عرفة عبده على فى عهد أسرة محمد على باشا كانت مصر الملكية الدولة السياحية الأولى فى العالم، لم يكن لدينا وزارات للسياحة والآثار والثقافة .. كانت شركة "توماس كوك" الشهيرة ووكالات سياحية يديرها يهود وآرمن، يروجون للسياحة فى مصر، وإعلاناتهم تنتشر فى الصحف والمجلات الأوروبية والأمريكية تدعو لزيارة "الأهرامات و شواهد أمجاد الفراعنة"؛ "الأهرامات بوابة الكنوز الأثرية لمصر" كما تدعو لمشاهد أسطورية على النيل وليال ساحرة فى فنادق القاهرة "شبرد أوتيل وسميراميس وجراند أوتيل" وغيرها، كلها كانت تحظى بشهرة عالمية باعتبارها "الأماكن المفضلة للعائلات الملكية والأرستقراطية" وجزءاً أساسياً من البرنامج تنظيم رحلات فى النيل من القاهرة إلى النوبة داخل "دهبيات" تضرعت غرفاتها بأجمل الذكريات عن مصر. لم تكن هناك وزارة للسياحة وهيئة لتنشيط السياحة ومكاتب سياحية وإعلامية مصرية فى الخارج مخصصة ل"المحاسيب" خصوصاً – فى عهد مبارك – الذين لا يدركون أهمية وعظمة مصر التى يمثلونها، اقتصر اهتمامهم على حضور الحفلات وإرسال الملابس الفاخرة وصناديق الويسكى والهدايا لمن بعث بهم!.. كما أخبرنى أحد سفرائنا السابقين! أهمل تماما دور مصر الثقافى وتاريخها وحضارتها العظيمة، وبعد أن كانت "توماس كوك" تعتمد فى رعايتها على آثار مصر منذ عصر الفراعنة إلى العصرالإسلامى، وتبرز مواطن الجمال فى ربوع مصر والمحميات الطبيعية، أصبحنا فى عهد وزارة السياحة وتوابعها التى تعتمد "سياسة" المهرجانات والأفراح والليالى الملاح، تحييها مطربات وراقصات تحت مسمى "تنشيط السياحة"، هكذا !.. حتى أصبحنا "أمة فى مهرجان دائم" .. كفاكم هزلاً وعبثاً .. خصوصاً عندما نعلم أن النشاط السياحى فى جنوبسيناء تقوم به شركات إسرائيلية وتركية و روسية، أما الشركات السياحية المصرية فقد تركز اهتمامها على تأشيرات الحج والعمرة!.. ولا أدرى ما علاقة الحج والعمرة بالسياحة!.. كما لا أدرى ما علاقة "اسأل عن تفسير الأحلام" على موقع وزارة السياحة المصرية! ومنذ ما يسمى ب"معاهدة السلام" أصبح التطبيع فى مجال السياحة فى جوهره "صفقة" لبيع الخدمات الإسرائيلية إلى السياحة العالمية، كما كشف عن الترابط الوثيق بين الشركات السياحية الإسرائيلية والاحتكارات السياحية الدولية بمعنى: اندماج مصر فى شبكة السياحة العالمية عبر إسرائيل! وهذا النمط من النشاط السياحى بدأ بمجرد توقيع معاهدة السلام، إذ بدأت شركات السياحة الكبرى فى الولاياتالمتحدة مثل "جنرال موتورز" و "تشارتورز" بتجميع السائحين الأمريكين لزيارة كل من مصر وإسرائيل، ولجأت الشركات الأمريكية إلى مكاتب السياحة الإسرائيلية المنتشرة فى أمريكا و أوروبا، من أجل ترتيب رحلات للأفواج السياحية من الولاياتالمتحدة و أوروبا تشمل – خلال رحلة واحدة – زيارة القدس وسانت كاترين والأهرامات، والمزارات