التبادل التجاري بين مصر وسنغافورة يسجل 137 مليون دولار خلال 6 أشهر    محمود محيي الدين: يجب أن يسير تطوير البنية التحتية التقليدية والرقمية جنبًا إلى جنب    مصر وسنغافورة توقعان 7 مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون المشترك    مصر ترحب باعتزام البرتغال الاعتراف بالدولة الفلسطينية    واشنطن بوست: وسط المجاعة والقصف.. الديمقراطيون يراجعون موقفهم من إسرائيل    مصطفى عسل وهانيا الحمامي يتوجان ببطولة CIB المفتوحة للإسكواش 2025    مجلس الشمس يشكر وزير الرياضة بعد نجاح جمعيته العمومية    فليك: يامال سيتوج بالكرة الذهبية يوما ما    وزير الثقافة ينعى مجدي قناوي المدير السابق للأكاديمية المصرية بروما    «الصحة» تبحث التعاون مع مستشفى رينجي الصينية بمجالات التكنولوجيا الطبية    9 كليات بنسبة 100%.. تنسيق شهادة قطر مسار علمي 2025    تحت شعار «عهد علينا حب الوطن».. بدء العام الدراسي الجديد بالمعاهد الأزهرية    أكاديمية الشرطة تنظم دورة لإعداد المدربين في فحص الوثائق    ترامب: نجري محادثات لاستعادة قاعدة بغرام بأفغانستان.. وإعادة تأسيس وجود عسكري أمريكي صغير هناك    الولايات المتحدة تلغي «الحماية المؤقتة» للسوريين    رئيس جامعة حلوان: لدينا 37 جنسية و7 آلاف طالب    أجواء احتفالية أثناء استقبال الطلاب في أول أيام العام الدراسي الجديد بجامعة أسيوط    إزالة 11 حالة تعد على الأراضى الزراعية ب5 قرى بمركز سوهاج    تشكيل ريال مدريد - رباعي يقود الهجوم ضد إسبانيول.. وجارسيا أساسي    بهدية صلاح.. ليفربول يتقدم على إيفرتون في الديربي    الدوري الإنجليزي.. محمد قدوس يقود تشكيل توتنهام ضد برايتون    "بحضور لبيب والإدارة".. 24 صور ترصد افتتاح حديقة نادي الزمالك الجديدة    رامي ربيعة يعود للتشكيل الأساسي مع العين بعد غياب 3 أسابيع    نص أمر إحالة رمضان صبحي للمحاكمة الجنائية بتهمة التزوير    حملات موسعة لإزالة الإشغالات واستعادة المظهر الحضاري بشوارع الزقازيق    بعد معاناة طويلة.. القليوبية تنهي أزمة طلاب ورورة بسور وبوابات جديدة (صور)    «الداخلية» توضح حقيقة مشاجرة سيدتين واستدعاء إحداهما ضابطا للتعدي على الأخرى بالشرقية    "كان بيعدي الطريق".. مصرع طالب بالعلاج الطبيعي في حادث مأساوي بالقليوبية    تحذيرات من النظر.. كسوف جزئي للشمس غدا الأحد (تفاصيل)    المشدد 7 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لمتهمين بالاتجار فى المواد المخدرة بقنا    إطلاق مبادرة لنظافة شوارع القاهرة بمشاركة 200 شاب    انطلاق الدورة الثالثة من مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة الخميس المقبل    بالتخصص.. كريم عبد العزيز يتصدر موسم صيف 2025 ب"المشروع x"    كاتب "Bon Appétit, Your Majesty" يرد على الانتقادات: "لم نختلق شيئًا واستندنا إلى وثائق"    "مش قادرة أقعد وشايفاكم حواليا" رسالة موجعة لفتاة مطروح بعد فقدان أسرتها بالكامل (فيديو)    نيكول سابا تخطف الأضواء خلال تكريمها في حفل "دير جيست"    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    ماذا يعلمنا دعاء الوتر؟.. رئيس جامعة الأزهر يوضح    دليل مواقيت الصلاة اليومية اليوم السبت 20 سبتمبر 2025 في المنيا    محافظ الأقصر يكرم عمال النظافة: "أنتم أبطال زيارة ملك إسبانيا" (صور)    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    