ماجدة سليمان أكد د.إسماعيل سراج الدين أن المجتمعات الإسلامية تموج بالفكر التكفيري، الذي يسرف أصحابه في تضليل وتكفيرالناس ويستبيحون دماءهم وأموالهم، هؤلاء يقتلون المسلمين الأبرياء لمجرد أنهم يخالفونهم في الرأي ونحن على يقين دوما أن الفكر لا يحارب إلا بفكر مثله، لذا فإن إعادة بناء الفكر الإسلامي المعاصر وإحياء أدب المناظرة الذي ألف فيه د.محمد أبو ظهرة كتابا رائعا جرى وأده، لأنه يؤكد أن الرأي والرأي الآخر والجدال للوصول لصحيح الدين أفضل طريق لفهم الدين بصورة معاصرة، وأضاف سراج الدين خلال المؤتمر الذي يعقد اليوم وغدا بالعاصمة الرباط بدولة المغرب الشقيقة تحت عنوان"في نقض أسس التطرف ومقولاته"الذي يشارك فيه نخبة من المثقفين العرب وان التعددية في الرؤى خاصة مع اختلاف البيئات والمجتمعات هي التي تقوم على دين يلبي الاحتياجات الإنسانية، هذا ما فهمه الإمام الشافعي حين رحل من العراق ليستقر في مصر، هذا ما استوعبه كبار فقهاء المالكية والأحناف والشافعية والحنابلة، فلما إذن يسعى المتطرفون إلى تهميش هؤلاء الذين قبلوا الخلاف المذهبي على قاعدة احترام آراء العلماء واختلافهم واجتهادهم؟ هل لأنهم لا يرون إلا أحادية الرأي؟ نعم أحادية الرأي والمذهب والفكر، وهي إحدى مقولات التطرف والغلو، وهذا يتعارض مع بنى النسيج الثقافي والاجتماعي المجتمعات الإسلامية التي تقوم على قاعدة التنوع في إطار الوحدة" و اضاف أن سقوط الشباب في براثن الفكر المتطرف له أسبابه التي يجب أن نفطن لها ونعمل أفرادا وجماعات ومجتمعات على اقتلاعها من جذورها، فمن ذلك ارتفاع نسبة الفقر في الكثير من البلدان العربية والإسلامية وما يترتب على ذلك من زيادة نسبة البطالة وزيادة عدد المتسربين من التعليم بحثا عن عمل يقتاتون عليه، ومما يرتبط بالنقطة السابقة ارتفاع نسبة الأمية وانتشار الجهل ما يمثل تربة خصبة لانتشار الشائعات والخرافات التي هي وقود نار التطرف والغلو. يضاف إلى ذلك غياب العدالة الاجتماعية في كثير من الدول، وارتباط هذا في كثير من الأحيان بغياب الديمقراطية وحرية التعبير، ما يصيب العقل والرأي بالإحباط وسوء الظن فيقعون فريسة لمن يفتح لهم صدره ليستمع لهم. وأشار إلى أن ثورة الاتصالات وانتشار آلاف المحطات الفضائية التي تبث من كل أنحاء العالم، أوجد فوضى دينية في مجال الفتاوى الفقهية، ما أوجد سياقا مناسبا لكل صاحب فكر متطرف أن يفتي ويدعو أصحابه إلى اتباع فتاواه بكل الطرق الممكنة، هذا ما استدعى دار الافتاء المصرية إلى إنشاء مرصد للفتوى يجابه الفتاوى العشوائية ويحجم تأثيرها. ورأى د.سراج الدين أنه في سبيل نقد الخطاب الديني المعاصر وجب معالجة الآثار التي ورثناها من العقود السابقة للخطب الحماسية التي تؤجج كراهية الآخر المختلف في الدين أو الفكر أو المذهب أو الأصول العرقية. هذا الخطاب جعل شركاء الوطن يتقاتلون وهم أبناء دين واحد ولغة واحدة وثقافة مشتركة. ومن جانبه اشار د.