضح الكتاب أن هناك أساتذة اعتمدهم الطلاب كنقاط استرشاد، وكان بينهم سارتر الذى كتب فى مقدمة أحد الكتب: لا بأس ببدء هذه الثورة العارية، فالأصل فى كل شئ أن يكون هناك فى البداية الرفض وتبعه الطلاب، وفى العام 1963 دعا إلى إلقاء خطاب عن قوة الأدب، وكان يعتبر مرجعا، مثله مثل الفيلسوف التوسير، الذى كان يقدم للطلاب قراءة ثانية لماركس، وهناك أيضا علماء اجتماع مثل هنرى لوفيفر، وبيير بورديو، وجان كلود باسرون، وميشيل كروييه، وقليل جدا من هربرت ماركويز، لأنه لم يكن يقرأ فى فرنسا جيدا، رغم تأثيره فيما بعد فى الحركة الطلابية عام 1968. ثم حدثت الانقسامات الطلابية، واستلهم طلاب النماذج التى قدمها ثوريو العالم الثالث: فيدل كاسترو، وتشى جيفارا، الذى شرح بكتاباته المنشورة فى فرنسا الروابط بين الثورة الكوبية والماركسية، وأثر كلاهما فى الشبيبة، خصوصا جيفارا، بعد موته فى العام 1967، الذى تحول إلى إلهام أسطورى جديد. وفى هذا الوقت انخرط ريجيه دوبريه، وكان آنذاك طالبا فرنسيا نابغا، فى صفوف حرب العصابات ببوليفيا، وكتب كتابه «ثورة فى الثورة»، ووجد النموذج الصينى أتباعا له، خصوصا بين طلاب «التوسير»، الذين فتنوا بإعلان الثورة الثقافية فى العام 1966، وكان بعض الناشرين يروجون كتبا تدين الاستعمار وتتناول البلاد حديثة العهد بالاستقلال.