أبو بهجت: إتقاننا لتجويد القرآن منحنا التميز وفى الموشحات الأندلسية وجدنا ضالتنا - أبو ياسر: جئنا إلى مصر لأنها «البوابة الكبيرة» والعالمية حلمنا
عندما تكون فى حضرة هذه الفرقة، لا تملك إلا أن تحلق فى ملكوت الله، مفكرا منتشيا بأصوات أعضائها، وما يقدمونه من أشعار فى الحب الإلهى وحب النبى صلى الله عليه وسلم، عندها تنسى كل ما يحيط بك من صراعات وتشعر بأن الحب هو عماد هذه الدنيا، وأن كل شيء جميل، وأنك قادر على احتواء كل ما حولك . إنها فرقة الإخوة أبو شعر السورية، التى تضم ستة أشقاء، لكن كل واحد منهم لديه ما يميزه عن غيره، لكنهم فى النهاية يشكلون معا سيمفونية تأخذك إلى عالم من الحب والجمال . «الأهرام العربى» كانت فى صحبة هذه الفرقة وغاصت فى عالمهم، فكان هذا اللقاء الذى رافقتنا فيه بعدستها «الزهراء محمد».
البداية كانت مع بهاء الدين موفق أحمد أبو شعر الشهير ب «أبو بهجت» ويطلق عليه معجبوه لقب «سلطان الإنشاد الدينى»، حيث تحدث عن نشأة الفرقة فقال: والدى موفق أبو شعر الحسينى، هو أحد مشايخ الشام، وإليه يعود الفضل فى تأسيس فرقة أبو شعر، عندما أدخل الإنشاد كنوع من الترويح عن القلب فى مجالس العلم، بتخصيص نصف ساعة للإنشاد تعيد إلى الأطفال انتباههم فى مجلس العلم، وشيئا فشيئا لم يعد الأمر مقصوراً على مجلس العلم، بل خرجت الفرقة لإحياء بعض المناسبات الدينية والأفراح، ومع القبول الكبير لها من قبل المحيطين بها زاد انتشارها، وأصبح للفرقة كيانها فى النصف الأول من الثمانينيات، وواصلت رحلتها مع الإنشاد طوال السنوات الماضية، خصوصا أنها قائمة على أفراد الأسرة تحت مظلة الوالد، الذى علمنا علم النغم وسقانا من روحه الكثير، ولأننا شعرنا بأننا يجب أن يكون لنا ما يميزنا عن مئات الفرق المنتشرة فى سوريا، كان لا بد لنا من تبنى خط واضح نختص به ونسير عليه، فوجدنا ضالتنا فى الموشحات الأندلسية القديمة، لما تتسم به من زخم فى الإيقاع واللحن والقصائد، وساعدنا فى هذا التميز اتقاننا لتجويد القرآن، كما عملنا أكثر على التراث المصرى، لأنه الأقرب إلى أهل الشام حيث كنا نأخذ الموشح منه ونعيد توزيع لحنه بالشكل الذى يناسب السوريين، من دون الاستعانة بأى آلات موسيقية سوى الإيقاع، وتأكيدا لموهبتنا الصوتية، فقد استطعنا أن نحقق شهرتنا الكبيرة، ولمزيد من التميز عن غيرنا أصبح لنا زى خاص بنا، أشرفت عليه والدتنا مطيعة المصرى حسنية، فقلبنا موازين الفرق الإنشادية فى سوريا، وكان تركيزنا على مخاطبة الشباب لجذبهم إلى المساجد والاقتراب أكثر من الدين وحب الرسول صلى الله عليه وسلم .
وعن نوعية ما يقدمونه وهل هناك برنامج ثابت لذلك، قال: ليس لنا برنامج ثابت، لكن تعلمنا من والدنا أن نتعامل مع المناسبة والمكان الذى ننشد فيه، بما يجعلنا نتفاعل مع الجمهور ونلبى ما يريده، فمثلا ما نقوله من موشحات أندلسية فى الأوبرا لا يصلح أن نقوله فى حفل زفاف أو مولد، علاوة على أننا أصبحت لدينا مع الوقت خزينة كبيرة تضم كل الألوان، الخليجى والمغربى والتونسى والماليزى والليبيى، والسودانى وغيرها، ونقدم ذلك عن فهم ودراسة، وليس مجرد حفظ حتى نستطيع توصيل ذلك بالإحساس الصحيح لكل من يستمع لنا، وما يدعو للدهشة أن كل أخ من إخوتى استطاع أن يبرز فى بعض هذه الألوان، وهو ما يجعلنا على المسرح نكمل بعضنا البعض فى الإنشاد والإدارة أيضا، فهناك من يقوم على شئون الفرقة المالية والتنظيمية ومن يملك ملكة التلحين وهكذا.
