د. ياسر ثابت ونحن فى انتظار تغيير وزارى وشيك.. تتداعى إلى الأذهان أسئلة شائكة تتكرر مع كل تغيير وزاري، وصدمات وخيبات أمل لا نهاية لها، بسبب الوجوه التي يقع عليها الاختيار، قبل أن نكتشف خلال فترة توليها المنصب الوزاري حجم «المقلب» الذي شربناه، برغم كل الوعود باختيار الكفاءات وذوي التخصص وأهل الخبرة. إن عملية اختيار أي وزير أو مسئول تخضع في كثير من الأحيان لمجموعة من الاعتبارات سواء أكانت شخصية - هل نقول الاستلطاف؟- أم أمنية - التحقق من شخصية المرشح للوزارة من خلال الأجهزة الأمنية المعنية- أم سياسية أو اقتصادية - النشاط الواضح للمرشح، أو إمكان الاستفادة من خبراته في هذا الموقع للحاجة إلى مثل هذه الخبرات-؟ وما إلى ذلك. الأكيد أننا بحاجة إلى تغيير أسلوب وطريقة اختيار الوزراء والمسئولين، بعد أن ثبت فشل الاعتماد على الوزير أو المسئول الموظف؛ لأن اليد المرتعشة لا تقوى على اتخاذ القرارات الحاسمة ولا تملك القدرة على إدارة الأزمات. كما أن هناك ثغرة ما تتسبب في اكتشاف سجل غير مشرف أو شبهات مالية أو قانونية حول هذا الوزير أو ذاك، بعد أن يكون قد أدى اليمين، وصار الآمر الناهي في قطاع يرتبط بمصير ملايين المواطنين. ولكي نوضح ما نعنيه يمكن أن نشير إلى وقائع ربما تكون مفيدة في الكشف عن كيفية اختيار الوزراء في مصر. ولنبدأ من خط النهاية. تحذير وجهه حسين العطفي، وزير الموارد المائية والري الأسبق، إلى هشام قنديل، عقب اختياره له ليشغل منصب رئيس قطاع المياه بالوزارة، لكن الأخير رد عليه بالقول: «دي سُنّة وأنا ماشي عليها». لم يدر في خلد الاثنين أن هذه اللحية ستكون فأل خير على قنديل، الذي لم يستمر في وظيفته سوى أربعة أسابيع، ليتم إعلانه وزيرًا للري في حكومة عصام شرف، وهي الحقيبة التي احتفظ بها في حكومة كمال الجنزوري، لينتهي به المطاف إلى مفاجأة لم يكن يتوقعها شخصيًا، حيث اختاره محمد مرسي، ليكون رئيسًا للوزراء. في ظل حكومة قنديل، رأينا رجال جماعة الإخوان المسلمين وقيادات حزب الحرية والعدالة، في صدارة المشهد، وافتقد تشكيل حكومته التي شكلها في أغسطس 2012، سمة التمثيل لمختلف التيارات السياسية؛ إذ خلت من أي ممثل للتيارات الليبرالية أو اليسارية، وضمت 27 وزيرًا غير مصنف سياسيًا وتسعة إسلاميين. وأصيب كثيرون بصدمة، حين اختير علاء عبدالعزيز، وزيرًا للثقافة في تعديل وزاري على حكومة قنديل؛ إذ لم يكن معروفًا داخل الحقل الثقافي أو خارجه، أما إنجازه فلا يتجاوز بضعة مقالات في جريدة «الحرية والعدالة»، والمشاركة في تظاهرات ضد رئيس أكاديمية الفنون. بدا تعيين علاء عبدالعزيز، المدرس المعهد العالي للسينما بأكاديمية الفنون، أكبر تحدٍ لمثقفي مصر منذُ اندلاع ثورة 25 يناير، خصوصاً في ظل حروبه غير المبررة ضد وجوه ثقافية، فضلاً عما أثير حول اسمه وسجله من شبهات. وقبل ذلك، هبت على الحكومة رياح رجال الأعمال. فعلى سبيل المثال، فإن حكومة نظيف الثانية ضمت كلاً من وزير السياحة زهير جرانة، الذي يمتلك وأسرته شركة سياحة كبرى ومجموعة من الفنادق، ووزير النقل محمد لطفي منصور، وهو وكيل عدة شركات أبرزها «جنرال موتورز» في مصر، ووزير الصحة حاتم الجبلي، الذي يمتلك أكبر المستشفيات الاستثمارية في مصر «دار الفؤاد»، ووزير الزراعة أمين أباظة، الذي يعد من أبرز مصدري القطن المصري، وظل رئيسًا لاتحاد مصدري القطن