حوار – عزمى عبد الوهاب لا يؤمن الشاعر السعودى «محمد خضر الغامدى» بتعريف محدد للشعر، فهو كما يقول: «دائما أترك النافذة مشرعة، هناك تأتى بالهواء وبالحديقة» لذا يستطيع «الغامدي» أن ينتقل من الشعر إلى الرواية بيسر، تتيحه اللغة السردية التى تتسم بها قصيدته، وفى كل الأحوال كما قال عنه أحد النقاد فإن «ذاكرته لا تكف عن تمرير السؤال». أصدر الغامدي دواوينه : «صندوق أقل من الضياع» و«المشى بنصف سعادة» و«منذ أول تفاحة» و«تماما كما كنت أظن» و«مؤقتا تحت غيمة» ثم أصدر أولى رواياته بعنوان «السماء ليست فى كل مكان» وهنا حوار معه فإلى التفاصيل. نشهد حضورا كبيرا للمرأة فى مجموعتك الشعرية الأولى «مؤقتا تحت غيمة» كيف اختلفت صورة المرأة فى نصوصك عنها فى الأشكال الشعرية الأخرى ؟ لا تزال المرأة كحالة إنسانية وسؤال ومضمون، يطرح الشاعر من خلاله حتى قضاياه الكبرى، لم يختلف لدى هذا السؤال والهاجس كثيرا فى مجموعات شعرية تالية، ما اختلف هو أن رؤيتنا الفنية أحيانا تحوّل الكل إلى جزء، والخيوط المتناثرة إلى نسيج، والمرأة اللغة الناعمة إلى المرأة السؤال، وبين الفردانى والخاص وآليات الشاعر الجديدة، ومضيه نحو كتابة نصّه كفن، يتحرك هذا الوجود بمعيارية مختلفة، ووفقا لذلك يتغير حتى توظيفها فى النص. لكن البعض يرى أن ثمة مضامين لا تتناسب مع قصيدة النثر؟ هذه الرؤية قادمة من عدم تحريك هذا الثابت، فى موروثات الأدب القديم، والنظر إليه ضمن الصورة الجديدة، ولعبة النص يجب أن تكون متفاعلة بالطبع مع معطى الحياة الجديدة. تقول: «أفكر فى سيناريو مختصر لفكرة الوطن.. فى تسوية محايدة بين ظلى وإحساس الغريب» ما الذى توصلت إليه بهذا الشأن؟ أحاول أن أكتب لأستبق أحلاما كنت وعدت بها، أو كانت الحياة قد توعدتنى بها، لأرمم شيئا من ثقوب الوقت، وعندما أشعر بأننى وصلت، يصيبنى شعور بأننى على حافة النهاية فقط، ولذا أختبر طريقا جديدة تفضى إلى مسارات وأسئلة أكثر، وصولنا أحيانا يعنى أننا توقفنا، يعنى أيضا أنه لم يعد الفضاء كافيا لنا، ودورى هنا ليس أن أصل، ولا أن يصل معى القارئ إلى شيء محدد، بل لأفتح نوافذ مغلقة من زمن، ولأجلها أصعد إلى أدوار عالية، فى بناية الحياة التى تطول كل يوم. هل وضعت مواقع التواصل الاجتماعى الشاعر فى مأزق أم أنها أفادته؟ مدى استيعاب الشاعر لهذا الفضاء الجديد هو ما يحدد وقوعه فى مأزق، أو مدى استفادته من هذا الفضاء ورحابته، أتحدث عن شاعر لديه رغبة فى أن يكتب ضمن واقعه وتجربته فى الحياة، وليس عن شعراء لا يسمحون لهذا الفضاء على الإنترنت أن يقدم لهم جديدا فيما بعد، وهذا ليس على صعيد فنيات الشعر فقط، بل وشعوره الجديد بالزمن والمكان، وما يقال عن القرية الكونية وغيرها، ودعنى أضيف أن شاعر اليوم فى مأزق، أمام هذا المتغير والمتحول السريع أمامه، بدءاً من وسائل الاتصال والتكنولوجيا الحديثة، ومروراً بمواقع الإنترنت الاجتماعية السريعة، وقبل ذلك ما تشهده الصورة الفوتوغرافية وشاشات التليفزيون، وقبله السينما بكل تصنيفاتها، وما حولنا من المشاهد والفنون البصرية والأدائية والمفاهيمية، وما تزخر به اللحظة الراهنة من الآنى واليومي، فهل أخذت هذه القنوات بمختلف أوجهها على الشاعر الكثير من قصيدته؟ هو الذى كان إلى زمن قريب، يعتد بكونه ضمير الناس وصحيفتهم، ولديه آخر ما يمكن أن يكوّن صوتهم الجمعى على سبيل المثال. وهل استوعب شاعر اليوم هذا المتغير ولربما هذه الأزمة؟ لكل شاعر حالته الخاصة، وعوالمه وفضاءاته ولغته وطريقته، إلا أننى لا أستطيع أن أغفل أهمية البحث عن خلاصه، الذى قد يصل به إلى التوقف فى أفضل الحالات، وأكثرها أثراً، ولا أستطيع تصور ما يمكن أن يصل إليه الشعر مع هذه المعطيات، أمام شاعر لا يزال فى لذة إرثه الممتد منذ «هل غادر الشعراء من متردم؟» إلى القصائد التى عاشت فى وجدان الإنسانية زمناً بعيداً. هل أثرت فى نصك هذه المواقع وعلى أى مستوى كان هذا التأثر؟ أعتقد أنها لابد أن تؤثر على أى شاعر، خصوصا أن الشعراء يجدون فيها فرصة ممتازة للتواصل مع القراء ومع شعراء آخرين، وفى نصى كذلك شعرت بتأثير هذه العوالم، على سبيل المثال فى توظيف المفردات الإلكترونية، أو عدة محاولات قمت بها ضمن التفاعلى ونص البطاقة الإلكترونية والفيديو آرت، وهذا الجانب الفنى هو ما يمكن أن يتضح عليه الأثر. إلى متى تظل قصيدة النثر تعتمد على تقنيات محددة مثل التداولى واليومى ألا تصل بهذا إلى حالة ثابتة لا تتطور؟ لا أتمنى أن تصل هذه القصيدة إلى حالة محددة، هذا سيؤطرها فى رأيي، ويضيق أفقها، ويحولها من حالتها الإبداعية إلى الدرس مرة أخرى وإلى الرتابة، لكننى أستبشر فى وجود تجارب، تكتب بشكل رائع وجديد، وخارج التقنيات التى كادت أن تصبح ثيمة لقصيدة النثر، علينا فقط ألا نكون قساة على تلك التجارب، وأن نمنح الشعراء فرصة أن يطوروا، وأن يبحثوا عن شكلهم الجديد ومضامينهم أيا كانت. هل تعانى قصيدة النثر تهميشا وإقصاء فى السعودية؟ ربما كان ذلك فى التسعينيات مثلا، لكنها اليوم تكاد تكون هى التى تمثل المشهد الشعري، فى كثير من الملتقيات والأمسيات، والحضور فى الملاحق الثقافية والإبداعية. هل تتفوق الرواية على القصيدة بالنسبة للحضور الجماهيرى فى السعودية؟ مع زخم الرواية فى السعودية، وكثرة التجارب وتنوعها وجودتها النسبية، أعتقد أن الرواية تحصل اليوم على حضور، يطغى على الحضور الشعري. تأتى روايتك الأولى «السماء ليست فى كل مكان» بعد عدد من الإصدارات الشعرية لماذا لجأت إلى الرواية؟ لم يكن تحولا، ما يحدث هو أن الكتابة الإبداعية لا يستطيع أى مبدع أن يشترطها، أو يقنن فضاءاتها، وبالتالى لا أعرف هل هو انتقال أم تجربة أخرى ذات عوالم فنية مختلفة؟ أتحدث عن العوالم، لأن الشعر لديّ لم يكن بعيداً عن لغة السرد، بل كتب فى مجموعات شعرية لدى بلغة السرد، أعنى لغة أن تكون هناك رؤية تخصنى شعريا، فأنا لست ملتزماً بتجارب أخرى، ولا بأنواع أو تصنيفات شعرية مثلاً. هل نجحت الرواية بحيث يدفعك ذلك لمعاودة التجربة؟ القراء وحدهم من يحددون النجاح من عدمه، فى مجمل ما نكتب، وأيضاً مدى الرضا الشخصى عمّا نكتب. وما ملابسات كتابة هذه الرواية؟ هذا النص الروائى ظل حبيساً داخلى لزمن طويل، ولكنى لم أكتبه إلا بعد قرابة ثمانية أعوام، بمعنى أن له أزمنة عدة فى داخلي، فقد تأملته طويلاً، وهذا ما جعله نصاً مكثفاً فى نهاية الأمر. هل عجز الشعر عن التعبير فاستعضت عن ذلك بالرواية؟ أوافق على الرؤية التى تقول بقصور الشعر أحيانا، وعجزه أمام الحياة اليومية المليئة بالتفاصيل، وهذا صحى إذ ستنجو القصيدة من الزوائد ومما يثقلها، وسيكون لها أن ترسم لوحة مختلفة لدى التجارب الخلاقة والمتصلة بالواقع. لعل هذا فيه تفسير مقنع لكتابة الشعراء كذلك للرواية، وسأضيف أنه من ناحية أخرى ظل الشعر حبيسا لتلك المدارس البلاغية والأشكال القديمة، التى لا تتيح له أن يقدم رؤية فنية وإنسانية أحيانا، إزاء ما نحن بصدده فى هذا العالم المليء والمزدحم.