رشا عامر كان وليا للعهد قبل أن يصبح ملكا في ال80 من عمره وهى السن التي كانت فيها نظراؤه ينسحبون من الحياة السياسية، طالما تم اعتباره محافظا ومتشددا بعدما رفض فتح بلاده أمام تغيرات العالم، إنه الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود الذي توفى الأسبوع الماضي نتيجة التهاب رئوى حاد. كان مصلحا بقدر الإمكان في دولة مثل السعودية يمكن أن يصيبها الربيع العربى بصدمة، لذا حاول تكييف مملكته وفقا لمطالب العصر كما حاول بلا كلل - على عكس سلفه - أن يحد من إخضاع المؤسسات للراديكالية الدينية. تفاعل مع هجمات 11 سبتمبر 2001 والتى كان متهما فيها عدد كبير من رعاياه، وبالتالى عرض تطوير السلام الشامل مع إسرائيل، زيارته التاريخية للفاتيكان بهدف إقامة حوار الأديان حاول بها الخروج من توصيف الإسلام بأنه دين صلب ومتشدد إلى توصيفه بأنه دين السلف الصالح على الرغم من صعوبة ذلك باعتباره "خادم الحرمين الشريفين"، الهاجس الإيرانى أعاقه من تسوية علاقة مملكته بالأقلية الشيعية كما ظلت الديانات الأخرى التى جاءت مع أفواج المغتربين في طى الكتمان. ولد الملك عبدالله عام 1924 ومكث في الرياض طيلة عقدين من الزمن، لم تكن السعودية بأى حال من الأحوال مثل ما هى عليه الآن، كان والده هو الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة (الدولة السعودية الثالثة) والذى يعود إليه الفضل في توحيد معظم أقاليم الجزيرة العربية تحت اسم المملكة العربية السعودية قبل أن يصبح ملكا عليها عام 1932. نشأ عبداالله في البلاط الملكى في ظروف مادية عصيبة، حيث لم يأت اكتشاف البترول إلا في عام 1937، كان عبدالله هو الابن العاشر في تولى الحكم كما كان ينتمى إلى قبيلة شمر الموجودة في نجد بوسط شبه الجزيرة العربية والممتدة إلى سوريا وذلك بسبب جذور والدته "فهدة بنت عاصى"، وكان الوريث الذكر الوحيد وسط كل هذا بعكس باقى إخوته غير الأشقاء وهم السديريون السبعة، هو مسمى يطلق على سبعة من أبناء الملك عبد العزيز آل سعود من زوجته حصة بنت أحمد السديري ومنهم الملك الحالى "سلمان". بدايات عبدالله السياسية معروفة إلى حد ما فقد كان مفتونا بالقومية العربية ووفقا لبعض المصادر في مجلة سلات الفرنسية فقد كان على وشك الانضمام ل"الأمراء الأحرار" الذين غادروا الرياض إلى القاهرة الناصرية عام 1962. والأمراء الأحرار هم حركة سياسية سعودية تأسست في 1958 على يد خمسة أبناء لمؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز آل سعود، خرج أعضاؤها إلى لبنان ثم إلى مصر، وسحبت منهم الجنسية، وخلال السنين التي قضوها خارج المملكة نادى الأمراء الخمسة بالعديد من المبادئ مثل إنشاء حكم دستوري وبرلماني في البلاد وفصل الأسرة الحاكمة عن الحكم، والمساواة بين الرجال والنساء وإلغاء العبودية، تنازلوا طواعية عن لقب أمير قبل عودتهم من المنفى في منتصف الستينيات، وتم العفو عنهم، ظهر اسم عبدالله جليا في الفترة التى اندلع فيها الصراع على النفوذ بين الوريث الأول "سعود" والذى أصبح ملكا عام 1953 وبين "فيصل" الابن الثالث للملك عبد العزيز ليظهر عبد الله إلى جانب الأمير المحتج، والذى أصبح معلمه وملهمه