محمد هلال هل خان المصريون تراثهم الشعبى حين انقلبوا على جماعة الإخوان؟ والمصريون هنا المقصود بهم الشعب المدنى وجزء الشعب المجند.. بين قوسين القوات المسلحة، لذا يقول العامة «الخدمة العسكرية» يعنى من يمسك البندقية للنصر أو الشهادة ليخدم بها من مسكها قبله أو من سيتسلمها بعده، يعنى ليسوا مارينز ومستأجرين، فهم وأهلوهم فى رباط إلى يوم القيامة، كما يصفهم الحديث الشريف..التراث الشعبى الضارب فى عمق الزمن للمصريين يقول: «اللى يتجوز أمى أقول له يا عمى».. فلماذا لم يقل المصريون للدكتور مرسى يا عمى حتى تنتهى مدته الشرعية الأولى؟ رغم أنهم قالوها للرئيس الذى خلعوه ثلاثين عاما إلا تسعة أشهر، فهل كان ذلك تقديرا منهم - وهم أهل الرباط - لكونه أحد أبطال حرب أكتوبر، وكان من المحتمل أن يكون فى عداد شهداء تلك المعركة المجيدة؟ «رد جميل يعنى»، رغم ظلمه البشع للفقراء وانحيازه المقيت للفاسدين، وتزوير الانتخابات النيابية والجامعية لصالح أعضاء الحزب الوطنى الفاسد، وانتشار الرشوة وضيق العيش، حتى إن عام 2009 شهد سقوط 11 قتيلا فى طوابير الخبز، وما كان من المصريين وقتها إلا مقابلة بيان دار الإفتاء بسخرية بالغة حين خرج عليهم الدكتور على جمعة مفتى الديار فاتيا بأن قتلى طوابير العيش شهداء! وقالوا نكاتا لا داعى لذكرها..لكن عندما أحسوا بأن «العم» مبارك الذى طال زواجه ثلاثين عاما سيجعلهم إرثا لولده الذى لا جميل له فى أعناقهم، بل لم يؤد الخدمة العسكرية، ثاروا عليه وعلى ولده وحزبه ونظامه؟ فهل وجد المصريون العم الجديد مرسى الذى اختاروه بحسن نية لسابق التودد والخداع باسم الدين تارة، كما يقول الفاروق عمر بن الخطاب: «من خدعنا بالله انخدعنا له»، وباسم طغيان الفقر والعوز بالزيت والسكر ولحوم الأضاحى تارة أخرى. وقد وجدوا العم الشرعى الجديد مرسى قد تشظى وانشطر وأصبح جماعة تحكم وتحول الرئيس لمجرد «نفر»، وهم الذين تعودوا على الرئيس القوى المسيطر منذ فجر التاريخ، فهم الشعب الوحيد فى عمر الدنيا الذى أرسل الله سبحانه وتعالى لرئيسهم نبيا يسانده أخ له نبيا أيضا، وأمرهما رغم قوتهما بمخاطبته بالقول اللين رغم أن موسى عليه السلام من أولى العزم من الرسل، وحاكم مصر آنذاك فرعون ثابت الطغيان بنص القرآن الكريم. فهل ثار المصريون لأن العم الجديد هو مرسى الذى تزوج أمهم ليس فردا واحدا، وإنما جماعة، وذلك إلى جوار كونه حراما شرعا، فهو شذوذ لا يليق بكرامة أمهم مصر؟ ربما وليس للغباء السياسى والقهر الاقتصادى اللذين مارسهما معهم لدرجة أن يقترح عليه جهابذة اقتصاده أن يوزع العيش على الفقراء بالبطاقة، ولكل فرد ثلاثة أرغفة طوال النهار على اعتبار أن الليل لباس يعنى نوما، والنائم فى حكم الشرع الإخوانى محرم عليه الأكل. وبمناسبة لحوم الأضاحى، فإن عيد هذا العام هو الأول الذى حرم فيه الإخوان إطعام فقراء نظام المخلوع من لحوم بهائمهم، لأنهم من وجهة نظرهم لا يستحقون سوى الحرق بالجاز الوسخ، فقد طعموا زيتهم وسكرهم ولحومهم من ذى قبل ولم يموتوا فداء لهم، ولأجل سيطرتهم على الحكم، بل سحبوا شرعيتهم التى قدموها لمرشحهم العم مرسى، وفوضوا وكلفوا الجيش - أولادهم وإخوانهم - وقائده الفريق السياسى بالتصدى للإرهاب والإرهابيين والمخربين، وأدهشوا مخابرات العالم مرة أخرى، خصوصا المخابرات الأمريكية التى فشلت للمرة الثانية بعد فشلها فى التنبؤ بحرب أكتوبر قبل ذلك فى معرفة ثورة يونيو، وقد اعترفوا بذلك..