عين وزيرا للشباب والرياضة وعمره لا يتعدى 25عاما.. وبعدها وزيرا للخارجية - واجه بوتفليقة خلال حكمه عدة أزمات سياسية خرج منها بفضل أموال النفط وحنكته الدبلوماسية لا أحد ينكر مدى حنكة الرئيس الجزائرى "عبدالعزيز بوتفليقة" وتاريخه ومشوار حياته الحافل باللحظات التاريخية، التى زامن فيها الجزائر فى مختلف ظروفها، فقد عاش طوال عمره فى حب السياسة ودهاليزها، أحيانا من خلف الستار وزيرا ومستشارا مقربا من أكبر رجل فى البلاد وزعيمها الروحى "هوارى بومدين" وأحيانا أخرى على خشبة مسرح حكم بلد المليون ونصف المليون شهيد، واستطاع بمكره أن يراوغ بحنكة كل القادة العسكريين والسياسيين فى الجزائر وخارجها وخلال كل هذه العقود إلى أن وصل إلى سدة الرئاسة وأحكم قبضته عليهم. بوتفليقة هو الابن الأول لأمه، والثانى لأبيه، وله أربعة إخوة وهم: (عبد الغني، مصطفى، عبد الرحيم، وسعيد)، وأخت شقيقة تدعى لطيفة، وثلاث أخوات غير شقيقات، هن: (فاطمة الأخت الكبرى، يمينة وعائشة)، وهن بنات الزوجة الأولى بلقايد راضية. ولد بوتفليقة فى 2مارس عام 1937وحفظ القرآن الكريم فى سن مبكرة، ومارس هوايات مختلفة، منها المسرح، حيث شارك فى مسرحية بعنوان "تحرير حر من طرف عبد"، جرى عرضها بسينما باريس، وكرة القدم، التى كان يزاولها فى مركز ظهير أيسر. وترعرع فى الزاوية القادرية بوجدة، أما دراسته الثانوية فتابعها بثانوية عبد المؤمن دائما بوجدة، حيث كان نابغة زمانه بمعدلات ممتازة فى مختلف الأطوار، وهناك انضم إلى صفوف جيش التحرير الوطنى. وكان بوتفليقة نابغا فى اللغتين "العربية والفرنسية"، واشتغل فى فترة قصيرة معلما ب "وجدة" المغربية، ومكان مولده يوقع شهادات تحكى وحدة المنطقة المغاربية كلها حين زحفت عائلته إلى أراضى المغرب هروبا من نير استعمار فرنسى تقاسمه البلدان الشقيقان، فكانت "وجدة" مسقط الرأس على الحدود مع "تلمسان" العرق والأصل. وظلت العائلة ب "وجدة" عدا ابنها الذى يبدو أنه انخرط فى الكفاح مبكرا، وجالس أعمدة الجهاد والنضال كالرئيس "هوارى بومدين" الذى لازمه بعد الاستقلال وزيرا من أهله، برغم أنه لا قرابة فى الدم بين "محمد بوخروبة" الاسم الحقيقى لبومدين، المنحدر من محافظة "قالمة" شرقا و"عبد القادر المالى" الاسم الجهادى ل"بوتفليقة" المنحدر من أقصى غرب البلاد. درس "بوتفليقة" حتى المرحلة الثانوية قبيل الالتحاق بجبهة التحرير الجزائرية، وهو المستوى الكافى فى ذلك الوقت أو أكثر، لتقلد مناصب عليا فى الجزائر، فقد تقلد فى سنة 1962العضوية فى أول مجلس تأسيسى وطنى، ثم عين وزيرا للشباب والرياضة وعمره لا يتعدى 25عاما، وبعدها وزيرا لحقيبة أكبر: وزارة الخارجية التى بقى فيها ظلا للرئيس هوارى بومدين حتى مماته فى 27ديسمبر من عام 1978، وكان رفيق الدرب "بوتفليقة" هو ابنه فى كلمته المشهورة. ووصل بوتفليقة إلى الحكم بعد فوزه فى الانتخابات الرئاسية فى عام 1999بنسبة 90,24%من الأصوات، ثم أعيد انتخابه فى عامى 2004و2009بفضل تعديل دستورى ألغى تحديد عدد الولايات الرئاسية باثنتين. وبادر بوتفليقة منذ ولايته الأولى إلى إعادة السلم إلى بلاده التى أنهكتها "حرب أهلية" كما وصفها فى تسعينيات القرن الماضي، أسفرت ما يقرب من 200ألف قتيل. وفى 1999قدم الرئيس الجزائرى قانون الوئام المدنى للاستفتاء الشعبى ثم ميثاق السلم والمصالحة الوطنية فى 2005وهو ما سمح بإطلاق سراح آلاف الإسلاميين من السجون وإلقاء السلاح بالنسبة لآلاف آخرين، والعودة إلى الحياة الطبيعية مقابل "العفو عنهم" وعدم ملاحقتهم قضائيا، لكن ذلك لم يوقف الهجمات بصفة نهائية فى البلاد، التى شهدت تفجيرات فى عام 2007ضد قصر الحكومة والمجلس الدستورى ومكتب للأمم المتحدة. وعادت المخاوف لدى العالم من تدهور