حسناء الجريسى برغم الظروف العصيبة التى تمر بها مصر الآن والتفجيرات الإرهابية التى تلاحقنا ليستمر نزيف الدم المصرى، يأتى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته ال 46 ليكون التحدى الأبرز لمواجهة ذلك الفكر المتطرف، هذا العام الوضع يختلف كثيرا فوسط الإجراءات الأمنية المشددة والتفجيرات الإرهابية يحرص الجمهور المصرى بمختلف فئاته على حضور فاعليات المعرض بشكل كثيف، وأبرز دليل الإقبال الشديد على حضور الندوات وشراء الكتب التى تناقش قضايا الفكر والتجديد، هذا فضلا عن وجود كم هائل من الإبداعات الشبابية باستثناء الواقعة التى كادت أن تفسد هذا العُرس، حيث عرضت دار الشروق كتابين لشيخ الفتنة والتحريض على رجال الجيش والشرطة يوسف القرضاوي، تخطت الدار كل الحواجز، واستفزت مشاعر الجماهير المصرية بعرضها كتب الشيخ يوسف القرضاوى ربيب قطر والمحرض الأول على هدم كيان الدولة المصرية، برغم أنها سحبت الكتب من قاعة البيع. تقول الكاتبة والناقدة فريدة النقاش، إن معرض الكتاب هذا العام جاء فى أوقات عصيبة خصوصا فى ظل التفجيرات الإرهابية الأخيرة التى أفزعت جموع الشعب المصرى، والتى راح ضحيتها خيرة جنود مصر، لكن إقامة المعرض كانت دليلا واضحا على أن الحياة تسير رغم كل شيء، وهذه ظاهرة إيجابية، وترى النقاش أن الأعمال الثقافية والفاعليات التى تقام فى المعرض دليل قوى على أنه لابد من محاربة ذلك التطرف بالفكر المستنير، وتشيد "النقاش" بالإجراءات الأمنية المشددة، وتعترف بأنه جرى اختيار السعودية لتكون عروس المعرض هذا العام، وذلك نتيجة لمواقفها المساندة لمصر، سواء على الصعيد السياسى أم الاقتصادى، فهى دولة شقيقة نحترم دورها ويسعدنى المزج الثقافى الذى يتم بداخل المعرض لخلق حراك ثقافى جديد. ويشاركها الرأى الروائى يوسف القعيد قائلا: مجرد انعقاد المعرض فى موعده هذا العام واستمراره يعد أبلغ رد على الهجمات الإرهابية العنيفة، فمواجهة الأسلحة حسب رأى القعيد تحتاج أكثر للمواجهة الفكرية. ويرى أن اختيار الشيخ محمد عبده شخصية العام فى المعرض كان صائبا، فهو من أهم الأئمة الذين اهتموا بتجديد الخطاب الديني، كما أن اختيار السعودية ضيف شرف هذا العام رغم ظروف موت الملك عبد الله كان اختيارا جيدا لدورها البارز فى مساندة مصر. يشير القعيد: كنت أتمنى أن يفتتح الرئيس السيسى المعرض هذا العام فهو أول معرض فى ولايته لمصر، خصوصا أن الحضور الجماهيرى هذا العام كبير بشكل لافت للانتباه ومبشر بالخير، ويطالب بضرورة تسهيل إجراءات الدخول والخروج، وضمان نسبة تخفيض أسعار الكتب، ومحاربة الكتب المزورة ومنع بيعها بالمعرض. بينما يرى د. عز الدين نجيب أن إقامة معرض القاهرة الدولى هذا العام يعد بمثابة سلاح أكثر من قوة ناعمة لأن الثقافة قادرة على بناء حائط صد للشباب الذين تعتبرهم الجماعة الإرهابية لقمة سائغة تحركهم كما وكيفما تشاء، فمعرض الكتاب بما فيه من كتب وندوات وفاعليات ثقافية ودور نشر مختلفة من جميع الدول تنقل الحضارات الفكرية المختلفة فهى تبنى جدارا ثقافيا قويا فى مواجهة هذا العدوان. ويعتبر د. نجيب أن السعودية أقوى ظهير لمصر فى هذه المعركة فهى تشهد نهضة ثقافية كبيرة، بينما يقول الشاعر مسعود شومان: شاركت فى المعرض هذا العام بأكثر من فاعلية كما تمت مناقشة بعض دواوينى به أيضا، ولفت انتباهى العدد الكبير للجمهور الذى يحرص على الحضور رغم هذه الظروف العصيبة متدافعا أمام البوابات للدخول لحضور الفاعليات والمشاركة فى الأنشطة، وهذا أبلغ رد على أن مصر بمثقفيها ستعود إلى أجمل صورها، التى تليق بها إذا خلصت النيات وتنازلنا عن النرجسية.. ويتصور أن هناك مشكلة بحاجة إلى آلية جديدة، فلابد من تخفيف الإجراءات الأمنية وعمل بوابات خاصة بالمبدعين نظرا للمعاناة الشديدة التى تواجهنا خصوصا فى حضور الندوات. ويرى شومان أن وجود الجمهور بهذاالشكل فى المعرض يرد على سياسة الترهيب التى تمارسها الجماعة الإرهابية، وكأنه يقول نحن نصنع مجدا لمصر من خلال وجودنا فى معرض الكتاب. ويتمنى شومان خلال مدة المعرض طرح المزيد من القضايا الجديدة منها