وتمضى بنا الأمثال الشعبية التى هى تراث الأمة فنقرأ المثل «ارقص للقرد فى دولته»، وقد رقص أصحاب الكروش والنصابون والأفاقون وزاد عددهم فى عهد المخلوع حتى سدوا عين الشمس، لكن لماذا لم يرقص المصريون للدكتور مرسى، رغم أنه رجل يبدو طيبا وابن حلال وكان قلبه يستشعر عن بعد موته السياسى المبكر دون أن يدرى، وقال ما أشعل سخرية الناس منه: لو القرداتى مات، القرد هيشتغل إيه؟! لكن الذى جهله الرئيس القرداتى أن الشعب المصرى ليس قردا ولا يصلح، وإلا ما خرج عن بكرة أبيه فى ثورة يونيو لإسقاط القرداتى وعزله فى قفص السيرك السياسى. ورغم أن أجمل ما فى ثورة يناير - رغم الشوائب والقاذورات التى شوهتها - ذهاب فلول نظام المخلوع، كان أسوأ ما فيها ركوب الإخوان ومن والاهم وشد أزرهم فى الداخل من جماعات الإسلام السياسى، مع التحفظ على المصطلح، وفى الخارج أمريكا وأوروبا وحلم التقسيم وتجميع أرباب الإرهاب العالمى فى قفص واحد هو مصر، وخلو بلادهم من هذا الوباء. ورغم أن أجمل ما فى ثورة يونيو إزاحة الإخوان ومعهم الحلم الصهيونى الأمريكى الأوروبى، جاء أسوأ ما فيها وهو عودة كلاب الشيطان مرة أخرى بفسادهم القديم ونباحهم الذى لا يستحيون من علو صوته، ومعهم بقايا عملاء القبح الأمريكى الذى لا يعرف اليأس فى تكرار ألاعيبه، نحو هدفه الذى كان قد اقترب بصعود نجم الإخوان. عادت الوجوه الكريهة تطل من شاشات التليفزيون الرسمى، تلك الوجوه الكواذب المتقلبة التى كانت تهتف بتوريث الحكم لجمال مبارك، بل جعل بعضهم من سب الإخوان آنذاك مصدر رزقه ورزق أولاده وبناته ومراكز دراساته. عاد النباح يطالب الفريق السيسى برئاسة مصر، وهذا ليس فى صالح الرجل، رغم حب الناس الجارف له. ونهمس فى أذنه لو كان ينتوى - بلاش ينتوى دى - إذا كان يرغب فى ذلك، نقول: هؤلاء أشد ضررا عليك من أعدائك، ولا يغرنك ادعاؤهم المحبة لك، فحب الشيطان مهما بلغ لا يدخل الإنسان الجنة. ترى هل يؤسس ذلك لثورة ثالثة تطيح بهذا الخبث والخبائث وتطهر البلاد منه، أم أن قدر مصر ثقيل ومؤلم مثل المرأة الجميلة العفيفة التى تستعصى على الفاجر فيشوه سيرتها ويستميل أحقر أولادها حتى تخضع لنزواته؟ نرجو أن تكون ثورة ثالثة تطهر البلاد وليس بالضرورة ثورة جموع الشعب التقليدية، بل يمكن أن تكون ثورة اختيار رئيس قوى أمين يخلص البلاد من حكومة مرتعشة أو تتعمد الارتعاش، فهى وبقدرة قادر جمعت فى إهابها بين الشرين والسوءين، سوء بقايا نظام المخلوع، وبعضهم زار إسرائيل مرات عديدة مثل وزير الزراعة أبوحديد، وسوء الهوى والعشق الأمريكى، ودولة عميقة يتغلغل فى مفاصلها الفساد. وكذا يطهر البلاد من تبجح سفاكى الدماء باسم الدين والشرعية المدعاة الذين يريدون خرابها والجلوس على تلها حتى لو كان تلا من جماجم المصريين. ويعود السؤال: هل خان المصريون تراثهم الشعبى حين انقلبوا على الإخوان؟ ولا أرجو أن يتنطع أهبل أو مُهَبل ويقول: اضبط ها هم يعترفون بالانقلاب علانية، لم يخن المصريون تراثهم الشعبى، بل حققوه وفى ذلك درس عظيم وموعظة لمن كان له عقل، أم على قلوب أقفالها.. الأمريكانى؟!