الوضع الأمنى مجددا بعد هجوم مجموعة إسلامية مسلحة فى يناير 2013على الموقع الغازى فى أميناس شرق الصحراء، وحجز مئات الرهائن الجزائريين والأجانب قتل منهم 37. منح عبد العزيز بوتفليقة الدبلوماسى المحنك، السياسة الخارجية الجزائرية نجاحات عديدة منها توطيد الصفوف العربية خلال قمة الخرطوم عام 1967، ثم إبان حرب أكتوبر 1973ضد إسرائيل، والاعتراف الدولى للحدود الجزائرية وإقامة علاقات حسن الجوار والإخوة مع البلدان المجاورة، وكذلك إفشال الحصار الذى فرض على الجزائر بعد تأميم المحروقات، كما قام بدور ريادى فى تقوية تأثير منظمات العالم الثالث وتعزيز عملها الموحد خاصة بمناسبة انعقاد قمتى منظمة ال 77ومنظمة الوحدة الإفريقية فى الجزائر فى عامى 1967و1968على التوالي، كما جعل من بلاده أحد رواد حركة عدم الانحياز، ودافع باستمرار عن حركات التحرر فى العالم. وواجه بوتفليقة خلال حكمه عدة أزمات سياسية خرج منها بسلام بفضل توفر أموال النفط وحنكته الدبلوماسية. ففى 2001ثارت منطقة القبائل المعروفة بمناهضتها للسلطة وبعد عشر سنوات اندلعت احتجاجات ضد غلاء المعيشة، تبعتها مطالب بتغيير النظام. فقرر تعديل الدستور فى 2002لتلبية مطلب اعتبار الأمازيغية لغة وطنية، وهو أحد مطالب منطقة القبائل، ولامتصاص غضب الشارع عام 2011أعلن رفع حالة الطوارئ بعد 19سنة من فرضها كما أعلن إصلاحات سياسية تفاديا لتداعيات الربيع العربي، من خلال سن قوانين انتقدتها المعارضة بقوة واعتبرتها تكريسا لاستفراد الرئيس بالسلطة. ونجح بوتفليقة فى الفوز بمنصب رئيس الجمهورية الجزائرية فى الانتخابات التى أعلنت نتيجتها فى شهر أبريل من عام 2014بعد حصوله على 8ملايين و332ألفا و598صوتا أى بنسبة 81.53بالمائة. وبرغم النتيجة الجيدة التى حققها بوتفليقة المريض، الذى لم يشارك شخصيا فى حملته الانتخابية، فإنها تعتبر تراجعا مقارنة بانتخابات 2009و2004التى حقق فيها 85%ثم 90%. ومنذ دخوله المستشفى العسكرى فى باريس أول مرة فى عام 2005للعلاج من قرحة فى المعدة، أصبح اختفاؤه يثير التساؤلات ويتسبب فى انتشار شائعات حول وفاته. وعندما كان يطرح سؤالا على قادة الأحزاب الموالية للرئيس بوتفليقة: هل يمكن أن يقود الجزائر رئيس مقعد على كرسى متحرك؟ يردون بالإجماع: وهل أخطأ الأمريكان عندما انتخبوا رئيسا مقعدا هو "روزفلت" وتمكن من قيادة البلاد بشكل عادى؟ وسوقت هذه الإجابة على نطاق واسع وسط الجزائريين، على أن "بوتفليقة مريض برجليه وليس بعقله". من أكثر ما يحافظ عليه بوتفليقة هو الجو العائلى الذى حافظ عليه منذ الصغر، وكان يعتبر والدته أكبر مثل له فى الحياة، ويذكر وزراء سابقين أن بوتفليقة كلما التقى بأحدهم إلا أوصاه بوالدته، وهو ما جعلهم يكنون له الحب الكبير، وبرغم أن بوتفليقة ليس كبير العائلة، غير أنه يحظى باحترام الجميع، وتتم استشارته فى كل كبيرة وصغيرة، خاصة فى حياة أبناء عائلته، ما جعل الجميع يناديه ب ''سيدى حبيبي''، نظرا للمكانة التى يكنونها له فى قلوبهم، ويقول مقربون منه إنه يحلق شعره مرتين فى اليوم، ويخدمه بمقر الرئاسة وبالمنزل أفراد من عائلته المقربين، من الممرضة، إلى الطباخ، ووصولا إلى الطبيب الذى يتابع ملفه الصحي. يعشق بوتفليقة حسب ما نقل عنه مقربون منه، ''التربيعة''، وهى المكان الذى يجتمع به أهل العلم بندرومة بتلمسان، تكلم عنها فى عدة ملتقيات، ونشط بها عدة تجمعات، صارت قبلة للوزراء حيث قيل فيها أنه لايوجد شخص يزور ندرومة إلا ومر على التربيعة. أما عن ملابسه، فبوتفليقة يخيط ملابسه عند ''خياط الرؤساء'' بالقصبة، فهو الخياط الذى صمم ملابس الرئيس الراحل هوارى بومدين، وبن بلة وغيرهما، يعشق بوتفليقة الألوان الداكنة مع ربطات عنق فاتحة أو بألوان زهرية،.