حتى عام 2005. وفضلاً عن كونهم من رجال الأعمال البارزين، فإنهم أبناء أسر مصرية معروفة، كما أن بعضًا منهم أبناء لوزراء سابقين، فمثلاً وزير السياحة زهير جرانة، هو حفيد زهير جرانة باشا الوزير سابقًا في عهد الملك فاروق، ووزير الصحة حاتم الجبلي، هو ابن وزير الزراعة الأسبق مصطفى الجبلي، وأمين أباظة وزير الزراعة، هو سليل «الأسرة الأباظية» الشهيرة التي قدمت شخصيات مرموقة في السياسة والفن والأدب، وهكذا ضمت حكومة نظيف الثانية أبناء ثماني عائلات عريقة، تأتي في مقدمتها عائلات أباظة ومحيي الدين (محمود محيي الدين، وزير الاستثمار) وغالي (يوسف بطرس غالي، وزير المالية). وانضم هؤلاء إلى وزيري الصناعة والتجارة (رشيد محمد رشيد) والإسكان (أحمد المغربي) والذي كان مسئولاً عن حقيبة السياحة في التشكيل الأسبق؛ إذ شغل رشيد قبل دخوله الوزارة منصب المدير المسئول عن منطقة الشرق الأوسط وآسيا وشمال إفريقيا، في شركة يونيليفر العالمية التي تعمل في مجال الصناعات الغذائية والمنظفات. أما المغربي، الرئيس السابق لاتحاد الغرف السياحية، فقد وقع اختيار نظيف عليه لشغل منصب وزير السياحة في حكومته الأولى بعد تردد بسبب جنسيته المزدوجة، حيث يحمل الجنسيتين السعودية والمصرية. وفي حكومة نظيف الثانية اختير المغربي وزيرًا للإسكان. وفي ظل تشابك المصالح وشبكة المصاهرة والقرابة، تبدو الصورة أكثر تعقيدًا من مجرد الحديث عن رجال أعمال في مواقع السلطة. نتوقف هنا قليلاً لنشير إلى زواج ابنة رشيد محمد رشيد، في عام 2006، من أمين، نجل رجل الأعمال السعودي البارز عاكف المغربي، وهو بالمناسبة شقيق المهندس أحمد المغربي. ولا يفوتنا أن نشير أن المغربي هو ابن خالة محمد لطفي منصور، وزير النقل سابقًا، وأن الأمر لا يقتصر على صلة القرابة، وإنما تجاوزه ليصل إلى الشراكة في الكيان الضخم «المنصور والمغربي»، الذي يجمع سلسلة شركات في مجالات كثيرة. إن المصاهرة وعلاقات النسب والانتماءات الجغرافية لها تأثير واضح على خارطة المناصب الحكومية، والحكومة نفسها ليست استثناء من تلك الظاهرة. ويرى البعض أن سيطرة هذه القيمة على قادة ونخبة ثورة يوليو ترجع إلى نقص خبرتهم السياسية، الأمر الذي أدى إلى استعانتهم بمعارفهم وأقاربهم. دعونا لا ننسى دور الجهاز البيروقراطي الذي تسيطر عليه المحسوبية والعلاقات الاجتماعية والذي بدأ العمل به عبر تولي علي صبري، رئاسة الوزراء في عهد عبدالناصر، وسيد مرعي، وزير الزراعة؛ يربط بين علي وسيد رباط القرابة، حيث إنهما ابنا خالة؛ ومحمد فائق، وزير الإعلام في عهد عبدالناصر، متزوج من ابنة أخت علي صبري؛ وسعد زايد، وزير الإسكان، وحلمي السعيد، وزير الكهرباء، كانا متزوجين من أبناء وزير وفدي سابق وهو مرسي فرحات، فقد تزوج السعيد من سعاد مرسي فرحات، وكذلك زواج شقيق حلمي السعيد، المهندس عز الدين يونس، عضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق من سامية شعراوي جمعة، ابنة شعراوي جمعة، وزير الداخلية؛ ومحمود رياض، وزير الخارجية، له صلة قرابة بمحمد فوزي، وزير الحربية كما أنه قريب زوجة سامي شرف، سكرتير عبدالناصر. امتدادًا لهذا التأثير والدور الكبير في العلاقات غير الرسمية في عملية الاختيار للمناصب، انتقلت الظاهرة إلى عهديّ السادات ومبارك؛ إذ إن عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق في عهد