لا يمكن لعروبى، أن يدير ظهره لما يحدث فى لبنان أو يتعامل معه على أنه شأن داخلى يخص أهله فقط، فلبنان ذلك البلد العربى الصغير مساحة والكبير قيمة، والذى حباه الله بالعديد من المزايا الجغرافية والطبيعية وقبلهما الكوادر البشرية القادرة على الإبداع والخلق لا يمكن أن يكون مثل الجالس على فوهة بركان، لا أحد يعرف متى يمكن أن ينفجر. فالطائفية والمذهبية تضربان وحدة بلاد الأَرز، وتهددان تماسك بنيانه ويلوح بسببهما شبح الحرب الأهلية لا أعادها الله، وتنذر بالخطر الداهم والدائم الذى يهدد استقلال الدولة وفرض هيبتها. الحادث الأخير الذى وقع فى الشمال، وبالتحديد فى طرابلس وعكار، والذى استدعى تدخل الجيش اللبنانى وقوى الأمن الداخلى لفرض الانضباط والفصل بين المتصارعين بعد سقوط قتلى ومصابين، وضع البلد على شفا حرب، وجاء اختطاف عدد من اللبنانيين فى سوريا ليؤجج الموقف قبل أن يسهم فى التهدئة ويلوح بسببه فى الافق أما الوحدة ولو لفترة بسيطة. فالدولة بكل أجهزتها وطوائفها ومذاهبها تفرغت لمتابعة أزمة المختطفين وإيجاد حل يضمن سلامتهم وعودتهم آمنين إلى أهلهم وذويهم، وتضافرت الجهود الدبلوماسية والحزبية من جميع الفرقاء على غير اتفاق إلا شعورهم بالمسئولية الوطنية، الأمر الذى دفع الرئيس سعد الحريرى، رئيس الوزراء السابق، أن يبادر بإجراء اتصالات واسعة ووضع طائرته الخاصة تحت تصرف المختطفين لتقلهم من تركيا التى ذهبوا إليها بعد إطلاق سراحهم، وتزامنت جهوده مع جهود الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، ورئيس المجلس النيابى نبيه برى، ورئيس الوزراء نجيب ميقاتى، وبالطبع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، كل هؤلاء جدوا واجتهدوا، كل بطريقته وحسب علاقاته ونفوذه لدى الآخرين حتى تكلل الجهد الجماعى بالإفراج عن المختطفين وعودتهم سالمين إلى لبنان. تناسى الفرقاء أسباب الخلاف والفرقة والتفوا حول المصاب الوطنى وتحت الراية اللبنانية وأسهمت جهودهم فى الحل، ما شجع الرئيس ميشال سليمان إلى دعوة كل الفرقاء للحوار من أجل حل الأزمة اللبنانية التى تهدد البلد كله، بسبب الخلافات والانقسامات على خلفية ما جرى فى طرابلس أخيرا، لكن الدعوة الرئاسية وجدت انقساما كالعادة، ففريق أيد الحوار يتقدمه حزب الله، وآخر اشترط إقالة الحكومة مثل تيار المستقبل لتبقى حكومة ميقاتى بين شقى رحى، كليهما قوى وصعب المراس ولن يقبل إلا بما يرضيه عنها وهى اختارت منذ البداية إرضاء تيار 8 آذار الذى يدعمها منذ اليوم الأول فى مواجهة انتقادات تيار المستقبل. وما زاد الطين بلة ظهور أصوات تنادى بإنشاء الجيش اللبنانى الحر، وهى الدعوة التى وإن لم تجد آذانا صاغية ولم تحدث صدى فى الشارع اللبنانى ورفضتها كل القوى والطوائف وفى مقدمتها تيار المستقبل المنادى بنزع السلاح من حزب الله وكل الفصائل، إلا أن الدعوة فى حد ذاتها تمثل خطرا ينذر بتكرار النداء مرات ومرات، ولا أحد يدرى كيف سيكون التفاعل مع النداءات المقبلة. فلا يوجد بيت فى لبنان ليس فيه سلاح، وهو ما شجع الزميل الإعلامى على علوية إلى الدعوة عبر «الفيس بوك» لمليونية «لبنان الموحد بلا سلاح» فى محاولة لحشد الرأى العام لتأييد فكرة نزع السلاح من كل الفصائل ليبقى فى يد الجيش وحده باعتباره جيش كل لبنان، مسلمين ومسيحيين ودروز وأرمن ومارون وسنة وشيعة، خصوصا أن الجميع فى لبنان يلعب بالنار السياسية المستعرة، والتى تزداد اشتعالا بفعل المواقف المتغيرة والمتعاقبة كل ساعة، ويكفى للتدليل على ذلك أن الشعب اللبنانى دون غيره من الشعوب العربية يتفاعل مع القضية السورية، ويتأثر بها ويخشى عواقبها بعد انقسامه ما بين موال ومناهض للنظام السورى، وبالتالى ما حدث فى طرابلس لا يخرج عن كونه رد فعل لموقف المستقبل المناهض للنظام السورى، وسعى لإدخاله لبنان عبر بوابة طرابلس لما لا يريد أو يحب، وتوريط جيشه مع تيار بعينه وما يمكن أن ينتج عن هذه المواجهة الداخلية. لكن صوت العقل تغلب وفرض منطقه ولعبت حكمة سعد الحريرى دوراً فى إخماد نار الفتنة، ليتراجع شبح الحرب الأهلية شيئا ما، لكنه بكل تأكيد لم يختف ولن يختفى إلا بعد جلوس كل الفرقاء على مائدة الحوار التى دعا إليها الرئيس سليمان، وهنا أجدنى مدفوعا بحبى للبنان وشعبه وخوفى عليهم، بأن أدعو كل القيادات والزعامات والمسئولين فى كل الطوائف والمذاهب والتيارات والحركات و الأحزاب إلى الجلوس معا من أجل لبنان المتنوع فكريا وعقائديا والموحد ترابا وشعبا تحت راية الأَرز، وأدعوهم للم الشمل وتجاوز الخلافات وبناء جسور الثقة ورفع شعار لبنان فوق الجميع وقبل الجميع، مستفيدين من روح الجماعة التى بدت جلية فى أزمة المختطفين التى مرت بسلام، وسمعنا لأول مرة منذ شهور عدة، إشادات بجهود المنافسين، كما فعل السيد حسن نصرالله عندما أشاد بجهود الرئيس سعد الحريرى، رغم ما بينهما من عداء ظاهر، لكن الأمانة والمسئولية حتما على السيد حسن أن يذكر الجهود ويشكر صاحبها، بل وزاد بتلقين شباب الحزب درسا بالغ الأهمية فى احترام الآخر وشكر جهوده مهما كان الخلاف بينهما، رافضا همهمات الشباب بعد ذكره اسم الحريرى، فإذا به يعلن على الملأ رفضه لرد فعل الشباب، قائلاً: ما قمتم به لا ينسجم مع لياقاتنا وحدد المشكلة بقوله: نحن نختلف بالسياسة لكن كل أمر جيد يجب أن يمدح ويشكر، فهل تكون هذه الروح هى قاعدة الانطلاق نحو الحوار المسئول بين كل الفرقاء من أجل لبنان الموحد. أشرف محمود