تحقيق جيهان محمود منذ عام 2013 صدرت قرارات رئاسية بقوانين في غياب مجلس النواب المسئول التشريعي عن إقرار القوانين وسنها، مما يجعل البعض يتساءل عن مصير تلك القوانين الصادرة التي بلغت 507 قرارات حتى الآن؟ فهل سيتم إقرارها من جانب أعضاء البرلمان الجديد مباشرة دون مناقشة.. أم لا؟ لقد اتفق معظم خبراء القانون والفقهاء الدستوريين على ضرورة عرضها ومناقشتها، والبعض أبدى ضرورة الموافقة عليها لأنها لا تضر أحد، أو اختيار الأكثر أهمية ومناقشته بدقة لتحديد ما إذا كان سيتم قبوله أو رفضه أو تعديله.. هذا التحقيق يعرض كل الآراء القانونية وفقا لمبادئ الدستور . بداية يعدد د. شوقي السيد - أستاذ القانون والفقيه الدستوري - القوانين التي صدرت حتى الآن بقرارات بأنها بلغت 507 قرارات بقانون، صدرت في غيبة البرلمان، وفي تلك الحالة يتم عرضها على البرلمان دون شرط الخمسة عشر يومًا التى حددتها المادة 156 من الدستور الحالي، لأنه من المستحيل النظر فيها جميعًا خلال تلك المدة المحددة، وهناك قاعدة شرعية تقول:»لا تكليف من المستحيل».. وبالتالي يجب أن تُعرض وتستمر مناقشتها دون قيد الخمسة عشر يومًا، والنظر في موضوعها وهل هي في صالح الناس أم لا، والحكومة عليها أن تعرض هذه القرارات بالقوانين، وتعرض مبررات إصدارها وأسباب استعجالها، وما الحكمة منها، حتى يأخذ البرلمان قرارات بشأنها، إما بالرفض أو القبول أو التعديل. ونفى د. شوقي السيد ما قيل عن الموافقة على تلك القوانين فور انعقاد المجلس، قائلاً: غير صحيح أنه ستتم الموافقة على القوانين كلها دون مناقشة، أو الاختيار العشوائي لبعض القوانين ومناقشتها، بل من الناحية الموضوعية من الممكن أن تتم مناقشة القوانين الأكثر أهمية للصالح العام. ويفند د. شوقي السيد ما يمكن أن يتم عند غياب السلطة التشريعية «البرلمان»، سواء بين أدوار الانعقاد، أو يكون البرلمان «غير قائم» أصلاً، بسبب حله أو صدور حكم ببطلانه، ما يوجب الإسراع في اتخاذ التدابير التي لا تحتمل التأخير، ففي الحالة الأولى، على رئيس الجمهورية أن يدعو المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه، أما في الحالة الأخرى التي لا يكون المجلس فيها قائمًا، فإن نصوص الدستور اعتبرت ذلك من حالات الضرورة، فأجازت للسلطة التنفيذية استثناء أن يُصدر مراسيم أو قرارات بقوانين، وهو ما يُعرف بتشريعات الضرورة، على أن يتم عرضها على البرلمان لمناقشتها والموافقة عليها أو إلغائها، ولم تقف الدساتير عند إجازة صدورها من السلطة التنفيذية –استثناء–، وإنما حددت الأحوال التي يجوز فيها إصدار تلك التشريعات، وموقف السلطة التشريعية منها، بحيث يترتب على ذلك مصيرها بين الإبقاء عليها نافذة أو زوالها، أو تسوية ما يترتب عليها من آثار. ويستعرض د. شوقي السيد مدة مناقشة القوانين الصادرة خارج البرلمان في الفترات السابقة للبرلمانات منذ القدم، مؤكدًا أن الدساتير لم تخرج عن ذلك المنهج وتلك الأحكام، مع اختلاف بسيط في المواعيد المحددة للعرض على المجلس النيابي، إذ نص دستور 1923 في المادة 41 على جواز إصدار مراسيم بقوانين من السلطة التنفيذية، وأوجب عرضها على البرلمان في أول اجتماع له، وفي دستور 1930 حدد لعرضها ميعاد لا يتجاوز شهر من اجتماعه التالي، وفي دستور 1956 المادة 135 أوجب عرضها خلال خمسة عشر يوماً، وفي دستور 1958 المادة 53 أوجب العرض على المجلس فور انعقاده، وفي دستور 1964 المادة 