وزير التموين: طالبت بزيادة السكر التمويني من 12.6 إلى 18 جنيها    المصيلحي يكشف سبب حذف 20 مليون بطاقة تموينية وعدم إضافة المواليد    وزير الدفاع الصيني: منفتحون على إجراء اتصالات عسكرية مع واشنطن ونعمل بكل قوة لمنع استقلال تايوان    الأونروا تعلق عملها في رفح وتنتقل إلى خان يونس    عمرو السولية: معلول ينتظر تقدير الأهلي وغير قلق بشأن التجديد    الزمالك يدافع عن شيكابالا بسبب الأزمات المستمرة    الأرصاد تحذر من طقس اليوم ثاني أيام الموجة شديدة الحرارة    أول تعليق من كريس إيفانز عن صورة توقيعه على صاروخ إسرائيلي متجه ل غزة (صور)    اعتقال 22 محتجا خلال تظاهرة داعمة للفلسطينيين في متحف بروكلين بنيويورك    11 تصريحا من وزير التعليم بشأن امتحانات الثانوية العامة.. ماذا قال؟    «خبرة كبيرة جدًا».. عمرو السولية: الأهلي يحتاج التعاقد مع هذا اللاعب    أحمد موسى: الدولة تتحمل 105 قروش في الرغيف حتى بعد الزيادة الأخيرة    براتب 50 ألف جنيه شهريا.. الإعلان عن فرص عمل للمصريين في الإمارات    أنشيلوتي: لست مغرورًا.. وحققنا لقب دوري الأبطال هذا الموسم بسهولة    مدحت شلبي يكشف 3 صفقات سوبر على أعتاب الأهلي    عمرو أدهم يكشف آخر تطورات قضايا "بوطيب وساسي وباتشيكو".. وموقف الزمالك من إيقاف القيد    جريحان جراء غارات إسرائيلية عنيفة على عدة بلدات لبنانية    أستاذ اقتصاد: «فيه بوابين دخلهم 30 ألف جنيه» ويجب تحويل الدعم من عيني لنقدي (فيديو)    متغيبة من 3 أيام...العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة في قنا    تشيلي تنضم إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل    الصحة تكشف حقيقة رفع الدعم عن المستشفيات الحكومية    حميميم: القوات الجوية الروسية تقصف قاعدتين للمسلحين في سوريا    عيار 21 بالمصنعية بكام الآن؟.. أسعار الذهب اليوم الأحد 2 يونيو 2024 بالصاغة بعد الانخفاض الجديد    أمير الكويت يصدر أمرا بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح وليا للعهد    17 جمعية عربية تعلن انضمامها لاتحاد القبائل وتأييدها لموقف القيادة السياسية الرافض للتهجير    إجراء جديد من محمد الشيبي بعد عقوبة اتحاد الكرة    حريق في عقار بمصر الجديدة.. والحماية المدنية تُسيطر عليه    رئيس اتحاد الكرة السابق: لجوء الشيبي للقضاء ضد الشحات لا يجوز    بالصور.. البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول المسيح أرض مصر    الشرقية تحتفل بمرور العائلة المقدسة من تل بسطا فى الزقازيق.. فيديو    من شوارع هولندا.. أحمد حلمي يدعم القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة (صور)    زاهي حواس يعلق على عرض جماجم مصرية أثرية للبيع في متحف إنجليزي    بعد حديث «حجازي» عن ملامح تطوير الثانوية العامة الجديدة.. المميزات والعيوب؟    