أمنية عادل لا شك أن قطرة المياه تساوى حياة ملايين البشر عندما تتصاعد مخاوف العجز المائى إلى ذروتها مهددة بالجفاف والإطاحة بمصائر الشعوب، فلابد من وقفة حاسمة رادعة لمن تسول نفسه التلاعب بالمقدرات المائية لهذا الوطن الغالى سواء بالداخل أو بالخارج. وبرغم جهود حسم الخلاف بين الجانبين المصرى والإثيوبى حول مشروع سد النهضة عقب توقيع اتفاقية ثلاثية بالخرطوم بهذا الشأن، فإن تداعيات المفاوضات لاتزال يشوبها بعض الغموض وتثير قدرا كبيرا من المخاوف ولهواجس حول التزام الطرف الإثيوبى بعدم الإضرار بالحصة المائية المصرية وتراجعها عن سعة التخزين الكارثية لملء السد أو حتى الاحتمالات الفنية بتعرض السد لانهيار ولو جزئى، وهل مشروع السد وراءه أياد خبيثة تعبث بالأمن القومى المصرى الذى لا ينفصل عن الأمن المائى وغيرها من التساؤلات التى طرحناها على الدكتور حسام مغازى، وزير الموارد المائية والرى، ليكشف لنا حقائق مفاوضات الخرطوم من ناحية، وخططه للضرب على الأيادى العابثة بنهر النيل بإزالة التعديات والمخالفات الصارخة، وإحياء ثروات بحيرات مصر العذبة والمالحة، ومشروع المليون فدان المتزامن مع مشروع قناة السويس الجديدة، وإعادة إعمار توشكى وآليات حماية مصر من التصحر والجفاف. بداية أثارت زيارتكم لسد النهضة على هامش المفاوضات الثلاثية التى انعقدت أخيرا بالخرطوم كثيرا من الجدل، بل اعتبرها البعض نوعا من إضفاء الشرعية على المشروع محل الخلاف؟ هذا عار تماما من الصحة ويأتى فى إطار اتجاه البعض نحو إثارة البلبلة وعرقلة خارطة الطريق التى نحن بصددها لوضع حلول اتفاقية مرضية للأطراف الثلاثة دون الإضرار بمصالح أى منهم، وقد كررت أكثر من مرة أن مصر لن تفرط فى نقطة مياه واحدة من حصتها من نهر النيل. أما الزيارة فقد جاءت فى إطار توجه القيادة المصرية نحو إعادة بناء الثقة بين مصر وإثيوبيا، خصوصا بعد فترة انقطاع وجمود المرحلة السابقة التى أساء رموزها التعامل مع ملف المياه المصرية. أما عن زيارتى لسد النهضة، فقد جاءتنى الدعوة من وزير المياه الإثيوبى، وتوجهت مع مجموعة من الخبراء الفنيين بالوزارة وممثلى وسائل الإعلام لمعاينة البناء على أرض الواقع، والتأكد من أنه لم يتم تخزين المياه بالسعة التخزينية التى أعلنها الجانب الإثيوبى مسبقا وإتاحة الفرصة لاطلاع الوفد المصرى على المستندات والوثائق الخاصة بعوامل أمان السد للتأكد من عدم الإضرار بالمصالح الاقتصادية والمائية المصرية، وبالفعل تمت مراجعة الرسومات والتصميمات، الأمر الذى أسهم بشكل كبير فى إعادة بناء جدار الثقة بين الطرفين المصرى والإثيوبى، كما أن المصلحة الوطنية كانت دافعا حقيقيا للزيارة لنقل صورة واقعية للقيادة المصرية وتحديد المستقبل المائى المصرى على أسس علمية، خصوصا أن السودان لديه المعلومات والرسومات والوثائق والمستندات مما يجعلها قادرة على اتخاذ قرار بهذا الشأن، أما الجانب المصرى لم تتوافر له أية معلومات فى هذا الشأن، ومن ناحية أخرى جاءت الزيارة فى إطار حرص القيادة المصرية على مصلحة البلاد، حيث أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى مرارا أنه على استعداد للذهاب إلى إثيوبيا أكثر من مرة للحفاظ على نقطة المياه التى تصل إلى مصر دون أية حساسية، وإذا كانت هذه رسالة قادة الدولة، وأنا كوزير سياسى جزء من هذه المنظومة. وماذا أسفرت الزيارة وما تقييمك كخبير فنى متخصص بعيدا عن المنصب السياسى لمشروع سد النهضة، خصوصا بعد ما أثير حول الانتهاء من 35% من أعمال البناء والبدء فى ملء الخزان بالسعة التى سبق أن أعلنها الجانب الإثيوبى والذى يحمل أضرارا بالغة بالحصة المائية المصرية؟ أستطيع القول كأستاذ جامعى واستشارى هندسى قبل أن أكون وزيرا، إن المعاينة الفنية لمشروع السد أكدت للجانب المصرى أنه لم يتم سوى بناء 17% تقريبا من السد، وأن ما تناقلته بعض وسائل الإعلام فى الفترة الماضية حول موضوع بدء ملء بحيرة السد ليس صحيحا ولم يبدأ السد فى التخزين حتى تاريخه، خصوصا أن الأعمال الإنشائية الحالية لا تمكن من حجز المياه، ولا يوجد على أرض الواقع ما يثير المخاوف، لكن حدث خطأ فى نقل الصورة الحقيقية، حيث الخلط بين أعمال المشروع وأعمال السد، فالسد هو البناء التخزينى، أما المشروع يقصد به الأعمال الإنشائية المحيطة بالسد، وهو ما تم إنجاز 35% منه، أما بالنسبة للسد نفسه، فالنسبة التى تم الانتهاء من تشييدها وفق الأعراف الهندسية غير مؤثرة، وأكرر أن زيارتى لسد النهضة كانت تحمل رسالة مهمة، وهى مخاطبة إثيوبيا للرأى العام المصرى من خلال وسائل الإعلام المرافقة لنقل صورة ما هو موجود فعليا على أرض الواقع، لطمأنة الشعب المصرى، خصوصا بعد تأكيدات الجانب الإثيوبى أنه لن يتم تخزين المياه إلا خلال عام من الآن، وباتفاق الأطراف الثلاثة من ناحية، كما حملت الزيارة رسالة مطمئنة للقيادة والشعب الإثيوبى بأن مصر ليست حجر عثرة فى طريق التنمية الإثيوبية، ولسنا ضد تحسين المستوى المعيشى والخدمى للشعب الإثيوبى، ولسنا قلقين من السد المنشأ خصيصا لإنتاج الطاقة الكهرومائية، لكن بما لا يتعارض مع المصالح المائية المصرية. هل تعتقد أن آليات التفاوض الحالية قادرة على خلق مصالح بينية تضمن عدم تراجع الجانب الإثيوبى؟ لقد أكدنا للجانب الإثيوبى أننا لسنا دولة معادية بل دولة صديقة، وأن العلاقة الوثيقة بين الدولتين لن تختزل فى هذه المشكلة، وأن أى خلاف قد يطرأ فى المرحلة المستقبلية سيتم إنهاؤه من خلال مباحثات لجان محايدة، وفعليا هناك اتجاه نحو تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين، لكن بعد الاتفاق على السعة التخزينية للسد بما لا يضر بالمياه المصرية، وبرغم الروح الإيجابية التى أسفرت عنها المفاوضات، فإن مصر لم تعترف ولم توافق على مشروع السد حتى الآن، وأن الاتفاقية الثلاثية التى تم التوقيع عليها جاءت فى إطار حل الخلاف مبدئيا لحين الانتهاء من الدراسات والاطلاع على التقارير النهائية للجان الفنية والتأكد تماما من عدم وجود أية تأثيرات سلبية على موارد مصر المائية، وإلى أن يتم هذا نحن نسير قدما فى زيادة حجم التعاون بين البلدين وتصحيح مسار العلاقات الثنائية. وماذا عن مصادر تمويل المشروع خصوصا بعدما تردد حول مخطط أمريكى - إسرائيلى لتعطيش المصريين وإحداث أزمة مائية كارثية لمصر إذا ما تعنت الجانب الإثيوبى بسرعة ملء الخزان المعلنة مسبقا، وهى 74 مليار متر مكعب؟ لقد توجهت بهذا السؤال بشكل مباشر للمسئولين الإثيوبيين وأكدوا لى أن هذا مشروع قومى يموله الشعب الإثيوبى من مدخراته وتبرعاته، وأنهم لم يسمحوا بالمساس بسيادة الدولة، ونفوا تماما المزاعم التى أثيرت أخيرا حول تدخل التمويل الأمريكى والإسرائيلى، وأؤكد للمصريين أنه لن نتنازل عن نقطة مياه هى حق لمصر وليس هناك احتمال لتراجع الجانب الإثيوبى، لأن الاتفاقية الموقعة بالخرطوم هى بحق تاريخية وملزمة للأطراف الثلاثة، فهى ليست خطاب نوايا، لكنها تشمل خارطة طريق ذات برنامج زمنى محدد، وبالطبع تحترم كل دولة ما وقعت عليه، وفى هذا الإطار يتم إعداد تقرير فنى أسبوعى تطلع عليه القيادة المصرية. أعلنت إثيوبيا أخيرا أن لديها دراسات تؤكد مدى أمان السد وأنه غير قابل للانهيار.. فما صحة ذلك؟ لا نستطيع حسم هذا الأمر إلا بعد الاطلاع على التقارير الفنية للجنة الوطنية التى تم تشكيلها بموجب الاتفاقية الثلاثية والتى من المقرر تشكيلها من أربعة خبراء من كل دولة مهمتها تجميع الدراسات المتخصصة لدى كل دولة، واختيار مكتب استشارى بالتوافق بين الدول الثلاث، وتكون مسئولة عن تجميع البيانات ومراجعتها قبل تسليمها للمكتب الاستشارى الذى يتولى اللجنة الوطنية متابعته خلال البرنامج الزمنى المحدد وفق الاتفاقية، أى خلال الخمسة أشهر المقبلة، كما تتولى إنهاء أية خلاف بين مصر وإثيوبيا. وماذا عن الجانب السودانى وموقفه من المصالح المائية المصرية، خصوصا أن هناك اتفاقيات وعلاقات ثنائية بين السودان وإثيوبيا فى شأن السد؟ الجانب السودانى لا يريد مكروها لمصر وأن موافقته على مشروع السد واتفاقيات الربط الكهربائى بين السودان وإثيوبيا لا يمكن أن تكون على حساب الحصة المائية لمصر، وأن السودان لن يسمح بالإضرار بالمصالح المصرية. وماذا عن مشروع التنمية الزراعية بسيناء فى ضوء محور قناة السويس الجديدة وكيف يتم نقل مياه النيل بالكميات اللازمة للزراعة؟ هناك ما يسمى بالسحارة وهى مجموعة من المواسير تنقل مياه النيل شرقا إلى سيناء لخدمة الأغراض الزراعية، وبالفعل تخدم 40 ألف فدان، ولكن من أنشا محور قناة السويس الجديد نحن بحاجة إلى «سحارة» جديدة على عمق 45 مترا تحت سطح الأرض ويتم الانتهاء منها خلال 9 أشهر كحد أقصى، وبالفعل تم توقيع بروتوكول بين وزارة الرى والهيئة الهندسية للقوات المسلحة لبدء إنشاء السحارة الجديدة، كما تم تشكيل لجنة فنية من خبراء الوزارة من مختلف التخصصات، وذلك لمتابعة عملية تعديل المرافق والمنشآت المائية المرتبطة بمشروع محور قناة السويس الجديد ونحن بصدد إعداد التصميمات الخاصة بإنشاء «سحارة» ضخمة جديدة لاستكمال منظومة توصيل المياه لشمال سيناء والتى تقدر ب 2,5 مليون متر مكعب يوميا حتى تتوافق مع الأعماق والأبعاد التصميمية للقناة الجديدة، وسيتم الانتهاء من تلك الأعمال بما يتوافق مع البرنامج الزمنى لأعمال تنفيذ قناة السويس الجديدة وتقوم اللجنة الفنية لأعمال قناة السويس حاليا بتجهيز قائمة تتضمن أسماء الشركات المتخصصة ذات السمعة الجيدة والقادرة على تنفيذ المشروع فى الوقت المحدد. وما أسباب تأخر الانتهاء من الأعمال بمشروع توشكى برغم ارتباطها بالبرنامج القومى لزراعة مليون فدان؟ برغم انشغالنا فى الفترة الماضية بمفاوضات الخرطوم، لكن لم نألُ جهدا للانتهاء من أعمال توشكى، حيث تم توقيع بروتوكول مع القوات المسلحة بالأمر المباشر لحفر 50 بئرا جديدة، ويتم الانتهاء من أول بئر فى منتصف شهر سبتمبر الحالى وستقام له احتفالية كبيرة كأول بئر لزراعة المليون فدان، جار طرح الآبار تباعا بالتنسيق مع وزارة الزراعة وفق برنامج زمنى لزراعة ما يتراوح بين 4 إلى 5 ملايين فدان كمرحلة ثانية تعتمد على ضخ المياه من ترعة السلام وحفر الآبار، وقد تم التشديد على جميع الشركات باستكمال الأعمال المتبقية بمشروع توشكى فى فترة زمنية لا تتجاوز 6 أشهر كحد أقصى، وتم الانتهاء فعليا من 97% من جملة الأعمال بالمشروع والتى تكفى لزراعة 280 ألف فدان. ولكن هل المخزون الجوفى كاف لهذه الاحتياجات الزراعية أم أن هناك احتمالات لنضوب المياه الجوفية؟ لا يوجد أدنى احتمال لنضوب المياه الجوفية فقد تم إعداد جميع الدراسات العلمية اللازمة للتأكد من هذا الشأن وجميعها أكد باليقين العلمى أن مخزون المياه الجوفية كاف لمدة 100 عام. متى ينتهى «الانتشار السرطانى» للتعديات على نهر النيل سواء بالإنشاء أم بإلقاء المخلفات الصناعية أم الزراعية؟ منذ اللحظة الأولى لتولى الحقيبة الوزارية وهمى الأول حصر جميع المخالفات والتعديات على نهر النيل سواء بالبناء أم الردم والتى بلغت 150 ألف حالة تعد، وكان هذا الملف تحديدا من ضمن أولويات التكليف فى الوزارة ويتم وضع تقرير يومى لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بالجهود المبذولة فى هذا الصدد، حيث بلغت نسبة الإزالة للتعديات والمخالفات نحو 64% ومازالت الجهود مستمرة للانتهاء منها جميعا. بحيرات مصر تعد ثروة قومية مهدرة وضعت فريسة الإهمال والتعدى والبلطجة فما خطتكم لاستغلال مواردها؟ وقعت وزارة الرى مع وزارة الزراعة بروتوكولا للبدء فى تحسين مياه البحيرات بدءا من بحيرة المنزلة وتنقية البواغير لضمان سهولة حركة المياه، وتقوم وزارة الرى حاليا بعمل دراسة علمية فى مركز البحوث التابع للوزارة لإعداد مجموعة من القنوات الشعاعية لتحسين حركة المياه داخل البحيرة، وتعد بحيرة المنزلة نموذجا سيتم البدء بها، لأنها أسوأ البحيرات حالا وهناك تعاون مع وزارات الإسكان والبيئية والبحث العلمى والزراعة لتنقية وتطهير بحيرات مصر. تتعرض مصر سنويا لمخاطر السيول الذى يكلف الاقتصاد فاتورة باهظة القيمة لمعالجة آثارها، فما خطة المواجهة؟ هناك خطة لهذا العام لمواجهة أخطار السيول التى تتعرض لها البلاد مرتين خلال شهرى إبريل ومايو وشهر نوفمبر، بحيث تتم الاستفادة من مياه السيول وتلافى مخاطرها، وقمت بزيارة جنوبسيناء منذ شهر، واستمعت لمطالب المحافظة فى هذا الملف وتم الانتهاء فعليا من إعداد خطة قومية لمجابهة السيول فى سيناء بتكلفة حوالى 850 مليون جنيه يتم تنفيذها خلال 4 إلى 5 سنوات وبعرضها على رئيس الجمهورية طالب بضغط الفترة الزمنية إلى عام واحد لأن تكلفة السيول والأضرار الناجمة عنها تفوق تكلفة تنفيذ الخطة، ففاتورة أضرار السيول تتجاوز 400 مليون جنيه، ويمكن الاستفادة من مياهها فى إطار خطة التنمية وتوطين البدو، وقد بدأنا فعليا دراسة حماية مدن طابا ونوبيع وسانت كاترين ودهب من أخطار السيول، وتم تسليم هذه الدراسات لمحافظة جنوبسيناء، وتم تخصيص 50 مليون جنيه من ميزانية الوزارة لحماية طابا من أخطار السيول. فى ظل ما يسمى ب«حرب المياه» هل مصر مقبلة على عصر الجفاف؟ أود أن أطمئن المصريين بأننا بصدد إعداد جميع الخطط واتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة أى عجز مائى بتدبير وإدارة الموارد المائية التى تتناسب مع الزيادة السكانية حتى عام 2050 من خلال عدة محاور أولها منع مخلفات زراعة الأرز وقد نجحنا هذا العام فى تخفيض المساحة المخالفة إلى نحو نصف مليون فدان، ونأمل ألا يكون هناك فدان واحد مخالف العام المقبل، أما المحور الثانى فيتعلق بنشر ثقافة ترشيد استهلاك المياه سواء فى الزراعة أم الاستخدامات الأخرى من خلال عقد بروتوكولات تعاون مع وزارة الأوقاف، وباستضافة 1000 إمام لمخاطبة رواد المساجد بأهمية ترشيد المياه وخطورة التلوث وكذلك توقيع بروتوكول مع وزارة الثقافة لاستغلال القصور الثقافية التابعة لها لاستضافة تخصيص من الوزارة، وعقد ندوات توعية لروادها فى هذا الصدد.