الحب والمستحيل والغريب فى الأمر أن أغلب أعضاء الفرقة لم يكملوا تعليمهم، علاوة على أن لهم أعمالا أخرى تمثل مصدر رزقهم مثل الخياطة وغيرها، وبرغم ذلك استطاعوا النجاح والتميز فى عالم الإنشاد الدينى، فحبهم له صنع المستحيل وجعلهم نجوما فيه، بل تمكنوا من الخروج بعالم الإنشاد من المساجد إلى الأماكن المختلفة أتاحت وعلى حد قول «أبو بهجت « لغير المسلمين أن يتفاعلوا معه، فكم من حفلات لهم حضرها قسيسون، لأنهم يغنون للحب دون النظر إلى الديانة، وبعيدا عن أى صراعات، وربما لذلك يدخلون القلوب بسرعة، فالحب له سحره، يخترق القلوب بدون استئذان رغم اختلاف مذاهبها، لذلك نرفع شعار «الحب كده».
براعم أبو شعر ويلتقط طرف الحوار محمد خير أبوشعر، وشهرته «أبوياسر» وكما يلقبه معجبوه «قيثارة الإنشاد» فيقول : الحالة الروحانية التى تسود كل حفلاتنا لا يمكن وصفها حتى إن إحدى المذيعات جاءت لى مرة قبل الحفل، لتسألنى فى أى وقت تصل حالتكم الروحانية إلى الذورة، فقلت لها لن أجيبك إلا بعد الحفل، فجاءت بعده وهى تبكى، فسألتها فى أى وقت وصلنا معك إلى الذروة، فلم تجب لأنه من الصعب تحديد ذلك، فكل متفرج يعيش حالة مختلفة عن غيره، كما أن الأجواء التى ننشد فيها تصبح وكأنها منافسة فى الحب، وعلى قدر ما نعطى منه على قدر ما نأخذ من الجمهور.
وعن مستقبل الفرقة قال: فكما قام والدنا بإلحاقنا فى الفرقة فهناك من هم امتداد لنا وهم أولادنا، ونسعى لضمهم للفرقة قريبا تحت عنوان «جيل براعم أبو شعر»، خصوصا أنهم يختلفون عنا فى أن تعليمهم يفوق تعليمنا، ويدرسون الموسيقى بشكل أكاديمي، ومنهم البارعون فى العزف على مختلف الآلات الموسيقية، وبالتالى ربما يطورون ما نقدمه نحن ليقدموه بطريقتهم هم .
وعن إمكانية وجود عنصر نسائى بالفرقة قال: لم يكن الجو فى سوريا يسمح للمرأة بأن تظهر فى الإنشاد، كما أن فرقتنا أصبح لها شكلها الذى اعتاده الناس، وبرغم أن هناك فى الأسرة أصوات نسائية جميلة، فإننا لا نفكر فى ضمنها للفرقة، حتى لا نفتح الباب للجدل، خصوصا أن هناك قيودا شرعية لا تتيح للمرأة ذلك. وعن قرارهم بالمجئ إلى مصر، أشار أبو ياسر بأنهم وجدوا أن مصر هى الأفضل فنيا وإعلاميا، والجميع يعرف أنها بوابة كبيرة بالنسبة لهم أوغيرهم، لدرجة أنهم شعروا بانتصار كبير عندما تعاقدوا فور مجيئهم مع أحد المراكز الثقافية الكبرى لإحياء الحفلات فيه، لأنه كان يعنى بالنسبة لهم قبولهم، علاوة على أن حياة المصريين إلى حد كبير قريبة من السوريين والطبع واحد، لكن عندما فكروا ماذا يقدمون، توصلوا إلى تقديم الموشحات المصرية القديمة كموشحات الشيخ على محمود والشيخ طه الفشنى، بعد مزجها بالروح الشامية، وجعلها أكثر شبابا بتطوير اللحن والإيقاع، وهو ما وجد قبولا كبيرا، بل يحدث أحيانا أن يكسر بعضهم الحاجز الذى يفصلهم عن الجمهور وينزلون بينهم، لخلق مزيد من التفاعل وتبادل الطاقة الإيجابية ومعايشة الحالة الروحانية التى تظلهم .
وعن أحلام الفرقة يقول أبو ياسر: العالمية هى حلمنا الأكبر ليس من أجل الشهرة والنجومية، لكن حتى نستطيع أن ننشر الحب فى كل مكان، وأن يكون لنا دور فى القضاء على الصراعات التى تسود العالم، وكل ذلك بالمدح فى كل الأنبياء حتى تصل المحبة إلى كل شعوب الأرض دون النظر إلى ألوانهم أو مذاهبهم، وكل ما نريده أن نصل بحب الله عز وجل وحب سيدنا النبى لكل الناس على اختلاف عقائدهم.