دراسة حديثة تحذر.. "الوشم" يعزز الإصابة بهذا النوع من السرطان    باستخدام البلسم.. طريقة سحرية لكي الملابس دون الحاجة «للمكواه»    طبيب مصري أجرى عملية بغزة: سفري للقطاع شبيه بالسفر لأداء الحج    تعليق من رئيس خطة النواب السابق على الشراكات الدولية لحل المشكلات المتواجدة    قصواء الخلالي: التساؤلات لا تنتهى بعد وقف وزارة الإسكان «التخصيص بالدولار من الخارج»    وزير الخارجية السابق ل قصواء الخلالي: أزمة قطاع غزة جزء من الصراع العربي الإسرائيلي وهي ليست الأولى وبدون حل جذري لن تكون الأخيرة    ضبط 4 متهمين بحوزتهم 12 كيلو حشيش وسلاحين ناريين بكفر الشيخ    الفنان أحمد عبد القوي يقدم استئناف على حبسه بقضية مخدرات    السفير نبيل فهمى: حرب أكتوبر كانت ورقة ضغط على إسرائيل أجبرتهم على التفاوض    حظك اليوم برج السرطان الأحد 2-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مصرع سيدة وإصابة آخر في تصادم مركبتي توك توك بقنا    موازنة النواب: الديون المحلية والأجنبية 16 تريليون جنيه    سعر الموز والعنب والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 2 يونيو 2024    عضو أمناء الحوار الوطني: السياسة الخارجية من أهم مؤشرات نجاح الدولة المصرية    صحة الإسماعيلية: بدء تشغيل حضانات الأطفال بمستشفى التل الكبير    أخبار × 24 ساعة.. أكثر من 6000 ساحة لصلاة عيد الأضحى بالإضافة للمساجد    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    مصر تشارك في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    رئيس جامعة أسيوط يتفقد اختبارات المعهد الفني للتمريض    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروكسل.. البلجيكيون وأصدقاؤهم أعطوها مذاقا خاصا
نشر في الأهرام العربي يوم 02 - 04 - 2016

الفرانكوفونيون ارتبطوا تاريخيا بفرنسا

- الميدان الكبير يحتضن أشهر محلات الشوكولاتة والحلوى والبسكويت

- قلب أوروبا النابض بفضل المؤسسات الدولية والسياحة العالمية

بروكسل هذه المدينة التى يحبها البعض ولا يحبها البعض الآخر، على اعتبار أن الرومانسية لا تكمن فى العواصم والمدن الكبيرة فى أوروبا بل تتركز فى المدن الصغير والقرى، حيث الريف الأوروبى صاحب السمعة البراقة على مستوى الطبيعة الخلابة التى تثير المشاعر والحياة العذبة التى تريح الأعصاب، ومن بين البلجيكيين أنفسهم من يفضل العيش فى الريف والعمل فى المدينة. فالإيقاع فى بروكسل لا شك أنه سريع باعتبارها مركزا لأشياء متعددة وأحيانا قاتم بسبب الغيوم، لكن على الجانب الآخر هى تتمتع بروح خفيفة وهدوء لأنها صغيرة مقارنة بعاصمة مبهرة مثل باريس.
بروكسل أو بروسيل أو براسلز هى العاصمة متعددة الطرق فى النطق وأكبر مدينة للمملكة الصغيرة داخل إقليم يحمل نفس الاسم بروكسل بجانب إقليمين آخرين هما والونيا الفرانكوفونى فى الجنوب وإقليم فلاندرز الفلمنكى فى الشمال، وتغوص بروكسل وسط طبقات من السحاب وإذا هبطنا بالطائرة سنتخيل أننا فى عالم سحرى وما إن نقترب من الأرض سنجد لوحات فنية مزركشة نكتشف أنها مزراع وبيوت وشوارع وسيارات، وعندما تشرق الشمس يوما على البلجيكيين يكون عيدا! وتقع بلجيكا فى غرب أوروبا، وتحدها كل من ألمانيا ولوكسمبورج من الشرق، وفرنسا من الجنوب، وبحر الشمال من الغرب، وهولندا من الشمال. وتعتبر بلجيكا من الدول الصغيرة من حيث المساحة فهى تبلغ أكثر بقليل من 30 ألف كيلومتر مربع و يزيد عدد السكان قليلا على 11 مليون نسمة حسب تعداد العام الجارى.

