أسامة الألفى خطوات حثيثة تسابق بها إسرائيل الزمن لتهويد القدسالمحتلة وتغيير ملامحها وسماتها الإسلامية والمسيحية، لتصير بحلول عام 2020م مدينة يهودية، فلم تكتف سلطات الاحتلال بحفر الأنفاق أسفل المسجد الأقصى الشريف، مما يعرضه لخطر الانهيار، ولكنها أيضًا عمدت إلى مصادرة الأوقاف التابعة للفلسطينيين وإقامة مستوطنات وأحياء يهودية عليها، للقضاء على الهوية الأصلية للمدينة المقدسة، وإحلال الهوية اليهودية محلها، يحدث هذا وسط صمت عربى وإسلامى مستكين. "الأهرام العربى" فى محاولة لاستجلاء الوضع بالقدسالمحتلة سعت لكسر الصمت وإلقاء الضوء على ما يحدث من انتهاكات لحقوق الشعب الفلسطينى وسرقات ومصادرات للأوقاف الإسلامية والمسيحية فى المدينة المقدسة، عبر لقاء مع الباحث والروائى الفلسطينى عزام توفيق أبو السعود الذى أوقف حياته على حماية الأوقاف الفلسطينية وتوثيقها، ولا عجب أن تسرى هذه الروح فى دمه فهو من أسرة مقدسية أصيلة وابن خالة المجاهد الكبير الرئيس الراحل ياسر عرفات. دشنت سلطات الاحتلال رسميًا مشروع القدس2 بسعيها لإكمال المتحف تحت المسجد الأقصى تمهيدًا لإعلان المسجد كنيسًا يهوديًا بحلول عام 2020م، فماذا فعلت الجهات المعنية بالأوقاف للحيلولة دون تحقق هذا المخطط الخبيث؟ لا شىء، سوى التباكى على ما تقوم به السلطات الإسرائيلية من إجراءت تغيير ملامح القدس المعمارية والسكانية .. إن الوضع فى القدس مؤلم جدًا، خصوصا مع تأخير المفاوضات حولها للمرحلة النهائية، التى يبدو أننا لن نصل إليها إلا بعد أن تنتهى إسرائيل من تنفيذ كل توصيات هيرتزل - مؤسس الحركة الصهيونية - بخصوص القدس التى وردت فى مذكراته عام 1898م، والمتضمنة إزالة كل المبانى غير اليهودية المحيطة بجبل الهيكل (الحرم الشريف)، وهى المبانى الوقفية: المدارس والزوايا الإسلامية المحيطة بالحرم الشريف. المسجد الأقصى مستهدف منذ احتلال الصهاينة للقدس بدءًا من محاولة إحراقه عام 1969م، ومرورًا بمحاولة نسفه عام 1984م، وانتهاء بالحفريات فى الجهة الجنوبية منه، فكيف ترون السبيل لإنقاذه فى ظل تقاعس العرب والمسلمين؟ ما حك جلدك مثل ظفرك، هذا المثل ينطبق على القدس، فلم يحمها حتى الآن سوى أهلها والمقيمين بها، ولم يساعدهم فى السنوات الأخيرة إلا فلسطينيو الداخل 48، والذين يمكنهم الوصول إلى القدس.. برغم أن المطلوب فقط دعم أهل القدس بما يمكنهم من البقاء فيها وحماية المقدسات، عبر توفير المسكن الصالح والعمل المناسب، والإبقاء على روح العروبة لدى شباب القدس عن طريق برامج ثقافية مضادة لثقافة الإدماج والاندماج بالنظام والثقافة اليهودية، التى تمارسها السلطات الإسرائيلية.. والحديث عن هذا الأمور الثلاثة السكن والعمل والثقافة يطول. على مدى التاريخ كان للوقف الإسلامى والمسيحى بالقدس دور كبير فى نشر صروح العلم والتنوير المعرفي، فهل لا يزال هذا الدور موجودًا؟ كانت بداية الوقف التعليمى فى العصرين الأيوبى والمملوكى حيث جرى بناء مدارس تنص وقفياتها على استخدامها للتدريس، وسكن للطلبة وللمدرس وهو عادة أحد علماء عصره، ومع مرور الزمن وتزايد أفراد أسرة العالم، أصبح المكان سكنًا لأفراد عائلته الممتدة، وبقى المكان المخصص للتدريس محدودًا حتى تلاشى، وصار معظم المدارس الوقفية مساكن لعائلات القدس القديمة من أسر أولئك العلماء. يستثنى من ذلك مدرسة "العمرية"، التى بقيت مدرسة حتى الآن وتشرف عليها