ميرفت فهد فى ريعان شبابهم تغربوا عن أوطانهم، بحثا عن لقمة العيش التى أصبحت شحيحة حتى إنهم لم يجدوها فى ديارهم بين أهاليهم، فذهبوا ليلقوا مصيرهم بسبب الفقر الذى حاولوا تحديه لتتلقفهم أيادى الإرهاب الأسود ويصبحون شهداء. إنها قصة 21 شابا مصريا سافروا إلى ليبيا بحثا عن الرزق الذى حرموا منه فى بلادهم، إلا أن القدر وقف لهم بالمرصاد، ليقعوا ضحية الجماعات الإرهابية التى سيكون مصيرها حتما يوما ما مزبلة التاريخ، فى حين سيذكر دائما من سالت دماؤهم الطاهرة بأنهم فى مصاف الأبرار و القديسين. الكنيسة الأرثوذكسية: نثق أن وطننا سيلاحق الأشرار وصف القس بولس حليم – المتحدث الرسمى باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية - الحدث بأنه بشع لا يمت للإنسانية بصلة. كما أنه يهز الضمير العالمى والإنسانى كله. وأن أى إنسان مهما كان وطنه ودينه لا يقبل بهذه التصرفات. ويرى القس بولس أن الدولة قامت بدور قوى تمثل فى أنه بعد التأكد من استشهاد ال 21 مصريا، خرج الرئيس السيسى بخطاب قوى ثم بعدها بعدة ساعات قليلة وجه ضربة جوية ثم أيضا بعدها بعدة ساعات توجه الرئيس بنفسه إلى الكاتدرائية لتقديم واجب العزاء. ويؤكد حليم أن الإرهاب ليس ضد الكنيسة فقط لكن ضد مصر كلها. ومصر بجميع مؤسساتها تعى هذا الموقف و تقوم بالرد المناسب. وقال إن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نعت هؤلاء الشباب فى رسالة جاء فيها:"تستودع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وعلي رأسها قداسة البابا تواضروس الثانى فى هذه اللحظات العصيبة شهداءها الأبرار، واثقين أن وطنهم العظيم لن يهدأ له بال حتي ينال الجناة الأشرار جزاءهم العادل إزاء جريمتهم النكراء، كما نثق فى دور الدولة بجميع مؤسساتها واهتمام المسئولين والذي ظهر منذ بداية الأزمة بكل مواطنيها فى الداخل والخارج، بما يضمن حقوقهم وإذ نشارك أسر أبنائنا الأحباء، فإننا نعزي الوطن كله ونحسب أن دماءهم تصرخ أمام الديان العادل الذي لا يغفل ولا ينام، وسوف يجازي كل أحد عما صنعته يداه ونصلي إلى الله أن يحفظ مصر ووحدتها وأن ينعم بالسلام فى ربوع البلاد". الكنيسة الكاثوليكية كما وصف الأب رفيق جريش - مدير المكتب الإعلامى للكنيسة الكاثوليكية فى مصر – الحادثة بأنها جريمة شنعاء يعجز القلم و اللسان عن التعبير عنها، لأنها جريمة كبيرة تهدد السلم العالمى ولا تهدد مصر و الشرق الأوسط فقط. ويؤكد جريش أن العالم كله يجب أن يقف ضد الإرهاب وضد الحكومات التى تدعمه، كما أن مجلس الأمن يجب بدوره أن يأخذ موقفاً حاسماً لكسر ظهر الإرهاب لأنه مثل السرطان يتفشى فى كل مكان. ويتمنى ألا تكون الضربات الجوية مجرد انتقام مؤقت أو لتهدئة الرأى العام المصرى وإنما لاجتثاث الإرهاب من جذوره. ومن ناحيتها كانت الكنيسة الكاثوليكية فى مصر أصدرت بيانا تتقدم فيه بالعزاء نصه:"تتقدم الكنيسة الكاثوليكية وغبطة البطريرك إبراهيم إسحق بطريرك الأقباط الكاثوليك ورئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك فى جمهورية مصر العربية بالعزاء إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية وقداسة البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وإلى شعبنا المصرى الحبيب فى استشهاد ال21 شابا فى ليبيا متضرعين أمام الله أن يهب لمصر السلام والاستقرار والطمأنينة ويبعد عنها وعن شعبها كل شر وسوء وإرهاب". البياضى: ألوم الحكومات المتعاقبة وفى الوقت نفسه، لا يلوم دكتور القس صفوت البياضي - رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر – الوحوش إذا افترست، لأن هذه هى طبيعتها لكن يلوم النفوس التى أهملت فى أبنائها. فلم توفر لهم مهنة تضمن لهم كريم العيش فعرضوا حياتهم للخطر ولجماعة ضالة لا