الأسرة المحبوبة
ويسود الدولة نظاما ملكيا دستوريا مثل باقى دول أوروبا الغربية، فالملك يملك ولا يحكم ويمثل وحدة الدولة لكنه غير مسيس، والعائلة المالكة تتمتع بواجهة أبهة للدولة، وفي هذه البلاد الجميلة يشعر المواطنون بلذة الحياة ويعشقون تفاصيلها كما لو كانوا فرغوا من هموم الدنيا فيقفون لساعات عندما يعلمون أن الملك سيظهر فى مكان ما بكل حماس ويهتفون "عاش الملك تحيا الملكة" وبنفس الحماس يمكنهم أن ينظموا إضرابا خلال أيام فى نفس المدينة إذا شعروا بتوتر من مشكلة ما. ومن وجهة نظر أخرى يعادى البعض فكرة الملكية باعتبار أن هؤلاء يتقاضون رواتب هائلة دون إنجاز عمل يقتضى ذلك، بالإضافة لزيادة عدد الملوك فى دولة واحدة كما فى بلجيكا، حيث يوجد ملكين بعد تنازل الأب الملك ألبير الثانى لابنه الملك فيليب عن العرش، ولكل منهما زوجته الملكة باولا والملكة ماتيلد، وكانت لا تزال الملكة فابيولا على قيد الحياة ثم رحلت أخيرا وهى زوجة الملك الراحل بودوان الأول، وبرر الملك الأب تنازله عن العرش بتقدمه فى السن. وأنجب الملك فيليب من زوجته الجميلة الملكة ماتيلد ابنة الكونت باتريك دوديكيم داكوز، ولدين هما جابرييل وإيمانويل وبنتين هما اليزابيت وإليونور. ويقع القصر الملكى على الطراز النيوكلاسيكى فى بروكسل فى ميدان القصور أو بلاس ديه باليه، حيث مجموعة من الأبنية الأثرية التى بنيت فى القرن الثامن عشر ويمكن استخدام معها كل مصطلحات العمارة المهيبة، وهذا الطراز استمر حتى القرن العشرين ويعتبر تال للطرز الكلاسيكى والباروك والروكوكو، وبعد ذلك ظهر الطراز الرومانسى الممزوج بالنيوقوطى وهو التطوير الإنجليزى للطراز القوطى الذى كان منتشرا فى أوروبا خلال القرون الوسطى وتتميز بالأقواس البارزة والحدة. وقريبا من هذه المنطقة توجد كنيسة نوتر دام ديه سابلون الشهيرة التى تجمع بين طراز النهضة والنيوقوطى.

ألوان الطيف
ويمكن أيضا التمتع بمناظر الغابات التى تحيط العاصمة، فى موسم الشتاء يبدو الجو قاسيا، لا سيما مع تساقط الثلوج وكل شىء يتحول للون الأبيض، وفى الربيع يظل الجو باردا لكننا سنبدأ فى متابعة تفتح الزهور، وفى موسم الصيف يكون الجو مثاليا فهو بمثابة الربيع فى المنطقة العربية، وبالنسبة للخريف فهو موسم رائع لكن الأمطار الشهيرة هناك تعرقله أحيانا، فيمكننا أن سنستمتع بلوحات طبيعية من إبداع الخالق سبحانه وتعالى، ونركز فى ألونها بكل دقة، السماء الزرقاء والأشجار بدرجاتها المؤثرة الذهبية والبرتقالية والبنفسجية والخضراء، والبيوت الحمراء والمياة الفضية، وعندما يأتى الليل تتلئلأ الأضواء فى كل مكان، فتتحول المدينة إلى سيدة تزينت بكل حليها، ونحاول التقاط كل الصور فى ذاكرتنا فتبقى بداخلنا وربما بكاميراتنا فتبقى على جهاز الكمبيوتر الخاص بنا، ونستعيدها مرة أخرى عندما نحتاج إلى جرعة من الصفاء النفسى. وهذا الطقس المعتدل نسبيا فى الخريف يعرف باسم "الصيف الهندى" وهو الجو المتميز الذى تشتهر به أمريكا الشمالية وبالأخص كندا.