السياسى فيما بعد. عندما ترك سعود الحكم عام 1964 لأسباب صحية فان فيصل دفع ب"عبدالله" إلى رئاسة الحرس الوطنى والذى يعد إحدى الأدوات المسئولة عن ضمان الحفاظ على السلالة الحاكمة بعد استبعاد "سعد" ابن سعود، كان عبدالله يتصرف بناء على الثقة العمياء للقبائل التى ينحدر منها مما جعله يحظى بثقة شديدة من السلالة الحاكمة حتى مع وقوع الحادث الشهير لاقتحام الحرم المكى على يد جيه يمان العتيبى عام 1979 والذى استولى فيه مع مجموعة من المسلحين على الحرم المكي في محاولة لقلب نظام الحكم في المملكة العربية السعودية إبان عهد الملك خالد بن عبد العزيز. فى كل مرة يحاول إخوة عبدالله غير الأشقاء إبعاده عن تسلسل الخلافة فإنهم يسعون عبثا لحرمانه من منصبه كرئيس الحرس الوطنى، والذى يعنى تحديدا حماية حقول النفط، هذا المنصب الإستراتيجى مدعوما بطريقة اختيار الوريث لخلافة "الملك عبد العزيز"- والذى يعنى بالنسبة للبعض استنزاف المرشحين من الجيل الأول من الأمراء كلهم قبل الانتقال إلى الجيل الثانى - هو الذي يشرح كيفية تولى عبدالله منصب نائب رئيس الوزراء صبيحة اغتيال الملك فيصل عام 1975 وصعود الملك خالد للحكم. بعد تنصيبه وليا للعهد على يد الملك فهد، سعى عبد الله إلى المحافظة على مكانته التى كان عليها إبان الملك خالد برغم تضييق الخناق عليه من قبل السديريين والذين كانوا يحتكرون مواقع المسئولية بالفعل، ففضلا عن الملك فهد كان هناك الأمير سلطان في الدفاع والأمير نايف في الداخلية، والأمير سلمان كمحافظ للرياض، وبعد أن صعد الملك فهد إلى العرش عام 1982 بعد وفاة الملك خالد فإن عبدالله أصبح النائب الأول لرئيس الوزراء، وبالتالى ولى العهد وعلى الرغم من بعض الفروق بينهما فإن الرجلين استطاعا العيش معا بشكل جيد فقد كان هناك تقاسم للسلطة فالملك فهد مسئول عن العلاقات الغربية في حين أن عبدالله مسئول عن العلاقات العربية، وقد عجل ذلك بتصنيف ولى العهد عبدالله بأنه من الشخصيات المحافظة المعادية للغرب وهو انطباع تبدد سريعا بمرور الأيام. كان عبد الله في غاية الحصافة إبان الغزو العراقى للكويت في 2 أغسطس 1990 والذى أحدث زلزالا في المملكة العربية السعودية، وفى المقابل تم الدفع به بعد ذلك بخمس سنوات إلى الواجهة وهو في ال72 من عمره عقب السكتة الدماغية التى أصيب بها الملك فهد في ال 29 من نوفمبر 1995. وقد حمل عبدالله المسئولية في ظل أسوأ الظروف. تعرضت المملكة لضربات من جميع الجهات بداية من الذين يريدون دحرها لإظهار عجزهم عن حماية المملكة برغم عقود السلاح الضخمة الموقعة مع الغرب، والتى أدت إلى تخفيض عدد القوات غير المسلمة على الأراضي السعودية، وانتهاء بمن أرادوا استغلال اعتراف بعض آل سعود على عدم القدرة على حماية المملكة في كونهم سيصبحوا عاجزين عن الاعتراض على تحويل النظام الملكى إلى نظام ملكى دستورى. في هذا المناخ وتحت إشراف أخواته غير الأشقاء وتحت ولاية عهد الأمير سلطان تحمل الملك عبد الله كل هذا العبء. بحلول عام 1996 جاء الهجوم على القاعدة الأمريكية في الظهران لتدق ناقوس الخطر ليشتد دق الناقوس مع هجمات سبتمبر 2001 لى يد تنظيم القاعدة، حيث ضم الهجوم خمسة عشر