إيهاب عطا «عشرون عاما».. هو ما يمكن أن نحصيه من عمر ظاهرة الدروس الخصوصية ومراكزها فى التعليم ما قبل الجامعى، خصوصا فى مرحلتى التعليم الإعدادى والثانوى بأبعادها المختلفة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، فظهورها وانتشارها فى مطلع التسعينيات كان بسبب تغيير مخططات وزارة التربية والتعليم والتحول من الاهتمام بالكيف إلى الكم وماراثون المجاميع العالية فى الثانوية العامة، لتتخبط الوزارة وتظهر تلك المراكز غير القانونية والتى صارت بديلا لا غنى عنه للمدرسة الحكومية، وأصبحت ميزانية البيت المصرى موجهة بكل بنودها إلى التوفير لصالح الإنفاق على تلك المراكز. فى تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء الصادر فى 2011 عن دخول المصريين وعلاقتها بالعملية التعليمية، كانت المؤشرات تسير كلها فى اتجاه مراكز الدروس الخصوصية، والتى تلتهم ما يزيد على 30 % من ميزانية الأسرة المصرية سنويا، فى محاولة لتعويض النقص الموجود فى آليات التعليم فى مدارس الحكومة. وبحسبة بسيطة لأسرة تتكون من 5 أفراد يكون على الأقل شخصان منهما فى التعليم ما قبل الجامعى، يصل مقدار ما ينفق شهريا على تلك المراكز ما يزيد على 2000 جنيه، حيث إن متوسط المواد الدراسية التى يتعاطى فيها درسا خصوصيا 6 مواد دراسية للفرد، ومتوسط قيمة الحصة فى تلك المراكز 40 جنيها فى الساعة، بمعدل ساعتين أسبوعيا، أى المادة الواحدة تتكلف 70-80 جنيها، وبمعدل 500جنيه للفرد أسبوعيا، وهو ما يعنى أن ولى الأمر مطالب بتوفير مبلغ يتراوح بين 3000-4000جنيه شهريا للدروس الخصوصية، تذهب فى النهاية فى خزينة فئة من المدرسين وأصحاب تلك المراكز، والأمر فى مجمله غير مكلف لافتتاح مركز دروس خصوصية، فلا تحتاج إلا لشقة كبيرة تتكون من 4-5 غرف سعة 30طالبا أو ربما عقار كامل غير مسكون يتم تخصيصه لأشهر المدرسين الذين يتم الحجز لهم مسبقا قبل أن يبدأ العام الدراسى، ويتم توزيع تلك المبالغ الضخمة بنسب معينة بين صاحب المركز وبين المدرس حيث أجمع معظم من يتعامل فى تلك التجارة على أن 5 جنيهات على كل "رأس" أو طالب تذهب كإيجار للمكان، بينما يحتكر المدرس باقى المبلغ من قيمة كل حصة، ما يجعل بعض المدرسين يحصلون على أرقام خيالية شهريا، أزعجت القائمين على العملية التربوية، فجاءت مناداتهم غير المجدية منذ عقود بتجريم تلك الدروس، وتغليظ العقوبة على كل من يضبط بمزاولتها. ورغم أن الأسباب وراء استمرار تلك الظاهرة واحدة لا تتغير، رغم تعدد الإستراتيجيات والخطط لمواجهتها وتجريمها فإنها جميعا جاءت لتعلن فشل الوزارة فى القضاء عليها، ليس جذريا ولكن بأى نسبة نجاح، فالمؤشرات كلها تؤكد أن تلك المراكز فى ازدياد خاصة بعد ثورة يناير 2011، حيث تعطل المدارس والخوف من الذهاب إليها فى بعض فترات التوتر السياسى، وتقليل فترات العام الدراسى خلال العامين الماضيين أدى إلى عدم الاعتماد على المدرسة فى التحصيل، والاتجاه التلقائى إلى تلك المراكز، وزاد منها تخبط الوزارة فى تحديد المناهج وآليات الاختبارات وصعوبتها، ليصبح خبير المادة فى المركز الخصوصى هو شعاع الأمل الذى يراقبه الطالب حتى الخروج من لجنة الامتحانات فى آخر الفصل الدراسى. «الأهرام العربى» استطلعت آراء الطلبة وأولياء الأمور والخبراء المختصين فى تلك القضية حول وجودها وانتشارها بعد ثورة يناير. "عمر أحمد" طالب إعدادى مقيم بالوراق إحدى المناطق الشعبية التى تكثر فيها تلك المراكز يؤكد أنه كطالب ليس لديه بديل ولا غنى عنها ويستعد لها منذ نهاية اختبارات نهاية العام الدراسى وقبل أن تعلن النتيجة فيقوم بالتنسيق مع زملائه للبحث عن مدرسى العام الجديد والاتفاق معهم، حيث يكون الحجز مبكرا وربما لا يجدون مكانا شاغرا لهم، وشهرة المدرسين هى التى تحدد تكلفة الحصة فهناك من يقبل ب 30 جنيها للحصة وآخرون يقبلون ب 