أحمد العبادي؛ الأمين العام للرابطة المحمدية خلال كلمته في المؤتمر أن ظاهرة التطرف العنيف والذي يتخذ من شريعة الله البريئة من ذلك تكأة له، وذلك من خلال الترويج إلى كونهم جاءوا لكي يحققوا حلم الوحدة الإسلامية ودولة الخلافة الإسلامية، كما لو أن إطلاق الشعارات يكفي وحده لكي يحقق هذه الشعارات وكأن إشهار كلمة خليفة أو خلافة وحده يكفي دون النظر إلى الأسس والرافعات التي ينبغي أن يتأسس عليها، كذلك حلم الصفاء والزعم بأن هذا العمل هو تطهير للشريعة مما شابها من شوائب، كما لو أن الأمر لا يتطلب قطع بعض الرؤوس وقتل بعض الأبرياء وتفجير الآمنين من أجل أن يكون الأمر بالصفاء المطلوب وأضاف "إن عملية التفكيك تحتاج إلى جملة من المداخل، وهذه الفعاليات تقام من أجل العكوف على هذه الظاهرة والنظر إليها من خلال أنظار متعددة، نظر مقاصد الشريعة والأصول بحكم أن مفهوم الدولة الإسلامية في شريعتنا هو وسيلة لتحقيق المقاصد الكبرى للتشريع الإسلامي الذي هو كله رحمة وعدل وتحقيق للمصالح، وقد قال علماؤنا "الشريعة عدل كلها ورحمة كلها" وقالوا حيثما المصلحة فثمة شرع الله، وطبعا وفقا للضوابط المؤصلة والمبينة، وهذه المقاصد الكبرى التي تأتي الدولة لتحقيقها يمكن رصدها في ستة مقاصد: الحفاظ على الحياة لأنه إذا لم تكن هناك أبدان لن تكون هناك أديان، الحفاظ على الدين، ثم الحفاظ على العرض وتم تقسيمه لقسمين كرامة ورزق، ثم الحفاظ على العقل، ثم الحفاظ على المال والملكية، ولا شك أن التفاصيل التي في كتب علمائنا فيها ما يمكن من تفكيك كل مقصد إلى جملة من المقاصد، مثلا إذا أخذنا الحفاظ على الحياة فهذا لا يعني سوى مستشفيات تبنى والأطباء الذين ينبغي أن يكوّنوا، وكل الهيئات التمريضية، قبل وأثناء وبعد المرض، صناعة الأدوية وغير ذلك مما يتصل بهذا الفرع "الاشفاء والاستشفاء والنظر الطبي الصرف" ثم البعد الأمن في الحياة اليومية للمواطن ويبين أن زعم تحقيق هذه المقاصد باطل، فمقصد العقل يقتضي المناهج والبرامج والنظر في الوسائط والحوامل وفي تدريب المشرفين على الهيئات التدريسية وبلورة مناراتهم وبناء قدراتهم، والتكامل بين هذه المدارك التي سوف يتم توثيقها من خلال مختلف المداخل، كيف يمكن أن نقيس هذا، في استذكار لكون ديوان التربية عند البغدادي قد حرّم كل علوم الإنسانيات حرمها تحريما كيف يمكن أن نضبط السياق إذا لم ندخل من أبواب الإحصاء والانثربولوجيا وعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد غير ذلك من العلوم، علما بأن علوم النص لابد من امتلاكها ولابد من التجسير بين هذين الجانبين من جوانب العلوم، وأخلص إلى أن التفكيك وظيفي وليس تفكيكا فلسفيا سجاليا، إننا نريد أن نقف على هذه الدعاوى ونريد أن نفندها ونبين خطأها حتى نكون أول من يدرك خطأ هذه الدعاوى وقصوره هو المروجون لها أنفسهم قبل غيرهم، نفعل ذلك مع كل المقاصد حين نقارب هذا المدخل التفكيكي القابل للقياس، سوف نعلم أن هذه الشعارات جوفاء فارغة من الداخل. ولاشك أن بلداننا لابد أن تكون عند هذه القابلية والاستعداد لإعمال هذه الدلائل على ذواتنا والبرهنة على أن ثمة اجتهادا مستمرا من أجل الاستجابة لهذه المقتضيات والمقاصد جميعها، وهذا لابد فيه من العكوف والكدح من أجل الوصول إليه". وقال د.