حوار – أحمد أمين عرفات أخذت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" على عاتقها ومنذ نشأتها النهوض بالثقافة العربية، وأن تكون هناك وحدة فكرية تجمع بين أبناء الوطن الواحد بما يمكنهم من المشاركة بصورة إيجابية فى الحفاظ على تراثهم وحضارتهم، وحول دور المنظمة وما تقوم به التقينا د. حياة قطاط القرمازى مدير إدارة الثقافة بالألكسو. كيف ترين وضع الثقافة العربية؟ أراها مظلومة، وما يشاع عنها ويروج لها عكس الحقيقة، لذلك نسعى من خلال المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم " الألكسو" للتأكيد على أنها ثقافة تعترف بالآخر وتخاطبه وتذهب إليه، وأنها مسالمة ومتسامحة وتنبذ العنف، وأن عدم الغدر من صفات العربى حتى قبل مجىء الإسلام، هذه هى ثقافة العروبة الحقيقية التى نروج لها، ليست فقط من أجل تصحيح صورتها أمام الآخر، ولكن لكى ننقذ شبابنا وأجيالنا من التيارات المنحرفة بتثقيفهم وترسيخهم فى جذورهم، أيضا لدي"الألكسو" مشاريع كبيرة مثل برنامج حماية التراث والذى نهدف من خلاله إلى توثيق الذاكرة العربية، عن طريق ما يعرف بالمرصد العمرانى والمعمارى العربي، بغية حماية ذاكرة المدينة العربية، ولا نقصد بالمدينة المعمار فقط، ولكن يندرج تحتها النسيج العمرانى والمجموعات المحلية التى تسكنها وتعيش فيها منذ فترة . ومن المشروعات الجديدة أيضا " محاضرات الألكسو الشرفية "، والذى تكرم من خلاله رموز الثقافة والفكر فى العالم العربى والدولي، ونخطط لأن تكون هناك محاضرة كل شهر تقريبا، لتكريم رمز عربي، ولن نقتصر على الرموز العربية فقط وإن كنا سنبدأ بها، لأننا أيضا نطمح فى تكريم شخصيات غير عربية، فى إطار حوار الحضارات وتعريف الآخر بالثقافة العربية والترويج لها ولرموزنا، كذلك لن نقتصر على إقامة هذا المحاضرات فى بلد معين بل سنذهب لكل بلد لتكريم رموزه أو دعوتهم للتكريم فى بلد شقيق. وما دروكم تجاه ما يحدث من تشويه للمدن؟ بالفعل المدن العربية تعيش حالة من التشويه يرثى لها، إما بسبب الحروب أو النزعات أو الاضطرابات الأمنية، وهناك أيضا من يرتكب هذه الجريمة بفعل فاعل من خلال الفوضى وهدم المعالم ودهان الحوائط والجدران بألوان ليست لها علاقة بخصوصية تلك المدينة، وباستعمال مواد متلفة مثل الأسمنت المسلح وغيرها من المواد الكيميائية المضرة، ودورنا تجاه ذلك هو ما نقوم به من مشروعات وبرامج هدفها الحفاظ على الهوية المعمارية والعمرانية لهذه المدن، وأن تكون ذاكرتها ومعالمها هى المصدر لتحقيق تنمية شاملة ومستدامة يتمتع بها ويستفيد منها أبناء هذه المدن، وذلك بالترويج لها، فالمرصد كما قلت، هدفه توثيق هذه الذاكرة وتكوين قاعدة بيانات لكل المدن العربية، وإتاحته لكل المهندسين المعماريين وكل من لهم علاقة بالفنون المعمارية والعمران وتراث المدن، وكذلك للأفراد والمجموعات المحلية للتعاون مع المرصد لرصد كل التجاوزات التى من شأنها أن تهدد سلامة هذه المدن، ولم نكتف بذلك بل نقوم بعمل موقع زيارات للمدن التاريخية العربية كزيارات افتراضية على الإنترنت، وسنبدأ بمدينة تونس باعتبارها مقرا للمنظمة العربية للتربية والعلوم، كما أنها مسجلة على لائحة التراث العالمى كمدينة