المقدسة الشهيرة للأديان الثلاثة .. فعلى سبيل المثال، تحمل النشرات الدعائية التى تقوم بتوزيعها مكاتب السياحة الإسرائيلية فى أنحاء العالم عبارات مثل: "تعالوا لزيارة الأهرام ومن بناها" .. "إسرائيل أرض الشمس والتوراة، و مصر أرض الفراعنة"! و الدعوة إلى مشاهدة اليهود "جذورهم فى مصر وتسلق الأهرامات"! إلى جانب ما تبثه الدعاية المغرضة من سموم فى شكل توجيهات للسائحين بعدم شراء مأكولات أو مشروبات بما فيها المياة المعدنية "لا تصلح للإستهلاك الآدمى" وتكون النتيجة أن السائح يأتى إلى مصر عن طريق "إسرائيل" وقد تم إستنزافه وحُمل بكل ما يحتاجه ويقضى أيامه فى مصر يتمتع بكل معطياتها السياحية دون أن يتكلف دولارا ً واحدا ً!.. وحتى دون أن "يستمتع بمهرجانات دعم السياحة" التى تقيمها الوزارة! وبينما يتركز اهتمام شركات السياحة المصرية على رحلات الحج والعمرة، تقوم الشركات الإسرائيلية بتنظيم رحلات تشمل جميع أنحاء مصر، على رأسها شركة "أيجد" و شركة "زيم" للسياحة والملاحة الإسرائيلية – إحدى واجهات الموساد – منها رحلات لثلاثة أو أربعة أيام تشمل المنطقة الأثرية بالجيزة، وروائع العمارة الإسلامية بالقاهرة والكنائس الأثرية والمتحف المصرى والمعابد اليهودية القديمة خصوصاً معبد "بن عزرا" و معبد "شعار هاشاميم" بشارع عدلى، كما تنظم رحلات إلى الأقصر وأسوان لمدة سبعة أيام، ورحلات نيلية فى الأقصر وأسوان، ورحلات من تل أبيب والقدس إلى جنوبسيناء، بالإضافة إلى تنظيم رحلات لحضور مولد "أبو حصيرة" بقرية دميتوه بدمنهور فى يناير من كل عام! وتحت ستار السياحة، خلال عهدى السادات ومبارك، كانت يفد إلى مصر أفواج سياحية من إعلاميين ورجال أعمال، وأساتذة جامعات من الكوادر ذات الصلة بمؤسسة الاستخبارات الإسرائيلية هل رأيتم مدى استغلال وزارة السياحة الإسرائيلية وشركات السياحة الإسرائيلية لآثار مصر ومعطياتها السياحية العظيمة، من أجل الترويج للسياحة الإسرائيلية بين يهود أمريكا وأوروبا ..على العكس من وزارة السياحة المصرية وشركات السياحة التى لا بد أن تضع كنوز التراث الإنسانى وإبداعات الإنسان المصرى منذ عصر الفراعنة مرورا ً بالعصر القبطى، ثم العصر الإسلامى على رأس الدعاية إلى مصر .. تغيرت المفاهيم السياحية – خصوصاً فى عهد مبارك – وأصبح التركيز على السياحة العربية والترويج لسياحة "المنتجعات والقرى السياحية"!.. فالإخوة العرب، وبعضهم أصدقاء، لا يهتمون أساسا ً بزيارة المناطق الأثرية والمتاحف التى كانت وجهة وموضع اهتمام السائحين من أوروبا وأمريكا فى زمن الملكية! إن منظومة السياحة فى مصر بكل ما فيها من وزارة السياحة وهيئة تنشيط السياحة وغرفة السياحة، و "مهرجانات دعم السياحة" وأحزان أخرى!.. فى أشد الحاجة إلى "النسف" وإلى رؤية جديدة، ليتها تعود بالسياحة فى مصرنا الجميلة إلى زمن "توماس كوك"!