عصام شعلان لم يكن نهار يوم 21 من فبراير عام 1973 يوما مشرقاً، لم يكن كل من كانوا أطفالاً أو كانوا فى بداية الصبا فى ذلك التاريخ يتذكرون أنه كانت لسلوى حجازى ابتسامة مشرقة محببة لقلوبهم، ورغم أن برنامج "عصافير الجنة" كان يقدم على شاشة التليفزيون فى المساء، فإن لتلك الابتسامة علاقة بنور الصباح، خصوصا أن لصاحبها وجها مستديرا، فى ملامحه براءة الأطفال وحنان الأمومة، رغم السن الصغيرة نسبيا، لذا حظيت عن جدارة بلقب «ماما سلوى»، لم يكن هناك قبلها من يحمل هذا اللقب. ويقول شاعر الشباب أحمد رامى فى مقدمته باللغة الفرنسية لديوانها الأول "ظلال وضوء": لو أن سلوى حجازى صورت على هيئة الطير لكانت بلبلا يرفرف على غصن مياس ينشد مع الفجر أغنية يطرب لها الظل والماء، ويجذب انتباه الطير فى مسرى الهواء، ولو أن لهذه الأشعار طبعة سمعية لما فاتها شىء من فتنة البلبل وغنائه البارع، فما بالك إذا كانت لهذا الديوان طبعة للآذان والعيون إذاَ لرأى البلبل يمد رأسه ويرسل غناءه مسجلا الإيقاع بالحركات المتناغمة لرأسه الدقيق.. هكذا أتخيل سلوى حجازى كل مرة قرأت فيه أشعارها وليدة الحنان والعاطفة الموقعة بخفقات القلب من صميم قلب حساس تنبجس أبيات هذه المجموعة من ينبوع روح صافية تتساقط كقطرات من النور". شاء القدر أن تكون سلوى حجازى التى ولدت فى الأول من يناير عام 1933 أن تكون من ركاب الطائرة البيونج 727 المملوكة لشركة الخطوط الجوية العربية الليبية، والتى أقلعت من مطار طرابلس العالمى، وشاء القدر أن يكون نهار ذلك اليوم نهارا عاصفا، كانت السماء تحمل رمال رياح الخماسين، الأمر الذى اضطرت فيه الطائرة إلى دخول المجال الجوى لشبه جزيرة سيناء، التى كانت محتلة فى ذلك الوقت، كانت جبهات القتال ساكنة، منذ أن قبلت مصر وإسرائيل "اتفاقية روجرز" لوقف إطلاق النار، كانت الجبهة المصرية تستعد لحدث كبير، بينما كانت الجبهة فى الناحية الأخرى فى انتظار أن يرفع المصريون بعد هزيمة 67 رايتهم البيضاء. ما كادت الطائرة تعبر قناة السويس حتى دق الهاتف فى مكتب رئيس الأركان الإسرائيلى " ديفيد إليعازر" وأبلغ بخبر دخول الطائرة الليبية الضالة، جاءت الإجابة سريعة، قامت طائرتان تابعتان للقوات الجوية الإسرائيلية من طراز الفانتوم بإطلاق صاروخين على الطائرة. جريمة بشعة تضاف إلى سجل إسرائيل الحافل بآلاف الجرائم والمذابح، وكالعادة ينصت العالم إلى التبريرات الإسرائيلية الواهية، رغم أن الطائرة كانت طائرة مدنية وليست عسكرية، وكل من عليها مدنيون وليس بينهم عسكرى واحد. وعلى أحد مقاعد الطائرة مذيعة شابة فى يدها ديوان كتب صاحبه أبياته الوردية باللغة الفرنسية، لكن الصاروخ الإسرائيلى أحرق الورد وحاملته فعادة الصواريخ الإسرائيلية لا تفرق بين البلبل وشدوه الصداح. وما إن علم الشاعر الكبير فؤاد حداد باستشهاد سلوى حجازى حتى كتب فيها قصيدة رثاء بعنوان «للورد والحنية». سلوى العزيزة يا فجر تلميذة فى جناين أم ... ضحكتها مسموعة وملاكها لطيف ... الورد كان خايف يلاقى الخريف قدمك عليه السعد فتح الكُم ... نور لك اليوم اللى غيمه خفيف ... وارتاح لإيدك لسّه بتحضنه لسّه الولاد ما بيعرفوش يحزنوا ... عيَّط عليك من قديم الزمان يا مين يشوفك صورة تتكلم والضهر ضلم واليهود قتلوا... سلوى العزيزة فى كل بيت.