وزير الصحة يبحث مع مسئولي هواوي التعاون في التكنولوجيا الطبية    طريقة عمل العيش الشامي في البيت، توفير وصحة وطعم مميز    ليفربول ضد إيفرتون.. محمد صلاح يقود هجوم الريدز فى ديربي الميرسيسايد    خطة شاملة لتعزيز الصحة المدرسية مع انطلاق العام الدراسي الجديد    الأردن يفوز بعضوية مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية    رئيس جامعة بنها يهنئ الطلاب بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد    اتفاقية تعاون بين التخطيط القومي وتنمية المشروعات لدعم استراتيجيته وتطوير برامجه    مركز حقوقي فلسطيني: الاحتلال يحاول خلق أمر واقع تستحيل معه الحياة بغزة لتنفيذ التهجير القسري    من كنوز الفراعنة إلى سبائك الصاغة.. حكاية الأسورة الضائعة من المتحف المصري    9 محظورات للطلاب بالعام الدراسى الجديد.. تعرف عليها    «مفرقش معايا كلام الناس»| كارول سماحة ترد على انتقادات عملها بعد أيام من وفاة زوجها    بينها أطفال بلا مأوى وعنف ضد نساء.. التضامن: التدخل السريع تعامل مع 156 بلاغا خلال أسبوع    مدير مدرسة بكفر الشيخ يوزع أقلام رصاص وعصائر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي    مدبولي: وجود بنية أساسية متطورة عامل رئيسي لجذب الاستثمارات في مصر    القومي للمرأة ينظم لقاء حول "دور المرأة في حفظ السلام وتعزيز ثقافة التسامح"    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. عباس شراقى: الإثيوبيون سيفيقون على "وهم" السد بعد الانتهاء من المشروع

الجيولوجيا والمشاكل الفنية وراء فشل 70% من مشروعات إثيوبيا المائية
لمصر حق المشاركة فى الدراسات والبناء وتشغيل السدود
الخرطوم وأم درمان تنتظر "تسونامى" حال انهيار السد
20 مليار متر مكعب إيرادات متوقعة من خلال التعاون المائى مع جنوب السودان
الاستهلاك المنزلى يستنزف 10% من المياه.. وترشيده "واجب"
مصر وإثيوبيا دولتان متقاربتان فى المساحة؛ حيث تبلغ مساحة كل منهما نحو مليون كيلو متر مربع، وعدد السكان 90 مليون نسمة، ولكن يختلفان فى طبيعة الأرض والظروف الجيولوجية والمناخية المحيطة، هكذا بدأ الدكتور عباس شراقى -أستاذ مساعد الجيولوجيا الاقتصادية- حواره مع "الحرية والعدالة" داخل مكتبه بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة.
وأكد "شراقى" أن مصر لا تقف أمام تنمية أى دولة إفريقية، ولكننا شريك أساسى فى النهر، ويجب أن نضمن ألا تضر تلك المشروعات بشريان حياتنا؛ لذلك يجب أن نكون شركاء أيضًا فى دراستها وبنائها وتشغيلها.
وحذر من "تسونامى جديد" فى حال انهيار السد الإثيوبى سيترتب عليه تدمير شامل فى السدود السودانية والخرطوم وأم درمان. متوقعا ألا يدر السد العائد المتوقع منه، وأن يثور الإثيوبيون على حكومتهم عندما يفيقون على هذه الحقيقة عند الانتهاء من المشروع.
فإلى نص الحوار..
* هل طبيعة إثيوبيا الجيولوجية تتيح تنفيذ مشروع عملاق مثل سد النهضة؟
الطبيعة الجيولوجية لإثيوبيا لا تناسب المشروعات المائية الضخمة؛ نتيجة أن التربة تتكون من طبقات بازلتية تراكمت على مدار السنين نتيجة البراكين فتكون بينها فواصل وشقوق، وبالتالى قد لا تتحمل جسم السد، كما أن وزن المياه فى البحيرة خلف السد سيصل إلى 74 مليار طن، ومن ثم يمكن أن تتصدع القشرة الأرضية نتيجة لوزن المياه الثقيل، مما يؤدى إلى انهيار السد.