ثقافة التنوع
ولو كنا فى الخريف فى بروكسل قلب أوروبا، وما إن نخترق شوارعها حتى نفاجأ بهجوم البرد تنتابنا صدمة الأجواء الغريبة، فيضحك البلجيكيون قائلين إنها رياح الشمال! دلالة على تغير المناخ كليا فى هذه المنطقة التى تفصل بين جنوب وشمال أوروبا حتى بالنسبة للقادمين من دول مجاورة مثل فرنسا! وتتمتع بروكسل بمزيج ثقافى ثرى ومتنوع، ليس فحسب على المستوى المحلى، حيث أن هناك ثلاث ثقافات فى بلجيكا، الناطقين بالفرنسية والفلمنكية والألمانية، بل أيضا على المستوى الأوروبى بما أنها عاصمة غير رسمية الاتحاد الأوروبى الذى يوحد شرق أوروبا وغربها، و المستوى الدولى بما أنها مقر للناتو، بالإضافة للهجرات الأوروبية والإفريقية والآسيوية واللاتينية، لكن الانطباع أنها معقل للمهاجرين من المغرب، كما أن فرنسا معقل للمهاجرين من الجزائر. وعموما معروف عن البلجيكيين بساطتهم وانفتاحهم على الآخر بفضل وجودهم وسط مفترق طرق مما فرض عليهم التعرف على ثقافات عديدة، وهذه البساطة التى جعلت جيرانهم الفرنسيين يعتبرونها نوع من السذاجة ويطلقون عليهم النكات. وسنتعجب من وجود مقهى تونسى فى زقاق متفرع من الميدان الكبير وهو أشهر معلم فى بروكسل، حيث مقر العمدية وتمثال الطفل مانيكن - بيس ومتاجر الشوكولاتة. وفى هذا المكان المزين باللمسات العربية نشعر بالدفء المقبل من شمال إفريقيا نحن نحتسى الشاى بالنعناع على الطريقة المغاربية فى أباريق فضية وأكواب زجاجية ونستمع لأغانى كوكب الشرق أم كلثوم! ويفرض هذا الجو المحبب تناول حوارات متعلقة بالتبادل الثقافى ومن حسن الحظ أن يقع المرء وسط مجموعة من الغربيين الذين يتمتعون بالتسامح والوعى والثقافة العالية والرغبة فى التعرف على الآخر، ولا شك أن ثقافتنا المصرية والعربية والإسلامية تثير فضولهم بفضل التراكم الحضارى وثراء تقاليدنا، وغالبا تدور الموضوعات حول الفنون والعلوم أيضا بعض الجوانب الشائكة فى علاقتنا الضاربة فى القدم، ما نأخذه على الغربيين وما يأخذون علينا! وهناك نقطتان أساسيتان هما عصب الخلاف، فنحن نرى أن العنصرية ما زالت متمكنة من بعض العقول لديهم، وهم يرون أن نسبة كبيرة منا ليست جادة بالقدر الكافى فى عملها. ولا يتنهى الحوار لكن يستكمل فى مواقف أخرى. ونفهم أن هناك هجوما بشريا قادما من شرق أوروبا إلى غربها، فالقوانين الموحدة تسمح بوجود عبء جديد على الغربيين، خصوصا فى مجال العمل وهم بيض مثلهم، لكن عاداتهم وتقاليدهم مختلفة، فالعمالة الشرقية أقل سعرا. ومن ناحية أخرى يتمتع بعض الأوروبيين الشرقيين بنهم شديد لمواكبة الرفاهية، لكن حتى هذا الحلم الأوروبى لم يعد سهلا فى ظل الأزمات المالية العالمية وتضاف إليها الآن التوترات فى المنطقة العربية والهجرة غير المنظمة! ليس هذا فحسب بل ما زالت هناك ضغائن بين دول غرب أوروبا نفسها بسبب الحروب الماضية، وكذلك أمور حساسة بين قوميات سكان البلد الواحد ونضرب مثالا بالفرانكوفونيين والفلمنكيين فى بلجيكا وهناك أقلية ناطقة بالألمانية، لذا فظهور المهاجرين من أماكن أخرى، خصوصا الدول العربية سيسبب مزيدا من التعقيدات لهم! وهم على استعداد لتخطى أزماتهم العرقية والثقافية لاستيعاب كل هذا المزيج البشرى ومنح الحقوق، فى حالة ما إذا التزم كل مواطن بواجباته وسعى للاندماج فى المجتمع الجديد. ويستشهدون على ذلك بالمثال الآسيوى عندما أتى مهاجرون من الشرق الأقصى وجد الأوروبيون أنهم أناس لم يبخلوا بجهدهم على الأرض التى فتحت ذراعيها لهم وحرصوا على الاستقامة فنالوا احترام الآخرين، ويبدو أن هؤلاء الآسيويين متصالحون مع أنفسهم فى مسألة الهوية التى تستغرق من العربى أو المسلم وقتا طويلا.
