سهير عبد الحميد «كانت أفكار البعث عن القومية العربية تشاغلنا، وكنا نحلم بتحقيق تلك الأفكار التى ينادى بها الحزب فى سوريا والعراق وغيرها من البلدان العربية»، هكذا بدأ فاروق شوشة حديثه معى عندما التقيته فى مكتبه بمجمع اللغة العربية. جلست إليه ليس بصفته شاعرا ولا إذاعيا هذه المرة، ولكن بوصفه أحد المثقفين المصريين المؤمنين بالفكر القومى، وأحد الذين اقتربوا من البعثيين فى خمسينيات القرن الماضى وآمن بفكرهم الذى تعرف عليه أثناء دراسته الجامعية من خلال الشباب العربى الذين كانوا يدرسون فى الكلية من عدة أقطار عربية، وكانوا يحملون الفكرة المؤمنة بالقومية العربية التى يترتب عليها الوحدة العربية، وكانوا يطرحون ثلاثة أفكار رئيسية: الوحدة والحرية والاشتراكية. ومصر كانت تعلن عن إيمانها بتلك المفاهيم الثلاثة وإن اختلف ترتيب أهميتها. متى كانت المرة الأولى التى اقتربت فيها من أفكار البعث؟ تعرفت إليها من خلال أحد الطلاب فى الكلية وكان يكبرنى سنا ويدعى خالد الساكت وهو أردنى، بعد تخرجه فى الكلية اشتغل بالتعليم وعمل كدبلوماسى ثم اشتغل بالأدب والشعر وتعرفت من خلاله على فكر البعث، وبعد ذلك من المفكر الكبير د. جلال أمين ود. سليمان فياض ود. أحمد بهاء الدين الذى كان نصيرا رائدا لفكرة القومية العربية فى مصر، وكان أبا روحيا لهذا اللون من الفكر، ولذلك كان الشباب من ذوى الميول البعثية يدعونه دائما لحضور كل الفعاليات فى مختلف السفارات العربية. هل انضممت رسميا لحزب البعث؟ على الإطلاق، وأنا فى حياتى لم أنضم إلى حزب سياسى لأنى لا أؤمن بالعمل السياسى وعلاقتى بالأفكار السياسية علاقة ثقافية، فأنا لا أؤمن بالعمل السياسى لأنه يحتاج الانتظام فى حزب، لكن الفكر السياسى الثقافى شأن آخر، فقد كنت متعاطفا مع الفكرة ومشاركا فى كل الفاعليات والندوات الثقافية التى يقيمها الطلاب البعثيون فى القاهرة. وكنت مهتما بالإطلاع على كل الكتابات والمؤلفات عن العروبة والقومية العربية وفى مقدمتها مؤلفات ساطع الحصرى، الذى كان أول من كتب عن العروبة، والسورى عبد الله عبد الدائم ومنيف الرزاز من الأردن. إضافة إلى كتابات صلاح البيطار وأكرم حورانى ومطبوعات ميشيل عفلق، لذا تجدر الإشارة إلى أن القاعدة الأساسية لهذا الفكر لم تكن مصرية بل كانت عربية. ذكر لى د. جلال أمين أن علاقتكما بميشيل عفلق كانت وثيقة للغاية؟ لقد التقيت ميشيل عفلق أثناء زياراته العديدة لمصر. وفى فترة من الفترات كنت ألتقيه ود. جلال أمين باستمرار ونحضر لقاءاته السياسية مع المفكرين العرب الذين يحملون نفس الفكر القومى العربى والمفكرين المصريين أمثال لطفى الخولى، وأذكر أنه كان يحب أن يطرح علينا أفكاره ثم يطلب من كل واحد منا صياغتها بطريقته ليختار بينها فى النهاية. وذات مرة اصطحبناه فى رحلة إلى القناطر الخيرية ويومها طلب منى جلال أن ألقى بعض الشعر وقام هو بدور المذيع حيث قدمنى للحضور. كانت اللقاءات عديدة وكنا كشباب متحمسين، لأننا كنا نرى الأمل فى الوحدة خصوصا أنها متوافقة مع النزوع المصرى آنذاك فلم يكن الفكر البعثى يتصادم مع فكر الدولة، فثورة يوليو عززت الشعور القومى وجعلته مطلبا جماهيريا. إلى متى ظللت على علاقة بالبعثيين؟ لم أكن محسوبا بشكل رسمى على البعث، كنت مجرد متابع للفكرة ومتحمس للفكرة أننا أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وأن الأقطار العربية ليس كل منها أمة مستقلة، بل إن مجموعها يشكل الأمة العربية، وهذا يختلف عن أى فكر يسارى أو إسلامى، و لقد انصرفت عن هذا الفكر تماما بعد أن استشعرت أن الجانب الاشتراكى به رومانسيا أكثر منه عمليا، فقد كشفت لى قراءاتى فى الفكر الماركسى ومتابعاتى للحركة الماركسية فى مصر أن الفكر البعثى الذى يتحدث عن الاشتراكية طوباوى، وليس قائما على أساس علمى. كان هذا عقب تخرجى مباشرة فى الكلية. وأذكر أن مناظرة جرت بين عفلق ولطفى الخولى فى مكتبه بشارع قصر النيل وكنت موجودا وجلال أمين. كان عفلق يتحدث عن البعث بطريقة فنان حالم، وكان الطعن الذى يوجه له دائما أنه بدأ حياته شاعرا وقاصا ثم تحول إلى منظر سياسى، وكان لطفى الخولى يمثل اليسار المصرى وأخذ يركز على عملية اليسار وواقعيته من خلال الأيديولوجيا الماركسية وعفلق يركز على البعد الروحانى فى التوجه القومى. هل تعتقد لو أن الفكر الناصرى لم يزاحم نظيره البعثى لكان للوحدة العربية شأن آخر؟ عبد الناصر فرض الأوضاع القائمة فى مصر على سوريا فأساء للفكر الناصرى وحاربته الأحزاب فى مصر أولا ثم فى سوريا مما أدى إلى تدمير الفكر القومى. إلى أى مدى استشعرتم الصراع بين الفكرين الناصرى والبعثى؟ لم يكن هناك صراع على الإطلاق فالفكر واحد، لكن الأساليب مختلفة وكانت هناك سلطة تحكم وحزب موجود فى الشام. هل كان هناك صدام فى المنتديات الثقافية بين فكر البعثيين مع وفكر بعض الإسلاميين الذين يرون ضرورة قيام الوحدة على أساس دينى وليس قوميا؟ لم أشتبك فى أى من هذه الصراعات ولم أكن شاهدا عليها، وكما قلت لقد انشغلت بالعمل الإذاعى والإعلامى وانصرفت عن هذا الشأن.