إنه طلال سليمان.. إذن فالفكرة العميقة حاضرة.. والرؤية البعيدة نافذة.. والإجابات حاكمة وواضحة.. لذلك كان يجب اغتنام الفرصة الذهبية، لأحاور الصحفى الكبير.. فهو واحد من علامات الصحافة الكبرى فى العالم العربى.. ولديه خبرته التى اكتسبها عبر مشواره الطويل فى بلاط صاحبة الجلالة، صحفيا ثم مسئولا فناشرا لواحدة من كبريات الصحف العربية، ما منحه القدرة على التحليل والتفسير وقراءة ما بين السطور فى المواقف العربية المعلنة والخفية، فسجل علاقاته متعدد ويتخطى حدود بلده إلى غالبية البلدان العربية. ولما كان المشهد السياسى العربى فى أعقد صوره، بعدما تشابكت فيه القضايا وتعارضت المصالح، حتى بات الكيان العربى مهددا بالتقسيم والتقزيم حد الاندثار. كان الحوار ضروريا مع مفكر وصحفى عربى كبير بوزن وقيمة طلال سلمان، ناشر صحيفة السفير اللبنانية، الذى فتح قلبه وعقله ل «الأهرام العربى» فى حوار تناول كل القضايا الراهنة والمستقبلية التى يعيشها لبنان والمنطقة العربية. بداية، فى ظل التراشق والسجالات الكلامية بين العديد من قادة الفصائل فيما بينهم، وبين أحدهم والحكومة وأخيرا بين الميشالين عون و سليمان، كيف تقرأ المشهد اللبنانى قبل نحو عام من الانتخابات النيابية؟ اللعبة الساسية فى لبنان إلى حد ما كريهة وأحيانا مهينة، فالكلام أحيانا يكون نوعا من السعى للشعبية أو للمناكفة فى إطار الخصومات محدودة الأفق، وكل السجالات للأسف نبرتها طائفية ومذهبية، وهو ما يسود الخطاب السياسى بالبلد وانكسار الحياة فى لبنان له أسبابه، فهناك حالة المنطقة عموما وترسبات الحرب لأهلية وتغليب اللغة الطائفية على السياسة إلى حد تراجع واندثار الحوار السياسى، المعنى الإيجابى الباحث عن حلول حقيقية من خلال صراع أفكار ومبادئ للنهوض بالبلد وخدمة الشعب والاهتمام بأموره الحياتية من اقتصاد وتعليم وصحة وأمن، وإنما جرى تهميش دور الدولة التى صارت منهبة للطوائف وتراجعت الدولة التى كانت وينبغى أن تكون إطارا جامعا لعموم أبناء الشعب، لتظهر الطوائف التى تهتم برعاياها حتى تحولت إلى نظام أقوى من الدولة التى باتت تعتمد على المكونات الطائفية وليس الشعب، ويبدو أن النظام الطائفى اعتمد تنفيذه على أرض لبنان منذ اتفاق سايكس بيكو، منذ كان البلد اسمه «متصرفية» جبل لبنان أيام الحكم التركى، وتقرر وقتها أن يكون المتصرف من رعايا السلطان لكن بشرط أن يكون مسيحيا، وسارت الحال كذلك حتى كان العام 1920 بعد الحرب العالمية الأولى، حينما عملت صيغة لبنان بضم أربعة أقضية ليصبح دولة لبنان، واعتماد الطائفة أو الدين أساسا للكيان السياسى، وكان ذلك نوعا من التمهيد للكيان الإسرائيلى واستمر هذا النظام قائما على قاعدة الطوائفية حتى عام 1989. تقصد توقيع اتفاق الطائف؟ نعم.. صار فيه تعديل بالنسب واتفق على أن يكون الرئيس مارونيا ورئيس الوزراء سنيا وله صلاحيات وشريك أساسى فى السلطة ورئيس المجلس النيابى شيعىا، أى أن النظام أصبح ترويكا، وهنا تعززت الطائفية والمذهبية بعدما اعتمدت كصيغة تعكس نفسها فى المجلس النيابى الذى ينتخب على أساسها، وهنا كان المجال مفتوحا أمام صراع الزعامات للطوائف، ولا تنس أنه إلى جانب الثالوث الحاكم وأعنى المارون والسنة و الشيعة إلى جانب طائفة الدروز التى يمكن اعتبارها رابع الطوائف ولها وضع استثنائى باعتبارهم أقلية فاعلة، وهناك أيضا أقليات الكاثوليك والأرثوذكس. لكن كل هذا جاء على حساب الدولة، إذ أصبح لدينا فعليا خمس دول بالبلد، لكل دولة شعبها وحكومتها ورئيسها، الإطار الوطنى الجامع أصبح شكليا، والدولة صارت ضحيتهم، كل هذا مهد للخلاف الأكبر الدائر حاليا حول قانون الانتخاب الذى تحول إلى معركة كلها طائفية. لماذا؟ قانون العام 1960 ، يكرس الفرز الطائفى والآن نحن فى العام 2012، والانتخابات العام المقبل، وفعليا عدد المسيحيين فى تناقص ولبنان به 18 طائفة، والمسلمون أكثرية، وهناك من يقترح أن تنتخب كل طائفة نوابها المسيحيين مثلا، وهنا أصبح معيار الاختيار ليس وطنيا وإنما أصبح طائفيا مذهبي وبذلك احتدم الصراع قبل عام على الانتخابات لحسم أمر القانون، ولا تنسى أن المنزعجين من التركيبة السكانية الحالية ينظرون إلى المنطقة من حولهم، فاحتلال العراق أدى إلى نتائج طائفية تمثل فى طلب الشيعية تعويضا عما تعرضوا له من اضطهاد أيام صدام حسين وتوصلوا فى النهاية إلى صيغة توافقية طائفية أيضا، منحت الرئاسة إلى كردى سنى ورئاسة الحكومة إلى شيعى. إذن الوطن العربى الآن يعيش فى مناخ مذهبى؟ صحيح، فالمناخ المذهبى انتشر فى المنطقة عموما حتى فى الخليج، الوباء الطائفى ضرب المنطقة كلها، وإن كان فى لبنان مساحته أكبر، الأحزاب التقدمية فى الوطن العربى تراجعت أمام الأحزاب الطائفية أو المذهبية، فصار هناك حزب طائفى سنى وآخر شيعى، أصبح هناك تأجيج وهيجان ومن مصلحة البعض من حولنا أن يبقى الوضع هكذا. «وتوقفنا عن الحوار لنتابع خطاب السيد حسن نصرالله الذى ألقاه بمناسبة إعادة إعمار الضاحية بعد ست سنوات من قصفها فى حرب تموز 2006، وفق برنامج حزب الله «الوعد الأجمل»، حيث تطرق السيد حسن لحرب تموز وما أعقبها من البحث عن إعمار الضاحية تنفيذا للوعد الذى قطعه على نفسه ومن ساند وساعد ومن اكتفى بالفرجة، وكيف سار العمل إلى أن أصبح حقيقة ثم عرج على يوم 7 آيار وما يحدث فى ذكراها من فتنة سنوية، وتطرق للانتخابات المقبلة ثم أفاض فى الحديث عن وضع المنطقة العربية». وبعد انتهاء الخطاب عدت لأسأل ضيفى الكبير عن تحليله لخطاب السيد نصر الله وما جاء فيه من رؤى وقرارات؟ خطاب السيد حسن تطرق فى شقه الأول لحرب تموز ونتائجها، وهى واحدة من مفاخره، فحتى إذا لم نقل إنه انتصر فإن إسرائيل لم تنتصر، وفى ذلك انتصار بالنسبة له عشناه ورأيناه، وشهدت الحرب ضروبا من الصمود خرافية خصوصا فى الجنوب، غير أن الخطاب لم يشهد مفاجآت كالعادة، وكانت النبرة هادئة والفرحة بالإنجاز بادية، فما تم إنجازه من عمل وهو أمر مشرف وواضح للجميع، ثم تطرق للأحوال اللبنانية الداخلية وركز على قانون الانتخاب وكشف عن تأييده لقانون النسبية، باعتبار حزبه كبيرا ولن يتأثر فى كل الأحوال، لكنه أكد أهمية الحوار بين كل الأطراف من أجل فتح المجال للاتفاق دون تجاهل طائفة. وفى الشأن العربى توقف أمام سوريا التى يعرف القاصى والدانى رأيه الداعم لنظامها وبالتالى شرح الأمر وترك الحكم فى الاختيار للشعب السورى ما بين النظام أو الدمار بعدما حدث من تفجيرات فى دمشق ومحاولة حدوثها فى حلب. على ذكر الطوائف احترت وأنا أتابع تصريحات السيد وليد جنبلاط فى تحديد وجهته فى الانتخابات المقبلة مع من ستكون كيف تراها؟ الله وحده يعرف كيف يفكر جنبلاط وماذا يرد ولا أحد غير الله يمكن أن يعرف ما يدور فى عقل الرجل ويكفى - لأدلل على ما أقول - أن صحفيا حصل على تصريح صحفى منه، وإذا به وعلى مدى ساعات متتالية يجرى أكثر من محادثة هاتفية من أجل أن يعدل فى أقواله ومن هنا فلا أحد يعرف ما الذى سيقوله اليوم وماذا سيقوله غدا. هل الصراع فى المنطقة الآن أصبح سنيا شيعيا؟ هذا الكلام فيه مخاطر كثيرة وإسرائيل هى المستفيد من استمراره حتى لا تحارب أحدا ولا يحاربها أحد ويكفيها الصراع الداخلى فى الدول العربية ثم الصراع العربى - الإيرانى . هل الصراع العربى - الإيرانى قائم على المذهبية؟ أولا إيران فرس قبل أن يكونوا شيعة، و أنا زرت إيران كثيرا جدا وأعرف قادتها عن قرب منذ أيام الإمام الخومينى وحتى الآن، أنا فى إيران عربى متطرف، لأننى أعرف أن الإيرانى فارسى متطرف والعلاقة بيننا أنهم فرس ونحن عرب، والصراع العربى - الإيرانى هو صراع سياسى أريد له أن يتحول إلى فتنة طائفية، وإذا نظرنا لما يحدث فى صراع الجزر الثلاث والبحرين وإيران سنجد أن الأمر سياسي تماما، فالجزر والكل يعلم ما حدث بشأنها فى العام 1970، والبحرين كانت الرابح من وراء تلك الصفقة، حيث أصبحت دولة مستقلة بعيدا عن إيران، وبرغم أن سكانها غالبيتهم من الشيعة، فإنهم قالوا إنهم عرب وتمسكوا بعروبتهم وأيدوا دولتهم على حساب إيران، والمشكلة الآن أن الشيعة وهم الأغلبية وتحكمهم السنة الأقلية، يطالبون بإصلاحات فى الحكم وإدارة البلاد، فينظر إليهم على أنهم يؤججون صراعا طائفيا بدعم إيران، وهكذا تم تصنيف الصراع العربى - الإيرانى من سياسى إلى طائفى. مادمت تحدثت عن البحرين وما يدور فيها.. كيف ترى الوضع فى سوريا المجاورة وما تحليلكم لسياسة النأى بالنفس التى يتبعها لبنان حيال ما يجرى فى سوريا؟ أولا لبنان بلد صغير مجاور لسوريا وله حدود مشتركة على مسافة 320كم، وهناك تشابك عائلى ونسب ومصاهرات ومصالح، ولا تنس أن سوريا هى المنفذ العربى الوحيد للبنان على العالم، لأن لبنان لديه ثلاثة منافذ، البحر المتوسط وسوريا، أما الثالث فهو تحت سيطرة الكيان الإسرائيلى، ومن هنا يتخذ لبنان موقف النأى بالنفس فى النزاع السورى، أما بخصوص ما يجرى فى سوريا، فمعروف أن النظام هناك عسكرى منذ أيام الرئيس حافظ الأسد، وهو ما كان أذكى من نظيره العراقى صدام حسين، فنجح فى استخدام حزب البعث وأحكم سيطرته على مقدرات البلد ومجريات الأمور، فصنع نظاما قويا نجح هذا النظام بعد رحيله فى تولية ابنه بشار مستفيدا مما كانت تروج له سوريا من مقاومة وصمود، خصوصا بعد توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد وتركها للساحة خالية أمام الراغبين فى لعب دور الزعامة، ثم حاول بشار أن يغطى عورة أنه ابن الرئيس السابق، فحاول الإصلاح عبر برامج أعلن عنها، لكنه لم ينفذ إلا القدر القليل منها، وهنا تظهر حقيقة أن النظام السورى أقوى من الرئيس بشار، لذا هو صامد حتى الآن ومصر على البقاء، هذا هو تقديرى الشخصى. وكيف ترى المعارضة السورية؟ فى المعارضة أشخاص محترمون لكنهم ليسوا جسما واحدا، فعندهم ولاءات متعددة وعلاقات مع الغرب وأمريكا متعارضة، فضلا عن علاقاتهم مع قطر و السعودية وتعددهم يصب فى مصلحة النظام. وإلى أين ستذهب سوريا؟ الله يستر على سوريا، فالبلد يتراجع والنظام باق حتى إشعار آخر. فى غياب مصر وانشغال العراق بهمومه وما تعيشه سوريا، كيف ترى البحث القطرى لشغل دور الزعامة العربية؟ غياب مصر مدمر للأمة العربية، فالبلد العظيم الذى ضحى من أجل أمته وقدم عشرات الآلاف من الشهداء، وبعده انشغال العراق وسوريا بهمومهما الداخلية، منح دولة صغيرة مثل قطر الفرصة للعب دور أكبر من حجمها، وإذا كان المال يمكن أن يملأ فراغ الملعب من الكبار، فلن يكون ذلك حاضرا فى الدور القطرى، لأن الجميع يعرف ما لقطر من علاقات مع إسرائيل، فضلا عن قلة عدد شعبها وتعدد عرقياته، وابتعاده عن المواجهة، ومن يريد أن يعرف الأثر السلبى لغياب مصر وعجز الآخرين عن ملء فراغها، عليه أن يعرف أن غيابها منح إسرائيل قوة أكبر من حجمها الحقيقى بخمسين مرة، لذا لابد من عودة مصر بسرعة إلى مكانها ومكانتها، ولتلعب الدور الذى قدر لها أن تلعبه فى قيادة الأمة العربية. وأين دور الجامعة العربية فى قيادة الأمة؟ الجامعة العربية تراجع دورها بعدما أصبحت قطر المسيطرة والحاكمة لها. كيف ترى المشهد السياسى المصرى قبل أيام من انطلاق أول انتخابات رئاسية بعد الثورة؟ أضع يدى على قلبى وأتساءل: مصر رايحة على فين؟ حتى هذه اللحظة الأمور فى انتخابات الرئاسة ليست واضحة، ولا أحد يعرف إلى من ستؤول فى النهاية، شخصيا أتمنى صديقى حمدين صباحى، لكن الأمر بيد المصريين أنفسهم، فحمدين عروبى وقومى، وكم أتمنى أن يأتى رئيس من الميدان لكن واضح أن ذلك صعب هذه المرة. من من المرشحين تراه الأقرب للمنصب؟ أنا أولا لا أتمنى أن يفوز بالمنصب أى شخص عمل مع النظام السابق، وبرغم صداقتى لعمرو موسى، فأنا لا أراه رجل المرحلة، وإن كانت الأمور تسير وفق قراءتى إلى صراع بين عمرو موسى وأبوالفتوح، وإذا كانت لى أمنية، فإننى أتمنى أن يكون أبوالفتوح باعتباره وجها جديدا على الساحة السياسية العربية، على عكس عمرو موسى. إذا فاز أبوالفتوح سيكون التيار الإسلامى سيطر على كل المناصب العليا فى البلد، وهو أمر يقلق الأقباط والمنادين بمدنية الدولة؟ هذا صحيح وأبوالفتوح مهما تحدث عن ابتعاده عن الإخوان، فهو منهم وسيظل منهم، لأن تاريخه كله إخوان ولا يستطيع أن ينسلخ منه رغم أنه يملك مقومات الشخصية الذكية، لكنه فى النهاية إخوانجى أصيل، أما التكويش على المناصب العليا فهو أمر واضح للعيان بعد السيطرة على البرلمان بغرفتيه، ومن قبله العديد من النقابات المهنية والرغبة فى السيطرة على الجمعية التأسيسية للدستور يأتى منصب رئيس الجمهورية، وهو أمر يتعارض مع ما قامت به الثورة المصرية، خصوصا أن مصر بلد غنى بكوادره البشرية وتنوعه الثقافى، والإخوان المسلمين ليسوا كل الشعب المصرى رغم تقديرى لقوتهم وتنظيمهم. المشهد فى ليبيا مقلقاً، فشبح التقسيم و الحرب الأهلية يبدو باديا فكيف تراه؟ ليبيا كان بلدا معطلا ومنغلقا، أسقط نظامه بقيادة القذافى لأن دوره انتهى والغرب سعى لإسقاطه قبل الشعب، ولعب دورا كبيرا فى ذلك من خلال الحلف الأطلسى، وبعد سقوط النظام وقتل القذافى الذى تقول رواية غير معلنة إن الغرب كانوا سيئين ورديئين جدا فى التعامل معه بعد القبض عليه، نعم كان القذافى سفاحا، وديكتاتورا، لكن طالما ألقى القبض عليه فكان الأولى أن تتم محاكمته مثلما حدث مع صدام حسين. لكن الحال لم تهدأ بعد مقتل القذافى وبدأنا نسمع عن نزاعات قبلية وتقسيم للسلطة والثروة ورغبات انفصالية، والأمر فى ليبيا لن يهدأ بسرعة، لأن الوضع القبلى والجغرافى صعب للغاية. إذن أين ما يسمى بالربيع العربى إذا كان الدمار هو المحصلة بعد الثورة؟ تعبير الربيع العربى ليس عربيا وإنما أمريكي، فشعوبنا العربية انفجرت من الحكام المستبدين لعشرات السنين، وطبيعى أن تثور شعوبها عليها طلبا للتغيير، فكان الانفجار الشعبى فى تونس فى لحظة مواتية، وكان حاكمها جبانا هرب بسرعة، ثم جاءت الثورة المصرية فكان انفجارها الشعبى عظيما، لكن الأمر فى تونس شهد عودة الإسلاميين وكأنهم هم من صنعوا الثورة وسمح الغرب للإسلاميين بتولى السلطة، وذات الأمر حدث مع مصر بعد غزل دار بين الغرب والتيار الإسلامى، ممثلا فى الإخوان والسلفيين. وهو الأمر الذى يظهر تناقض الغرب فى التعامل مع التيار الواحد، فالذى يقبل بحكومات ورئاسات إسلامية فى تونس ومصر وليبيا لا يقبلها من تركيا، والأغرب أن تركيا تقبل عضويتها فى حلف الأطلسى وترفض عضويتها فى الاتحاد الأوروبى، لأنها مسلمة لا غير حتى عندما تحولت تركيا من الحرف العربى إلى الحرف الغربى فى الكتابة، وأكدت أنها دولة علمانية وليست دينية رفض طلبها أيضا. وكيف ترى الدور التركى فى المنطقة العربية؟ ما كان لتركيا أو إيران أن تلعبا دورا فى المنطقة العربية لو كانت مصر تقوم بدورها فى قيادة الأمة، وعموما أردوغان له نظرة غير سوية للعرب، ومن قديم الأزل كان ينظر الأتراك للعرب نظرة دونية وكأنهم عبيد، حتى إن سليم الأول أخذ كل العمالة المهرة من مصر إلى أسطنبول ليعمروا تركيا على حساب بلدهم. ما المطلوب الآن من مصر لتعود إلى قيادة أمتها العربية؟ عندما تعود مصر ستعود إلى قيادة أمتها. الانقسام الفلسطينى كيف تراه؟ لولا أن القضية الفلسطينية قضية عظيمة ولا يمكن اعتبارها شأنا داخليا كان يمكن للانقسام الفلسطينى فى ظل هذا الوضع العربى أن يؤدى إلى ضياع القضية. على هامش الحوار فى زيارتى الأخيرة للعاصمة اللبنانية بيروت، عزمت على زيارة دار السفير، تلك الدار الصحفية التى تعلن عن هويتها على صفحة (إصدارها كل يوم بأنها من لبنان إلى العرب ومن العرب إلى لبنان) وبالتالى فلا أحد بحاجة لتصنيف تلك الدار وصحيفتها أو الاجتهاد فى تحديد هويتها وولائها. فالدار والصحيفة عربيتان بامتياز تدافع عن قضايا الأمة وتتبناها، لذا كان لزاما علىّ أن أسعى للقاء صاحب السفير وناشرها الأستاذ طلال سلمان، مستغلا صداقتى بالزميل العزيز يوسف برجاوى مدير تحرير الرياضة فى السفير لتحديد موعد مع الناشر الذى رحب بالزيارة وغمرنى بحفاوته وحسن استقباله، وقبلهما تواضعه الكبير وحلو حديثه الذى هو أقرب للهمس منه إلى الكلام بعد أن صكت آذاننا الأصوات العالية التى تطل علينا عبر الفضائيات صباح مساء تنظر وتروج لأفكار وفصائل وأحزاب وأفراد، ووجدتنى مدفوعا بشغف أطلب من الأستاذ طلال إجراء حوار ل«الأهرام العربى» حول الأوضاع العربية وقضايا الساعة، فرحب الرجل وحدد الموعد، وكان اللقاء الذى استمر أكثر من ثلاث ساعات اقتتطع منها حديث السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله قرابة ساعتين، وكان الأستاذ طلال بأدب جم طلب أن نتوقف عن الحوار عند بدء خطاب السيد نصر الله، فالرجل لا يتحدث كل يوم، وبالتالى المفاجآت واردة فى الخطاب الليلة، هكذا قال الأستاذ طلال وشرفت شخصيا بالجلوس معه لمتابعة الخطاب الذى تابعه لبنان كله بكل فصائله وطوائفه، وأيضا تابعه الساسة فى دول المنطقة وكذلك قادة إسرائيل. وبعد انتهاء الخطاب كنت استشعرت الحرج من الأستاذ طلال فاقترحت أن أنصرف لأتركه لعمله، على أن أعود مرة أخرى فى موعد آخر باعتبارى من «أهل البيت» بيت الصحافة، وأعرف أن وقت الطباعة قد أزف والمانشيت الرئيسى سيضعه الناشر بنفسه، إلا أن الرجل كان كريما سمحا إلى أبعد حد، وأصر على أن أكمل عملى الذى جئت من أجله. وخلال الساعات الثلاث والنصف ساعة التى قضيتها داخل مكتب ناشر السفير، أدركت أن النجاح لا يأتى مصادفة وأن الشموخ يبنيه التواضع، والبساطة عنوان التميز، وأن سر نجاح طلال سلمان يرتكز على هذه الصفات، لأنه الصحفى الذى حفر فى الصخر بعزم وإصرار وحماسة حتى حقق حلمه وصعد السلم من أوله إلى أن بلغ قمته وفى قصته دروس وعبر للشباب لابد أن يتعرفوا عليها وسيجدوها قريبا على صفحات «الأهرام العربى» بعد موافقة الأستاذ طلال على نشر بعض من كتاباته المعنونة «هوامش» والتى تحمل جزءا من سيرته ومسيرته فى بلاط صاحبة الجلالة.