فى الحديث معه تجده مهموما بقضايا المجتمع المصرى، عاشق اللغة العربية التى يرى أنها معين للهوية العربية، والتى أصبحت هجينا بفعل ازدراء العرب للغتهم، ويرى أن المثقفين المصريين لم يقوموا بواجبهم نحو وطنهم. أما على الجانب الاقتصادى، فيؤكد أن هناك إهدارا كبيرا لإمكانات مصر الاقتصادية، وأن سياسة الاستجداء للمعونات من الغرب ودول الخليج، أدت إلى تراجع دور مصر فى المنطقة العربية، وعودة هذا الدور مرتبطة بضرورة النهوض بالتعليم والبحث العلمى والتطوير التكنولوجى. إنه الدكتور نادر فرجانى المفكر الاجتماعى والاقتصادى المعروف الذى يرى أن الخطوة الأولى على طريق التطور هى الحكم الديمقراطى. - هل كنت تتوقع حدوث ثورة 25 يناير؟ نعم كنت أتوقع حدوثها، وكتبت فى ظل حكم مبارك أن الثورة آتية لا ريب فيها، لكن تحديد الوقت كان شبه مستحيل، ولكن الظروف الموضوعية وتطور الأوضاع كان ينبئان بأن هناك حدثا ضخما ما قادما. - هل مُنعت من الكتابة فى الصحف القومية فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك أم أنك امتنعت عن الكتابة؟ مُنعت من الكتابة فى الصحف الرسمية المصرية التى تصدر باللغة العربية لفترة طويلة، لكن كان مسموحا لى بالكتابة فى الأهرام ويكلى، واستضافتى كانت فى القنوات التى تتحدث بالإنجليزية فقط، وبعد فترة منعت من الأهرام ويكلى ومن تلك القنوات واستمرت تلك الفترة لسبع سنوات. - وما تفسيرك للسماح لك بالكتابة بالإنجليزية فقط؟ كان الهدف الأساسى هو المنع من مخاطبة الجمهور العريض فى مصر باللغة العربية، وأنه مادام الأمر فى دوائر ضيقة لا يرجى منها التأثير على أى الأحوال، فلا ضرر من ذلك. والحق يقال إن المنع كان دائما يأتى عن طريق اعتذار رقيق من المسئولين فى الصحف. - فى رأيك من قام بالثورة المصرية؟ هل هم المتعاملون مع التكنولوجيا الحديثة أم جميع طبقات الشعب المصرى؟ ليس صحيحا أن تلك الفئة هى التى قامت بالثورة، فمن قام بالثورة قطاع عريض من الشعب المصرى وظل يتزايد باستمرار. فى البداية كانت هناك طليعة من الشباب، لكن ليس جميعهم من أبناء الطبقة الغنية، حتى طليعة الشباب التى بدأت الثورة كان فيها قطاع عرضى من جميع شرائح المجتمع المصرى، أى من الأغنياء إلى أفقر الفقراء. فهى ليست ثورة الطبقة المتوسطة أو الشرائح الغنية من تلك الطبقة، وأنا أسميها ثورة الفل، حتى فى الطليعة كان هناك شباب من جميع الشرائح المجتمعية، لأن مظالم النظام السابق كانت تعم جميع فئات الشعب، ليس فقط مظالم فقر، لكن أيضا مظالم قهر، والقهر كان يطال الجميع أغنياء وفقراء. - وكيف ترى الحكم فى مصر خلال المرحلة الانتقالية؟ أسوأ مما كان يتوقع، بمعنى أن نظام الحكم لم يختلف فى المرحلة الانتقالية عن نظام الحكم فى عهد مبارك، وكان نظام حكم تسلطيا وقهريا وغير حريص على المصلحة العامة، وكان يهتم بمصالح فئة محددة وليس بمصلحة الشعب المصرى. أما من حيث التفاصيل، فإن الإجراءات التى اتخذت لتنظيم المرحلة الانتقالية أسوأ مما كانت عليه، على سبيل المثال المسار المعيب الذى صمم على إجراء الانتخابات قبل وضع الدستور، وانتهى الأمر بمجلس شعب تسيطر عليه التيارات الإسلامية المتشددة. - هل ترى أن التيارات الإسلامية وجدت ضالتها فى المجلس التشريعى، وأن الحقبة المقبلة هى حقبة سيطرة الإسلاميين على الحياة السياسية المصرية؟ قد تستقر على ذلك، لكن فى البداية سيكون هناك صراع بين طرفي الهيمنة فى المرحلة الانتقالية بين القيادة العسكرية والتيارات الإسلامية، فالأجواء متوترة واحتمالات الصراع مازالت قائمة. والتوتر له بعدان، البعد الأول داخل التيار الإسلامى، فهناك توتر بين السلفيين والإخوان المسلمين، والبعد الثانى هو التوتر بين هذه التيارات والمجلس العسكرى. فالتوافق الظاهرى هو سياسى ليس قائما على أسس مبدئية، لهذا قد ينفجر فى أى لحظة. - وما الخطأ الذى ارتكبه الثوار بعد الثورة؟ انسحابهم المبكر من ميدان التحرير بالتأكيد، ولم يكن ممكنا لهم خوض الانتخابات البرلمانية، لأن كل الإجراءات التى صدرت كان هدفها قصر السياسة على الأغنياء والأقوياء. وهذا استبعد الشباب والضعفاء من دخول حلبة السياسة فى مصر، وفى رأيى أن ذلك كان مقصودا فى محاولة الحفاظ على الطابع التسلطى للنظام السابق الذى مازال قائما فى الحقيقة. - فى رأيك أى الأهداف التى قامت الثورة من أجلها وتم تحقيقها باستثناء تغيير رأس النظام؟ حتى تغيير رأس النظام أمر مشكوك فيه، وسنرى الحكم الذى سيصدر عليه، لكن الأهم هو أن بنية وهيكل النظام لايزالان قائمين، وربما صار أسوأ مما كان عليه فى بعض المجالات، فانتهاكات حقوق الإنسان أسوأ، وكذلك التقييد على الإعلام خصوصا الإعلام الرسمى. وعموما من الصعب الآن الحديث عن أهداف تحققت فى ذلك الوقت القصير، والمشكلة الحقيقية أنه لا توجد دلائل عن وجود نية جادة فى ظل الحكم الانتقالى أو الحكم المقبل تحت قيادة التيار الإسلامى أن الأمور ستتغير، وهذا هو السبب الحقيقى لما يسمى بالاحتجاجات الفئوية. - لكن أعضاء مجلس الشعب يرون أنهم منتخبون من الشعب، وأى إجراء ومطالبات تعد تعديا على اختيار الشعب؟ هذا غير صحيح، فذلك مثل التوكيل الذى يعمله أى فرد لمحام، فهناك فرق بين الأصل والوكيل، والأصل له حق سحب التفويض فى أى لحظة، والشعب من حقه سحب التفويض. - لكنهم يرون أن ذلك يجب أن يحدث من خلال صناديق الاقتراع ليس إلا؟ هذا غير صحيح، فالشعب من حقه ذلك، وهذا ما حدث فى ثورة 25 يناير، فلم تكن هناك صناديق، وفى النهاية الصندوق يتم تزويره، فهناك تجاوز فى الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتجاوز المحتمل والتزوير الفاجر يمكن أن يحدثا فى انتخابات الرئاسة بنص القوانين الموجودة الحالية. وحتى فى غياب الانتخابات من حق الشعب أن يحتج على أى شخص أو هيئة وكّلها ولم تحسن التصرف فى هذا التوكيل. - وما رأيك فى وقوف شباب الإخوان عند مجلس الشعب عندما ذهب بعض الثوار للاحتجاج عند المجلس؟ إذا كانت هناك ديمقراطية حقيقية لوجبت محاسبة قادة الإخوان المسئولين عن ذلك، لأنه تصرف غير قانونى وغير مسئول، المشكلة فى التيار الذى يقوم على الولاء والطاعة، والأغلبية فى نظام ديمقراطى سليم لا يجب أن تقوم على الولاء والطاعة. لذلك نجد دائما فى الممارسات الديمقراطية السليمة والمستقرة، أن بعض أعضاء الأغلبية فى بعض القضايا يأخذون مواقف مختلفة عن أغلبيتم، لأن ضميرهم هو ما يحكمهم وليس قاعدة الولاء لقائد أو مرشد أو ما شابه. وعلى أية حال يبقى للشعب الحق فى جميع الأحوال أن يعترض على سلوك وأداء من يفوضه لمهمة معينة، ولم يحسن أداء تلك المهمة، وهذا حق أصيل فيما يسمى بالمبادئ فوق الدستورية، وبعض الدساتير مثل الدستور الألمانى، تنص على أن الشعب له حق الاعتراض على سلوك من يفوضه بنص صريح. - حزب النهضة التونسى وحزب الحرية والعدالة المصرى إسلاميان فلماذا التخوف من أداء الأخير فى مصر خلال تلك المرحلة الانتقالية؟ أحد أهم الأسباب التى أدت إلى حسن إدارة المرحلة الانتقالية فى تونس هو التوافق بين حزب النهضة التونسى وبقية الأحزاب، بفضل قياداته المستنيرة، صحيح أن راشد الغنوشى شخص رائع وأحترمه، لكن الأروع فيه هو عبدالوهاب مورو، الزعيم الفكرى لحركة النهضة، فهو مفكر قدير من الطراز الأول فى التيار الإسلامى المستنير، والذى يجعلنا نتمنى أن يكون كل الإسلاميين مثل عبدالوهاب مورو. وللحقيقة داخل الإخوان المسلمين لدينا عناصر رائعة، لكن للأسف أغلبها استبعد فى الفترة الأخيرة، ولا أقصد الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فقط، فأنا أحترمه وأقدره، لكن الأهم إبراهيم الزعفرانى، مشكلة الإخوان فى الفترة الأخيرة أنها استبعدت أفضل العناصر المستنيرة فيها، انتصارا للتيار المتشدد داخل الإخوان. - كيف ترى مسألة القبض على الأجانب فى إطار ما يعرف بأزمة منظمات المجتمع المدنى وسفرهم المفاجئ؟ هل هى أزمة مفتعلة أم تنم عن وجود خلاف حقيقى بين مصر وأمريكا؟ أنا أطلق عليها (عركة حبايب)، فالقوة الأكثر تأثيرا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة هى الإدارة الأمريكية، وهذا منطقى، فالحكومات الأمريكية لمدة ثلاثين عاما حتى الآن تدعم القوات المسلحة المصرية ب 1.3 مليار دولار سنويا. - وما السبب الحقيقى وراء افتعال تلك الأزمة أساسا؟ ربما محاولة تحسين شروط المعونة، لكن من بدأ تلك الأزمة خصوصا الوزيرة المتسببة فى ذلك كانت فى عباءة الأمريكان لمدة ثلاثين عاما، وكذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ويكفى أن نلاحظ أنه لا يمر أسبوع إلا ونجد قائدا أمريكيا كبيرا موجودا فى مصر للتباحث مع قيادات المجلس العسكرى، سواء كان من المخابرات العسكرية الأمريكية أم من رئاسة الأركان الأمريكية أو ما شابه. فالعلاقات إستراتيجية ومتينة، ولا يريد أحد من الطرفين فى تقديرى إنهاءها، وإنما حتى بين الحبايب يحدث شد وجذب بين الحين والآخر ينتهى بمصالحة وربما بشروط أفضل مما كانت عليه. - على ذكر المعونة الأمريكية كيف ترى إفادتها للنظام السابق فى مصر؟ المعونة الأمريكية أكيد أفادت نظام مبارك، من خلال الشلة المحيطة بالنظام، والتى أسميها بالتشكيل العصابى، فلا يخفى على أحد أن كل مليونير فى مصر، تم عمله من أموال المعونة الأمريكية، فمنذ بداية المعونة الأمريكية كان هناك قسم ليس بالقليل يدعى أنه يوجه لدعم الشعب المصرى، لكنه كان يذهب لرجال الأعمال المعنيين بإعطائهم قروضا ضخمة جدا وبشروط ميسرة بهدف شئ واحد، وهو استيراد السلع من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبيعها فى مصر، ومن ثم تكوين شريحة من رجال الأعمال المرتبطين ارتباطا إستراتيجيا بالشركات الأمريكية العملاقة، تلك الشريحة من رجال الأعمال تدين بثرائها وولائها للولايات المتحدةالأمريكية. - أشرت فى إحدى المقالات الخاصة بالمعونة الأمريكية أننا أدمنا تلك المعونة.. كيف ذلك؟ المهم فى الإشارة لذلك المقال أننا نطالب بالتخلى عن المعونة الأمريكية، والاعتماد على الذات، هذه هى السبيل لبناء النهضة والمقدرة الذاتية التى تؤدى إلى تنمية حقيقية فى مصر. والحقيقة أن الجزء الأهم من المعونة ذهب لتدعيم ذلك التشكيل العصابى الذى كان يحكم من رجال الأعمال والسياسة فى بؤرة شلة الحاكم المتسلط. - ألهذا ذكرت أن تلك الطبقة من رجال الأعمال تحمل جوازات سفر أمريكية وغربية؟ الآن نعلم بالتأكيد أن هناك علاقات عمالة مباشرة لوكالة المخابرات الأمريكية لبعض العناصر الرئيسية فى النظام، وقد نشر ذلك فى بعض الصحف الغربية، وقد تأكد فيما بعد أن يوسف بطرس غالى، كان يعمل فى المخابرات الأمريكية منذ عام 1979 إلى 2011/12/11، ونشر أخيرا اسم البنك الذى كان يُرسل له راتبه الشهرى عليه، ونشر أيضا أن الحكومة الأمريكية قد رفعت دعوى عليه لأنه لم يسدد الضرائب للحكومة الأمريكية، ذلك الراتب الذى تقاضاه لسنوات طويلة. - هل يفهم من ذلك أن هذا هو السبب الحقيقى فى إعطاء يوسف بطرس غالى وزارات متعاقبة فى حكومات مختلفة؟ بالتأكيد، والسؤال هو لماذا سكتت المخابرات المصرية حتى الآن عن وجود مثل هؤلاء العملاء، بينما يجرى التهييج لمحاكمة زياد العليمى عن كلمة طائشة فى رأيى وليست إهانة شخصية بأى شكل من الأشكال؟ فى يومين فقط ترفع على زياد العليمى مئات القضايا، بينما عملاء المخابرات المركزية الأمريكية الذين أفسدوا هذا البلد ونهبوه ودمروه لمدة عشرات السنوات لا كلمة عنهم ولا تحريك دعوى عمومية ضدهم. - وماذا عن المعونة الأمريكية العسكرية؟ نحن تابعون لأمريكا، وإذا كانت هناك من سلطة عاقلة ورشيدة، فإنها تستفيد من هذه الأزمة لتنويع مصادر السلاح، ومرة أخرى نعود لما كان واجبا فى ثورة يوليو، وهو عدم الاعتماد على مصدر واحد للسلاح، خصوصا إذا كان هذا المصدر داعما لغريمنا، فالولاياتالمتحدة داعمة لإسرائيل بشكل غير منطقى وغير عقلانى. والفهم الحقيقى للقدرة العسكرية الإسرائيلية، يتعدى مجرد الدعم الأمريكى، فهم لديهم قدرة ذاتية مهمة جدا ونابعة من تفوقهم فى البحث العلمى والتطوير التكنولوجى خصوصا فى مجال الأسلحة والطائرات بدون طيار. ونحن كانت لدينا قدرة على التصنيع العسكرى لكنها انتهت، فجزء من اتفاقية كامب ديفيد هو القضاء على الصناعة العسكرية المصرية، وتم تحويل المصانع من إنتاج الدبابات والمدافع وما شابه إلى إنتاج الصلصة والمكرونة والأجهزة الكهربائية والتى يطلق عليها الجزء الاقتصادى، لكن تسميتها الحقيقية منع مصر من امتلاك صناعة عسكرية. - ولماذا لم ينم القطاع الإنتاجى فى مصر واعتمدنا فقط على الاقتصاد السريع سواء من السياحة أم البورصة؟ لأن السلوك الإنتاجى يصبح غير رشيد فى ظل وجود فرصة احتكار، فالمحتكر يحقق أفضل الأرباح بدون أى تعب على الإطلاق، هذا بخلاف أن النظام الفاسد كان يطبق تنظيما اقتصاديا يقوم علىالاحتكار، فكل سوق كان محتكرا بواسطة أحد أعضاء ذلك التشكيل العصابى، سواء كان السوق سوق منتج محلى أم استيراد، فمن لديه فرصة احتكار لا يسعى إلى متاعب الإنتاج ومشاكله. وما أريد التأكيد عليه هو أن الاحتكار أحد ألد أعداء الفكر الرأسمالى، الذى يقوم على مبدأ المنافسة ومحاربة الاحتكار، لكن النظام كان يشجع الاحتكار، حيث أصدر الرئيس السابق قرارا جمهوريا لتمكين محتكر معين من مسوق معين، مما يدل على التزاوج واللحمة الوثيقة بين السلطة والثروة بأسوأ أشكالها. فقد صدر القرار الجمهورى رقم 100 لسنة 2004 لتمكين أحمد عز من سوق الحديد فى مصر. - هل تتوقع موجة ثانية من الثورة؟ فى الحقيقة أتوقع موجات تالية، لأن الأسباب التى قامت من أجلها الثورة مازالت قائمة بل اشتدت، مثل الظلم الاجتماعى والقهر، فانتشار الظلم الاجتماعى يعنى انتشار البطالة والفقر، والتفاوت بين الأغنياء والفقراء. وانتشار القهر بين المواطنين بمعنى انتهاكات حقوق الإنسان، وهى أسوأ مما كانت عليه فى نهاية عصر مبارك. وفى الحقيقة تعويلى الأساسى ليس على الأحزاب الليبرالية وما شابه، لكن على التنظيمات السياسية الجديدة من القطاعات الأوسع من المستضعفين فى مجال العمال وما شابه، و إذا تحولت الحركات العمالية إلى بدايات تشكيل حزب سياسى يعبر عن مصالح العمال أعتقد أن ذلك يمثل فرصة أوضح وأفضل من التيارات الليبرالية. وأحد أهم التطورات المبشرة بالخير بعد الثورة، تكوين نقابات مستقلة فى شكل حراك اجتماعى وسياسى. - وما الأسباب الحقيقية لمسألة الانفلات الأمنى الحادثة فى مصر منذ بدايات الثورة وحتى الآن؟ هل هى انكسار لجهاز الشرطة أم تخاذل منه؟ ما حدث خطة مقرة ومؤكدة وأصبحت منشورة من نظام الحكم الاستبدادى لنشر الفوضى عندما يتأكد سقوط رأس النظام، وهذه خطة موجودة فى التنظيم السرى لوزارة الداخلية التى كان يشرف عليها حبيب العادلى مباشرة. وأرى أنها مفتعلة ومصنوعة من جهاز الأمن الذى كان يحمى فقط رأس الدولة، وهو انفلات مقصود، والدليل على ذلك أن المنطق السليم لإعادة بناء القطا ع الأمنى موجود ومعروف منذ اللحظة الأولى، وما يجرى الآن هو محاولة تجميل الشكل مع بقاء الجوهر كما هو. - كتبت عن دور المثقفين فى المجتمع، فما دورهم الحقيقى فى المجتمع وكيف ترى تلك الفئة التى انضوت فى خدمة السلطة؟ مازالت هناك قلة من المثقفين الوطنيين المخلصين، لكن الغالبية العظمى انضوت فى خدمة الحكم التسلطى، لأن المغانم كثيرة، ومغارم المعارضة قوية جدا. فمن يعارض معارضة حقيقية للنظام يدفع الثمن باهظا، فهو يمنع من كل الفرص القيادية فى المجتمع ويمنع من وسائل الإعلام، وهذا يحجب المثقف عن نشر أفكاره فى المجتمع المدنى الذى ينتمى إليه، ناهيك عن الأشكال الفجة والحقيرة من أشكال البطش المباشر. أما مكاسب المثقفين الذين ارتبطوا بالسلطة بشكل مباشر، فهى مكاسب نفعية بشكل دنىء، وأى مثقف يدعى أنه فى النظام لكى يعمل على إصلاحه من الداخل فهو إما مدع أو غافل، لأن القاعدة تقول: إنه لا يوجد شخص جيد فى نظام حكم سيئ ولا يستطيع شخص يدعى أنه جيد أن يصلح نظام حكم فاسد.