وظهرت مشكلة بينت الاختلاف الاجتماعى والثقافى منذ عدة سنوات لكنها لم تطل ربما بفضل النضج البلجيكى، فمع اقتراب الاحتفالات بأعياد الميلاد والسنة الجديدة تظهر الزينة من أشجار براقة وأنوار مكثفة وديكورات معينة فى شوارع أوروبا الغربية، وحتى فى وطننا العربى غزت هذه الاحتفالات بلادنا ولم نجد حساسية فى استيعابها كنوع من المشاركة العالمية، وفى بلجيكا ظهرت فكرة تهدف للروح العملية لكن سرعان ما تحولت لقضية سياسية بل ودينية وهى ظهور شجر كريسماس صناعية! ولم تكن تتجاوز الشجرة الطبيعية من أنواع الصنوبر مترين فى الطول أما الشجرة الصناعة فتصل إلى 24 مترا وهى أقرب لعمل فنى من الصلب، كنوع من الحداثة، لكن ظهرت صدمة الشعب البلجيكى! وظهرت تفاصيل أخرى أشعلت الموقف، وبالتوازى فى العالم الافتراضى قامت حملات شعبية مناهضة لهذا الاتجاه، وتمت ترجمته مباشرة بشكل غريب، حيث اعتبروا هذا التطرف نوعا من محاولة إرضاء المسلمين! وبرغم الاختلاف الموجود بين العناصر الثلاثة المكونة للمملكة البلجيكية: الناطقون بالفرنسية والفلمنكية والألمانية، فقد وجدوا هدفا واحدا قادرا على تجميعهم! فلمسنا النبرة القومية من خلال حملة "من أجل شجرة عيد الميلاد الحقيقية في الميدان الكبير في بروكسل واحترام قيمنا وتقاليدنا". وحصلت هذه العريضة على أكثر من 120 ألف توقيع، ومن ضمن التعليقات نجد"لن نذعن للمسلمين!" وأيضا "من أجل بلجيكا بلجيكية". وصرح المتحدث الرسمى بدار العمدية أن الجالية الإسلامية ليست لها علاقة بتغيير شجرة الصنوبر، وأضاف "الإثارة التى يقوم بها بعض الأصوليين على شبكة الإنترنت لا تؤثر على قرارنا، ويخطئ من يدعي أننا نريد إزالة رموز عيد الميلاد". وكثير من البلجيكيون يرون أن الموضوع يقتصر فقط على طلب شجرة طبيعية، أما تطور الأمر بشكل آخر فهذا ليس ما يريدونه، وسرعان ما هدأت الأمور. وهناك أوروبيون لديهم حساسية من كلمة الاختلاف الثقافى لأنهم لا يأخذونها بمعنى إيجابى عن إثراء الحياة لكن يتخوفون من إثارة خلافات.

