تقوى من نفوذ الأسد وتحول دون مواجهة بين تركياوروسيا بعد إعلان الهدنة فى سوريا الأسبوع الماضى، ووقف إطلاق النار، وصفت بعض الصحف الفرنسية هذه الهدنة بأنها تفتح المجال لحرب شاملة، لأنها ستفتح فصلا جديدا فى الحرب الدموية الدائرة فى سوريا. فهذه الهدنة من شأنها أن تحدث مواجهة بين النظام السورى وحلفائه من الروس والإيرانيين من جهة، وبين جهاديى جبهة النصرة والدولة الإسلامية من جهة أخرى. هذه الهدنة تسمح لروسيا بموافقة الولاياتالمتحدة، هذه المرة باستهداف مجموعات المعارضة المسلحة التى ستنتهك حتما وقف إطلاق النار. فالحكاية ببساطة أنه برغم أن الهدنة تعزز من قوة الأسد فى إطار تخليه فى الأساس عما كان شرطا مسبقا من قبل إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، وقوى المعارضة والمتمثل فى ضرورة رحيله كجزء من أى اتفاق سياسى، وبرغم أنها تحمل فى ظاهرها الرحمة، فإن باطنها ينطوى على العذاب سواء بشكل مقصود أم غير مقصود، كما ورد فى تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية التى قالت إنه على الرغم من أن معظم قوى المعارضة السورية الكبرى وافقت على وقف إطلاق النار، فإن كثيرا منهم توعد بردود انتقامية فى حال قيام الروس أو السوريين بالهجوم عليهم، حتى ولو كان الهجوم يستهدف فى الأساس "داعش" أو "جبهة النصرة". فاتفاق وقف إطلاق النار الحالي، يسمح لروسيا والتحالف الذى تقوده أمريكا بمواصلة العمليات ضد هاتين الجماعتين برغم عدم وضوح الكيفية التى ستقوم بها أمريكاوروسيا بالتمييز بين مجموعات المعارضة المختلفة وبين داعش وجبهة النصرة. واتفقت كل من النيويورك تايمز الأمريكية وبعض الصحف الفرنسية، على أن هذه الهدنة من شأنها تقوية مركز روسيا فى التفاوض على الساحة الدولية، باعتبارها داعية سلام لا سيما بعد الانتقادات الحادة التى واجهتها عقب خمسة أشهر من الضربات القوية والتى كان من شأنها إيقاع العديد من المدنيين والأطفال، لدرجة أنها كادت تدخل فى مواجهة مع تركيا التى كانت قد تعهدت أخيراً بالتصدى للهجوم الكردى شمال حلب، فإن الهدنة جاءت فى الوقت المناسب لتجنب هذه المواجهة بين تركياوروسيا، والتى جاءت لها الهدنة على طبق من ذهب، فبداية هى ليست على استعداد للمواجهة مع تركيا الآن، برغم أن بوتين يرغب فى الرد بقوة على ما قامت به تركيا بإسقاط مقاتلة روسية اخترقت أجواءها فى نوفمبر الماضى، ما حدا ببوتين بمطالبة الجيش الروسى بعد ذلك بتدمير أية أهداف تهدّد المقاتلات الروسية، ولكن يظل آخر ما يرغب فيه بوتين، هو الدخول فى صراعٍ حالى مع الناتو الذى تُعتبر تركيا أحد أكبر أعضائه. استفادت روسيا أيضا من هذا الاتفاق، لأنه مع اشتراك الولاياتالمتحدةالأمريكية تصبح روسيا بذلك أحد اللاعبين المهمين على الساحة الدولية، بل إنها تقف على قدم المساواة مع واشنطن خصوصاً مع إمكانية تبادل المعلومات بين الدولتين، لتنجح موسكو أخيرا فى تفادى الانتقادات حول ضرباتها الجوية، بل إن التقدم الهائل الذى حققه الجيش السورى حول حلب سيعطى فرصة لدمشق للتفاوض مع خصومها من موضع قوة هذه المرة تماما، كما سيعطى وقف إطلاق النار فرصة لبوتين ليس فقط للظهور بشكل أقوى، بل إجبار أمريكا وحلفائها على التفاوض حول حل وسط للأزمة السورية، وهو ما أثار قلق السعودية وتركيا، اللتين أظهرتا الكثير من المخاوف من أن يصب الاتفاق فى مصلحة الأسد فى النهاية. فالسعودية