أشرف بدر استنفدت شعوب الربيع العربى كل محاولات الترميم والدهانات والمساحيق لإنجاح ثورتها، ولم يعد أمامها من سبيل سوى هدم الجدران القديمة المتهالكة التى شهدت عمليات «الصلب والجلد» لأجساد، وضمائر حية محبة للوطن، وغيورة على حقوقه ومكتسباته. كما لم يعد أمامها سوى هدم معابد تجار الدين والسياسة الذين يريدون أن يكونوا زعماء، وهدم صوامع ومعاول الإعلاميين الذين يشعلون نيران الكراهية من أجل ثمن بخس ودراهم معدودة، ومقاطعة فضائيات الفتنة وصحف "المقاولات"! وعلينا أيضا تغيير مفاهيم شباب يعتقد أن بلاده مجرد ملعب كرة قدم، تتنافس في مدرجاته جماهير مشاغبة ومأجورة، ويريد أن يكون طرفا فى هذا التنافس غير الوطنى وغير الشريف، وكذلك شباب "تويتر وفيسبوك" الذين يعتقدون أن بلادهم مجرد صفحة إلكترونية، يكتب ضدها ما يشاء ويسىء إلى من يشاء ووقتما يشاء الغير، أو المغالين والمندفعين وراء تياراتهم دون تعقل. لقد مللنا من نخبة يأخذ بعضها برقاب بعض عندما تتعارض المصالح، وسرعان ما ينكشف أمرها ويُذاع سرها، ومن حكومات تحكم على أنها صاحبة تفويض إلهي، تترك كل شىء لقلة تقتلها التخمة، وتمنع عن جموع يقتلها الجوع والفقر والمرض، وناشطين ينفخون فى كير الطائفية التى أرادوها حليفاً ومناصرا لمسعاهم، فأبت واستعصت عليهم. نعلم أن أعداء الإسلام والعرب كثر، وهم من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا، ومن بنى جلدتنا ومن أبناء العمومة والجيران وفى كل مكان، وكلهم متحالفون على إيقاعنا فى الفرقة والتقسيم والشرذمة لذا لابد من وقفة حاسمة لوقف مآتم الغدر. لقد فات وقت السكوت، وحانت ساعة الإحلال والتجديد، وإعادة البناء والتأسيس لكل مناحى حياتنا وفقاً لمعايير سليمة، واعتبارات أخلاقية ودستورية ودينية، لا استثناءات فيها إلا بالانتماء والإخلاص والولاء للكيان الوطنى الكبير الذى أهم مواد بنائه "التضحية". لقد "زهقنا" ذكرى"المأتم" التى ينصبها المنتفعون، والمستعمرون الجدد لنا كل يوم بأسماء مختلفة، ومضامين ظاهرها "الاحتفاء بالثورة وشهدائها" وباطنها "التخريب" ونشر الفوضى والإفساد، والانصياع لحكومات مرتعشة، وقرارات قدمناها على مصالحنا وأنفسنا، وعندما فعلنا كنا"وطنيين "، وعندما رفضنا أصبحنا من "المندسين ".. تنازلنا عن آرائنا للرأى الأصلح، وإن كان ممن يخالفوننا الرأى، وأعطينا ما فى وسعنا لنسع الآخرين، لكن لم تعترف المعارضة ومن يقف وراءها بأنها أسهمت بشكل فاعل فى تعطيل وإعاقة التنمية والديمقراطية والحرية بسبب الصراخ والتأزيم غير المبرر منها، وأن كثيراً من المستثمرين الأجانب انسحبوا باستثماراتهم وأعمالهم إلى دول أخرى لهذا السبب، وهرب من قبلهم رجال الأعمال من أبناء البلد للأسباب ذاتها. وإذا تحدثنا عن قلب ثورات الربيع النابض "مصر" فإن شعبها ليس فى حاجة إلى مد يديه إلى الأيادي المضرجة بالدماء التى تدق على باب" التسامح السياسي " المزعوم، وتروج له نخبة مستفيدة لتخفي بها عوراتها وعجزها وفشلها، وتعلق على أستارها أخطاءها وخطاياها، حتى تستطيع أن تواصل زحفها المقدس في التشبث بالسلطة، ولكي تصرف الأنظار عن المساءلة والحساب والعقاب، وهو نهج يسميه الكاتب السودانى فتحى الضو "ممارسة "ثعالب العصبة" أو"ديمقراطية رأس الذئب الطائر"، بحيث تستحوذ على السلطة التنفيذية لإفطارها، والسلطة التشريعية لغدائها، والسلطة القضائية لعشائها، ومع ذلك يطيب لها التحدث عن التسامح السياسي الذى يقف على أسنة الرماح، وسرعان ما يتحول بقدرة قادر إلى رصاص وهراوات وغاز مسيل للدموع مخلوط بدماء تقطع نياط القلوب. إن النجاح الحقيقى لثورتى 25 يناير و30 يونيو بمصر هو البدء فى العمل، وعدم الانجرار وراء دعوات الهدم، والتظاهر وبيع الضمائر، وتكميم الأفواه، وإصلاح ما خربه الفسدة،.. فقد مضى وقت "العزاء، ولطم الخدود وشق الجيوب، وفتح سرادقات النحيب والولولة"، فمن يسع لإقامة "ميتم"للثورة وهدمها، يرد أن تظل الشعوب مرتدية ثوب الحداد ومتشحة بسواد القلوب والعقل والضمير، ولا تفكر فى الحاضر أو المستقبل، وأن يكون الثأر من الأخ وابن العم والجد والجار والصديق هو المبتغى والمسعى!! وعلينا أن نذُكر كل مخلص لوطنه، أن شعب مصر الأبى، بعد أن فجر ثورته العظيمة فى 25 يناير مطالباً بحقه فى الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، لم يتردد فى أن يتدفق بالملايين، فى وثبة شعبية ثانية لاستعادة ثورته ووضعها على مسار يستجيب لطموحاته وتطلعاته إلى التنمية والتقدم، وعليه بأن يفخر أن أقدامه أصبحت الآن فوق كل أعناق المتآمرين، والمتاجرين بأمن مصر، واستقرارها. كما عليه ألا يفقد الثقة فى قدرات شعبه مهما وقع من ضحايا وشهداء بين صفوف الجيش والشرطة، وطلاب الجامعات، وركاب القطارات والأتوبيسات، ومهما كلفتنا فواتير الغدر والخسة، من فصيل أعطيناه أصواتنا، ليحكمنا بشرع الله، فحكمنا بشريعة حماة الإرهاب" أوباما، وأردوغان، وآشتون، ونيتانياهو". إننا نقول لكل المتربصين بمصر ومموليهم: إن كيدكم سيرد إلى نحوركم، وكم من معتد حاول النيل منها لكن خاب رجاؤه، ومهما كانت أفعالكم فلن تكون سوى نقطة فى محيط مصرنا التى أعلى الله ذكرها فى كتبه السماوية، أو شعاعا فى شمسها، أو خيطا فى نسيجها، أو رملة فى صحرائها، أو حرفا فى تاريخها أو همسة فى ذكرها.