مدينة تان تان
وأهم ما يميز بلجيكا ثلاثة أطعمة مهمة أولها الشوكولاتة سواء المصنعة آليا فى المصانع الكبرى مثل كوت دور وليونيداس أو المصنعة يدويا وهى الفاخرة وأشهرها جاليه ونووس وهناك متاجر صغيرة أخرى مميزة. وإذا حاولت إقناع البلجيكيون أن الشوكولاتة السويسرية هى أشهر نوع، فسوف ينفون ذلك تماما ويعتبرونها مسألة شرف ويؤكدون أن السويسريين لا يخدمون صناعة الشوكولاتة بالقدر الكافى! ولا يمكننا مجادلة البلجيكيين كثيرا فى هذا المجال لأنهم بالفعل أصحاب موهبة كبيرة فى صناعة الشوكولاتة، ولا يمكننا كذلك التقليل من شأن السويسريين فى هذا المجال. وثانى أهم شىء هى البطاطس المقلية، فهى تتمتع بمذاق غنى ورائع! أما الشىء الثالث فهى البيرة، حيث يتباهون بصناعة أجود انواع البيرة، حتى أنهم يطلقون عليها "بلد البيرة" من كثرة الماركات!
وكما هو الحال فى العواصم والمدن الأوروبية الكبرى أيضا الحال فى العاصمة البلجيكية بروكسل، فهناك أوتوبيس سياحى بدورين يقوم بجولات رائعة للراغبين، وله محطة من أمام محطة القطار، ومحطات أخرى فى المدينة. ويوجد عدد من الرحلات فى اليوم الواحد. ويقال دوما إن بروكسل هى مدينة الراحل روجيه ريمى الشهير ب "إرجيه"، مبدع شخصية القصص المصورة للأطفال تان تان، ولذلك أهمية كبرى لمن كان يعشق هذه الشخصية فى طفولته، وتباع نماذج كثيرة من تماثيله الصغيرة وأدوات مطبوع عليها مغامراته الشهيرة مع باقى الأبطال، وبالفعل بروكسل تبدو كجزء من قصة مصورة من شدة تناسق منازلها!وأهم معلم سياحى هو نافورة مانيكن - بيس التى تقع فى شارع ضيق متفرع من الميدان الكبير، التمثال صاحب الشهرة الهائلة الذى يتزاحم الجميع لالتقاط صور فوتوغرافية بجانبه، مصنوع من البرونز على هيئة ولد الصغيرعارى يتبول! وإذا سألت عن السبب قالوا لك إنهم لا يعرفون ما أهميته لكنه بالفعل أهم تمثال لديهم، كما أن هناك متحف لأزيائه يضم 400 زى مختلف! و هناك عدة قصص فى المجمل تمثل ثقافة البلجيكيين عن أصل فكرة التمثال الذى صنعه المثال جيروم ديكنوافى القرن السابع عشر، وفى بعض الأحيان يتم وضع الملابس على التمثال، فيرتدى زى ضابط أو فارس أو طبيب ومن أزياء الشعوب أيضا! ومكانه فى الميدان الكبير "لا جراند بلاس" أو حسب نطق البلجيكيين"جران بلاس La Grand'Place" وهى ساحة كبيرة مستطيلة وسط مجموعة أثرية من الفنادق الفاخرة والمقاهى والمطاعم! وأهم المتاجر الموجودة فى هذه الشوارع المحيطة، هى بالتأكيد متاجر الشوكولاتة! حى كامل للشوكولاتة أى حلم هذا؟ كل الشوارع كلها دكاكين شوكولاتة يعنى أن أى بلجيكى يأكل يوميا شوكولاتة ويأتى السائحون خصيصا لإشباع نزوات الشوكولاتة ولشراء كميات تمثل هدية فاخرة، ودائما يقولون أن شوكولاتاتهم أحسن شوكولاتة فى العالم! لا سويسرية ولا ألمانية ولا أى شىء آخر، المشكلة أن الإنسان يتوه وسط الأنواع اللا نهائية. وأخيرا نحن وجها لوجه مع مستويات مختلفة من الشوكولاتة منها عالي الجودة ومنها متوسط ومنها منخفض نظرا لدخول شركات أجنبية