دينا توفيق أشرف العشماوى الروائى ورجل القضاء.. يمسك بميزان العدل وفى قلبه وروحه موازين الأدب من قيم الحق والخير والجمال.. لم يخطط على الإطلاق أن يكون روائيا، وبرغم ذلك لم يكن نجاحه بالمصادفة برغم أن البعض راهن أنه لن يكتب مرة أخرى عندما وصلت روايته تويا لجائزة البوكر.. ولكن فيما يبدو أنه فى البدء لم يدرك أنه يمتلك ذاك الزخم من الموهبة ولكنها تبدت له وبزغت عندما قدر الله لها ذلك مع منتصف عام 2000 وحتى 2005 حتى إن الأمر كان أقرب إلى صور مهتزة بلا ملامح واضحة أشبه بالمشاهدات وتأمل أنماط البشر بناء على مهنته وعمله بالنيابة العامة واستجوابه المُطول للمتهمين والشهود ولكن ربما كان السبب أيضاً هو إدمانه لتأمل الناس والأمكنة وتلك الخبرات الحياتية المتراكمة.. وفى غضون تلك الآونة بدأت فكرة الرواية الأولى تتطرق لخاطره.. تروح وتجيىء فى إلحاح مريب وغريب وكأنه هاجس يناديه !! فى الأربعين كان القرار والرواية الأولى؟ فى عام 2007 وفى الأربعين تماماً اختمرت الفكرة برأسي.. وفى نهاية 2010 ظهرت روايتى الأولى " زمن الضباع " للنور بعد سنوات من التردد ولستُ نادما فأنا قدري للغاية. وماذا عن حضرة الفكرة؟ وعن حضورها الطاغى..؟ تأتى مع تأمل البشر والقراءة اليومية.. تلك العادة التى لم أتوقف عنها تقريبا منذ أربعين عاما أى منذ العمر اليافع، حيث أخصص ساعة يومياً للقراءة على الأقل.. ثم يبدأ الخيال فى العمل إضافة وحذفاً وأتخيل بصورة أعمق الشخصيات والأحداث وكل ذلك فى إطار الفكرة العامة للرواية حتى لا أشتت القارئ ولكن ما أقوله ليس هو القاعدة دائما فهناك استئثناء مثل رواية " تويا " فالفكرة أتت من مجرد قراءة مقال عن مرض الجذام ولم أكن على دراية كافية به وعندما قرأت قفزت الفكرة إلى رأسي فكتبتها..وهنا يسكت لبرهة ثم يواصل : الأمر قد يبدو سهلاً عند الحديث عنه لكنه فى الواقع يحتاج لجهدٍ كبير وتحضير للأفكار ورسم للشخصيات بمنتهى الدقة.. ثم تأتى مرحلة الكتابة وهى الأسهل فى كل مراحل إعداد الرواية بالمناسبة. ولكن فكرة الحيوانات لماذا؟ أعرف مغزى سؤالك فصحيح أن هذا اللون من الأدب موجود منذ زمن بعيد فى كليلة ودمنة ومنطق الطير ومزرعة الحيوانات لجورج أورويل.. لكنه مان التحدى فالفكرة كانت تلح على مخيلتي هى تمصيرها ومحاولة أن أجعلها واقعية وكأنهم بشر يتحدثون كبنى آدم.. ثم الخروج بها من حيز الزمان بحيث تصلح الرواية للقراءة اليوم وغدا وبعد عشرات السنين عن الأسد الذى بداخل كل منا وكيف نتركه يضعف من الخوف حتى يتحول إلى قط وديع..!! أشرف العشماوى ليس من الروائيين الذين يختارون أفكاراً ثم يلخصونها وبعدها يشرعون فى كتابتها.. أعرف ذلك عنك بحكم الصداقة.. أريد تفسيرات أكبر ? أشعر أن فكرة الرواية هى التى تختار نفسها كما شرحت فتلح على ذهني مرات ومرات فأبدأ فى الاستجابة لها بعد محاولات رفض لعلي أحصل على غيرها الأمر يبدو أشبه بمبارزة خيالية بين عقل المرء وأفكاره حتى تنتصر إحداها على عقلى فتتمكن منه فأكتبها وأنا مستسلم للخيال تماماً. ما هى أصعب الاسئلة التى توجه لك كروائى؟ أصعب الأسئلة التى توجه لي هى أن أعرف نفسي للقارئ وذلك لأنني أشعر بأن التعريف الحقيقي يأتي من خلال سطور كتاباتى وإذا ما كان سقراط قد قال قديما مقولته الشهيرة تكلم حتى أراك فأنا أقول افكاري على الورق ولأديبنا العظيم نجيب محفوظ عبارة شهيرة أعتقد أنني أعتبرها المبدأ الذى أسير عليه فى كل كتاباتي ألا وهى "عندما تكتب فيجب أن ترى بعمق وتشعر بصدق وتسمع برهافة " فإذا ما شعرت بكل ذلك، وأنا أكتب فأكون على ثقة من أن قارئي ستعجبه روايتي. وأنا رغم صدور روايتي الرابعة منذ أسابيع قليلة فإننى حتى الآن أخاف وأقلق من رد فعل القراء وأنتظره بشغف وكأنني فى امتحان، أنا أرى أن القارئ هو شريك معي فى الرواية يجب أن أترك له مساحة واسعة من الخيال والتأمل حتى يشعر بمتعة الإبداع معي وإلا تحولت الرواية إلى مقال طويل أو تقرير صحفي. وماذا عن النقد؟ بالطبع أسعد جدا بعبارات المديح ومن منا لا يحب ذلك؟ ولكنني أتقبل النقد بصدر رحب بشرط ان يخلو من الانتقاد غير المبرر أو غير الموضوعي هناك أشخاص تشتمك لمجرد نجاحك أو لمجرد أن الرواية لم تعجبه وكأنه يملك معايير الرواية فى العالم هذا أمر ينم عن ضيق أفق بالتأكيد وعادة لا أرد على من يهاجمني بلا موضوعية بل أعتبر ذلك حافزا لمزيد من الكتابة. عندما نجحت روايتك الأولى قالوا مصادفة ولن يكتب مرة أخرى؟ ماذا كان رد فعلك؟ .. يضحك أشرف العشماوى من قلبه ويقول لى : ولما وصلت لجائزة البوكر العالمية بروايتي الثانية "تويا " كأفضل رواية من عشر روايات فى الوطن العربي هاجمني البعض وقالوا مصادفة ولن يكتب مرة أخرى عمل يفوز بجائزة... ولكن الحمد لله فازت روايتي الأخيرة "البارمان" بجائزة رسمية من الدولة كافضل رواية من الهيئة المصرية العامة للكتاب فى معرض القاهرة الدولي بدورته الأخيرة. أنا مؤمن أن افضل رد على الهجوم مزيد من الكتابة. وقعت عقودا تليفزيونية لإنتاج روايتى «البارمان والمرشد».. هل يمكننى أن أتنبأ بتويا كعمل سينمائى؟ لا أعرف إذا ما تحولت رواياتى إلى أعمال سينمائية ستكون جيدة أم لا !!.. بصفة عامة المخرج يضع لمسة خصوصا على العمل وقد يغير من الرواية طبقا لرؤيته، أنا شخصيا فى توقيت سابق رفضت بيع إحدى رواياتى لمنتج بسبب هذا الأمر. وهذا ليس تدخلا من بقدر ما هو حفاظ على هوية الرواية فعندما أشعر أن المخرج سيشوه العمل الروائي تماما فمن الأفضل أن تظل صورته الجميلة فى الكتاب. وبما أن روايتي الأخيرة البارمان سوف تتحول لعمل قريبا.. أتمنى أن تظهر بصورة ترضى الجمهور ولا تشوه النص الأدبي الأصلي وأنا لن أكتب السيناريو فلست متخصصا ولا أحب أن أتدخل فيما لا أجيده. ماهى أهمية الوكيل الأدبى؟ الدار المصرية اللبنانية هى ناشرى ووكيلى الأدبى والحقيقة أن نصف نجاحي يعود لدعم الناشر محمد رشاد لى. لماذا علاء الأسواني يقدم رواية البارمان؟ أولا.. أنه كان من دواعي سروري أن يقدم علاء الأسواني روايتي ويتحدث عن أسلوبي الأدبي وطريقتى فى الكتابة ويصف النص بأنه عمل جميل جذاب وممتع ثم يرشحني للكتابة السينمائية بامتياز على حد تعبيره، هذا أمر يسعدني جدا وشهادة من كاتب كبير. ولا يهمني أن يختلف معه البعض سياسيا فهو يقول ما يؤمن به ويعتقده ولكنه واقعيا روائي وصل للعالمية ويحسب له أنه أول من حرك الماء الراكد وأعاد القارئ للمكتبة فى وقت كان البعض من الروائيين والنقاد يضعون معايير محددة للروايات فإذا ما تمت مخالفتها هاجموا كاتبها بضراوة فجاء علاء الأسواني ليقلب المائدة عليهم ويحقق طفرة غير مسبوقة و سيظل الأسواني صاحب الحجر الاول فى الماء الراكد وأخيرا فأنا أعتز بصداقتي للدكتور علاء الأسواني على المستوى الإنساني... من تجربتي أرى أن الناس تريد من يحببها فى القراءة ومن يعطيها متعة الرواية وجمال الحكاية لا أن يعقد لها الأمور ويتفلسف عليها وكأن القارئ لابد وأن يكون قد حصل على دراسات متقدمة فى النقد الأدبي حتى يفهم الرواية!! أنت روائى محظوظ بمنتهى الصراحة؟ فعلا أعتبر نفسي محظوظا للغاية فقد تحمس لرواياتى وكتاباتى أساتذة كبار فى الكتابة والنقد والصحافة مثل كاتبنا الكبير أنيس منصور الذى دفعني لنشر روايتي الأولى ثم أستاذى الرائع الذى أفتخر بكوني تلميذه الروائي العالمي إبراهيم عبد المجيد الذى كتب عن رواياتى الثلاث الأولى ولم يبخل بنصائحه أبدا والناقد الكبير الدكتور صلاح فضل وأستاذى مكاوي سعيد والدكتور خالد منتصر وزملائي الأدباء من جيلي الذين لقيت منهم كل دعم فى مصر والوطن العربي الذين أدين لهم جميعا بالشكر والعرفان. أنت الآن تصنف أنك الأكثر مبيعا بين ادباء جيلك؟ لم اهتم يوما أن أكون الأكثر مبيعا برغم أن رواياتى تبيع آلاف النسخ الآن ولكن اهتمامي أن أكون من ضمن قائمة الافضل أدبياً هذا هو الذى سيبقى وسيكون أنفع للقارئ.. المبيعات مؤشر مهم لا شك ولكنه ليس غاية للكاتب المهم الاستمرارية وتدفق الأفكار وتنوع الأسلوب خصوصا أننى لا أكتب روايات إثارة أو أدب جريمة. أنا أعتمد على الفكرة والحدوتة بأسلوب أدبي فى المقام الأول، مع تقديري طبعا لكل ألوان الكتابة الأدبية والتى أقرأها جميعا. هناك إشكالية كبيرة بين الكتابة الأدبية كعمل روائى مبنى بمعايير كلاسيكية عالمية وبين الكتابة التى تحلل المجتمع وفى جزء منها تفتقر احيانا للنسق الأدبى ومعمار الكتابة عند كبار الروائيين..؟! أفهم سؤالِك تماماً.. التحليل الاجتماعي والسياسي من الممكن يكون مادة جيدة للرواية ولا أتفق مع مقولة إن هذه الموضوعات مكانها المقالات، هذا الأمر غير صحيح على إطلاقه ولكننى أتفق معك فى أن السرد السلس وحركته المتدفقة ومفردات اللغة المتنوعة والوصف هم أساس النجاح بشرط وجود فكرة جيدة تشد القارئ وتجذبه دون تشويق مفتعل أو بلا إضافات غير ضرورية فى النص. وأخيراً هل تعرفين ما هى أمتع جملة يحب أن يسمعها أى روائي؟ أن يقول له القارئ أنا لم أستطع أن أترك روايتك منذ أن بدأت القراءة فيها... هذا هو سر النجاح. هذه هى متعة القراءة التى أعمل على تقديمها للقارئ واتمنى أن أكون عند حسن ظنه دائما فيها، حتى لو اختلفنا على بعض نقاط الرواية .