وتركيا، كانت قد بدأتا بالفعل بحث تدخل على الأرض فى سوريا، حيث ترغب تركيا فى إيقاف القوات الكردية شمال حلب، باعتبارها خطراً لا بد من التعامل معه ما يعنى بشكل واضح تفاقم الصراع فى سوريا، وهو ما لا تريده روسيا، والتى تبذل قصارى جهدها لإنجاح اتفاق وقف إطلاق النار. ويبدو أن روسيا تتعامى عن الكثير من الشكوك والخلافات التى ربما تحول دون نجاح هذه الهدنة، فتصميم تركيا على رد أى هجوم يمكن أن يشنه المقاتلون الأكراد، الذين تعتبرهم إرهابيين على أراضيها يحول دون نجاح الهدنة واستمرارها، خصوصاً مع تأكيدها أن هذه الهدنة تخص سوريا وحدها وليس باقى الدول المحيطة، وازدادت المسألة قتامة بعد تصريحات السعودية التى أعلنت فيها عدم ممانعتها بتزويد المعارضة السورية بالأسلحة المختلفة، ومن ضمنها الصواريخ الأرض-جو للدفاع عن نفسها ضد الضربات الجوية. الخطة "ب" التى وضعتها واشنطن فى حال لم تنجح الجهود المبذولة، لإنشاء حكومة انتقالية فى سوريا ما هى إلا نوع من أنواع التشكك الأمريكى فى النوايا الروسية، إذ إن كليهما يبحث عن مصلحته فقط من خلال حساب المكسب والخسارة، فكلاهما لا تعنيه سوريا لا من قريب ولا من بعيد، حيث تأتى المصلحة كسبب رئيسى ووحيد لكل هذه التدخلات، ولهذا السبب دارت هذه الخطة البديلة، والتى وصفتها موسكو بأنها محاولة لإفساد الهدنة وعودة استيلاء واشنطن على زعامة العالم، خصوصاً أن موسكو ليست على علم نهائيا ببنود هذه الخطة، بل وصل الأمر إلى وصف لافروف لتصريح الرئيس الأمريكى باراك أوباما، بأن محاربة الإرهاب لن تكون ناجحة طالما الرئيس الأسد فى السلطة بأنه مرفوض، بل ووصف الخطاب بأنه غامض ما يعنى أن الاختلاف بين الدولتين اللتين وضعتا بنود هذه الهدنة من الممكن أن تؤدى إلى فشلها نهائيا، خصوصاً أن الخطة البديلة تتضمن زيادة المساعدات والتدريب للقوات المحلية، وزيادة القوات الأمريكية الخاصة فى سوريا. إضافة إلى إمكانية استعانة أمريكا بدول أخرى لزيادة الدعم اللوجستى بالسلاح، وإقامة منطقة حظر جوى أو منطقة آمنة للاجئين لمنع النظام من استهداف المدنيين فى سوريا، مما يزيد من تعقيد المشهد وينعكس سلبا على المسار السياسى للهدنة. كل هذا يأتى بالإضافة للاتهامات المتبادلة ين النظام والمعارضة بخرق الهدنة وقصف المدنيين بالطائرات والصواريخ، والرشاشات الثقيلة والمدفعية والبراميل المتفجرة وبالطبع القى كل طرف باللائمة على الآخر مطالبا رعاة الاتفاق أن يتدخلوا لفرض الهدنة، وإجبار النظام على تنفيذ القرارات الدولية بكل تفاصيلها. ولعل تلك مشكلة أخرى من شأنها الإطاحة بالهدنة، فالمعارضة السورية تتألف من العديد من الفصائل المسلحة، وبالتالى لا يوجد ضمانات على احترامها هدنة وقف إطلاق النار، خصوصاً أن بعض أعضاء هذه المعارضة يتبع دول الجوار وبناء عليه، فإن أى خروقات من جانب المعارضة سيتم إلصاقها إما بالنظام كما حدث، وإما بداعش أو جبهة النصرة اللتين تعتبران أكبر قوة مسلحة هناك، وبما أنهما خارج الهدنة باعتبارهما منظمات إرهابية، فإن وقف إطلاق النار غير ملزم لهما، لتبقى فكرة استمرار الهدنة مسألة شبه مستحيلة، فهى من حيث طبيعتها لا تتمتع بمقومات كثيرة للنجاح، فهناك قضايا كثيرة لم يتم تحديدها بشكل واضح مثل مراقبة وقف إطلاق النار، وتحديد الجهات التى يمكن أن تخرق الهدنة، بالإضافة إلى قضية تحديد الجماعات التى يمكن تصنيفها كإرهابية.