"الأهرام" تاريخ من الجمال.. «خبيئة الأهرام» تعود إلى الحياة

السيد رشاد
بينما يقيم الفرنسيون متحفا فنيا فى كل شارع من مدنهم، ويقف الهولنديون طوابير طويلة أمام متاحفهم منذ الصباح الباكر تحت زخات المطر، حاملين مظلاتهم البرتقالية، ويدخل اليابانيون متاحفهم باعتبار ذلك طقسا يوميا مقدسا، نجد متاحفنا التى تضم أهم وأندر مقتنياتنا قابعة فى زوايا الإهمال والنسيان برغم أنها أداة مهمة لحفظ الهوية الثقافية، ومقاومة تداعيات الانهيار المجتمعى فى كل المجالات.
لم تكن مقتنيات مؤسسة «الأهرام» الفنية استثناء من ذلك، فعلى الرغم من امتلاك «الأهرام» لثروة تشكيلية ضخمة، ونادرة، بعضها يمثل أصولا فنية واقتصادية فوق التقييم، حيث لا تقدر بثمن، ولا توجد حتى فى بلادها الأصلية، فقد كانت هذه الثروة مع الأسف تعامل ولعقود طويلة باعتبارها، مجرد أغراض يتم تخزينها عشوائيا فى مخازن «الإدارة الهندسية» مع الحديد والأسمنت والخشب، ويشرف عليها «ملاحظ» بالإدارة لا علاقة له بالفن التشكيلى، مما عرض بعضها للتلف، والآخر للضياع، ومعظمها أصبح فى حالة سيئة، حتى جاءت الإدارة الحالية للأهرام ممثلة فى د. أحمد السيد النجار رئيس مجلس الإدارة، بحالة ثورية تستهدف إنقاذ مقتنيات الأهرام الفنية، واستعادة بريق كبرى المؤسسات الصحفية الإبداعى، وكبريائها كراعية للفنون والتنوير، وكانت أولى الخطوات استقلال الإدارة الفنية للمقتنيات عن «الإدارة الهندسية» وجعلها تحت إشراف رئيس مجلس إدارة الأهرام مباشرة، والأهم اختيار قيادة مشهود لها بالكفاءة والدأب والرؤية المبدعة هو الفنان التشكيلى هشام نصر، الذى نجح فى تقديم مشروع فنى شامل ومتكامل، يجرى تنفيذه على أرض الواقع الآن، هو بمثابة بعث لمجد الأهرام التنويرى سوف تعود من خلاله خبيئة الأهرام الفنية إلى الحياة لتصبح قبلة المشهد التشكيلى العربى والعالمى من جديد.
حول ملامح هذا المشروع، والخطوات التى قطعها على أرض الواقع، والرؤية المستقبلية له يقول الفنان هشام نصر مدير إدارة المقتنيات الفنية بمؤسسة الأهرام: توليت مسئولية إدارة المقتنيات فى فبراير عام 2013، وقد كانت إدارة مهملة أو منسية وغير مفعلة منذ تأسيسها حتى قرر د. أحمد النجار رئيس مجلس الإدارة الحالى جعلها تحت إشراف رئيس مجلس الإدارة المباشر، بهدف تفعيلها وتطوير أدائها، وتقصير دورة اتخاذ القرار باعتبارها إدارة نوعية ذات طبيعة خاصة.
ويضيف: كانت الإدارة تحت إشراف ملاحظ غير متخصص فى الفن بالإدارة الهندسية، وكانت المقتنيات وفيها أعمال تقدر بالملايين مجرد أغراض يتم تخزينها عشوائيا فى مخازن الإدارة الهندسية، وبعضها تعرض للتلف، وهو ما أثبته الجرد الذى تم عام 1998 كما أثبت أن سوء التخزين قد أدى إلى إتلاف بعض اللوحات، خصوصا أنه منذ بدء الاقتناء عام 1964، حينما قرر رئيس مجلس إدارة الأهرام ورئيس تحريرها الأستاذ محمد حسنين هيكل الشروع فى اقتناء الأعمال الفنية فى الأهرام، لنشر الجمال فى ربوع المؤسسة وحتى عام 2012، أى قبل عمل المعرض الفنى لمقتنيات الأهرام، لم يتم عمل ترميم أو صيانة أى عمل، لكن تم ترميم 3 لوحات للمشاركة فى المعرض، فى حين أن هناك أكثر من 40 عملا تحتاج إلى ترميم، منها بعض الأعمال لكبار رواد الفن التشكيلى أصبحت فى حالة يرثى لها، ولهذا كان على رأس أولويات الإدارة منذ توليتها هدفان رئيسيان الأول إنقاذ وترميم خبيئة الأهرام الفنية والهدف الثانى هو حماية جميع الأعمال الفنية من خلال مشروع وضع ألواح من مادة «البليلكسى» الشفاف غير العاكس للضوء على كل الأعمال المنتشرة فى أبنية الأهرام، بما لا يخل بالمشهد الجمالى للعمل ويحميه من العبث، وقد وافق رئيس مجلس الإدارة د. أحمد النجار، على المشروعين، ويجرى التنفيذ الفعلى لهما حاليا من خلال الإدارة.