ما يتعلق بالثقافة والتجديد، والتعاطف مع إبداعات الشباب وضرورة مشاركتهم فى الفاعليات، كما لابد من طرح القضايا المتعلقة بمحافظات مصر واستصدار توصيات للجهات المعنية لكى تضع حلولا جذرية لعلاج المشاكل الثقافية التى تواجه تلك المناطق. بينما ترى الكاتبة بهيجة حسين أنه لابد من التصدى للإرهاب بالفكر، لذلك ضرورى وجود عناوين لأهل الفكر المستنير، فالمعرض رمز للمواجهة الفكرية والحضارية لهذا الفكر الغاشم، وتطالب حسين بضرورة تدخل الدولة للقيام بحملة موسعة لشراء الكتب العلمية ووضعها فى المكتبات المدرسية لتساعد الطلاب على التفكير العلمى السليم. بينما يؤكد الشاعر سعيد شحاته على حرص عدد كبير من مبدعى الأقاليم على حضور فاعليات معرض الكتاب لهذا العام. ويلفت النظر إلى حرص الكثير من دور النشر الخاصة على إبراز إبداعات الشباب، وبالإضافة لبعض العناوين الجديدة التى تؤكد أن المؤسسة الثقافية تسير بخطى ثابتة للتواصل مع الشعب. بينما يقول الفنان التشكيلى محمد عبلة: إن حضور الجمهور هذا العام جاء على عكس ما كان يتوقع، كنت أتمنى وجود جناح لهذا الفن بالمعرض وعمل مسابقات سنوية لأفضل تصميم غلاف، لكن للأسف المؤسسة الثقافية لم تهتم بذلك، وكذلك دور النشر. على العكس من الآراء السابقة يرى الشاعر أحمد سراج، أنه لا توجد رؤية لوزارة الثقافة المصرية على الإطلاق، ولا تملك هيئة الكتاب سوى الطنطنة بالكلمات الكبرى لترضى وزير الثقافة الذى يسعد بأن يصفه الناس بالتنويري؛ من هنا جاء شعار المعرض كلمة حق فى سياق عصفورى مجاهدى، لافتا النظر إلى أن المعرض افتتح بكارثة لم يسبق لها مثيل وهى بيع كتب المركز القومى للترجمة بواقع جنيه لكل كتاب، بأمر مباشر من وزير الثقافة، علمًا بأن المترجم يحصل على 40 جنيهًا على الأقل عن كل صفحة، هذا غير المراجع والمدقق اللغوي، إضافة إلى موظفين يملأون أربعة أدوار، ناهيك عن دفع حقوق الترجمة للمؤلف الأصلى ولدار النشر.. ولو فكر الوزير لدعا وفق البروتوكول الموقع مع وزارة التربية والتعليم، مستشارى المكتبات لتحديد الكتب التى تحتاج إليها 70 ألف مدرسة مصرية، ولو افترضنا أن كل مدرسة ستحصل على خمسة عشر كتابا؛ فهذا لا يعنى أن المركز سيبيع مليون نسخة على الأقل بنصف ثمن الكتاب الأصلى أى فى حدود 40 جنيها، وبهذا يتم كنس مخزون المركز بمبلغ يقدر بأربعين مليون جنيه، دون الحاجة إلى جناح خاص يقدر فى حالة تأجيره بخمسين ألف جنيه ومكافآت موظفين ومتطلبات إدارية للمعرض تقدر بخمسين ألفا أخرى.. وما حدث مع المركز القومى – يقول سراج - يحدث مع المجلس الأعلى، وتقوم به هيئة الكتاب على مدار السنوات السابقة.. هذا غير الأثر السلبى على دور النشر التى تعمل فى ترجمة الكتب؛ فكتب الوزارة تباع بسعر يقتل المنافسة. ويرى أن المعرض من ناحية التنظيم فقد اعتمد مجاهد الخطط المنفرة للجمهور من الندوات رغم التوصيات السابقة؛ فندوات ضيف الشرف والموائد المستديرة ومقهى الشباب منعزلة عن أماكن بيع الكتب؛ ما يجعل القاعات خالية من الجمهور. واستمرارا لمسلسل عدم الاهتمام بالجمهور يظل باب المعرض مغلقا، وذلك بحجة أن وقت البيع المحدد لم يأت بعد، وذلك لالتقاط صور للزحام الغفير، والترويج بالحضور غير المسبوق، وعلى المسئولين إدخال الجمهور متى جاء؛ ليستطيع الجلوس داخل المعرض، وليبدأ البيع فى موعده، بدلا من صف الجمهور فى طوابير تذكرنا بطوابير الغاز الطبيعى والخبز؛ علما بأن صالات العرض لا تأخذ من مساحة المعرض أكثر من ثلاثين بالمائة. بينما ترى الروائية نفيسة عبد الفتاح أن حجم الإقبال هذا العام كبير جدا، وإن كانت الإجراءات الأمنية المشددة وقلة عدد البوابات الإلكترونية تتسببان فى التكدس على الأبواب، إلا أن الازدحام ظاهرة صحية تؤكد أن المصريين شعب مدهش يستهين بالخطر ويعيش حياته تحت أى ظرف، وهو ما رأيته بنفسى عندما سألت أما تصطحب أطفالها ألا تخافين؟ فقالت لى إن حدث لنا شىء فهذا قدر الله، أما عن الكتب المعروضة فملاحظتى الشخصية أن الكتاب الدينى مازال متربعا على العرش، رغم اختفاء الكتب التى تخص رموز الإخوان من على الرفوف، وبيعها سرا،