انتحاريا سعوديا. كانت هجمات سبتمبر ما هى ألا ضربة مزدوجة فهى للعدو القريب أولا وهى السعودية وللعدو البعيد ثانيا وهى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وقد تسبب ذلك في رد فعل قاسى ضارى من قبل الولاياتالمتحدة للملكة السعودية لأنها سمحت بنمو هذه الكراهية المطلقة لأمريكا، وهو في نفس الوقت كره تاريخى متسلسل في سلالة آل سعود. بعد ستة أشهر وفى فبراير 2002 التقى الامير عبدالله بالصحفى الأمريكى توماس فريدمان، حيث كشف له في الحوار عن مبادرة دبلوماسية لحل المشكلة، كان عبدالله يضع نصب عينيه خطة الملك فهد التى قدمها منذ عشرين عاما والتى تعتمد على إقامة تطبيع تام مع إسرائيل في مقابل إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 تضم الضفة الغربية وغزة، وقد أيدت الجامعة العربية هذه المبادرة بعد بضعة أسابيع في بيروت فلقد أراد الأمير عبدالله أن يجعل بلاده تظهر في صورة مختلفة. توفى الملك فهد في الأول من أغسطس 2005 وذهبت الصلاحيات كاملة إلى الملك عبد الله الذي كان يبلغ ال80 من العمر، وقد وصف الكثير من المثقفين ورجال الأعمال كل الجهود التى قام بها الملك عبد الله إبان حكمه الذي امتد طيلة عشر سنوات بأنها جهود راكدة للأسف، فلا حوار مع الأقلية الشيعية ولا مناقشات حول وضع المرأة في المجتمع ولا تغيير في كيفية البيعة وتنظيم قواعد وراثة الحكم لكى ينتقل إلى الجيل الجديد. وبرغم ذلك فإن الملك عبدالله وضع حدا للفساد، لاسيما الذي يخص عقود التسليح مع الغرب خصوصا ملف اليمامة، وهي صفقة شراء أسلحة بريطانية من قبل الحكومة السعودية أخذت شهرتها بسبب ضخامة الرشاوي والعمولات المدفوعة فيها، وقد هاجم في نفس الوقت أيضا تجاوزات الشرطة وتخفيف حدة الخطاب المتشدد لبعض العلماء. جاءت محاولات إصلاح الملك عبد الله لجمود المملكة لتأخذ شكلا من الجرأة خصوصا في أواخر 2010 حينما اجتاحت العالم العربى والإسلامى موجة من التغييرات لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، وعلى الرغم من جهوده فإن الملك عبدالله لم يستطع التحرك إلى في هامش ضئيل جدا بسبب المناورات الواقعة داخل العائلة المالكة. فلا يمكن التغاضى عن الظهور المفاجئ للأمير نايف ونجاحه ضد الجهاديين السعوديين. فوزير الداخلية الذي كان دوما مثار انتقادات بسبب تشدده أصبح في 2009 النائب الثانى لرئيس الوزراء والوريث، التالى بعد الأمير سلطان الذي أنهكه المرض ثم الوريث بعد وفاة أخيه غير الشقيق في أكتوبر 2011. فبرعاية هذا الرجل القوى تم منح اللجوء للرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على إلى المملكة العربية السعودية، ودعم قمع انتفاضة البحرين التى كانت تهدد فكرة الخلافة خصوصا في السعودية، وعندما فتح الملك عبدالله الباب على مصراعيه فيما يخص الإنفاق العام لتجنب عدوى الربيع العربى فإنه لم ينس وزارة الداخلية والشرطة الدينية. وإذا كانت موجة الربيع العربى قد ساندت ثوار سوريا فقد كان ذلك بسبب الخوف من إيران الشيعية، وقد أعرب الملك عبدالله صراحة في برقياته للدبلوماسية الأمريكية والتى نشرتها ويكيليكس في وقت سابق أن الهدف هو إضعاف محور طهران - دمشق - حزب الله.