في المجال بأسعار رخيصة فتبيع مجموعة علب كهدايا بأسعار اقتصادية. ونستسلم للنكهات التى تغرينا ودخل لهذه المتاجر الأشبه بالألعاب ويمكننا أن ننتقى قطع الشوكولاتة الصغيرة بالواحدة في علبة أنيقة، وكذلك البسكويت فكل علبة معدنية مكتوب عليها نوع البسكويت الذى نختاره بأيدينا والكمية التي نريدها وهم يعرفون أن المسلمين لا يفضلونها بالكحوليات، لذا ينسقون علبا جاهزة خالية من الكحول، وغزت الحلويات المغربية التى تعد شيئا جديد على الغربيين الميدان الكبير أخيرا، وإذا جلسنا لنحتسى القهوة في أحد المقاهى المحيطة سوف تأتى بطريقة آلية قطع الشوكولاتة البلجيكية بمذاقها الراقي بجانب الفنجان، وقبل أن نستأنف جولتنا فى المكان، حيث متاجر المشغولات اليدوية التقليدية مثل المفارش الدانتيل والحقائب الجوبلان، والشارع الشهير المعروف باسم الشارع الجديد "رى نوف Rue Neuve " الملىء بالماركات العالمية فى الملابس والعطور ومستحضرات التجميل. ومن أهم معالم بروكسل أيضا هذا المبنى المبهر الذى يسمى "أتوميوم" ويقول البلجيكيون إنه المبنى الأكثر إذهالا فى العالم! وهو مشتق من كلمة "أتوم" التى تعنى بالفرنسية الذرة، فقد شيد على هيئة ذرة حديد عملاقة تم تكبيرها 165 مليار مرة! و يرتفع المبنى بطول 102 متر، وكل كرة تحتوى على قاعة للمعارض منها الثابت ومنها الذى يدور. وتم افتتاح أتوميوم أثناء المعرض الدولى فى عام 1958 وتم تجديده فى عام 1990. وبروكسل مثل مدن أوروبا مليئة بالمتاحف وأشهر متحف اسمه "المتاحف الملكية للفنون الجميلة" ويضم الروائع الفنية لأشهر الفنانين التشكيليين فى القرن السابع عشر مثل أنطوان فان دايك وبيير - بول روبنز.

قلب أوروبا
دائما توصف بأنها "قلب أوروبا Cœur de l'Europe" وبعد الاعتداءات الإرهابية فيها طيرت وكلات الأنباء العالمية الخبر بعناوين تدور حول إصابة فى قلب أوروبا!فعندما نزف قلب القارة العجوز أدمى كل الشرايين حولها، لأنها دولة على الجانب المادى تشكل مركزا مهما، وعلى الجانب العاطفى تحظى بشعبية. ولا توجد مدينة بعيدة فى بلجيكا، فأى مدينة تبعد عن العاصمة نحو ساعة واحدة، مثل المدن الفرانكوفونية الجنوبية: نامور عاصمة إقليم والونيا، ولييج التى تشتهر بحداثتها لاسيما تصميم محطة القطار، وشارلوا التى تحافظ على الفولكلور، وماربيان على الحدود الفرنسية، والمدن الفلمنكية الشمالية: مثل أوستوند المطلة على بحر الشمال، وبروج التى تعتبر فينيسبا الشمال بفضل القنوات المائية، وأنتويرب التى تشتهر بصناعة الألماس. وكل مدينة بما فيها بروكسل لديها يوم مخصص للسوق الشعبى أو "لومارشيه" هو واحد من أهم العادات التى ما زالت موجودة فى غرب أوروبا ومنظمة بشكل دقيق، فيأتى الباعة المتجولين بعربات نقل ويعرضون البضائع فى الشوارع، وهى أغراض متنوعة ومستوردة بأسعار معقولة وأقل من المتاجر مثل الملابس والإكسسورات واللحوم والخضر والفاكهة، بالإضافة ليوم آخر للسوق لكن للأشياء المستعملة ويشارك فيه أهالى عاديين وليس بالضرورة التجار.
