أشرف بدر مشروع وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، المعروف ب «وثيقة المبادئ» لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، ما هو إلا فصل جديد فى المسرحية الهزلية الأمريكية لتأكيد يهودية الكيان الإسرائيلى، و«شرعنة» المستوطنات فى القدسالمحتلة والضفة الغربية، تحت لافتة «تبادل الأرض». فما تم تسريبه من بنود «وثيقة المبادئ» التى يجرى «طبخها» الآن على نار هادئة بمعرفة ومعاونة وفكر اللوبى اليهودى المتغلغل فى القرار الأمريكى، يؤكد تضليل الدولة الراعية للسلام بالمنطقة، وتسويقها لمبادرات مستنسخة من مبادرات سابقة فاشلة مثل «دالاس كسينجر أوسلو» لتفويت الفرصة على «تمرد عربى متحفز» ضد الاحتلال الإسرائيلى بعد افتضاح المؤامرة الغربية لتقسيم الشرق الأوسط فى ثورات «الخريف العربى»، ووقف السعى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، ومنحها عوامل الوجود والاستمرار، مستغلة انشغال مصر بممارسات حماس وقطر وتركيا الإرهابية، وانصراف السعودية إلى وقف المد الفارسى فى سوريا، وسكوت إيران بعد اتفاقيتها النووية المشبوهة، وبُعد المزاج العربى العام عن الاهتمام بالشأن الفلسطينى الذى يعيش أسوأ حالاته وأيامه في الوقت الحاضر. وتتلخص المبادئ الأساسية للوثيقة التى تم تسريبها قصدا بمعرفة مارتن إنديك مبعوث الولاياتالمتحدة للشرق الأوسط، "يهودى الجنسية والهوى"فى أن التفاوض الفلسطينى الإسرائيلى سيكون على حدود 1967، مع تبادل أراض متساوية القيمة مع الكتل الاستيطانية، وإخلاء المستوطنات الموجودة خارج الكتل، وإلغاء حق العودة للاجئين، وأن تكون إسرائيل دولة للشعب اليهودي ومواطنيها، وفلسطين دولة للشعب الفلسطيني ومواطنيها، وعلى ألا تكون العاصمة الفلسطينية بالضرورة في حدود القدس الشرقية!! ووفقا لهذا الأمر، فإن مبدأ تبادل الأرض يحول الأراضى العربية بحدود 67، إلى مناطق متنازع عليها، وينفى عنها صفة "أرض محتلة"، وأن مسألة عدم عودة اللاجئين سبق أن طرحها كلينتون فى"طابا 2001" بتوطين اللاجئين فى البلد المضيف لهم، أو فى بلد ثالث -"سيناء"- كما كان يخطط له الإخوان مع أمريكا وتركيا وإسرائيل، وعودة بضعة آلاف بشروط معينة فى إطار عملية "جمع الشمل"وليس تطبيقا لمبدأ «حق العودة». ولم يكن مدهشا وفقا للسيناريو الأمريكى - الإسرائيلى أن ترفض تل أبيب هذه المبادرة، لأنها تريد أن تقتطع ما تشاء من أراضى الضفة، وأن تبقى لها السيطرة الأمنية التامة بأسماء وأشكال مختلفة وبحجة «حماية المستوطنات المستأجرة». إن مشروع كيرى بهذه الصيغة يفتقد الواقعية السياسية، ويكافئ نيتانياهو لتمريره بهدوء اتفاقية إيران النووية، وعدم استغلاله ثقل إسرائيل في منظمات الحكم الأمريكية لإعاقة الاتفاقية، كما انه يجعل الحل النهائي المزمع ترويجه وفرضه استجابة أمريكية خالصة للشروط الإسرائيلية، مهما حاول الإعلام المشبوه بالخارج والداخل تغيير هذه الحقيقة المرة بمساحيق التجميل والرتوش والهدايا وحلو الكلام عن السلام. ويواصل كيري التلويح هنا وهناك بتصريحاته الداعمة لمخططة، فقال خلال مؤتمر دافوس: لا يمكن لإسرائيل أن توقّع على معاهدة سلام ما دامت تخشى أن تتحول أراضي الضفة الغربية إلى قطاع غزة آخر، وذكر لاحقا أن معاهدة السلام ستحول إسرائيل إلى دولة آمِنة أكثر، فيما أرفق دعوة أخرى للفلسطينيين، قائلا لهم:"عليكم أن تفهموا أنّ أراضيكم ستكون خالية من جنود إسرائيليين في نهاية المطاف"، وحذرهم من أنهم إن لم يبذلوا جهودا للتوصل إلى تفاهم ، فقد تكون هذه "الفرصة الأخيرة لإحراز سلام". الغريب أن تلك الدعوات ما لبثت أن تحولت إلى تهديدات للفلسطينيين لقبول "وثيقة العار"، حيث نقلت إذاعة إسرائيل تهديدا واضحا فى تصريحات على لسان كيرى بقوله: إن محمود عباس "أبومازن"سيلاقى مصير سلفه ياسر عرفات، حال رفضه المبادرة!! وكأن اليهود والأمريكان لا يتعلمون الدرس، فمن يقرأ وثائق التفاوض الشهيرة، وما انطوت عليه من تنازلات مذهلة، لا يصدق إنها رفضت وأن مسألة الاتفاق النهائي هي ضرب من المستحيل، وهو ما يدركه كيري نفسه ونيتانياهو، بل ومحمود عباس أيضا، ولكن يبدو أن الجميع قد أخذوا يتواطأون على الحل المؤقت الذي يحظى بإجماع في الأوساط الإسرائيلية، فيما تقبل به سلطة فتح وتعززه على الأرض، من دون أن تعترف بذلك علنا. علينا أن نعرف جميعاً إنه قد مضت سنوات على مسلسل الأزمات السياسية، وعقد أكثر من اجتماع مجاملة، وصدور أكثر من بيان تطمين وتأكيدات أكثر من مسئول بأن القوى المتحاربة ستلقى السلاح أرضا، لكن ما لبث كل ذلك وأن تحول مثل غيره إلى "سراب" فمازلنا نواجه سياسيين بلا رؤية، ولا يعرضون أفكارا أو يطرحون مشاريع بناءة، وأن اجتماعاتهم لا تعطى أملا للناس، ولا تبشر بفرص حقيقية، فهم منهمكون بطرح مقدار مهول من التصريحات التى دائما ما تنتهى بجمل وعبارات ملت الناس سماعها على غرار "الشجب والإدانة" التى تصدرها جامعة الدول العربية عقب كل كارثة يتعرض لها شعب عربى شقيق، وهو أمر حادث فى بلدان الربيع العربى، وخصوصا مصر التى أصبح شعبها يدرك صديقه من عدوه، ويعرف من هو صاحب المصلحة فى الاغتيالات، وزعزعة الوضع، وتخويف الناس. وقد اتضح أن من فقدوا مصالحهم وسحب البساط من تحتهم، تحولوا من مسئولين ووجاهات إلى قادة عصابات، وأصبحوا يكنون العداء للدولة والشعب والدين، وهم لن ينتصروا فى حربهم القذرة، لأن النصر حليف الحق، والحق يدفع الباطل فيزهقه، "بل نقذف بالحق على الباطل فيدفعه، فإذا هو زاهق"، وعلى المجرمين أن يكفوا من أذاهم وليتوبوا إلى ربهم ويتسامحوا مع شعبهم، «فالبر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت افعل ما شئت فكما تدين تدان».