بلدية القدس الإسرائيلية، ومدرسة "البكرية" التى أصبحت مدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة (المعاقين) وتشرف عليها وزارة المعارف الإسرائيلية، فضلاً عن مدرسة أخرى مهمة فى باب السلسلة تطل على كل من المسجد الأقصى وحائط المبكى كانت فى العصر العثمانى مقرًا للمحكمة الشرعية وإدارة الأوقاف، وهى الآن مقر لحرس الحدود الإسرائيلى، أما الأوقاف المسيحية فلا تزال بعض مبانيها تستخدم للتعليم، وتضم عددًا من أشهر المدارس مثل: الفرير، والأقباط، وطاليطا قومي، ومار يوسف، وترسنطا وغيرها. شاركتم قبل أيام فى مؤتمر بالعاصمة الأردنية حول الأوقاف الإسلامية والمسيحية فى القدس الشريف، فما أبرز ما تمخض عنه المؤتمر؟ المؤتمر كان مفيدًا وسلط الضوء على الأملاك الوقفية الإسلامية والمسيحية فى القدس، والوثائق والسجلات العثمانية بخصوصها فى اسطنبول وأنقرة المتاحة للباحثين، وفى بطون هذه الوثائق كثير من الوقفيات المسجلة لأملاك ووقفيات فى القدس الشريف. وأوصى المؤتمر بإجراء مزيد من البحوث وعدد من الاجراءات الخاصة بالوجود العربى فى القدس والمحافظة على عقارات القدس وحمايتها وصيانتها، خصوصا فى البلدة القديمة. غياب دائرة أوقاف القدس عن المؤتمر برغم أهمية حضورها طرح علامات استفهام كبيرة حول طبيعة العلاقة بين الجهات المناط بها حماية الأوقاف.. فما هى أسباب هذا الغياب؟ لم أجد له تفسيرُا لغياب دائرة أوقاف القدس، والتمثيل الضعيف لوزارة الأوقاف الأردنية التى تتولى إدارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية والمسيحية فى القدس بموجب اتفاقات أوسلو أو اتفاق أردنى فلسطينى خاص، إلا الخوف من توجيه انتقادات لإدارة الأوقاف على الأسلوب الروتينى القاتل فى عملها من جهة، وخوفها من المواجهة المباشرة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلى فى بعض القضايا من ناحية أخرى، وبخاصة ما يتعلق بالحفريات أسفل الحرم الشريف، أو أسفل معظم المدارس الوقفية التى تلاصق أغلبها الجهة الغربية من الحرم، والتى يدعى الإسرائيليون أن فيها امتدادًا لحائط المبكى أو أنها تشكل الحائط الغربى للهيكل، وهو أمر لم يثبت تاريخيًا، أو كنتيجة للحفريات الإسرائيلية والأنفاق المقامة أسفل هذا الحائط، وقد يكون هناك سبب آخر وهو الجو العدائى بين عائلات القدس وإدارة الأوقاف، التى تحاول التصرف بالممتلكات الوقفية للعائلات من طرف واحد مع تهميش لدور هذه العائلات، وحتى تهميش لدور القاضى الشرعى. فى ظل تنامى الانتهاكات الإسرائيلية للأوقاف الإسلامية والمسيحية المحمية بموجب اتفاق جنيف الرابع 1949م ومعاهدة لاهاى 1954م هل يجرى توثيق هذه الاعتداءات؟ ولماذا لا يرى للأمة العربية والإسلامية أى حراك قانونى دولى؟ هناك توثيق لكل الانتهاكات الإسرائيلية، لكن الإسرائيليين يتعاملون بدهاء فى سباقهم مع الزمن لإجراء تعديلات على الأرض، وإزالة وهدم بعض المبانى التاريخية التى تثبت الوجود العربى والإسلامى، كما حصل عندما هدمت الزاوية الفخرية، التى تقع جنوب غرب المسجد الأقصى عام 1968م، وسبقها هدم حارة المغاربة القريبة من هذه الزاوية. أما الحراك العربى الإسلامى دوليًا فهو حراك ضعيف لا يتعدى "الجعجعة" الإعلامية عبر حملات إعلامية وقتية متقطعة، أو اللجوء إلى الأممالمتحدة ومؤسساتها لاستصدار قرارات حماسية تمنع إسرائيل من الاستمرار فى إجراءاتها التهويدية للقدس. لم تنج الأوقاف المسيحية من التدمير والمصادرة بدءًا بحرق الكنيسة المعمدانية وكنيسة القديس بولس الأسقفية، ومرورًا بإحراق المكتبة الإنجيلية، وإقامة مستعمرة "أدوميم" على أراضى الوقف المسيحى قرب العيزرية وأبو ديس، وانتهاء بإقامة مبنى الكنيست والمتحف الإسرائيلى على أوقاف حى الطالبية ودير أبو طور وأبو غوش، ألم تحاولوا إدخال الفاتيكان ودول الغرب وهى مسيحية طرفًا فى هذه القضية؟ تمت محاولات كثيرة سياسية لإدخال الفاتيكان فى صورة ما، لكن وكما يبدو فإن السياسة والمصالح تتغلب دومًا على الإيمان والحق والعدل، إذ لم يفعل الفاتيكان شيئا لحماية أراضى وأملاك المسيحيين، ولا حتى كنائسهم التى تم الاعتداء عليها، وإنما بادر لعمل حوار أديان ليس له جدوى أو قيمة على أرض الواقع، فلم يحقق أى سلام أو عدل. وقام الصهاينة بسرقة تاج السيدة العذراء وحدثت ضجة حينها أجبرت سلطات الاحتلال على إعادته ولكنه عاد بعد انتزاع عدة لآلى ثمينة منه فهل تم استرداد هذه اللآلى؟! هل أنت متأكد من أن مجوهرات كنيسة القيامة قد عادت.. ما أعرفه أن ما سرق من مجوهرات لم تتم إعادته.. طبعًا حدثت ضجة، لكن لم نسمع أو نر إلا القعقعة ولم نر طحنًا! و ل 62 عائلية مقدسية أملاك وقفية وعقارات فى حارة الشرف التى صارت اليوم تعرف بحارة اليهود أو الحى اليهودى بعد أن صودرت فى أعقاب حرب 1967م، أضاعت حقوق هؤلاء وما السبيل فى استعادة حقوق وقفهم؟ الإسرائيليون أصدروا أمرًا بمصادرة هذه المبانى والأراضى الوقفية، وأعادوا ترميمها لتظهر كأنها مبان يهودية الطابع، لم يكن هناك لليهود من أملاك بها قبل عام 1948م سوى 17 عقارًا تقع وسط الحى، أن العالم لم يعترف بضم القدس ولا بمصادرة الأراضى أو الأملاك والعقارات، وهناك العشرات من قرارات الأممالمتحدة التى تخرج إسرائيل لسانها لها قائلة: "بلوها واشربوا ميتها".. جميع القرارات التى اتخذتها الأممالمتحدة لم يكن لها أنياب أو حتى أسنان، لأن أمريكا لا تريد لها إلا أن تكون حبرًا على ورق.. هذه الأملاك العربية هى للغائب الحاضر كما فى شريعة الغاب الإسرائيلية! ثارت أخيرا ضجة فى مصر لقيام وفد صحفى مصرى بزيارة القدس تحت الاحتلال، واتهم أعضاء الوفد بالتطبيع وخرق قرار الجمعية العمومية للصحفيين بعدم زيارة القدس إلا بعد تحريرها، وكمقدسى كيف ترى وأهل القدس هذه الزيارة أهى تطبيع أم مناصرة للحق الفلسطينى؟ زيارة أى عربى أو مسلم للقدس تحت الاحتلال ليست تطبيعًا ولا يمكن أن تكون كذلك ولكنها تعد تضامنًا مع أهلها، فالأعمال بالنيات، وكما قال الراحل الكبير فيصل الحسينى فى إحدى مقولاته: "زيارة السجين لا تعد تطبيعًا مع السجان"، ونحن فى القدس نرحب بزيارة أى عربى قادر على الوصول إليها، فمن يرى القدس ويزورها يعرف ما نتحدث عنه من قضايا ومشكلات، بعكس من يسمع أخبارًا منقولة عن محطات وأجهزة الإعلام، فهذا قد لا يستوعب الكلام أو الموقف بدقة، وقد أسعدنى قبل أكثر من شهر زيارة رئيس الجهاز المركزى للإحصاء فى مصر مع عدد من رؤساء أجهزة الإحصاء العربية، ورافقتهم خلال زيارتهم ورأيت على وجوههم معنى أن يرى الإنسان القدس بنفسه وليس من خلال الفضائيات، ولا أذيع خبرًا إن قلت إننا وجهنا أكثر من مرة الدعوة للأخوة العرب من حاملى الجنسيات الأوروبية والأمريكية لزيارة القدس، فنحن نؤمن بأهمية السياحة الإسلامية والمسيحية العربية للأماكن المقدسة بالقدس، ولا نراها تطبيعًا مع سلطات الاحتلال.