عبد الفتاح العواري عميد كلية أصول الدين جامعة الأزهر "بعض الجماعات المتشددة التي ظهرت على الساحة الآن مثل داعش وأخواتها كطالبان وبوكو حرام وغيرها تدعو إلى هجرة المجتمعات الإسلامية واعتزالها، ويحكمون عليها بالكفر، لأنهم مقيمون في بلاد كافرة ةيرون وجوب الهجرة منها، وينادون بتكوين دولة الخلافة، وينصبون واحدا منهم أميرا عليهم، كما صنعت داعش في بلاد العراق والشام ويأخذون له البيعة، ويحاربون من أجل تحقيق غرضهم، فيهلكون الحرث والنسل ويقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بل ويقتلون الحيوانات والطيور ويهدمون البيوت والمدارس ودور العبادة كالمساجد والكنائس وغيرها، بيل وصل بهم الإجرام إلى هدم أضرحة الصالحين، والاعتداء الغاشم على آثار الأمم الماضية التي تمثل للإنسانية جمعاء قيمة عالية وثروة نفسية لأنها تحكي لنا تاريخ أمم سبقتنا عمرت الأرض وارتقت بهم الحياة". وأكد أنه لا يوجد في الإسلام ما يوجب نظاما معينا وإنما الواجب هو أن تكون هناك دولة ملتزمة ذات هيئات ومؤسسات يحكمها دستور عام ويمثلها رئيس أيا ما كان لقبه: خليفة أو إماما أو أميرا أو رئسا للدولة أو أي لقب آخر يفيد هذا المعنى، فلا مشاحة في الاصطلاح، فإذا وجدت الدولة المتحدةالولايات التي يقوم فيها نظامها السياسي على حفظ الدين والاختيار الحر للحاكم وحرية الرأي والشورى والدل ومسئولية رئيس الدولة، فهذا يحقق المراد من فكرة الخلافة مهما كانت التسمية التي تطلق عليها. غاية ما هناك أن تكون هناك روابط تربط تلك الدول بأخواتها من الدول اقتصادية وسياسية وقانونية تقوم على أسس واقعية ورؤية مستقبلية على أن تجتمع علاقات أطرافها وقت السلم ويكون ذلك الالتزام هو المصدر الرئيس لتنظيم تلك علاقات الدول. وأضاف أن الدواعش وأمثالهم يزعمون وهما أن دولة الخلافة ستقام قريبا وبالتالي ستكون هناك خلافة، وقد استندوا في زعمهم هذا على عدة أحاديث أغلبها واهية منها قوله صلى الله عليه وسلم " كون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت". أقول هذا الحديث أخرجه البزار، وقد تكلم العلماء بما يدل على عدم صحته وضعف رواته، ومن المقرر عند العلماء أن مثل هذه الأحاديث لا يعتمد علها في تقرير الأحكام الشرعية، كيف وأمر انتظام الدولة من أهم الأحكام؟ وبهذا يكون مستندهم من حيث عدم صحته وضعف رواته ساقطا عن درجة الاعتبار الكلية، وإن سلمنا بصحة الحديث الذي اعتمدوا عليه في مدعاهم، فإن أقصى ما يفيده هو الاخبار عن أمر قدري كوني، والخطاب القدري لا يترتب عليه تكليف شرعي كما هو معلوم ضرورة. سلمنا أن في الحديث دلالة على أنه من قبيل الخطاب الشرعي، لكن الذي لا نسلمه بحال من الأحوال أن يكون هذا أمرا تكليفيا من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لفئة بعينها وجماعة بعينها". يذكر أن المؤتمر يشارك فيه نخبة متميزة من الأكاديميين والباحثين من موريتانيا، والسعودية، والبحرين، وبريطانيا، ومصر، والمغرب، يصدرون عن خلفيات معرفية متنوعة ومتكاملة؛ حيث يسهم د. عبد الله السيد ولد أباه بدراسة حول "العنف والتطرف في الفلسفة السياسية المعاصرة"، ود.سعود السرحان ببحث حول "النظرية السياسية عند أحمد بن حنبل: إعادة اكتشاف السنية التقليدية في مواجهة خطابات التطرف"، ود.عبد الله عبد المومن بدراسة حول "أصول التدبير الوقائي والعلاجي لظاهرة التطرف في الفقه النوازلي المالكي"، و د.محمد كمال إمام بورقة بعنوان: "في نقد الأسس النظرية للتطرف: مقولة الحاكمية مثالا، ود.محمد بلكبير بدراسة تحاول الوقوف على أهم "المحددات السوسيولوجية والأنثروبولوجية لظاهرة العنف والتطرف".