119 تُعرض في أول اجتماع للمجلس، وفي دستور 1971 المادة 147 تُعرض في أول اجتماع له. وفي دستور 2012 كانت المادة 131 توجب العرض على المجلس خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ الانعقاد. وعن المواقف المشابهة يقول د. شوقي السيد إنه حدث ذلك قديمًا في الفترة ما بين فبراير وأبريل 1938، وفي الفترة ما بين نوفمبر 1944 ويناير 1945، وأيضًا في الفترة ما بين نوفمبر 1949 ويناير 1950، حيث كان المجلس منحلاً، كما حدث ذلك أيضاً في فترة تأجيل البرلمان في مارس 1952، وفي فترة حله، وقد صدرت خلال تلك الفترة قرارات لها قوة القانون. أما الآن فالأمر الذي يوجب معه الدستور عرض تلك القرارات بقوانين على السلطة التشريعية، التي صدرت أثناء غيابها، سواء من حيث الزمن أو من حيث المشروعية، إذ يتطلب الأمر أن يكون التشريع والتدابير من نوع لا يحتمل التأخير، فإذا جاوز التشريع حالة الضرورة أو خالف نص في الدستور كان على السلطة التشريعية ممارسة سلطتها تجاه تلك القرارات بقوانين، أي تمارس السلطة التشريعية عليها رقابة الملاءمة، ورقابة المشروعية كذلك، إعمالاً لحقها الأصيل في سلطة التشريع. ويستكمل د. شوقي السيد قائلاً: إن الأمر الثاني هو عدم عرضها ومناقشتها أصلاً، أو عرضها وعدم إقرار المجلس لها بالكامل، عندئذ يزول أثرها بأثر رجعى، وهو أمر لا يتصوره عقل، لأنه يناقض مسئوليات المجلس، أما الأمر الثالث والأخير وهو الأهم، فهو ذلك الحكم الذي سكت عنه النص، فماذا لو عرضت التشريعات في الموعد المحدد، خمسة عشر يوماً، حيث تناقش وظل المجلس في المناقشة ولم ينته منها خلال الخمسة عشر يومًا، عندئذ لا يمكن القول بزوالها وما يترتب عليها من آثار؛ لأن المجلس قد عرضها خلال الموعد المحدد وتظل المناقشة مستمرة حتى ينتهي فيها إلى قرار، دون التقيد بموعد الخمسة عشر يوماً المحددة بالماده 156 من الدستور، وهو تفسير للنص بغايته وحكمته، وبما يتفق مع أصول القواعد الفقهية واللغوية التي تدرأ المشقة، وتجلب التيسير، وتحقق المصلحة العامة، وتدرأ الضرر الأشد، وحتى يصل المجلس إلى مناقشة جادة، وإلى قول صائب وعادل يحقق المصلحة العامة. فيما تؤكد د.فوزية عبد الستار - الفقيهة الدستورية، أول سيدة مصرية تتولى رئيس اللجنة الدستورية والقانونية بمجلس الشعب - أن الدستور ينص على أن أي قوانين صدرت في غياب البرلمان لابد أن تُعرض عليه ويناقشها خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انعقاد البرلمان، وفي هذه الحالة إما أن يقر هذه القوانين ويوافق عليها، أو إذا رأى ضرورة إلغائها تزول بأثر رجعي، وإذا كان ترتب على أي قانون منها بعض الآثار يمكن للبرلمان أن يقر هذه الآثار وفي الوقت نفسه يلغي هذا القانون. وترى د.فوزية عبد الستار أن المشكلة التي سوف تثار هنا، هي كيفية أن يُنظر ويُناقش هذا الكم الكبير من القوانين في مدة الخمسة عشر يومًا؟ والحل في رأيها أن تُعرض كل القوانين التي صدرت بقرارات من قبل على المجلس ويوافق عليها مبدئيًا، وتقول: إن المتبع في البرلمانات السابقة كانت الموافقة على القانون من حيث المبدأ، ثم يناقش القانون مادة تلي الأخرى، تفصيلاً وكلٍ يبدي برأيه إلى أن يستقر الأعضاء على ما يرونه، حتى يتم تنفيذ نص الدستور، فيوافق على القوانين كلها «مبدئيًا»، لأنه إذا لم تعرض هذه القوانين في المدة المحددة ستكون هناك مخالفة للدستور، وحتى لا تُلغى دون داعِ، لذلك لابد أن يوافق