أشرف بدر لاشك أن مياهاً كثيرة مرت تحت الجسر قبل أن يغرق العرب فى مجاهل الأنفاق الدولية المتعرجة والشائكة، التى دخلوها إما لغباء سياساتهم، أو بمكر وحيل أعدائهم، والنتيجة وجود أكثر من مليون جندى وشرطى دولى وأممى، ونحو 5ملايين من الموظفين الأجانب الداعمين والراعين لهم على أراض عربية تحت زعم "الحماية"، علاوة على قرارات دولية متلاحقة، وحصارات ومقاطعات من دول نافذة فى الساحة الاقتصادية، واتفاقيات ومعاهدات للسلام، وأخرى لنزع الأسلحة، تضمنها أطراف دولية وإقليمية ساعية لترسيم الحدود من جديد، وإعادة الاستعمارية الإمبرالية برؤية عصر التحالفات "من ليس معنا فهو علينا ". كما وجدت التدخلات الخارجية من يناصرها ويدعمها ممن يحملون نفس هويتنا وجنسيتنا ومن بنى جلدتنا، لتعيش شعوبنا " دوامة " لا أول لها ولا آخر، وكأننا قوم نركب قطارا ممعنا فى السرعة، وجهته غير محددة، وفرامله لا تعمل! إن السؤال الذى يطرح نفسه: من منا لايفكر بمستقبله ومستقبل أبنائه؟ من منا لا يتمنى أن يحل الأمن والسلام والطمأنينة والرفاهية الاقتصادية لشعبه؟ من منا لا يتمنى أن تتوقف آلة القتل هنا وهناك؟ بالتأكيد نتمنى ذلك.. إن لم يكن كلنا فغالبيتنا، لكن الناظر فى أحوال العرب خصوصا فى هذه الأيام يرى أن تلك الأمانى بعيدة المنال، وإلا بماذا نفسر أو نسمى ما يحدث على الساحة العربية من مشاهد هى أقرب للحقائق؟ - عندما يستعين بعضنا بالأجنبى، من أجل كرسى زائل وعودة حاكم فاشل. - عندما يخرج شعب عربى ليطالب برغيف خبزه وحريته وكرامته، فترى من يحرض ويمول البلطجية والجرذان عليهم ليضربوهم. - عندما يسرق المسئولون أموال ومقدرات وجهد الشعب ثم يضعون فوق رؤوسهم بمكاتبهم " هذا من فضل ربى". - عندما يقوم الحكم فى كثير من دولنا على مبدأ "فرق تسد"، ونشر الفتنة الطائفية والقبلية، وتوجه الكثير من الدول الصديقة مواردها لخدمة هذا المبدأ، حتى يبقى الفاسدون متمتعين فى فسادهم ويبقى المجتمع مشغولا بنفسه. - عندما لا تستطيع زيارة دولة عربية إلا بتأشيرة، على الرغم من أن الأمريكى والبريطانى وغيرهما من الأوروبيين يأتون لزيارة نفس الدولة من دون تأشيرة. - عندما تعمل فى دولة عربية ومعك أجنبى أوعربى آخر يعمل فى نفس الوظيفة ولكن معه جنسية أجنبية، وترى الفارق الشاسع فى الراتب والعلاوات والمعاملة بينكما. - عندما يعين أنصاف الموهوبين والعملاء وزراء وسفراء ومدراء ورؤساء تحرير، وعندما تتآمر وسائل إعلام ضد شعوب وتنفذ مخططات شيطانية مأجورة لصالح الغير. - عندما تصدر الفتاوى من شيوخ الفتنة للتغرير بشباب العرب تحت شعار أنه من أراد الجنة منهم فعليه بالجهاد بسوريا وضد جيش مصر، وليس إسرائيل العدوة المحتلة، وعندما يصبح الدين وسيلة للكسب وتصبح تربية اللحى أولى خطوات الغنى. - عندما تصبح العلاقة بين أمريكا وبين بعض حكامنا كالعلاقة بين تاجر المخدرات وصبيانه، تظل وثيقة جدا حتى يقع الصبى فى يد الأمن، وعندها يتبرأ التاجر من صبيه.. ويتركه لمصيره.. لكى لا يلوث سمعته به. - فى استعادة ثقة شعوبها المفقودة فى أنفسهم بسبب الانقسام والتشرذم، واحتلال بعض المتآمرين مواقع الصدارة وإزاحة الشباب صانع هذه الثورات عن المشهد. - عندما يعيش السودان أصعب أيامه بعد دخوله "مرغماً" زوابع الربيع العربى، وسط تعنت وصلف من قيادة "إخوانية" مستترة جاثمة على أنفاسه منذ سنوات، ضيعت خلالها وحدته، وشطرت شماله عن جنوبه، وسلبت إرادة شعب شقيق فى العيش على ضفاف نيل خالد بسلام، وأمن وحسن جوار. - عندما يفشل "الربيع اليمنى" فى استنشاق الشعب الصامد "حرية الإرادة" ليتحول به إلى خريف مدمر بفضل أمن مستمر فى الانفلات، واقتصاد فى أسوأ مراحله، وخدمات عامة شبه معدومة واستيلاء قبائل على النفط والكهرباء، وعمليات اغتيال واسعة بمعسكرات الجيش لكبار القادة، وصمت من "حكومة وفاق" أجمع اليمنيون على فشلها الذريع. - عندما يتفق الفلسطينيون على "عدم الاتفاق" وينقسمون إلى فرق وفصائل وكتائب الأقلية منها "وطنية" والأكثرية "خائنة". - عندما يشرف الشعب اللبنانى على حالة «الموت السريرى» ، والعراقى على الفناء مع مرور كل سيارة ملغومة، والصومالى والموريتانى مع أجل كسرة خبز، وعندما تستمر قطر فى العمالة والخيانة والقتل بلا أجر. - عند اختفاء هذه المشاهد كلها سندرك أن الحلم العربى يمكن أن يتحقق ونكتب شهادة ميلاد جديدة لشعوبنا .