إلى جانب وجود أكبر فالق على سطح الأرض فى الهضبة الإثيوبية، الذى يقسمها إلى نصفين فى منطقة مثلث عفار بالقرب من جيبوتى، وهو ما يطلق عليه "الأخدود الإفريقى العظيم"، وهو يعد منطقة زلازل تصل إلى 6 درجات أو أكثر على مقياس ريختر، فضلا عن وجود سيول فى موسم المطر؛ حيث يحمل النيل الأزرق نحو نصف مليار متر مكعب يوميا مع شدة الانحدار من ارتفاع نحو 4600 متر عند بداية النهر إلى 600 متر على الحدود السودانية. مع هذه الكمية الرهيبة من المياه نحن أمام مخاطر من النواحى كافة تؤدى إلى أن المشروعات المائية تكون دائما معرضة للانهيار.
* بماذا تفسر هدوء الجانب السودانى؟ وما الأضرار المتوقعة فى حال انهيار السد؟
الهدوء السودانى يرجع إلى أن السودان لديها مصادر أخرى للمياه غير نهر النيل، إلى جانب أنها المستفيد الأول من مشروع السد فى حالة عدم وجود مخاطر؛ لأنه يمنع الفيضان ويوفر المياه للسودان طوال العام، ولكن فى حال انهيار السد سيحدث تدمير شامل فى السدود السودانية والخرطوم وأم درمان، وسيكون بمنزلة "تسونامى جديد"، لكنه لن يضر بالسد العالى؛ نظرًا لطول المدة التى ستصل فيها المياه، ووجود بدائل لدى مصر لتحويل مياه النهر، بما يقلل الأضرار الناتجة عن انهيار السد.
* ما الحجج الموضوعية التى تبنى عليها مصر رفضها للمشروع؟
الرفض المصرى لبناء السد لا يعنى أننا لا نريد لإثيوبيا أن تنمو أو تقوم بعمل مشاريع مائية، ولكن يجب أن يتناسب المشروع مع طبيعة المكان الذى يقام عليه، وقد قام الخبراء الأمريكان "مكتب الاستصلاح الأمريكى" عام 1964 بدراسة هذا المكان على مدى خمس سنوات، وخرجوا فى النهاية بمواصفات السد المناسب لهذه المنطقة، وأكدوا أنه يجب أن يكون بارتفاع 85 مترا، وسعة تخزينية 11 مليار متر مكعب.
لهذا فإن مخاطر المشروع كارثية لا تقارَن بأى فوائد قد تترتب عليه؛ لأنه هندسيا ووفقا للطبيعة الموجودة عرضة للانهيار فى أى وقت.
* هل هناك تجارب سابقة لإثيوبيا تثبت تزايد معدلات الخطر فى المشروعات المائية؟
بالطبع هناك تجارب سابقة لإثيوبيا فى مجال المشروعات المائية تثبت ارتفاع معدلات الخطورة واحتمالية حدوث انهيار فى أى وقت، وهناك إحصائية علمية موجودة عن المشروعات المائية فى إثيوبيا بصفة عامة تؤكد أن 70% من المشروعات الإثيوبية تفشل بسبب الجيولوجيا والمشاكل الفنية.
ومن أبرز تجارب إثيوبيا فى هذا المجال: سد "تيكيزى" الذى يخزن 9 مليارات متر مكعب على نهر عطبرة، وهو أحد الأنهار التى تغذى نهر النيل بحوالى 11 مليار متر مكعب سنويا، حدث فيه انهيار جزئى فى أثناء العمل مما أخّر افتتاح المشروع لمدة سنة.
وهناك أيضا مشروع آخر على نهر أوموا الذى يصب فى بحيرة "توركانا" الكينية، والذى قام الإثيوبيون بعمل عدد من المشروعات المائية عليه، وهى"جيبا 1" خزان أقل من مليار متر مكعب، و"جيبا 2" وهو عبارة عن نفق من الخزان الأول إلى النهر فى مسافة أقل من 26 كم داخل جبل يفصل الخزان عن النهر، الذى يجف بعد موسم المطر وذلك من أجل توليد الطاقة الكهربائية، إلا أن النفق قد حدث فيه انهياران فى أثناء العمل، فكان من المفترض أن يفتتح فى 2007، ولكن تم افتتاحه فى 2010، وبعد افتتاحه ب10 أيام فقط حدث انهيار ثالث أوقف المشروع، والشركة المنفذة لهذا النفق هى الشركة الإيطالية نفس التى تنفذ سد النهضة الحالى، التى اشترطت فى العقد أنها غير مسئولة عن المشروع بعد تسليمه بيوم واحد.