ويكشف الفنان هشام نصر أن الكثير من اللوحات والمقتنيات لم يتم توثيقه، وحتى الموثق منه، لم يتم إدراجه من خلال الكتالوجين اللذين أصدرتهما المؤسسة عامى 1996 و2007، حيث اقتصرا على عرض بعض الأعمال المختارة، وإهمال الكثير من أعمال الرواد المهمة والمتميزة، ولهذا شرعت الإدارة فى عمل أول «كتالوج شامل إلكترونى» لتوثيق جميع أعمال ومقتنيات الأهرام، وعمل سيرة ذاتية فنية لهما، تحمى الأعمال من السرقة، أو التزوير ونحافظ على حقوق الملكية الفكرية للمؤسسة، وفى ذات الإطار تقدمت الإدارة بمشروع توثيق جميع الأعمال الفنية عن طريق «الباركود» أى وضع شفرة رمزية لكل عمل فنى تتم قراءتها عن طريق برنامج إلكترونى خاص، يتم من خلاله تقديم توصيف شامل للعمل الفنى.
يضاف إلى هذا مشروع كامل لتجميل الأهرام خصوصا فى الزوايا التى تمثل قبحا معماريا مثل صناديق إطفاء الحريق، وصناديق الإنترنت والكهرباء وغيرها، وذلك من خلال تحويل هذه الأماكن إلى قطع فنية عن طريق وضع مستنسخات ومجسمات فنية بما يتناسب وتلك الأركان.
وفى الإطار ذاته قدمنا مشروعا لتطوير مدخل الأهرام الرئيسى من خلال إضاءة الزجاج الملون، وإعادة تنصيب تمثال «عين الصحافة» للفنان الكبير صلاح عبد الكريم، ووضعه فى مكان يليق به بمدخل الأهرام، وإعادة إحياء المدخل والسلم القديم الذى شهد مجد الأهرام منذ نشأتها كأكبر مؤسسة صحفية وإعلامية فى الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إنشاء مجمع متحفى بالمبنى الحديث بالمؤسسة حيث تم الانتهاء من متحف بشارة وسليم تقلا مؤسسى الأهرام، وهو جاهز للزيارة الآن، وأيضا المتحف الدائم لمقتنيات الأهرام، ويجرى إعداد متحف الكاتب محمد حسنين هيكل مؤسس الأهرام الحديث، ومتحف دائم لآلات الطباعة وهو الأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط لآلات الطباعة، حيث إن هناك العديد من آلات الطباعة ستوضع فى المتحف لا تملك حتى الدولة الصانعة لها ألمانيا نموذجا مصنعا لها، وهى ميزة تتفرد بها الأهرام، تجعل المتحف من أهم وأفضل متاحف العالم لآلات الطباعة، وعنصر جذب للهواة والباحثين والمؤرخين.
ويطالب الفنان هشام نصر مدير إدارة المقتنيات بوضع مزارات ومتاحف مؤسسة الأهرام على الخريطة السياحية الدولية، خصوصا أن خبراء من الاتحاد الأوروبى، أبدوا استعدادهم بوضع مزارات الأهرام الفنية والتاريخية على خريطة دول الاتحاد الأوروبى السياحية، وهو ما سيعود بالفائدة الكبيرة على الأهرام ويضيف بعدا سياحيا جديدا لمصر كلها.
