السيد رشاد من حق ملايين المصريين أن يتساءلوا: ما تلك اليد الخفية التى تمنع الاقتراب من تعمير سيناء؟ وتحرم مصر والمصريين من تنمية حقيقية تعوضهم عن عقود طويلة من الإفقار وإهدار الثروات وسرقة المقدرات، وإلا فبماذا نفسر تعمد أو عجز أو فشل أو تواطؤ الأنظمة السابقة وحكوماتها بلا استثناء فى إدارة ملف تنمية سيناء منذ تحريرها فى السبعينيات وحتى الآن؟ ومن حق المصريين أن يحاسبوا المسئولين عن استمرار هذه اليد الآثمة تعمل وبقسوة على تمزيق سيناء وفصلها عن الوطن الأم؟ وسط هذا كله يأتى مشروع قناة طابا العريش للواء مهندس سيد الجابرى، طوق نجاة لتنمية سيناء ومصر كلها بمشروع يعيد إلى الأذهان المشروعات القومية الكبرى وفى مقدمتها السد العالى، وينقل مصر إلى مصاف الدول الكبرى اقتصادياً، ويحمى أمنها القومى إستراتيجياً، ويحارب أطماع إسرائيل، ويقضى على مشكلة الأنفاق، كل ذلك دون أن يكلف ميزانية الدولة شيئاً. وإذا كان إنشاء قناة بين طابا والعريش تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، مشروعاً قد يثير الدهشة، من غرابة الفكرة، وبعض المخاوف من ردود أفعال إسرائيل، وحجم التمويل والمسارات المقترحة وتأثيراتها على البيئة، وآثار بعض الكوارث الطبيعية التى قد تحدث مثل الزلازل وغيرها من مخاوف مشروعة، فإننا نطرح هذه المخاوف على نخبة من الخبراء فى مختلف التخصصات ليوضحوا أبعادها، وكيفية مواجهتها وتلافى سلبياتها، لكن يبقى المشروع أشبه بثورة تنموية حقيقية، تليق بطموحات وأهداف شعب قام بثورتين من أجل أن يسترد مقدراته فى يده، ولن ينتظر طويلاً حتى يحقق أهدافه المشروعة. يقول اللواء محمد رشاد، الخبير الإستراتيجى: تمثل القناة مانعاً مائياً عملاقاً يرتكز عليه خط الدفاع الأول عن مصر، وبذلك ينتقل هذا الخط من منطقة المضايق القريبة جداً من قناة السويس حيث ممرى "متلا والجدى" إلى المنطقة "ج" على الحدود مع غزة وبعمق يصل إلى 170كم شرق قناة السويس، وهو ما يؤدى أيضاً إلى حرمان إسرائيل من استخدام قواتها المدرعة والمشاة الميكانيكية كقوة رئيسية ضاربة للقوات البرية. ويحرمها من عمليات الالتفاف والتطويق والقيام بالمعارك، والحد من القدرات القتالية للقوات الإسرائيلية لنقل المعركة من داخل حدودها إلى سيناء. ويحذر د. أحمد دويدار، أمين عام اتحاد الجامعات العربية من الوضع الحالى للنقل البحرى فى الشرق الأوسط ينبئ بنشوب حرب جديدة بين طريق قناة السويس، وطريق رأس الرجاء الصالح، بهدف الحصول على أكبر قدر من كعكة ناقلات البترول العملاقة التى تعجز قناة السويس بوضعها الحالى عن استيعابها، وإذا استمر هذا الصراع بلا مواجهة من مصر، فسوف تفقد قناة السويس نسبة كبيرة من دخلها البترولى مما يجعل وضعها فى المستقبل حرجاً، وتأتى القناة الجديدة طابا العريش لتحل هذه المعضلة، بإنشاء قناة مصرية تستوعب الناقلات العملاقة التى تعجز عن استيعابها قناة السويس، وبالتالى فالقناتان متكاملتان وليستا متنافستين، وفى الوقت نفسه توقف محاولات إسرائيل الدائمة بإيجاد بديل لقناة السويس، كالقناة