وبرغم المشاكل السياسية والاقتصادية وعدم استقرارالحكومات منذ سنوات، وأحاديث عن تقسيم بلجيكا لدولتين، دولة فلمنكية وأخرى فرانكوفونية وأحاديث أخرى تتردد أنها ستنضم فى هذه الحالة لفرنسا، فالحياة تسير كأن شيئا لم يكن! بكل دقة، ونظام واطمئنان! ويقول أحدهم أن ذلك يرجع إلى أن بلجيكا ليست دولة سياسية، إنه مجتمع رفاهية، فجميعهم يلبسون أزياء موقعة من أشهر بيوت الأزياء، ولا يهتمون كثيرا بالأزمات السياسية ويعتبرون أنه لا توجد أزمة اقتصادية بالمعنى، ولدعم الروح القومية ترفع أعلام بلجيكا فى النوافذ، وظهرت شعارات منذ فترة مثل "من أجل وحدة بلجيكا" و"أنا بلجيكى وأفتخر"! ومع رئيس الوزراء الحالى شارل ميشيل شهدت البلاد استقرارا، وبشكل سريع نعلم أن قديما كانت الأقلية الفرانكوفونية التى تمثل نسبة حوالى 40% وهى الناطقة بالفرنسية وذات جذور فرنسية هى المتحكمة فى الاقتصاد لأن مناجم الفحم تقع فهذا الإقليم، أما بعد تغير مصادر الطاقة، لجأ الفلمنكيون إلى التجارة مما أنعش اقتصاد إقليمهم!وأصبحوا يتمتعون بقوة أكبر خصوصا أنهم يمثلون الأغلبية بنسبة نحو 60%! وترتبط بلجيكا وفرنسا بتاريخ طويل وأبرز جزء هو الخاص بهزيمة نابليون بونابرت وتوقيع اتفاقية فيينا لتقسيم الإمبراطورية الفرنسية فى 1815 وظهرت المملكة للأراضى المنخفضة المتحدة التى هيمنت عليها هولندا لكن ذلك لم يدم، وبعد ثورة اندلعت فى بلجيكا فى 1830 تبلورت صورتها التى نعرفها حاليا. ويقول بعض البلجيكيين مازحين إنه لولا معركة وأترلو لما كانت بلجيكا! وهى مدينة قرب بروكسل وهى آخر معارك نابليون بونابرت وهزم فيها هزيمة شديدة غير متوقعة من تحالف أوروبى!
ومن أهم الأشياء التى تميز أوروبا الغربية هى شبكة القطارات العملاقة والسريعة التى تربط بين مدنها، فتجعل منها بلدا واحدا، والميزة هى سهولة التنقل من بلجيكا للدول المجاورة فيمكن عمل رحلة بين دولتين أو ثلاث والعودة مرة أخرى فى يوم واحد! لاسيما لو كانت باريس على بعد ثلاث ساعات فقط من بروكسل، فلا يمكن تفويت فرصة رؤية مدينة النور! وتعتبر الرحلة متعة أخرى، لأننا نشاهد مناظر طبيعية خلابة على طول الطريق فتمر الساعات بسرعة فائقة بين المدينتين ولا يشبع المرء من"الفرجة"من نافذة القطار حتى الوصول إلى شمال باريس"بارى - نور"، وننتقل من الشوكولاتة البلجيكية وحلوى الجوفر أو الوافل الشهيرة إلى فطائر الكريب الرقيقة وحلوى المكارون والكرواسون فى باريس! وهذا نموذج يوضح مدى ارتباط بلجيكا وفرنسا خاصة، وبين المدن بعضها بعضا الأوروبية عامة، وبالتحديد بعد اعتماد تأشيرة شينجن التى جعلت من أوروبا الغربية بلدا واحدا، وقرية شينجن ذاتها تقع قريبا من بروكسل فى دوقية لوكسمبورج العظمى واشتهرت فى 14 يونيو 1985 بإلغاء عملية المراقبة على الحدود، عند توقيع اتفاقية شينجن بين الدول الأوروبية، لكن بعد الاعتداءات الإرهابية الأخيرة ظهرت مخاوف من هذه الميزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.