فيما يجرى العمل حاليا على استكمال مجمع متاحف الأهرام فى المبنى الحديث بالجلاء بأفكار وعرض متحفى جديد.
كما يدعو الفنان هشام نصر رئيس مجلس الإدارة د. أحمد النجار إلى استمرار الحالة الثورية على الروتين والبيروقراطية الإدارية وتفعيل المشروعات الفنية المقدمة والمقترحة من الإدارة ورعايتها ومتابعتها للإسراع بالتنفيذ الذى من المؤكد أنه سيحدث طفرة نوعية للمؤسسة اقتصاديا وثقافيا وفنيا، بما يسهم فى تأكيد ريادة الأهرام حامل لواء التنوير الحضارى وديوان الحياة المعاصرة.
يضيف الفنان التشكيلى محمود زكى نائب مدير إدارة المقتنيات الفنية بمؤسسة الأهرام: الأهرام تقتنى مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية بمختلف نوعياتها من تصوير زيتى، وجداريات وأعمال نحتية وغيرها، معظمها لرواد الفن التشكيلى بمصر، وهى تمثيل ثروة ضخمة للمؤسسة وللمشهد التشكيلى المصرى والعربى والإنسانى عموما، تتزايد قيمتها بمرور الزمن، إضافة إلى وجود معرض دائم لأعمال رواد الفن التشكيلى، يتم تغيير المعرض المتحفى فيه كل ستة أشهر، مما يتيح لعشاق الفن وضيوف الأهرام وزائريه من كل أنحاء العالم أن يستمتعوا بإبداعات متنوعة ومتعددة للرواد، كما يتيح للدراسين وطلاب كليات الفنون أكبر استفادة فنية وعلمية من هذه المقتنيات، هذا من الناحية الفنية والجمالية.
أما من الناحية الاقتصادية فنقوم حاليا بعمل مستنسخات لجميع الأعمال الأصلية وطرحها للبيع لهواة الفن من خلال إدارة المقتنيات وسيتم التنويه عن أسلوب العرض والبيع فور انتهاء عمل المستنسخات لكل أعمال ومقتنيات الأهرام، ومن المنتظر مشاركة جميع إصدارات الأهرام فى هذا المشروع، كما ستقوم بعمل سلسلة معارض مخططة على مدار العام، ستبدأ قريبا بعمل معرض لرواد الفن الحديث فى مصر من المنتظر افتتاحه منتصف أكتوبر المقبل، وسيتم من خلاله عرض عملين لكل فنان، على أن يشمل هذا المعرض إلى جانب النشاط الفنى والنقدى والإعلامى البعد الاستثمارى، حيث سيتم السماح ببيع المعروضات مقابل نسبة يتم تحصيلها لمؤسسة الأهرام من عائد البيع، بمنطق الجالريهات العالمية، وسيتم افتتاح المعرض بدعوة كبار الشخصيات السياسية والفنية والفكرية والثقافية ونجوم الفن والمجتمع، وأعضاء السلك الدبلوماسى فى مصر، وشخصيات عربية ودولية مرموقة من المؤسسات الدولية العاملة فى مصر.
ويواصل الفنان محمود زكى قائلا: سيتلو هذا المعرض، معرض لفنانى الأهرام من المتوقع أن يتم فى أواخر نوفمبر المقبل، وفى نقلة نوعية، تهدف إلى تقديم الفنون التراثية المصرية من خلال مؤسسة الأهرام إلى العالم العربى والأجنبى، قرر الأهرام وفى سابقة هى الأولى من نوعها عمل معرض للفنون التراثية والحرف التقليدية.
واهتماما بمستقبل الفن التشكيلى فى مصر وتقديم الأجيال الشابة إلى المشهد التشكيلى قرر الأهرام عمل معرض لخريجى الكليات الفنية.
كذلك سيقام معرض توثيقى لماكينات وأدوات الطباعة على مر العصور منذ بدء العمل بالمطابع وحتى أحدث أجهزة الطباعة وهو معرض دائم، وهو سيفيد الباحثين والدارسين فى مجالات الفن والإعلام والطباعة وكذلك سيدر عائدا اقتصاديا للمؤسسة، ويحدث حالة فنية، ثقافية شاملة وغير مسبوقة فى المشهد التشكيلى المصرى والعربى.