التى تحلم بإنشائها بين خليج العقبة والبحر المتوسط لتخرج بها قناة السويس من التجارة العالمية، وبهذا ستصبح قناة طابا العريش عموداً فقرياً للأمن والتنمية معاً فى سيناء. فى السياق ذاته يتهم د. عبدالمنعم ريحان، مدير عام آثار سيناء إسرائيل بمحاولة سرقة مشروع قناة طابا العريش، وحرمان مصر من ممر مائى عملاق يحمى حدودها الشرقية، وذلك بإعلانها عن إنشاء مشروع لمد خط سكة حديد بين تل أبيب وإيلات لربط البحر الأحمر بالمتوسط بامتداد 350كم، يكون همزة الوصل بين آسيا وأوروبا، وهى ذات الفكرة التى طرحها المهندس سيد الجابرى مراراً، ولم تجد من ينفذها حتى الآن من الحكومات المتعاقبة، برغم أنها لن تكلف الاقتصاد المصرى شيئاً وستدر عوائد هائلة، أبرزها إحياء المناطق السياحية والأثرية فى سيناء، ويدعو د. ريحان الحكومة المصرية المقبلة أن تسارع إلى تنفيذ المشروع قبل أن تشرع إسرائيل فى تنفيذ مخططها لحرمان مصر من عوائد قناة السويس. ويرى د. محمد رياض، أستاذ الجغرافيا البشرية بجامعة عين شمس، أن مشروع قناة طابا العريش سيغير وجه الحياة الاقتصادية والاجتماعية لا فى سيناء وحدها، بل فى مصر كلها، حيث سيوفر فرص عمل كبيرة جداً ومن مختلف المستويات والفئات، إلى حد أن كل بيت مصرى سيكون له نصيب منها وأيضاً سيدخل مصر مجال الصناعات البحرية من أوسع الأبواب، وستقوم على نواتج الحفر ومخلفاته، صناعات كثيرة ذات جدوى اقتصادية عالية، كذلك سيترك لمصر رصيداً هائلاً من مشروعات الطاقة المتجددة القائمة على توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية، ومياه البحر مما يوفر قدراً كبيراً من الطاقة لشرق سيناء بالكامل، وكذلك يسهم فى تحلية المياه لاستخدامها فى الشرب والزراعة وغيرهما، من الاحتياجات البشرية، فضلاً عن إنشاء مشروعات زراعية وممرات تنمية وطرق سكك حديدية تربط سيناء بالدلتا. ويطالب د. محمد رياض، بإنشاء ميناءين عملاقين على طرفى القناة وعمل التكيف القانونى لإدارة المشروع فى مراحله التنفيذية المختلفة فى ضوء المصلحة القومية. ويشير د. محمد أحمد الحداد، الخبير البحرى وعضو الجمعية العربية للملاحة، أن قناة طابا العريش سيحقق مجتمعاً متكاملاً فى سيناء، وسينتج عنه مشروعات عالية القيمة المضافة، خصوصاً فى المراكز اللوجستية، وأحواض صيانة وإصلاح السفن والوكالات البحرية، بما ينقل مصر من دولة لها نشاط بحرى إلى دولة بحرية مثل اليونان والنرويج، كما سيغير المفاهيم والمعايير البحرية فى العالم. ويوضح د. إبراهيم القصاص، أستاذ الجولوجيا، أن المنطقة التى تمر بها قناة طابا العريش غنية بخامات عديدة يمكن إقامة عشرات الصناعات عليها مثل الحجر الجيرى والرلوميت والطفلة والجبس والأملاح التبخرية والرمال والزلط والبازلت والجرانيت والرمال السوداء وهى ذات قيمة اقتصادية عالية جداً لاحتوائها على العديد من المعادن، كما يمكن إنشاء العديد من الجامعات ومراكز البحوث المصرية والأجنبية فى مجالات الجولوجيا والتعدين والتربة والجغرافيا والنباتات والبيئة الصحراوية، تجذب المهتمين والباحثين