* هناك تخوفات من استخدام إثيوبيا للمياه خلف السد بشكل يضر بحصة مصر المائية.. فما رأيك؟
إن تخزين المياه ليس مشكلة، ولكن الأهم هو استخداماتها وكيفية تصريفها، سواء فى توليد الكهرباء أو فى الزراعة التى تستهلك المياه فى العالم كله بنسبة 80%، وإذا وجدت زراعة فى إثيوبيا يكون هناك خطورة على حصة مصر من المياه، ولكن الدراسات تؤكد عدم وجود مساحات مسطحة قابلة للرى بالنظم العادية؛ حيث تبلغ مساحة الأراضى القابلة للزراعة فى منطقة الخزان قرابة 150 ألف فدان، ولكننا نحتاج إلى دراسة أكبر وأعمق حول الأراضى القابلة للزراعة فى إثيوبيا.
* كيف تحافظ مصر على حقوقها التاريخية فى مياه النيل؟ وما أوراق الضغط التى تملكها؟
باعتبار مصر شريكا أساسيا فى النهر، يجب أن تكون أيضا شريكا فى الدراسات قبل التشييد؛ لأن السد إذا حدث له انهيار فهى المتضرر؛ لأنه سيُبنى على الحدود الإثيوبية، لذلك من حقى أن أطمئن على كل شىء، وأشارك فيه، وأكون موجودا فى أثناء البناء لمراقبة مدى اتباع المعايير العالمية فى البناء؛ لأن أى فساد نحن مَن سيدفع ثمنه.
ومن هنا يظهر حق مصر فى المشاركة فى كل مرحلة من مراحل بناء السد حتى فى التشغيل بعد البناء، ولنا تجربة فى سد "أوين" فى أوغندا، حيث ساعدناهم فى التشييد، وعقدنا معهم اتفاقية للتشغيل تضمن وجود 3 مهندسين بشكل مستمر فى المشروع يباشرون التشغيل والإدارة مع المهندسين الأوغنديين، وأيضا الشىء نفسه مع السودان.
وهذا لن يكون تفضلا من إثيوبيا؛ لكنه حق لمصر فى ظل مجموعة الاتفاقيات التى عقدتها مصر مع إثيوبيا بدءا من سنة 1891، الخاصة بنهر عطبرة ثم سنة 1902 جاءت الاتفاقية لتشمل باقى الأنهار فى إثيوبيا إلى جانب اتفاقية 1906.
وعدم اعتراف إثيوبيا بتلك الاتفاقيات؛ لأنها موقعة فى وقت الاحتلال غير منطقى؛ لأن الدولة ترِث الاتفاقيات، وإلا سيحدث نزاع بين الدول الإفريقية كافة على الحدود والمياه، كما أن هناك اتفاقية عام 1993 تنص على عدم إقامة أى مشروعات على نهر النيل إلا بعد التشاور وموافقة مصر، بحيث لا يضر المشروع أى دولة من دول السد ضررا ملموسا، وهذه مبادئ عالمية.
ومصر لا تقف أمام طموحات الدول الإفريقية فى التنمية، ولكن عند بناء أى سد يجب أن يكون متوافقا فى المواصفات الفنية والهندسية للموقع الذى يُقام فيه، إلى جانب حساب حجم المخاطر المترتبة على انهيار السد بما لا يضر بمصر والسودان، كما إن لدى أثيوبيا مشروعات سدود عدة على النيل الأزرق؛ من أجل توليد الكهرباء، ومن المتوقع أن تحجز 200 مليار متر مكعب، وليست هذه المشكلة إذا التزمت بالاتفاقية من حيث تصريف المياه والحرص على عدم الإضرار بدولتى المصب.
* ما المسارات البديلة التى يجب أن تسلكها مصر للتغلب على أزمة نقص المياه؟
علينا التحرك فى 3 اتجاهات؛ أولها ترشيد الاستهلاك وحسن استغلال ال55 مليار متر مكعب "حصة مصر" التى تأتينا فى الوقت الحالى.
ويبلغ استهلاك المنازل من المياه فى مصر 10% من المياه، وهى نسبة كبيرة جدا؛ نتيجة للرفاهية فى استخدام المياه، سواء فى حمامات السباحة أو ملاعب الجولف أو البحيرات الصناعية والمنازل، وهى لا تعود بدخل على الدولة، لذلك يجب البعد عن "السفه" فى استخدام المياه، التى هى ملك للغنى والفقير، وذلك من خلال حظر إنشاء حمامات السباحة فى المنازل أو البحيرات الصناعية التى تهدر المياه الجوفية، وتجنب زراعة المحاصيل الشرهة للمياه قدر الإمكان مثل الأرز وقصب السكر وتحديد مساحاتها.
