السيد رشاد على مدار أكثر من مائة وثمانين عاما، شهدت حقب مختلفة منها صراعا طويلا، وقاسيا، وربما داميا بين الشعب المصرى بنخبه وقواه السياسية وقواعده العريضة، وبين معظم حكامه ملوكا كانوا أم رؤساء ..حول صلاحيات وسلطات الحاكم ..وقدرات واستقلالية السلطتين التشريعية والقضائية .. وما ينجم عن ذلك من منظومة دستورية – قانونية قادرة على أن تكفل الحريات، وتدعم المواطنة، وتحافظ على ثوابت مصر الأساسية، وتقيم التوازن بين السلطات فى الاختصاص والممارسة وطريقة الأداء . وقد عرفت الدولة الحديثة فى مصرفكرة الدستور مع إصدار محمد على باشا اللائحة الأساسية للمجلس العالى 1825، ثم أتبعها فى يوليو 1837 بقانون«السياستنامة».... ويعد أولى إرهاصات الدساتير.. وخلال حقبة الخديو إسماعيل، صدرت فى 22 أكتوبر 1866 لائحة تأسيس مجلس شورى النواب وانتخاب أعضائه، وكانت هذه اللائحة تقوم على صياغة قانونية عصرية، فى نصوص محددة ومفصّلة. خلال عهد الخديو توفيق، صدر أول دستور مصرى متكامل فى السابع من فبراير عام 1882، ليكون اول دستور فى المنطقة ..حيث وصفه الفقهاء وقتها بأنه الأفضل والأكثر تقدما باتجاه النظام الديمقراطى. لكن همجية وأطماع الغرب لم تمكن الشعب المصرى بالتنعم بهذا الدستور واستثماره فى تحويل البلد إلى دولة ديمقراطية متقدمة، إذ ابتليت مصربعد عام واحد فقط بالاحتلال وتم إلغاء دستور 1882. برغم جبروت الاحتلال فإن الشعب المصرى واصل تصميمه على التمسك بإصدار دستوره حتى نجح فى إصدار واحد من أهم دساتير مصر فى 19 إبريل سنة 1923،وذلك بطلب من زعيم الأمة سعد زغلول، تم التجهيز لإعداد دستور 1923، وينص ذلك الدستور على أن حكومة مصر ملكية وراثية وشكلها نيابى. وقد بدأ العمل بهذا الدستور فى مصر الملكية فى الفترة ما بين 1923 وحتى عام 1958 عقب صدور تصريح 28 فبراير 1922 الذى اعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة. وتم العمل بهذا الدستور إلى أن تم إلغاؤه فى 22 من أكتوبر عام 1930 وصدور دستور جديد للبلاد عرف بدستور 1930 واستمر العمل به لمدة خمس سنوات كانت بمثابة نكسة للحياة الديمقراطية، أدت إلى قيام الشعب بالعديد من المظاهرات، إلى أن تم إلغاء هذا الأخير بموجب الأمر الملكى الصادر من الملك فؤاد الأول رقم 142 فى 19 ديسمبر 1935، وهو الأمر الذى قضى بإعادة العمل بدستور عام 1923، وظل دستور 1923 ساريًا، حتى أعلن مجلس قيادة الثورة فى 10 ديسمبر 1952 . بعد ثورة الضباط الأحرار، شهدت مصر صدور أول إعلان دستورى فى 10 ديسمبر سنة 1952 أعلن فيه باسم الشعب سقوط دستور سنة 1923. وفى 13 يناير 1953 تم تكوين لجنة لوضع مشروع دستور جديد على أن تراعى الحكومة أثناء تلك الفترة الانتقالية المبادئ الدستورية العامة. وفى 10 فبراير سنة 1953 صدر إعلان دستورى ثان متضمنا أحكام الدستور المؤقت للحكم خلال الفترة الانتقالية. دستور مصر 1954 «الحلم الضائع» فى عام 1953 تم تشكيل لجنة مكونة من خمسين من أبرز الشخصيات السياسية والثقافية والقضائية والعسكرية تحت قيادة رئيس الوزراء آنذاك على ماهر لوضع دستور جديد للبلاد وعضوية الفقيه الدستورى عبد الرزاق السنهورى..وعندما قدِمت المسودة فى سنة 1954 إلى مجلس قيادة الثورة تم تجاهلها وأُهمِلَت!! فى عام 1958، وإثر قيام الجمهورية العربية المتحدة باتحاد سوريا ومصر، أعلن دستور الوحدة فى الخامس من مارس من ذاك العام، وصدر فى دمشق، وكان أبرز ما فيه إلغاء اسم مصر واسم سوريا من مسمى الدولة التى أصبحت " الجمهورية العربية المتحدة". بعد ترك مصر لاسم "الجمهورية العربية المتحدة" أُعلن فى 11 سبتمبر 1971 عن دستور 1971، وهو أول دستور دائم بعد ثورة 1952، تم إقراره فى عهد الرئيس محمد أنور السادات إثر استفتاء شعبى فى 11 سبتمبر 1971 إلى أن تم تعطيله من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى 13 فبراير 2011 بعد قيام ثورة 25 يناير وتنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير 2011. ومر هذا الدستور بثلاثة تعديلات فى أعوام 1980 و2005 و2007، كانت كلها من أجل التوريث. بعد قيام ثورة 25 يناير وتخلى حسنى مبارك عن الحكم، كلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى تولى إدارة شئون البلاد، لجنة للقيام ببعض التعديلات الدستورية بلغت 63 مادة. وتم الاستفتاء عليه فى 19 مارس 2011. وبعد موافقة الشعب المصرى فى الاستفتاء، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى يوم 30 مارس 2011 إعلاناً دستوريا شمل أغلب التعديلات التى تم إقرارها فى الاستفتاء، بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى. ثم حدث ما حدث وتولى الرئيس المعزول محمد مرسى الحكم وكان دستور 2012. دستور 2014 بعد ثورة المصريين فى 30 يونيو وإسقاط حكم الإخوان.. أصدر الفريق أول عبد الفتاح السيسي، مجموعة من القرارات ضمن "خارطة الطريق " المصرية ..كان منها تعطيل العمل بدستور 2012 مؤقتاً حتى عرضه على هيئة من الخبراء وتعديله، حيث يتم تشكيل لجنتين:الأولى (لجنة العشرة لتعديل الدستور): وتسمى أيضاً لجنة الخبراء، وقد أصدر الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور فى 20 يوليو 2013 قراراً جمهورياً بتشكيل لجنة الخبراء الخاصة بتعديل الدستور، وبعد اجتماعات ومفاوضات استمرت عدة أشهر، خرج علينا دستور 2014، الذى سيقول الشعب كلمته فيه وعنه خلال الأيام المقبلة لنرى برا نرسى عليه بسفينتنا مصر.