والدارسين من كل أنحاء العالم، فضلاً عن إنشاء طرق برية واستصلاح الأراضى القابلة للزراعة. ويذكر د. إبراهيم القصاص، أن المشروع عرضة لبعض المخاطر الطبيعية مثل الزلازل والسيول وزحف الكثبان الرملية، عمليات تآكل الشواطئ، وهبوط الأراضى نتيجة السحب الجائر للمياه الجوفية، وحدوث انهيارات لكتل صخرية فى بعض المناطق الجبلية لاحتلال النظام البيئى حولها، وبرغم صعوبة التنبؤ بحدوث معظم هذه المخاطر وتوقيت وقوعها بدقة، فإنه من الممكن اتخاذ تدابير ومعايير خاصة، واستخدام تكنولوجيا مناسبة لتجنب آثارها الضارة، وحتى لا تعرقل هذا المشروع الحيوى، ومن هذه التدابير عمل خريطة طوغرافية كنتورية للمنطقة، وأخرى لأشكال سطح الأرض، وخريطة للوديان ومجارى التصريف السطحى الطبيعى، وخريطة جيولوجية لتوزيع الصخور بأنواعها وتتابعاتها وتركيبة الصدوع والكسور والتشققات الأرضية، وخريطة للنشاط الزلزالى، وأخرى لاستخدام الأرض وغطائها وكذلك خريطة للجيولوجيا الهندسية. ويتفق معه د. عبده البسيونى، أستاذ الجولوجيا منبهاً لضرورة وضع بروفيل طبوغرافي لمسار المشروع على أن تؤخذ قطاعات الآبار كاسترشاد للتكوين الجيولوجى، مع إجراء فحوص معملية لمعرفة خواص التربة الميكانيكية والكيميائية، مع إيجاد مصنع صغير متحرك لتصنيع الديناميت السائل لتقليل تكلفة نسف الصخور الجبرية، مع استخدام حفارات ميكانيكية للصخور الرملية الضعيفة والطفلة المتماسكة، وبهذا ستنخفض تكلفة الحفر إلى الثلثين مقارنة بالوسائل التقليدية. ويشدد د. عبده البسيونى، على التعامل الإعلامى مع هذا المشروع بأسلوب حذر وعلمى، والأهم لا يثير عقد أو أحقاد الأصدقاء والأعداء، بل الترويج له باعتبار القناة جسراً للسلام وخدمة غير مسبوقة للتجارة الدولية بين القارات، مؤكداً أن هذا المشروع العملاق سينقذ اقتصاد مصر الذى تدهور خلال العقود الأربعة الأخيرة. ويعدد د. محمد حبشى، خبير التخطيط العمرانى بالأمم المتحدة إيجابيات مشروع قناة طابا العريش فى أنها ستغير جغرافية سيناء وتحولها من شبه جزيرة إلى جزيرة، وهو تغيير لطبيعتها الجغرافية التى ظلت عليه منذ آلاف السنين إلى طبيعة جغرافية مستحدثة تحقق الكثير من الفوائد مما يدل على ثورية المشروع وتبنيه للفكر الحديث فى التنمية، وهو ما نحتاجه الآن فى مصر بشدة، أيضاً المشروع سيفصل سيناء عن الأراضى الفلسطينية المحتلة، ويوقف أطماع إسرائيل وغيرها ويقضى على مشكلة الأنفاق والتهريب عبرها فى هذا الإقليم، وفى المقابل سيربط سيناء مكانياً بباقى الأقاليم المصرية، كما أنه سيجذب 50 ٪ على الأقل من السفن والحاويات التى تمر برأس الرجاء الصالح، وتحويل مثلث رفح العريش طابا إلى مثلث تنمية ذهبى لا نظير له عالمياً، وسيرفع المشروع القدرة التصديرية لمصر من الخامات التعدينية والمعدنية، فضلاً عن الاكتفاء الذاتى المحلى، والقدرة على اجتذاب صناعات واستثمارات أخرى عديدة مرتبطة بهذه الأنشطة، والأهم قدرة المشروع على التمويل الذاتى من خلال عوائد نواتج الحفر من خامات اقتصادية بما لا يحمل ميزانية الدولة أية أعباء.