والاتجاه الثانى بالمحافظة على حصة مصر فى مياه النيل، وهو ما نقوم به حاليا مع إثيوبيا ودول الحوض من مفاوضات ومشروعات، والاتجاه الثالث هو العمل على زيادة الحصة من خلال عمل مشروعات جديدة، وبالطبع ستكون معظمها فى دولة مثل جنوب السودان التى تفقد فيها المياه، والتى نستطيع من خلال بعض المشروعات تقليل الفاقد والحصول على تلك المياه؛ ومن ثم فإن مستقبلنا المائى فى جنوب السودان، ويجب أن نستغل هذه الفرصة، حيث إن جنوب السودان دولة جديدة، ولدينا نظام سياسى وليد بعد ثورة ويمكن أن نفتح صفحة جديدة معها، ونتعاون معا بما فيه صالح الجميع، ويحقق مصالح مصر وجنوب السودان من خلال مشروعات تنموية تخدم الجانبين.
ويمكن إنشاء مجموعة قنوات فى جنوب السودان توفر أكثر من 20 مليار متر مكعب من المياه، إلى جانب بعض المشروعات داخل مصر، التى يمكن أن تقوم على تخزين مياه الأمطار والسيول بالساحل الشمالى لاستخدامها فى الزراعة.
* هل يحقق السد تنمية حقيقية لإثيوبيا؟ أم أن له أغراضا سياسية؟
الهدف من وراء السد ليس التنمية الاقتصادية؛ لأن تكلفة بنائه ستفوق العائد المتحقق منه بمراحل، ولكن الهدف سياسى للقيادة فى إثيوبيا، حيث أراد زيناوى -رئيس الوزراء الراحل- أن يصنع لنفسه مجدا شخصيا يذكره له التاريخ، كما حفر "عبد الناصر" اسمه مع السد العالى، وكان يسعى لِأَن يكون زعيما إفريقيا، وله بصمة واضحة فى العمل الإفريقى من خلال اللجان النوعية للاتحاد الإفريقى، إلى جانب كسب التأييد الشعبى.
فقد حشد زيناوى الإثيوبيين على أن هناك مخاطر خارجية، وهناك دول لا تريد لإثيوبيا النمو، وعلى رأسها مصر، والإثيوبيون اتهموا مصر بأنها سبب رفض البنك الدولى لتمويل السد، ولكن الحقيقة أن السياسة العامة للبنك فى السنوات الأخيرة هى عدم تمويل السدود، فحشد زيناوى حشدا ضخما لدعم إنشاء السد بوصفه مشروعا قوميا، وقام بعمل أسهم وسندات لبناء السد يشتريها الشعب من أجل بناء الوطن، حتى إنه طرحها أيضا للإثيوبيين فى الخارج، فاستطاع أن يوحّدهم على مشروع وطنى، وتم الإعلان عن المشروع فى فبراير 2011 تحت اسم "سد الحدود" وبسعة تخزينية 11 مليار متر مكعب، وأخذ زيناوى يبالغ فى ضخامة المشروع من أجل المزيد من الحشد لمواطنيه حتى وصل فى 45 يوما الارتفاع إلى 145م بسعة تخزينية 74 مليار متر مكعب فى منتصف إبريل 2011، وهو ما يدل على التسرع ويعكس البعد السياسى للمشروع.
وأعتقد أن المبالغة فى المواصفات الفنية للسد وسعته التخزينية هى من أجل الضغط على مصر لتوقيع اتفاقية "عنتيبى"، وإلغاء الاتفاقيات السابقة، وتقسيم الحصص مرة أخرى.
كما أن تكلفة السد تفوق العائد المرجو منه بعكس السد العالى الذى كلف مصر حوالى مليار دولار، وأتى بتكلفته فى حوالى عام ونصف العام، حيث حمى مصر من الفيضانات، ووفر المياه للشرب والزراعة، إلى جانب توليد الكهرباء التى كانت تكفى احتياجات مصر فى وقتها.
