علاء الخضيرى يعد ناصر أمين الناشط الحقوقى وعضو لجنة الخمسين الاحتياطى واحدا من القلائل الذين زاروا الرئيس المعزول محمد مرسى وقت احتجازه قبل المحاكمة وشهد على حسن معاملته. أمين الذى يرأس المركز العربى لاستقلال القضاء والمحاماة، أكد فى حواره الخاص ل«الأهرام العربى» أن محاكمة الرئيس المعزول د. محمد مرسى قانونية مائة بالمائة لأنه يحاكم فى قضية جنائية. كيف ترى محاكمة مرسى؟ وما الفارق بينها وبين محاكمة مبارك؟ وهل توافرت لها ضمانات المحاكمة العادلة؟ محاكمة مرسى تخضع لذات القواعد التى حوكم بها نظام مبارك وهى محكمة وطنية محلية منشأة ومكونة من قضاة مصريين تم تعيينهم قبل المحاكمة، كما أن المحكمة ليست محكمة خاصة فهى منشأة قبل وقوع الحدث وتلك أهم معايير المحاكمة العادلة حتى لا يتم التعنت بشأن المتهم وإنشاء محكمة خاصة له لمحاكمته كما فعل الأمريكان مع صدام حسين. الأمر الآخر أن كليهما يحاكم وفق القانون الطبيعى وليس بقانون استثنائى فهما يحاكمان حسب قانون الإجراءات الجنائية وقانون العقوبات المصرى، وبالتالى يسمح لها بنفس الحقوق التى يتمتع بها المتهم العادى من حقوق الدفاع وغيره من قواعد المحاكمة العادلة مثل الاتصال بمحاميه والزيارات العائلية وكلها إجراءات موجودة قبل المحاكمة ولم تنشأ بعدها. هل تؤثر الظروف المحيطة بالمحاكمة عليها؟ وهل يمكن أن تتعرض المحكمة لضغوط وهى تنظر تلك القضية؟ المحكمة تحدث فى ظروف بالغة الصعوبة فهناك صراع فى الشارع، وهناك حالة من السيولة فى بعض الأوقات، وتلك مسألة قد تؤثر على مجريات المحاكمة بشكل أو بآخر ، والأمر مرهون بثبات وقوة وحياد المحكمة وإلى أى درجة تتأثر بالرأى العام خارج المحكمة. هل الظروف المحيطة بمحاكمة مرسى تختلف عن الظروف المحيطة بمحاكمة مبارك؟ وما أثرها؟ بالفعل هناك فارق كبير بين المناخ الذى جرى فيه محاكمة مبارك وبين الظروف التى تلازم محاكمة مرسى. ففى محاكمة مبارك كانت المحاكمة تجرى فى ظروف بالغة الصعوبة، وصراع فى الشارع واستقطاب حاد وسيولة سياسية وكلها من المجريات التى أثرت على المحاكمة بشكل أو بآخر، والآن تحيط ظروف صعبة أيضا بمحاكمة مرسى وصلت لمظاهرات شديدة حول المحكمة بل وصلت إلى حصار منزل عضو اليمين بالدائرة التى تنظر القضية أكثر من مرة فى حاولة لإرهاب القضاة والتأثير فى عزيمتهم وإثنائهم عن نظر القضية بالضغط عليهم ولاشك أن ذلك سيزيد القضاة إصرارا على السير فى نظر القضية. ولاشك أن محاصرة منزل القاضى جريمة جنائية يعاقب عليها القانون بتهمة التأثير على سير العدالة وإهانة المحكمة. وهذه الممارسة ليست جديدة على الجماعات المتشددة نسخة مكررة منذ اغتيال القاضى أحمد الخازندار على يد جماعة الإخوان بعد أن قضى بحلها وفى التسعينيات شهد الصراع بين الدولة والجماعة الإسلامية المسلحة مشاهد مكررة وصلت إلى قيام الجماعة بوضع قضاة المحكمة التى تنظر قضاياهم سواء كانت مدنية أم عسكرية على قوائم الاغتيال، ومن بينهم القاضى سعيد العشماوى الذى توفى أخيرا وكان يترأس محكمة أمن الدولة طوارئ والقاضى عبدالراضى أبوليلة وغيرهما مما حدا الدولة بوضع حراسة مشددة على هؤلاء القضاة. ولاشك أن كل ممارسات الإخوان لوقف المحاكمة ستشفل بشدة لأن عزيمة العدالة قوية والقضاة لا يخشون إلا الله، وهذه الممارسات تقوى القضاة ولا ترهبهم. والأمر الذى يجب الإشارة إليه أن محاكمات الإخوان فى عصر مبارك كان يصاحبها تعاطف شعبى واضح بسبب معارضتهم لمبارك، لكن الأمر مختلف الآن تماما لأن خصومتهم أصبحت مع الشعب وليس النظام بعد أن كشف حقيقتهم عقب وصولهم إلى السلطة. هل تمنع حصانة الرئيس مساءلته قانونيا فى جريمة جنائية ونحن نرى فى الكثير من دول العالم مثول رؤساء جمهورية أو حكومات وهم فى السلطة أمام المحكمة بل وإدانتهم؟ لقد تغيرت فكرة الحصانة والمشروعية الممنوحة للرؤساء منذ عام 98، وذهب الفقه الجنائى إلى إنهاء فكرة إحتماء القادة والرؤساء بالحصانة والمشروعية الممنوحة لهم من قبل الشعب حتى أصبحت تلك الحصانة الإجرائية تسقط تلقائيا بمجرد توجيه الاتهام من المدعى العام بارتكاب جريمة جنائية. والحقيقة أن تلك الحصانة تمنح لخدمة الشعب لا للوقوف بها ضده عند مطالبته بحقوقه فلا حصانة ولا مشروعية لرئيس يرتكب جرائم ضد شعبه بل لرئيس يخون القسم الدستورى الذى أقسم على احترامه. ولا شك أن رئيس أنهى دولة القانون، كيف يطالب الآن بحقوقه القانونية المسماة بالشرعية، فالرئيس أيا كان يتحول إلى آحاد الناس عند مثوله أمام المحكمة الجنائية. وماذا بالنسبة للرئيس المعزول مرسى؟ واقعة قتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية التى يحاكم فيها مرسى والتحقيق فيها وقعت فى ديسمبر الماضى، وقت أن كان مرسى فى السلطة وتم تحريك الدعوى منذ ذلك الحين فحتى لوكان فى السلطة يمكن أن يحاكم جنائيا لهذا السبب فتلك المحاكمة منعزلة عن الشرعية السياسية والدستورية. البعض يتهم المحاكمة بأنها سياسية؟ هذا جهل بالقانون والمحاكمة السياسية أجراها الشعب عندما خرج المصريون فى أكبر تجمع بشرى ضد نظام الإخوان ورئيسهم مرسى والشعب هو من حكم بالإعدام السياسى على مرسى وجماعته بهذا الخروج وهو ما يشبه المحلفين فى القضاء الغربى وشهدوا بأنه مذنب ومدان وخروج الملايين فى 30 / 6 أسقطت المشرعية عن مرسى ونظامه. فى قضية مبارك هاجم ممثل الادعاء أجهزة الدولة الأمنية التى لم تتعاون فى تقديم أدلة إدانة المتهمين، هل ترى الموقف مختلفا مع محاكمة مرسى بالطبع بالنسبة للأجهزة الأمنية؟ فى محاكمة مبارك كانت مصر فى حالة من السيولة التى ضربت جميع مؤسسات الدولة وشهدت البلاد ارتباكا وفوضى شديدين، الأمر مختلف فى حالة مرسى فجهاز الشرطة المصاب بالانهيار تعافى بنسبة تجاوز ال 80% والنيابة والجهاز القضائى تعمل بكامل طاقتها والأجهزة المعاونة والدولة عادت قوية والمؤسسات رجعت لدورها الطبيعى سينعكس على تقديم قضية مكتملة إلى المحكمة وأدلة إدانة قوية فى قضية مرسى. كيف ترى رفض مرسى توكيل محامين للدفاع عنه؟ وما أثره على سير المحاكمة؟ حضور المحامى مع المتهم حضور وجوبى فى القضايا الجنائية أمام محكمة الجنايات وهو ضمانة للمتهم ويجب أن تتأكد المحكمة فى أولى جلسات المحاكمة من وجود محامى للدفاع عن المتهم، وفى حالة عدم قبول المتهم لمحامى تستطيع المحكمة ندب محام كفء للدفاع عنه ويقبله المتهم وفقا لقانون الإجراءات الجنائية، ويمكن أن تترك الدفاع للمتهم عن نفسه بالأصالة مباشرة عن نفسه وليس بوكيل، فضمانة المحامى ضمانة للمتهم حتى لايخطئ أثناء مرافعته بأمور فنية يجهلها تؤثر على موقفه فى القضية، وذلك حرصا منها على مصلحة المتهم فهى الأمينة عليه وبعد تنبيه المتهم لخطورة دفاعه عن نفسه دون علم بالقانون فيمكن أن تتركه وشأنه بالترافع عن نفسه بالأصالة ويتحمل هو تبعات ذلك. وبالنسبة لتعطيل المحاكمة بمثل هذا الإجراء فهو وهم، فالمحكمة لديها بدائل قانونية ويمكن أن تحاكم من يعطل سير المحاكمة ولن تتعطل المحاكمة يوما واحدا ولاشك أن مرسى سيحاكم فى قضايا أخرى يمكن أن تكون أمام هذه الدائرة أو أمام دوائر أخرى وفقا لنصوص القانون. توقع البعض وصول محاكمة مبارك إلى البراءة منذ البداية ماذا بالنسبة لمرسى؟ بالطبع لا يستطيع أى من كان أن يتوقع حكما نهائيا من محكمة، لأن ذلك هو اعتداء على سلطة القاضى الذى ينظرها. لكن هناك ملحوظة يجب الالتفات إليها ستؤدى أن يكون مآل المحاكمتين لمبارك ومرسى بالبراءة، وهذا الأمر لا يرجع فى وجهة نظرى لبراءة ذمتهما، ولكن لخطأ جوهرى فى النظام القضائى المصرى يجعل القاضى قليل الحيلة بسبب القصور فى قانون العقوبات المصرى، فعندما وضع هذا القانون فى أربعينيات القرن الماضى تنبأ بكل أنواع الجرائم التى ترتكب ما عدا جريمة النظام ضد شعبه، فأصبح القاضى الذى ينظر جريمة قتل المتظاهرين المتهم بها مبارك ومرسى عاجزا عن تحقيق العدالة لغياب نص قانونى واضح فى هذا الشأن فهى جرائم ضد الإنسانية. والنيابة اضطرت مجبرة أن تحيل المتهمين إلى المحاكمة بتهمة القتل العمد وهى تهم لا تنطبق على الجرائم التى وقعت لغياب النص الحاكم. فعندما يحال المتهمون إلى القاضى سوف يطبق القواعد التى اعتاد عليها مائتى عام فى الحكم فى قضايا القتل العمد وهى قواعد راسخة، ولا يجرؤ قاض على تجاوزها، فالشك يفسر لصالح المتهم والقاضى عليه عبء ثقيل جدا فى محاولة تحقيق العدالة ولذلك رأينا كم البراءات فى قضايا قتل المتظاهرين لشيوع التهمة. ومع غياب الفاعل الأصلى وعدم وجود نصوص قانونية قاطعة فى الجرائم ضد الإنسانية فيتم تطبيق قاعدة القتل العمد، وإن لم تنطبق القواعد القانونية على الجريمة تكون البراءة. ويمكن أن تنتهى محاكمة مبارك فى 2015 ومرسى فى 2017 على أقل تقدير بعد أن تصل القضية إلى محكمة النقض المصرية كمحكمة موضوع وهى لديها مبادئ مستقرة فلا عقوبة ولا جريمة إلا بنص فالقاضى يستوثق من الفعل المادى وفى حالة عدم القدرة على الثبوت تكون البراءة. لكن المحكمة قضت بالمؤبد على مبارك وبالإعدام على حبيب العادلى فى قضية قتل المتظاهرين قبل أن يتم نقض الحكم؟ القاضى اجتهد جدا فى الوصول إلى تلك النتيجة وعدم ضياع حقوق الشهداء من خلال فكرة الفعل السلبى وهو الامتناع عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية المتظاهرين برغم علمه بالوقائع لكن عندما طعن على الحكم تم نقضه. ماذا عن إنشاء مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالقاهرة ورفض البعض لهذا الأمر والتخويف منه؟ أن يكون لدينا مكتب إقليمى للمفوض السامى لحقوق الإنسان فهذا انتصار للقيم الديمقراطية وإثراء للسمعة المصرية بأنها تلتزم بقيم حقوق الإنسان، فقد كان الأمر مطروحا منذ عام 2007، حيث جرت مفاوضات بين وزارة الخارجية المصرية وبين المفوضية السامية لحقوق الإنسان. وبالنسبة لمن يرفضون هذا الأمر فلا شك أنه جهل بطبيعة عمل المفوضية السامية لحقوق الإنسان التى لا تفتح مكاتب لها سوى فى الدول التى لديها سمعة فى احترام حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية. ولاشك أن مصر بهذه الخطوة تؤكد سيرها فى الاتجاه الصحيح، وأن الإدارة المصرية لديها إرادة سياسية فى عدم انتهاك حقوق الإنسان، وأنها لا تخشى من يراقب أوضاع حقوق الإنسان فى مصر. وماذا بالنسبة للصراع الدائر بين الهيئات القضائية ووضعها فى الدستور سواء بين مجلس الدولة وهيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة؟ هذا خطأ حدث بسبب الجمعية التأسيسية الماضية، والذى حدث أن جماعة الإسلام السياسى عندما وضعت دستور 2012 أرادت تمريره بأى ثمن فعقدت صفقات مع كثير من الجهات والهيئات بتقديم حصانات ومزايا لها فى الدستور دون الالتفات إلى القواعد المجردة لوضع الدساتير، وتأسيس النظام الديمقراطى لكنها لم تكن مهتمة بذلك بل استسهلت منح عطايا دستورية لتلك الجهات. وتواجه الجمعية التأسيسية هذه الأزمة مع الجهات التى حصلت على تلك الاستحقاقات فى دستور 2012 وعلى اللجنة ألا ترضخ لهذه الضغوط وأن تواجه هذا الأمر بشجاعة دون الاعتداد بمن يهاجم الدستور أو يقوم بالابتزاز للموافقة عليه، فلا يجب أن يكون الدستور مطية للمساومات والضغوط الانتهازية.