علاقة لها بالدين أو الأخلاق أو القيم أو الإنسانية. وهو يلوم الحكومات المتعاقبة التى فتحت الأبواب لقطط متوحشة تربعت على أشلاء الغلابة، وعندما شبعت القطط السمان أهانت صغارها وأهدرتهم فتاهوا على وجوههم شرقا وغربا . ويرى أنها حرب لن تتوقف بسبب إغراء الدنانير الذهبية أو الورقية وكذلك الوعود الزائفة بالحور والجنات وهم يقتلون أرواحاً بريئة. فلن تجف منابع الشحن ومحطات الوقود البشرى فى وجود تجار الأسلحة فى الغرب والشرق. "فمن أين جاءت الوحوش الضارية بالأسلحة المتطورة و المصفحات الثقيلة". ويؤكد البياضى أن هذه الحادثة لن تحدث فرقة بين المصريين بل على العكس ستزيدهم تمسكا مسلمين ومسيحيين، لأن المصريين بطبيعتهم وتربيتهم لا يردون العدوان بعدوان وإنما دائما معا صفا واحدا فى الأفراح والأتراح وفى الشدة أكثر تمسكا بل لا تؤثر قيد أنملة على وحدتهم. وقد وصف الشباب بأنهم أبطال ماتوا ورؤوسهم مرفوعة. فلم يرتشعوا ولم يدمعوا ولم ينكروا إيمانهم والخناجر على رقابهم يتمتمون بالصلاة ويدعوا بالغفران لمن يقتلوهم. ويرى أن موقف الرئيس السيسى كان حاسما فى الضربة الجوية. ودعا الله بأن يحفظ مصر سالمة آمنة لجميع المصريين. كما أصدرت الطائفة الإنجيلية بيانا حول الجريمة البشعة التى ارتكبها تنظيم داعش نصه:"الطائفة الإنجيلية فى مصر تشعر بالفاجعة التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي وأفراده الذين تجردوا من أبسط صفات الإنسانية إذ قاموا بذبح 21 إنسانا لا ذنب لهم سوى هويتهم المصرية المسيحية. والكنيسة تصلي لأجل تعزية أهالي الشهداء الأبرياء، وتصلي أن يعطى الله الحكمة للقيادة السياسية المصرية لإدارة الأزمة التي يتعرض لها الوطن وأن تتوقف بحور الدماء. والله الديان قادر أن يدين الأشرار ويبطل مشورتهم وخططهم المدمرة، ونطالب شعبنا وكنائسنا بالصوم والصلاة من أجل أن يأمر الله بسلام بدلاً من الحروب". زاخر: العملية رسالة تحد لمصر يرى كمال زاخر - منسق التيار العلمانى القبطى – أن التصعيد الذى تم من جانب الجماعة الإرهابية كان متوقعا لأن مصر كسرت المد الإرهابى الذى تسعى إليه كل هذه التنظيمات الخارجة من عباءة الإخوان المسلمين. فبملاحظة توقيتات العمليات الإرهابية، نجد أنه كان يتم ارتكابه فى توقيتات متلازمة مع توقيتات محاكمة رؤوس هذه الجماعة فى مصر وكأنها ترسل رسالة محددة لتحدى الوطن المصرى بجملته ومحاولة التأثير لعودة النظام الساقط. الأمر الثانى الذى يلفت زاخر النظر إليه هو أن نجاح الثورة فى مصر فكك بشكل كبير جدا المخطط المرسوم لتفكيك المنطقة، وبالتالى صار الهدف ليس فقط "عمال مصريون أو غيرهم" لكن الهدف الأساسى هو إسقاط النظام المصرى ومن خلاله إعادة السيطرة على السلطة بجملتها. ويشير إلى أن رد الفعل المصرى المخطط والمدروس بالطيران المصرى مع أول ضوء للنهار التالى على كشف قتل الشباب المصرى أعاد الاعتبار إلى الجيش المصرى واسترداد كرامته، وهو ما لم يحدث منذ سنين طويلة وتحديدا منذ حرب أكتوبر 1973. وأنه يوجد إجماع شعبى يمتزج بالفرح فى عمق الحزن لهذا التحرك الرائع للقوات الجوية المصرية وربما يكون هذا التحرك هو بداية الإنهاء على هذه الجماعات المجرمة التى ولدت على أرض مصر فى عام 1928 بدعم من المستعمر الإنجليزى وقتها وستنتهى بإذن الله أيضا على أرض مصر. ويرى ماجد عطية – كاتب ومفكر قبطى – أن انتقال وزير الخارجية المصرى من واشنطن إلى نيويورك يحمل مدلولات عميقة بمحاولة استصدار قرار من مجلس الأمن بالمادة السابعة التى تجيز التدخل العسكرى فى ليبيا. ويرى أن العملية كلها ليس هدفها موت الأقباط لكن جر الجيش المصرى للتدخل البرى العسكرى فى ليبيا ليواجه من هم مدربون على حرب الشوارع فى حين أن جيشنا نظامى وهو ما يدركه تمام الرئيس السيسى.