40 وكأنها أصبحت تسعيرة ثابتة. «أشرف إبراهيم» طالب ثانوى مقيم بمنيل الروضة يعلن عن وجود أسعار مختلفة وأعلى من سابقتها تماما حيث مستوى المعيشة والدخول اعلى من الوراق فيشير إلى أن أجر الحصة يصل إلى 70 جنيها أحيانا والمدرس يشترط أن تكون حصة واحدة فى الأسبوع للمادة، وإذا أراد الطالب حصة زيادة تكون بأجر أعلى ضمن مجموعة من الطلبة يحددها هو بنفسه، ويشير "أشرف" إلى أن إعلانات هذه المراكز موجودة فى جميع الشوارع وعلى الملأ ولم يتم اتخاذ أى إجراء حيالها، وأكد فى نفس الوقت على أن تلك المراكز هى المكون الأساسى للعملية التعليمية، فلا يتخيل الطالب الدراسة بدونها، خوفا من عدم الحصول على مجموع مرتفع يساعده فى التنسيق. "مريم كمال" طالبة ثانوى بالجيزة تقول إن صاروخ الفيزياء وبروفيسور الإنجليزى وخبير اللغة العربية وأسطورة التاريخ ألقاب شائعة اعتاد المدرسون إطلاقها فى الترويج لأنفسهم، وغالبا ما تبدأ عملية الترويج والدعاية من صاحب المنزل الذى يكون فيه المركز، حيث يبدأ بأقربائه وجيرانه والعائلات المحيطة بهم، وهم من يبدأون فى الحجز والبقية تأتى، وتنوه طالبة الثانوى إلى أن تلك الأسماء هى من قبيل الدعاية ومعظم المدرسين مستواهم واحد والجميع اعتاد تدريب الطلاب على أسئلة يتوقع أن تأتى فى الامتحانات، لكن ليست هناك ضمانة بأن المدرس الخصوصى هو السبيل للنجاح والحصول على مجموع عال، فهى مسألة توفيق واجتهاد من الطالب نفسه، وما هى إلا وسيلة لتعويض النقص الذى يحدث فى الفصل فى توصيل المعلومة. "إمام على" طبيب يعترف بأنه لا يستطيع أن يمر العام الدراسى دون أن يكون أبناؤه قد أخذوا ولو درسا خصوصيا واحدا فى تلك المراكز، فبدونها يشعر بالقلق طول العام خصوصا على ابنته الطالبة فى الصف الثانى الثانوى، لأنه لا يثق فى جهد المدرس فى المدرسة الخاصة التى تذهب إليها ابنته رغم اختلافها عن المدارس الحكومية، لكن هاجس التنسيق والمجموع العالى وما يتكرر كل عام فى بيوت المصريين يجعله يطمئن أكثر فى حال متابعة ابنته مع الخبراء فى تلك المراكز، على حد قوله. "هدى عبد الظاهر" ربة منزل تشكو من تكلفة تلك المراكز وضغطها على ميزانية الأسرة مما يتسبب فى خلل فى تلبية باقى احتياجاتها وتعتمد طول الشهر على الاقتراض من الجيران، ومهما كانت تكلفتها لا تستطيع أن ترفض طلب أبنائها الثلاثة فى أخذ دروس خصوصية لمجرد أن زملاءهم يأخذون هذه الدروس، ولا تستيطع تحمل نتيجة التقصير فى هذا الواجب نحو أبنائها. السيدة "أمنية" أبدت اعتراضها على أداء وزارة التربية والتعليم ووزرائها المتعاقبين والذين تعتبرهم السبب الرئيسى وراء كل ما يعكر صفو الأسرة المصرية سواء الدروس الخصوصية وما تتكبده من مصروفات شهرية او توتر موجود طول العام انتظار لفترة الاختبارات، وأكدت أنها لا تنتظر أى فائدة من تصريحات الوزراء حول القضاء على تلك الظاهرة، فهى ليست وليدة اليوم، وكل الوزراء كانت تصريحاتهم واحدة ومتشابهة ومازالت الدروس الخصوصية موجودة، رغم أن القانون موجود ويجرمها ورغم أن خطط الوزراة تقوم على تخفيف الأعباء عن الأسرة المصرية. ومن الناحية الاقتصادية يرى الخبير الاقتصادى د.حمدى عبد العظيم، أن الدروس الخصوصية أصبحت عنصرا من عناصر العملية التعليمية شئنا أم أبينا، وهى تذكرنا بقضية الأجور وحديها الأقصى والأدنى، وملف مستشارى الوزارات المثار منذ فترة، فمراكز الدروس الخصوصية والتى اكتشفنا أن من يقف وراءها هم كبار المسئولين فى وزراة التربية والتعليم وهم المستفيدون منها، فهل سيتخلى هؤلاء عن تلك المبالغ الطائلة التى يحصلون عليها سنويا؟! ويبين «عبد العظيم» أن مواجهة تلك المشكلة لا تقتصر على سن قوانين أو عقوبات ولكن تحتاج مواجهة مجتمعية، تمثل وزارة التربية والتعليم فيها رأس الحربة، وربما يكون كادر المعلمين الذى تم تطبيقه هو أول خطوة فى علاج تلك الظاهرة