أما السد الإثيوبى فهو لن يوفر الماء للإثيوبيين الذى يعيش 90% منهم فى الجبال بعيدا عن منطقة حوض نهر النيل، ويعد توصيل المياه إليهم مستحيلا بسبب بعد الخزان، كما أن إثيوبيا ليست فيها أراض مسطحة تسمح بالرى والزراعة، ومن ثم لن تستخدم المياه على الإطلاق، أما عن توليد الكهرباء فقد أعلنت إثيوبيا منذ البداية أنها ستقوم بتصديرها؛ لأنها لا تستطيع مد شبكات توصيل الكهرباء للإثيوبيين الذين يعيش 75% منهم فى الظلام؛ لأنها ستتكلف مليارات الدولارات، وهو ما يحرم الشعب من ثروته القومية كما فعلت مصر عند تصديرها الغاز إلى إسرائيل، ولن يدرّ العائد الذى تتوقعه إثيوبيا أو يغطى تكلفة المشروع؛ لأن الدول المحيطة بها دول فقيرة، ومصر لن تستخدم العملة الصعبة فى استيراد الكهرباء، والسودان تقريبا حققت الاكتفاء الذاتى من الكهرباء بعد بناء سد "مروى" وترشيد إنارة الشوارع.
إذًا، من أين النهضة لإثيوبيا؟ وسيَعى الإثيوبيون هذه الحقيقة بعد الانتهاء من المشروع، وسيثورون على الحكومة الإثيوبية وقتها.
* هل تستطيع إثيوبيا بناء السد بإمكاناتها الحالية؟
الإمكانات المادية لإثيوبيا ضعيفة جدا، حيث إنها تعد من أفقر 10 دول فى العالم، والتساؤل: هو كيف تشرع فى بناء سدين مائيين فى وقت واحد؟ حيث إنها شرعت منذ 2006 فى بناء سد "جيبا 3" على نهر أوموا بسعة تخزينية 12 مليار متر مكعب، وبطول 244 مترا، وينتج 1800 ميجاوات، وهذه المياه كانت تصل إلى كينيا، ومن ثم عند اكتمال بنائه ستحدث مشكلة مع كينيا، خاصة فى السنوات الأولى، حيث إنه سيؤدى إلى انخفاض منسوب المياه فى بحيرة توركانا، وهذا المشروع يتكلف 2 مليار دولار، مما أدى إلى التعثر فى المشروع الذى لم ينته حتى الآن.
ومع ذلك وضعوا فى 2011 حجر الأساس لسد النهضة الذى يحتاج من 5 إلى 8 مليارات دولار، وهذا من الناحية الواقعية أمر صعب للغاية، وكان الأولى به أن ينهى السد الأول ثم يدخل فى مشروع جديد، خصوصا أن السد الأول يضاعف الكهرباء ثلاثة أضعاف، وهو ما يعكس المغامرة السياسية.
-----------------------------
سيرة ذاتية للدكتور عباس شراقى
- أستاذ مساعد الجيولوجيا الاقتصادية، قسم الموارد الطبيعية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة.
- مدير مركز تنمية الموارد الطبيعية والبشرية فى إفريقيا.
- نائب مدير مركز المعلومات والاستشارات الإفريقية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، 2010-2011.
- مدرس مساعد جيولوجيا قسم الجيولوجيا، جامعة كولورادو، الولايات المتحدة الأمريكية 1998-2000.
- مدرس مساعد جيولوجيا بقسم الموارد الطبيعية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة 1990-2000.
- معيد جيولوجيا بقسم الموارد الطبيعية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة 1986-1990.
التخصص العام: الموارد الجيولوجية Georesources
التخصص الدقيق: جيوكيمياء Geochemistry
الدرجات العلمية:
1- دكتوراه الفلسفة فى الجيولوجيا الاقتصادية والجيوكيمياء، قسم العلوم الجيولوجية، جامعة كولورادو، بولدر، الولايات المتحدة الأمريكية عام 2000.
2- ماجستير العلوم فى الموارد الأرضية "جيولوجيا"، قسم الموارد الطبيعية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة عام 1990 بتقدير ممتاز.
3- دبلوم الموارد الطبيعية "موارد أرضية"، قسم الموارد الطبيعية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة عام 1987 بتقدير جيد جدا.
4- بكالوريوس العلوم، قسم الجيولوجيا، كلية العلوم، جامعة المنوفية عام 1983، بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.