السادات، حرمه هي ابنة خالة زوجة طلعت سميح، وزير العدل الأسبق في عهد عبدالناصر. ووزير الزراعة أمين أباظة زوجته عمها يوسف والي، وزير الزراعة في عهد مبارك. وبالنسبة للسادات، فقد تزوجت ابنته الثانية من حسن ابن سيد مرعي، وزير الزراعة في عهد عبدالناصر، ورئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب في عهد السادات. أما الابنة الثالثة فقد تزوجت محمود عثمان بن عثمان أحمد عثمان، وزير الإسكان ونائب رئيس الوزراء في عهد السادات. وبالنسبة لعبدالناصر، فقد تزوجت ابنته منى من أشرف مروان، مدير مكتب عبدالناصر والسكرتير الخاص للسادات، وتزوج خاله من ابنة سمير فهمي، رجل الاقتصاد والخبير البترولي ووالد سامح فهمي، وزير البترول في حكومة أحمد نظيف. لقد جرى مبارك على سُنة سيئة باختيار المسئولين على أساس «فني» وليس «سياسيًا»، ولم يكن في نظام مبارك ما يعرف بالوزير أو المسئول السياسي إلا فيما ندر، بل كانت الكثرة الغالبة من الوزراء والمسئولين - في المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية - من التكنوقراط، فيهم الصالح والطالح، المجيد والعاجز، فيهم من أساء استغلال منصبه وفيهم من أرضى ربه وضميره. واستفاد عاطف صدقي من شلة باريس، وبينهم أحمد فتحي سرور (التربية) ومحمد الرزاز (المالية) وفاروق حسني (الثقافة). فأما سرور فقد فشل في موقعه كوزير للتربية في الفترة من 11 نوفمبر 1986 إلى 12 ديسمبر 1990، وقيل أيامها إنه صاحب بدعة الدفعة المزدوجة التي ضاعفت من قوة الدروس الخصوصية وأباطرتها في مصر. أما الرزاز، فقد كان صديقًا مقربًا من صدقي حتى قبل الوزارة، وكثيرًا ما كانا يقضيان أوقات فراغهما في لعب الطاولة (النرد). والطريف أن الرزاز كان أول من استدعاه صدقي عندما علم بنبأ تكليفه بتأليف الحكومة في مطلع يناير 1986، وجلس معه نحو نصف ساعة في مجلس الوزراء قبل أن يتوافد عدد من الوزراء الذين اشتموا رائحة التغيير الوزاري، ورأوا أنه من الضروري أن يذهبوا إلى صدقي لمعرفة الخبر اليقين! على أن صدقي عاد بعد سنواتٍ طويلة ليتبرأ من اختياراته؛ إذ أكد - ربما نتيجة خلافاتٍ لاحقة مع وزير الثقافة - أنه لم يكن صاحب اختيار فاروق حسني لهذا المنصب بشكلٍ مباشر، وقال إنه كان قد وضع اسمه في الترتيب الرابع أو حتى الخامس بعد أسماء أخرى رشحها، قبل أن يحسم مبارك الأمر ويختار فاروق لهذا المنصب. أما أطرف وأغرب الاختيارات لمنصب الوزارة فقد جاءت من رفاق السجن والزنزانة! فقد اختار الرئيس أنور السادات، رفيق السجن في قضية اغتيال أمين عثمان، لمنصب وزير الخارجية. وقد أشار الرئيس المصري الراحل إلى محمد إبراهيم كامل، ووسامة هذا السجين الأشقر في مذكراته «البحث عن الذات». الطريف أيضًا أن محمد إبراهيم كامل، يروي في مذكراته أنه كان في زيارة لوالدته في حي الزمالك في 25 ديسمبر 1977، قبل أن يعود إلى منزله في حدود الساعة 5:30، ليفاجأ بزوجته تبلغه بأن الراديو والتليفزيون قد أذاعا نبأ تعيينه وزيرًا للخارجية خلفًا للوزير السابق إسماعيل فهمي. في عهد الملك فاروق، دخل الوزارة قوادون وجلساء سوء، إلى الوزارة أشخاصٌ أهم مؤهلاتهم أنهم يملكون القدرة على إضحاك الملك. هنا يبرز اسم كريم ثابت، المستشار الصحفي للملك، الذي عُيّن في حكومة حسين سري لأنه «عند الملك فرخة بكشك»، كما يقول صلاح الشاهد في مذكراته «ذكرياتي في عهدين».