حوار سمير محمد شحاتة صلاح غراب كتب بعد ثورة يناير 2011، تحت عنوان (اتركوا "الإسلاميين" يحكموا حتى ينكشف أمرهم) وقد كان. وقد رأى أن فوز الإسلاميين بأغلبية برلمانية وبمقاعد في السلطة التنفيذية سوف يكون بداية زوالهم من الحياة السياسية، مهما تخفوا وراء لافتات غير دينية من نوع الحرية، والعدالة، والمدنية، وذلك لأسباب تتصل بطبيعة هذه الجماعة التي تعيش خارج الزمن. كما رأى أن كل ما لديهم مجرد برنامج أخلاقي مستمد من الروح السلفية الصوفية يسعى إلى أفكار يعملون على استردادها خارج السياق الذي نشأت فيه، ويحتفظون لأنفسهم بحق الهيمنة على شئون العباد باسم الله، وتعبيرا عن الدين بعد توظيف نصوصه كيفما يريدون، والعمل على تطويع المجتمع للنصوص قسرا بدلا من أن يعملوا على تفسير نصوص الدين لصالح المجتمع، ويتحدثون عن الأخلاق بينما يعملون بكل حيل السياسة وانتهازيتها وخداعها..عن رؤيته لما يحدث فى المجتمع، ومشهد الانتخابات الرئاسية، كان هذا الحوار مع د. عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان. كيف ترى المشهد السياسى الآن؟ المشهد السياسي غائم بسبب التناحر بين «القوى» التي تعمل بالسياسة، وأخذت تتصدر المشهد، وكل منها يكيد للآخر، حتى أصبح من الصعوبة بمكان التمييز بين الصالح والطالح، فكل فريق يحتكر الحقيقة، وينكرها على الآخر. ومن ناحية أخرى، لم تشهد مصر في تاريخها السياسي منذ بدأت الحركة الوطنية ضد التدخل الأجنبي (الثورة العرابية)، ثم الاحتلال البريطاني، ابتداء من مصطفى كامل، اقتتالا بين المصريين أنفسهم إلا في هذه الأيام الأخيرة، ابتداء من ثورة يناير 2011. ومن هنا، يأتى ما قيل من إن ثورة (يناير 2011-يونيو 2013) أظهرت أحسن ما في المصريين من خصال وسجايا (التضامن وكسر حاجز الخوف من السلطة)، وأظهرت أيضا أسوأ ما فيهم من شرور وكيد ومكائد، وتعصب وحماقة في الوقت نفسه. كيف سيكون مشهد الانتخابات الرئاسية من وجهة نظرك؟ مشهد الانتخابات الرئاسية سوف يعكس بطبيعة الحال هذه الصورة الانقسامية، وسوف يصحبها بالضرورة بعض مظاهر العنف هنا وهناك بتحريض الجماعات الإسلامية، حتى لا يذهب الناخبون لمقار اللجان، ذلك أن هذه الجماعات تعترض أصلا على إجراء انتخابات رئاسية بدعوى أن الرئيس "الشرعي" محبوس ورهن التحقيق، والأولى إخراجه من محبسه إلى كرسي الرئاسة، وكأن 30 يونيو 2013، وكذا 3 يوليو، لم يحدث في مصر. يستدعى الكثيرون شخصية الزعيم عبد الناصر، هل ترى أن المشير السيسى يمكن أن يكون خليفة له؟ السبب في استدعاء شخصية الزعيم عبد الناصر، واعتبار المشير السيسي خليفة له، لم يأت من فراغ، وإنما يبدو واضحا من متابعة الأحداث والمواقف. فالمشير السيسي دخل قلوب الغالبية الغالبة من المصريين بسبب المواقف والإجراءات التي اتخذها من تلقاء نفسه من واقع إحساسه بالكرامة والعزة. فلقد قام بتسديد ديون السيدات الغارمات المسجونات دون أن يطلبن ذلك، وأسقط ديون الفلاحين، وعالج مشكلة أقساط أصحاب التاكسي الأبيض