نواب المجلس على جميع القوانين الصادرة قبله ولا مانع أن يناقش خلالها قانون أو اثنين للضرورة، مثل: قانون الإرهاب، وبقية القوانين يُنظر فيها بعد دراستها بدقة، لتحقق المصلحة العامة، ويلغي ما يراه أو يبقي على ما يستحق، أو يعُدِّل بعض مواده، فالبرلمان هو السلطة التشريعية، التي من حقها أن تضع القانون، أو تعدل أو تلغي القانون، وهنا يصبح البرلمان قد استخدم سلطاته ونفذ نص الدستور، وحقق المصلحة العامة بالاهتمام والدقة اللازمين. وينوه المستشار عبد الغفار سليمان - نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية- إلى أن الدستور حينما نظم عرض قرارات قوانين التي تصدر في غياب البرلمان كان يفترض أن هناك مجلس نواب قام بالفعل ثم غاب، سواء بالحل أو انتهاء دورته أو لأي سببِ آخر، أما الحالة التي نحن بصددها، التي تتمثل في إنشاء مؤسسات الدولة الدستورية، فمجلس النواب لم يولد بعد، وصدرت هذه القرارات بقوانين قبل أن يوجد المجلس، ومن ثمَّ هذا النص لا ينطبق على قرارت القوانين التي صدرت قبل تكوين مجلس النواب، فنص الدستور يقول إن القرارات التي صدرت بقوانين تُعرض عليه خلال خمسة عشر يومًا، ولدينا كم كبير من القرارات بقوانين يصعب مناقشتها خلال تلك المدة المحددة، وهذا النص الدستوري يخاطب حالة أن المجلس الذى كان موجودا انتهت مدته أو تم حله، إذن هذا النص لا ينطبق على حالة القوانين، فلا يرتبط بهذا الشرط الزمني، وإنما تعرض على المجلس دون التقييد بالمدة الزمنية التي حددها الدستور، باعتبار هذا النص غير مطابق لهذه القوانين، وأنه من حق مجلس النواب أن يُعدِل أو يلغي أو يقر أي قانون، فهذه سلطته التشريعية الأصيلة. فيما يقول المستشار جمال القيسوني -رئيس محكمة استئناف أسيوط - إن القوانين التي صدرت منذ عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في عام 2011، ثم قرارات قوانين أُصدِرت في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، وأيضًا في فترة تولي الرئيس المستشار عدلي منصور، وبعده الرئيس عبد الفتاح السيسي وحتى الآن، فإن على مجلس النواب الجديد وفي أول انعقاد وبعد اختيار اللجان المختلفة، ومنها: اللجنة التشريعية التي تمارس دورها بدراسة القوانين الصادرة بقرارات من قبل، وتعرضها على المجلس الذي له الحق أن يوافق عليها أو يعدلها أو يلغيها. ويعتقد المستشار القيسوني أن القوانين التي لها حقوق مكتسبة لن يتم إلغاؤها، إنما تلك التي ليس لها حقوق مكتسبة يمكن تعديلها أو إضافة مواد إليها أو إلغاؤها أو إقرارها، حسب ما يتراءى للجنة، وفي رأيه أن أغلب هذه القوانين ليس بها أي ضرر لأحد، وأنه سوف يوافق النواب على أغلبها بلا مشاكل، وستقوم اللجنة التشريعية بعرض القوانين على المجلس تباعًا بجلسات متتالية، منوها أن الجلسات ستعقد بسلاسة ولن يعوقها أي شيء، خصوصًا أنه ليس هناك مجلس آخر يجور على وقتها، وبالتالي ستتم الجلسات بصفة دورية دون توقف أو تأجيل أو تأخير، مما يسهل عرض كل القوانين الصادرة بقرارات رئاسية. ورفض المستشار القيسوني ما يتردد بأنه سيتم الموافقة على جميع القرارات بقوانين الصادرة في غياب المجلس النيابي من قِبَل النواب المنحازين للحكومة، قائلاً: غير صحيح هذا تمامًا، فهؤلاء النواب اختارهم الشعب بإرادته الحرة ولم تفرضهم الحكومة أو أحد على الناخبين رغم قلتهم فهم الذين أدلوا بأصواتهم لجميع من نجحوا الانتخابات البرلمانية بكل شفافية.