تاريخية، وقد استخدمنا فى ذلك أفضل وسائل التصوير، حتى إن من يراها يشعر وكأنه يزور المدينة بالفعل، وكل ذلك من شأنه الترويج لمثل هذه المدن التاريخية لتكون وجهة للسياحة الثقافية، فالسائح لأى دولة لا يزورها فقط لرؤية معالمها والتمتع فقط بجوها، ولكن أيضا للتمتع بتاريخها وهويتها الثقافية، ولدينا فى العالم العربى مدن رائعة تعد من أعرق الحضارات الإنسانية، ولكل منها خصوصيتها التى تجعلها تشكل ثروة دائمة. إذا كانت البداية من تونس فماذا عن باقى الدول؟ لقد طلبنا من جميع الدول العربية أن تمدنا بالمدن التى لديها وترغب فى وجودها على الموقع، وننتظر رودها، والمنظمة تسعى أن يضم الموقع على الأقل مدينة من كل دولة عربية . وماذا عن التمويل؟ المنظمة تقوم بعملية تمويل الموقع، وعلى كل دولة أن ترسل الصور الخاصة بمدنها من خلال علمائها الآثاريين، فهم الأكثر دراية بها، أما إذا لم يكن فى مقدور بعض الدور فعل ذلك، نقوم نحن بإرسال المصورين المتخصصين للقيام بهذه المهمة، وكل هدفنا من خلال هذا المشروع الإلكترونى أن نقرب الأجيال العربية الجديدة من ثقافتها العربية، ثم ننتقل لتعريف الآخر بها، ولن ننتظر أن يأتى شبابنا وكذلك الأجانب لمدنا بل نسعى من خلال الإنترنت أن نطرق نحن أبوابهم. إذا كان دور المنظمة الحفاظ على التراث، فماذا عما تم تدميره فى دول الربيع العربى؟ نحن لا ندخر جهدا فى إنقاذ وترميم ما تم تدميره فى دول الربيع العربى، فمثلا عندما بلغنا الخبر الخاص بالدمار الدى لحق بالمتحف الإسلامى المصرى، وبرغم أن د. عبد الله محارب المدير العام للمنظمة كان خارج المنظمة فإنه أعطى أوامره بدفع 25 ألف دولار كدفعة أولى على الفور، لكى تبدأ مصر فى عملية ترميمه، ليس هذا فحسب بل نحن حاليا بصدد عمل برنامج مع الهيئة المشرفة على المتحف المصرى للشروع فورا فى تحديث برنامج ترميم هذا المتحف. وهل تم التعامل بنفس الطريقة مع ما أصاب التراث السورى؟ للأسف لا نستطيع فعل شىء حتى تهدأ الحرب، وعندها ستقوم المنظمة بدورها، فنحن برغم كوننا منظمة إقليمية، فإننا نحترم سيادة الدول، وعندما تطلب منا الدول أن نتدخل سيحدث ذلك، أما إذا لم تطلب، فليس لنا الحق فى ذلك ونفوذنا يقتصر على النصح والتوعية. أليس لكم حق التدخل من خلال اليونسكو؟ كل ما نملكه من خلال اليونسكو هو أن نمارس عملية الضغط والتنديد، والمدير العام للمنظمة يراسل باستمرار اليونسكو ويطالبها بالتدخل فيما يتعلق بالمواقع والمعالم المدرجة على لائحة التراث العالمى لليونسكو، وفى نفس الوقت نعمل من جانبنا على توعية الأجيال الجديدة بثقافتنا، كما نربيه على احترام الموروث الثقافي، وأن يعتبره خطا أحمر لا يسمح بتشويهه، لأن التعريف بهذا التراث يجعله مسئولية الجميع، وبالتالى عندما يسرق سيدافع عنه الجميع من تلقاء أنفسهم، مثلما فعلت الدول المتقدمة . بذكر اليونسكو.. ما مدى التعاون بين المنظمة واليونسكو؟ نحن نتعاون معها فى مجالات عديدة، ووفقا للاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية حماية التراث العالمى واتفاقية حماية التراث المغمور بالمياه وغيرها من المرجعيات التى نتعاون من خلالها بجانب ما يعقد من مؤتمرات لها علاقة بالتراث، كما نتعاون معها فى مشروع حماية المدن بعد أن أخرجت منظمة الأممالمتحدة توصيتها عام 2011 تحت عنوان المناظر الحضارية التاريخية، والتى تهدف إلى العناية بالمدينة التى أصبحت مهددة ومحاطة بالتلوث، آخذه بعين الاعتبار النسيج العمرانى والحضرى وحتى تكون المدينة ذات شكل جميل، وقد طلبت منظمة الأممالمتحدة من اليونسكو أن تكون الألكسو مسئولة عن الجانب الحضارى والتراثى، وأن تروج لهذه الاتفاقية، وحاليا يتم التحضير والإعداد لاجتماع كبير يعقد فى منظمة الأممالمتحدة بخصوص هذا التوصية، وفيه سيتم تقييم الدول التى قامت بتنفيذها، وبالنسبة لنا كعرب فهناك دولة عربية وحيدة هى مملكة البحرين التى تقوم بتنفيذ هذه التوصية . ما الذى حدث فيما يتعلق بمتحف القدس الذى كنتم تطالبون بإلزام إسرائيل بتسليمه للسلطة الفلسطينية ؟ لقد راسلنا اليونسكو، وفعلنا كل ما فى إمكاننا فى هذا الشأن، ولكن الأمور السياسية تقف حجر عثرة، بل إن أكبر خطر يهدد الثقافة هو السياسة، لأنها هى التى تفرق . والحق يقال إن اليونسكو تقف معنا وبسبب موقف مديرتها إيرينا بوكوفا فى قبول فلسطين عضوا بالمنظمة قامت أمريكا بسحب تمويلها لها عقابا لها على هذا الموقف، والذى بسببه يتم تقليص الموظفين بالمنظمة لعدم وجود الأموال الكافية، لأن أمريكا رأت أن قبول فلسطين عضوا بالمنظمة هو اعتراف ضمنى بها كدولة . هل هناك منظمات أخرى غير اليونسكو تتعاونون معها؟ نحن نتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية الشريكة لنا فى المجالات التى تخدم الثقافة والتراث، وبجانب اليونسكو، هناك منظمة إيكروم وهى متخصصة فى التدريب على حفظ التراث وترميمه وإدارة المواقع الأثرية ولديها فرع إقليمى فى إمارة الشارقة، ونحن نتعاون معها فى مشروع لبناء القدرات المعمارية والترميم، وإدارة المواقع الأثرية وإدارة المستودعات التى نحفظ فيها القطع الأثرية، كما قمنا بعمل دورات لتدريب المسئولين فى المتاحف للتنبؤ بالأخطار قبل حدوثها، وتوثيق المجموعات المصورة، فنحن حاليا نعانى عدم وجود صور للقطع الأثرية، ويصبح من الصعب فى حالة تدمير أى قطعة أثرية أو سرقتها أن نجد صورة لها بالشكل الذى يمكننا من استرجاعها، كل ذلك تسعى له المنظمة من خلال تعاونها مع اليونسكو والإيكروم. الربيع العربى هل كان كارثة على التراث العربى نتيجة ما أصابه من دمار فى ظله؟ لا يمكن القول بذلك حتى لو كانت هذه الثورات قد أدت إلى إصابة تراثنا ببعض الأضرار، لأن ما حدث من تشويه وتدمير لهذه الآثار لم يكن بسبب الثورة التى كانت بمثابة الهزة الاجتماعية لهذه الدول التى كانت تعيش فى حالة كبت كاد أن يصل بها إلى الانفجار، فخرجت للشارع العربى لتخرج ما بداخلها من غضب، وخرج بعضها فى شكل حركات عشوائية أصابت بطريقة غير مباشرة بعض المواقع الأثرية، كما أن هناك شريحة استغلت الفوضى العارمة والانفلات الأمنى لتنفيذ بعض العمليات الدنيئة، وأعتقد أن المصريين استوعبوا الدرس جيدا عندما وقفوا حاجزا أمام محاولات سرقة المتاحف . وبالتالى لا يمكن أن نحمل المواطنين البسطاء الذين قاموا بالثورة مسئولية تشويه وسرقة التراث، خصوصا أن ذلك كان يحدث قبل هذه الثورات سواء فى وطننا أم الدول الأخرى.