الذين لا يعملون بالكفاءة العادية بسبب الظروف القائمة، وبالتالي لا يستطيعون تسديد الأقساط، مع أن هذه الإجراءات ليست من مسئوليته الوزارية، بل إنها من مسئولية وزيري التضامن الاجتماعي والمالية مثلا. كل هذا دون طلب من أحد، هؤلاء وأولئك، مثلما كان يفعل عبد الناصر الذي أصدر قانون الإصلاح الزراعي، وقام بتوزيع الأراضي على الفلاحين الذين يعرقون عليها دون أن يطلبوا ذلك في مظاهرة أو وقفة احتجاجية، وكذلك عندما قرر تخفيض إيجارات المساكن بنسبة 10 %، ومنع الفصل التعسفي للعمال، وتقرير مجانية التعليم حتى الجامعة. وكذلك عندما قام المشير السيسي بمخاطبة السفيرة الأمريكية آن باترسون بلغة خشنة بقوله لها: أنت مجرد سفيرة لبلدك في مصر، ولا يجوز لك أن تتصلي بأشخاص مصريين خارج وزارة الخارجية، وذلك تعليقا منه على اتصال السفيرة بشخصيات إخوانية مثل خيرت الشاطر، وحسن مالك، وغيرهما. ولقد فعل السيسي ما فعل ليس بدافع حب الظهور، وإنما من واقع الإحساس بالكرامة والعزة التي كان يرددها جمال عبد الناصر دوما. ومن هنا، قام المصري الأصيل بوضع صورة السيسي إلى جوار صورة ناصر دون أن يطلب منه أحد. من الملاحظ أن حمدين صباحى له خلفية ناصرية، والمشير السيسى يرى الناس فيه خليفة لعبد الناصر، كيف ترى تلك المقارنة؟ لا وجه للمقارنة بين السيسي وحمدين في خلافة عبد الناصر، ذلك أن الخلفية الناصرية لحمدين اهتزت أمام الذين كانوا يؤيدونه، عندما طالب، وهو الناصري، بضرورة الاعتذار للإخوان المسلمين عما لحق بهم من عبد الناصر، ثم إنه رشح نفسه لانتخابات مجلس الشعب في نوفمبر 2011، على قوائم الإخوان، ولا يزال يوجه انتقادات لعبد الناصر غير حقيقية، ولا يمكن أن تفهم إلا لكسب أصوات أعداء ناصر عند إجراء انتخابات الرئاسة. بل إن أنصاره أخذوا يرددون مقولة: أن يكون الرئيس القادم مدنيا وليس عسكريا، وتلك إشارة لعدم انتخاب السيسي، فأخذ حجمه يتضاءل في نظر الناصريين، بل وأمام عامة الشعب الذي أحب عبد الناصر، وأصبح بمثابة «الرجل الذي فقد ظله» في رواية فتحي غانم. أما المشير السيسي، فإنه بالفعل خليفة عبد الناصر، كما يراه الناس، لأنهم وجدوا فيه «الزعيم» الذي جاء في موعده مع القدر، وأنقذهم من مصير مظلم كان ينتظرهم على يد الإخوان المسلمين، وأنه رد للمصريين كرامتهم أمام قوى الغرب الأوروبي-الأمريكي الذين استهانوا بمصر ودورها. والرجل لم يفعل ما فعله لكي يقدم نفسه للناس مرشحا للرئاسة، فلقد فعل هذا دفاعا عن عزة وكرامة المصريين، فهو في وضعه الحالي ليس له مطالب شخصية أو فئوية، فهو يعمل في مؤسسة وله فيها مستقبل في التدرج الوظيفي، ومستقر عائليا، ولا يبحث عن وظيفة، أو مسكن، أو يشكو من ارتفاع الأسعار. ولقد كان هذا شأن أحمد عرابي عندما صاح في وجه الخديو توفيق (9 سبتمبر 1881) قائلا: لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، وكان عرابي يتصدى لسيطرة الأتراك والشراكسة على الحكم، والتدخل الأجنبي الأنجلو-فرنسي بسبب الديون، ولم تكن هذه مطالب شخصية، وإنما مطالب أمة فوضه أبناؤها للتحدث باسمهم. قامت فى مصر ثورتان، ولا يزال الناس أسرى الفقر والعوز.. لماذا؟ لأن الذين قاموا بالثورة يوم 25 يناير 2011، وكانوا يهتفون: «عيش وكرامة، وحرية، وعدالة.. والشعب يريد إسقاط النظام» لم يصلوا إلى الحكم، وكل ما حدث سقوط رأس النظام فقط (تخلي مبارك عن الحكم أو تنحيه)، وبقاء النظام في فلسفته وسياساته ولكن بأشخاص جدد تمثلوا أولا في المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أدار البلد في ظرف انتقالي انتهى بوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم على خطوتين: السيطرة على السلطة التشريعية (مجلس الشعب) بأغلبية مطلقة في انتخابات نوفمبر 2011، ثم رئاسة الجمهورية (30 يونيو 2012) كما هو معروف، بعد أن أخذوا شعار الثورة في الحرية والعدالة، وجعلوا منه اسما لحزبهم (حزب الحرية والعدالة) للإيحاء بأنهم أصحاب الثورة. ولما كان حزب الحرية والعدالة الحاكم (جماعة الإخوان المسلمين) حزبا يمثل رأس المال، فلم يكن في دائرة اهتمامه العمل من أجل العدالة الاجتماعية لتحرير الناس من الفقر والعوز، وبالتالي لم يختلف الإخوان في الحكم عن الحزب الوطني الديمقراطي (حزب السادات-مبارك) من حيث سيطرة أصحاب رأس المال (رجال الأعمال). ومن المعروف أن أصحاب رأس المال لا يعرفون الوطن، أو الملة، أو المذهب، أو الدين، إنهم يعرفون فقط كيف يكسبون دون التزامات اجتماعية إلا إذا فرضت بقوة القانون. وليس من تفسير لهذا الموقف من قضية العدالة الاجتماعية، برغم قيام ثورتين، سوى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية صاحبة شعار "الربيع العربي" تتحكم في خطوات هذه الثورات، إن لم تكن وراء تفجيرها أصلا بناء على شعار "الفوضى الخلاقة" لإقامة الشرق الأوسط الجديد بتفكيك أوطانه إلى عدة دويلات على أسس طائفية، وتشترط لتحقيق ذلك: الإبقاء على نظام اقتصاد السوق في العرض والطلب "أي الرأسمالية"، واستبعاد تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي لتحقيق "العدالة الاجتماعية"، والشرط الآخر يتمثل في "عدم المساس بإسرائيل" وهذا ما تم ويتم في كل ثورات الربيع لمن يتابع الأحداث. هل يمكن أن يقضى الرئيس المقبل على مشكلات مصر الاجتماعية فى زمن قليل؟ يمكنه ذلك إذا حرر الحكم من سيطرة أصحاب رأس المال، أو من الذين يضعون أنفسهم في خدمة رأس المال، وعليه أن يستعين بالخبراء في هذا المجال، ومصر تزخر بهم ولكنهم بعيدون أو مبعدون. متى سيختفى الفساد الإدارى والمالى؟ ألا ترى أن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية؟ يختفي الفساد الإداري والمالي بالابتعاد عن منطق الشلة في اختيار المسئولين، والعمل على تطبيق القانون نصا وحرفا على من يثبت فساده كائنا ما كان، أو مهما يكن شأنه حتى يكون عبرة. وبالتدريج، سوف يخاف المسئولون من العقاب فتنصلح أمور الحكم. أما إذا تم تطبيق القانون بالاختيار والاستثناء، وإعفاء البعض منه، فقل على مصر السلام، وهذا هو معنى عبارة "دولة القانون"، أي تطبيق القانون دون استثناء. كتبت سلسلة مقالات بعنوان "إلى متى سنظل أسرى الغفلة" وبدورنا نسأل السؤال نفسه؟ سوف نظل أسرى الغفلة، ما دام الحكام المسئولون يضعون أنفسهم في خدمة الأجندات الخارجية التي هي ضد مصلحة الوطن وأهله، فمثلا ما هي مصلحتنا في معاداة إيران، إلا أننا ننفذ سياسة أمريكية ضد إيران للقضاء على قوتها لا لشيء سوى أن إيران تعادي إسرائيل، ويصدق العرب مقولات أمريكا بشأن تخويفهم من حكام إيران الذين يريدون استعادة مشروع الفرس القديم، وفرض المذهب الشيعي على أهل السنة. وكذلك، بماذا تفسر عدم اعتراض مصر على الغزو الأمريكي لليبيا باسم حلف الأطلنطي (الناتو)، مع أن هذا ليس في مصلحة مصر، لأنه يفتح الباب لتكرار الموقف في مصر؟. وكيف تسمح مصر بالوقوف إلى جانب المعارضة السورية لإسقاط حكم بشار الأسد، وهو أمر يتعارض مع المادة الثامنة من ميثاق الجامعة العربية الذي يمنع أي دولة عضو بالجامعة من التدخل في النظام الداخلي لأي دولة عضو بالجامعة، فضلا عن أن هذا الموقف لصالح أمريكا وإسرائيل الذين يريدون تعيين رئيس سوري يقوم بتوقيع اتفاقية مع إسرائيل على موديل كامب ديفيد؟. وتنفيذ الأجندة الأمريكية - الإسرائيلية في المنطقة بهذا الشكل يؤكد الغفلة، وعدم اليقظة لمرامي الدعوات الأمريكية في الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ويبدو الفرق واضحا في هذه النقطة، إذا علمنا أن مستشارة ألمانيا آنجيلا ميركل تقول: إن أمن ألمانيا من أمن إسرائيل، بينما نحن لا نقول إن أمن مصر من أمن المحيط العربي، (شروط الجغرافية السياسية) مع أن هذا يصب في مصلحة مصر وجميع المحيط العربي في المشرق والمغرب والجنوب. .نقطة أخرى في الغفلة أننا صدقنا نصائح الرأسمالية العالمية في التقليل من مساحة زراعة القمح، وأن نزرع الفواكه لتصديرها، فيتحسن ميزان المدفوعات مقابل أن تحصل مصر على احتياجاتها من القمح بأسعار تقل عن التكلفة الإنتاجية للدقيق. وعلى هذا، أصبح إنتاجنا من القمح لا يكفي إلا 25-30 % من استهلاكنا، والنسبة الباقية نستوردها. وفجأة، نجد أنفسنا أمام شروط توريد القمح مقابل مواقف سياسية لصالح الأجندة الأمريكية، وبالتالي هل من تفسير لهذا الذي يحيط بنا إلا الغفلة؟ إلى متى ستظل مصر رهينة المساعدات العربية؟ ستظل مصر هكذا، ما دمنا متوقفين عن بناء القوة الذاتية، ومستسلمين للمساعدات العربية وغير العربية تحت شعارات "القوة الناعمة" المضللة، والتي نجحت في صرفنا عن تنمية القوة، اعتمادا على سيطرتنا في مجال الفنون والآداب .. إلخ. ومن ناحية أخرى، فإن هذه المساعدات، حتى ولو لم تكن مشروطة، من شأنها أن تمنع القيادة المصرية من اتخاذ مواقف مستقلة عن مصالح الذين يقدمون هذه المساعدات، وإلا تتوقف المساعدات، أي أننا جعلنا من أنفسنا عملاء دون دراية، وتلك أيضا أحد مظاهر الغفلة، خصوصاً أننا نحن الشعب الذي قال حكمته الشهيرة "اطعم الفم تستح العين" .